بعد أنْ تشمّر أبناء ليبيا الأحرار ، وبعد أنْ هاج الأشاوس من أبناء عمر المختار ، وبعد أن تفجر بركان غضبهم ، وبعد أن اضطرم نيران أوارهم ، على من تمادى في غيّه ،واسترسل في طغيانه ، وعاث في البلاد فسادا وخرابا ، وفي العباد استرقاقا واستعبادا .
أجل يا أحرار العالم ، بعد أن طاش بالقذافي الدجال الغُرور، وأخذته العزة بالإثم ، وتعدّى على حدود الله ،وسنة رسول الله ، ورمى الشعب الليبي الحر عن قوس العداوة والبغضاء ، بغيا وظلما وزورا وبهتانا وعدوانا ، لمْ يبق ريب في أن هذا الطاغوت الدجال ، قد سقط سقوط هُبل ، وتحطّمَ تحطُم الجُلْمود المُنْحدِر ، وانكشف انكشاف الكذاب الأشر ، فإلى جهنم التي لا تبقي ولا تذر ، عليها تسعة عشر . فالمواجهات ضروس ، بين شعب حر أبيّ أعزل ، وطاغية مجرم يائس ، من رحمة الله آيس ، لا يرعوي ولا يخجل ، يذبّح أبناء الشعب ، ويحرق الأخضر واليابس ، مواجهات تهتزّ لها أعصاب الأمم الأبية ، وتندى لها أجْبُنُ الشرفاء ، ولكن مهلا رويْدا فإنّ للجبابرة جولة ، ثم تزول زوال فرعون والنمرود ، وإن للطواغيت دولة ثم تدول ، فتنقشع الظلمة ، ليعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون .
أجل أيها العرب الأحرار ، لا أخال عربيا حرا أبيا شهما ، ينظر أو يسمع لما يحدث في شعب ليبيا من هذا المجرم السفّاح ، وهذا الحاقد اللئيم ، الذي يكره العرب ويمقت الإسلام ، ويحرّف دين الله ، ثم لا تأخذه هزة الغيْرة على هذا الشعب الذي عقد البيعة وابرم الميثاق ، على استئصال شأفة الظالم وتقويض أركانه ، وإنه فاعل بإذن الله ، وإنه لمنتصر ، لأنّ سنة الله اقتضت أن تدافع عن الذين آمنوا ، والذين استضعفوا في الأرض ، والذين قالوا ربنا الله ، وعلى ربهم يتوكلون ، وللذين يتشدقون ويتخرصون ، نقول لهم :أيْن أنتم من قوْل عمر ؟ الذي قال في مجلس يحضره المهاجرون والأنصار : أرأيْتم لو ترخصت في بعض الأمور ( أيْ تساهلت في شأن من شئون الشريعة والحقوق ) ما كنتم فاعلين ؟ فسكتوا ، فقال ذلك متين أو ثلاثة ،فقال بشير بن سعد : لو فعلت ذلك قومناك تقويم القدح ( وهو السهم المعوجّ قبل أن يُراش ويُنصل ) فقال عمر أنتم إذن أنتم إذن ، استحسانا لقولهم ، وكذلك القصة المشهورة عنه رضي الله عنه ، يوم خاطب الناس قائلا : أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجا فليقومه ، فقام رجل فقال : والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا ، فقال عمر : الحمد لله الذي أوجد في المسلمين من يقوم اعوجاج عمر بسيفه .
وليعلم العرب الأحرار ، قاعدة لا شك فيها ولا ريب ، أن تأسيس البناء وتأثيله وتأصيله ، لا يقوم على أساس فاسد ، وإنّ إدارة الحكم لا تقوم على حاكم حاقد ، وإذا كان ذلك كذلك لا بدّ من هدم البناء ، وتقويض دعائم الحاكم الفاسد .
فقوموا يا أبناء ليبيا الأشاوس على أمشاط أرجلكم ، وهبوا هبّة رجل واحد ،فها هي الشمس تطلع من مشرقها ، وها هي اللحظة الحاسمة ، كي تتخلصوا من طاغوت طالما استعبد العباد وخرّب البلاد ، وإني أراه كما أرى الشمس ، يتهاوى في جرف هارٍ ، إلى جهنم وبئس المصير ، وإن غدا لناظره لقريب ، أليس الصبح بقريب ؟
أجل أجل أجل ، يا أحفاد عمر المختار ، أقيموا الجدار ، فتحته كنز لكم ، فأبوكم صالح ، أجل أجل أجل ، يا من صبرتم طويلا ، اقتلوا الطاغوت ، قبل أن يرهقكم طغيانا وظلما ، أجل أجل أجل ، يا أصحاب البحر أخرقوا السفينة قبل أن يأخذها الطاغوت غصبا .
هيهات هيهات ، ثم هيهات هيهات ، أن تثمر أخشاب النعش أو تزهر ، ففاقد الشيء لا يعطيه ، ولقد طال الأمد على لُبد ، ونفد الصبر على هؤلاء الطواغيت ، لقد سمعنا لجبا ، وشهدنا عجبا ، وأدركنا الحجج ، وبلغ السيل الزبد ، وكاثر ظلم الطواغيت عدد الحصى عند جمرة العقبة ، وليت شعري هل شمس الضحى تحجبها الغرابيل ؟ نعم حماة الديار ، لقد آن أوان التغيير ، فإلى تقرير المصير ، ولو على أسلات الرماح نسير ، ولو على أفواه المدافع أجسادنا تطير .
وإلى شهدائنا شهداء الأمة الأبية ، الرحمة والمغفرة ، وإلى ذويهم عظيم الأجر الثواب ، ولقد وعد الله الشهداء بحياة عنده ، لأنهم ماتوا لإحياء أمة ، ووهبوا أرواحهم ، من أجل الله ورضوان الله ، و الله لا يرضى الضيم ولا الظلم ، وقد حرمه على نفسه ، وجعله بيننا محرما .
وإلى الذين يرقصون على أحزانهم أقول : إنّ لكل أمة ميلاد ، ولكل ميلاد مخاض ، ولا بدّ للمخاض من دم ، فإلى متى التصفيق والرقص لهؤلاء الطواغيت ؟ وإلى متى الخنوع ؟ وإلى متى الاستكانة والذل ؟ وإلى متى استمراء الذل ؟ والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، إلى متى السكوت عن نهب خيرات البلاد ؟ إلى متى الركوع لمن استقوى بالأجنبي على العباد ، وعاث في الأرض الفساد ، إلى متى ؟ إلى متى ؟ إلى متى يا أمة خير العباد؟ يا أمة خير الأنام ومصباح خير الظلام ، قوموا قيام ،اكسروا القيد واكشفوا الظلام ، وانشروا في الأرض السلام ، فها هو طاغوت ليبيا يتهاوى ويرقص رقص الذبيحة ، ولم يبق إلا سويعة من نهار .