أقدمت الحكومة الأردنية في السنوات السابقة، على استحداث برامج عملية من أجل اصلاح النظام القضائي، وتحديثه وتطويره، من خلال رفده بعقول شابه تمتاز بالتفوق والذكاء، عن طريق استقطاب الأوائل على صعيد خريجي كليات الحقوق في الجامعات الأردنية، ومن خلال استحداث برنامج أطلق عليه «قضاة المستقبل» فتح من أجل ابتعاث عدد من المتفوقين وأصحاب المعدلات العالية في الثانوية العامة لدراسة القانون، ومن ثم تأهيلهم من خلال المعهد القضائي، وتم اجراء تنافس تحت اشراف وزارة العدل، وجاء عدد لا بأس به من أصحاب التحصيل المرتفع، حيث أن بعضهم فضل هذا البرنامج على بعثة لدراسة الطب.
تغيرت الحكومة، وتغيرت فلسفة تطوير القضاء، وجاء من يطعن بصحة هذا البرنامج ويثير حوله الشبهات، وتم ايقاف البرنامج وتعطيله، وهناك نية تتجه نحو تعديل النظام من أجل العصف بمستقبل هؤلاء الذين درسوا وتخرجوا على نفقة الحكومة، وتتجه الحكومة للتخلي عن التزامها تجاه هؤلاء الخريجين الذين حسموا اختيارهم ومستقبلهم، بناءً على هذا الإلتزام الحكومي وبناءً على الوعود التي أطلقت لحظة ولادة هذا البرنامج.
فكرة تطوير القضاء فكرة رائدة وجريئة، وفكرة البرنامج تنتمي لعالم الإبداع وتشكل خطوة تطويرية متقدمة، إذ استطاع أن يجتذب نخبة من أبنائنا من فئة التحصيل العالي فوق(90%)، ومن المؤهلين لدراسة الطب والهندسة، ومن أصحاب المواهب العلمية، وهذا فعلاً ما نحتاجه، وإذا كان لبعض المسؤولين أو بعض أصحاب الخبرة في المجال القضائي شيئاً من الاستدراك، أو بعض الملاحظات فيمكن تدارك هذه الملاحظات، واتمام بعض النقص من خلال حوار مسؤول وجدي يهدف إلى تحري الحقيقة وتحقيق المصلحة، دون أن يصل الأمر إلى اتخاذ خطوات انفعالية أو قرارات غاضبة غير مدروسة تلحق الضرر بأبنائنا الذين التحقوا بهذا البرنامج بطريقة رسمية صحيحة، وعبر منهج موثق من الحكومة ومