إذا لم تقرأ القيادات الفلسطينية، على مختلف اتجاهاتها، مقابلة الرئيس الأميركي مع الصحافي جيفري غولدبيرغ يوم 27 شباط 2014، قبل عقد القمة الأميركية الإسرائيلية يوم 3/3/2014، إذا لم يقرؤوا ذلك، ويفهموه ويستخلصوا النتائج منه، يكونون غير قادرين على اتخاذ السياسات التي تخدم شعبهم، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
يقول أوباما: "إننا نعتقد أنه في صلب مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين، بل ومصلحة الولايات المتحدة والعالم، أن يتم التوصل إلى إطار عمل لمفاوضات، يمكن أن تسفر فعلاً عن حل الدولتين، ما يوفر الأمن للإسرائيليين والدولة للفلسطينيين"، ويصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقوله: "أعتقد أن لا أحد سيجادل في أنه مهما تكون لديك خلافات معه، فقد أثبت أنه شخص ظل ملتزماً باللاعنف وبالجهود الدبلوماسية لحل هذه القضية، وأعتقد أن هذه نوعية نادرة، في الشرق الأوسط عموماً، حيث تكون قد حصلت على شريك من الجانب الآخر، مستعد للتفاوض بجدية، ولا يشارك في الخطابة الجامحة التي كثيراً ما تُشاهد في العالم العربي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وأظهر نفسه ملتزماً بالحفاظ على النظام داخل الضفة الغربية، وبالتعاون مع الإسرائيليين حول مشاغلهم الأمنية، ولذلك إذا لم نغتنم هذه اللحظة، فأعتقد أن ذلك سيكون خطأً كبيراً"، خاصة وأن الفلسطينيين "ما زالوا يفضلون السلام، أنهم يفضلون دولة خاصة بهم، تمكنهم من العثور على وظيفة، وإرسال أطفالهم إلى المدارس، والسفر إلى الخارج، والذهاب والمجيء من العمل دون الشعور كما لو أنهم محددون أو مقيدون كشعب، وهم يدركون أن إسرائيل لن تذهب إلى أي مكان، لذلك أعتقد فعلاً أن الأصوات من أجل السلام داخل المجتمع الفلسطيني، ستكون أقوى مع وجود اتفاق إطاري، وأن موقف أبو مازن سيتعزز في وجود إطار للمفاوضات".
وحول الأمن الإسرائيلي يقول أوباما: "إن جزءاً مما قام به جون كيري، هو البحث في احتياجات إسرائيل الأمنية، بمساعدة الجنرال جون ألين، القائد السابق في أفغانستان، وقد طورا اعتماداً على محادثات أجرياها مع قوات الدفاع الإسرائيلية، حول احتياجات إسرائيل الدفاعية، وتوصلا إلى خطة للكيفية التي سيتم بها التعامل مع وادي الأردن، وكيف يمكن التعامل مع التهديدات المحتملة التي يمكن أن تواجه إسرائيل، وذلك عبر طريقة، أو طرق لم يسبق لها مثيل في التفاصيل، ولا سبق لها مثيل في النطاق، وهدفها تلبية الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية".
ويصف الوضع في المنطقة على أنه معقد وصعب للغاية، ومع ذلك يقول الرئيس أوباما: "إن الوضع في العالم العربي لن يتحسن، والمشاكل لن تحل نفسها بنفسها، والمشكلة التي تواجه إسرائيل لن تزول وحدها، سيكون هناك المزيد من الفلسطينيين، وهم لن يقلوا مع مرور الوقت، وسيكون هناك المزيد من العرب الإسرائيليين، وهم لن يقلوا، مع مرور الوقت".
وحول معالجة إسرائيل لهذا الوضع يقول أوباما: "لم أسمع حتى الآن رؤية مقنعة لكيفية نجاة إسرائيل، وكيف ستعيش بسلام مع جيرانها في غياب اتفاق سلام مع الفلسطينيين، والتوصل إلى حل الدولتين، لم يقدم لي أحد سيناريو معتدا به، الشيء الوحيد الذي سمعته من الإسرائيليين هو: سنستمر فقط في القيام بما نقوم به، وسنتعامل مع المشاكل عند ظهورها، وسنقوم ببناء المستوطنات حيث نستطيع، وحيث تكون مشاكل في الضفة الغربية، سنتعامل معها بشدة، سوف نتعاون مع السلطة الفلسطينية، أو نحتويها، مع ذلك، فإنني – يقول أوباما - لا أرى حلاً فعلياً للمشكلة، هل سيبقى الاحتلال دائماً للضفة الغربية؟؟ هل ستطبق سياسات أكثر تقييداً لحركة الفلسطينيين؟؟ هل سيتم وضع قيود أكثر على العرب الإسرائيليين؟؟ يسأل الرئيس أوباما، ويصل إلى نتيجة بقوله: "على رئيس الوزراء نتنياهو أن يجيب حول إذا كان لا يعتقد أن التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله من قبل إسرائيل، فعليه أن يُفصح عن نهج بديل، والواقع أنه يصعب الخروج ببديل من الممكن أن يكون معقولاً؟!".
ويسأل جيفري غولدبيرغ، الرئيس أوباما: إذا واصلت إسرائيل بناء المستوطنات، دون أي اعتبار للآثار التي يخلفها ذلك على عملية السلام، فهل ستواصل الولايات المتحدة موقفها الخطابي؟ أم سيؤثر ذلك على موقفها في طريقة التصويت لدى الأمم المتحدة؟ أو في المساعدات التي تقدمها لإسرائيل؟ فيجيب أوباما: "إن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل لا يخضع للخلافات السياسية، إنه التزام بصلابة الصخور، وأعتقد أن المودة التي يشعر بها الأميركيون نحو إسرائيل، والروابط والدعم الأميركي نحو إسرائيل لن تتأثر، ولذلك، ليس من الواقعي، ولا هي رغبتي، تغيير الالتزامات الأساسية التي لدينا تجاه إسرائيل خلال الفترة المتبقية من إدارتي أو الإدارة المقبلة، ولكن إذا وصل الفلسطينيون إلى الاعتقاد، أن إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، ومتصلة جغرافياً، لم يعد في تناول اليد، فإن قدرتنا على إدارة (ومعالجة) التداعيات الدولية ستكون محدودة، وهذا يعني أن إدانة المجتمع الدولي، يمكن أن تترجم إلى عدم تعاون عندما يتعلق الأمر بالمصالح الأمنية الرئيسية، وهو يعني انخفاض تأثيرنا، كأميركيين، في القضايا التي تهم إسرائيل".
لا يوجد أوضح مما قاله أوباما حول العلاقة الأميركية الإسرائيلية، وتأكيد التزام واشنطن نحو تل أبيب، وأن الرهان على تغيير أميركي في المدى المنظور، أمر مستبعد، رغم عدم الرضا الأميركي من سياسة إسرائيل، ورؤية الرئيس أوباما، من فشل أكيد لسياسات نتنياهو، بل ولمجمل السياسة الإسرائيلية، التي وصلت أو ستصل إلى الطريق المسدود، وأن هذه السياسة ستؤدي إلى الفشل الدبلوماسي الأميركي أمام المؤسسات الدبلوماسية، وستفقد واشنطن قوة تأثيرها، وعجزها عن توفير الغطاء أو الدعم الأميركي للسياسة الإسرائيلية لدى المؤسسات الدولية.
وحصيلة ذلك يجب أن يكون مفهوماً وهو أن الفعل الفلسطيني يجب تركيزه باتجاه اختراق المجتمع الإسرائيلي، أكثر من تلك الجهود التي تستهدف تغيير المواقف الأميركية والأوروبية على أهميتها.
المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، حتى ولو بدا ضعيفاً أمام قوة المشروع الاستعماري العنصري الإسرائيلي، ولكنه يملك عناصر قوة، تؤهله للانتصار، لأن 1- أصحاب المشروع من الفلسطينيين ما زالوا متمسكين بأرضهم ووطنهم وحقوقهم سواء في مناطق 48 أو مناطق 67، و2- لأن قضيتهم عادلة ومجسدة في قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار العودة واستعادة الممتلكات 194، وقرار التقسيم والدولة 181،
و3- يملكون شجاعة اختراق المجتمع الإسرائيلي، ومحاولة كسب انحيازات إسرائيلية لعدالة قضيتهم وشرعية مطالبهم، بينما فشل المشروع الاستعماري الإسرائيلي من كسب ولو شريحة فلسطينية واحدة لصالحه، لأنه بكل بساطة يقوم على الظلم والعنصرية ورفض الآخر وهذا سبب إخفاقه وإحساسه بعدم الشرعية، رغم مصادر القوة التي تملكها إسرائيل مقارنة مع الإمكانات المتواضعة المتوفرة لفلسطين.
h.faraneh@yahoo.com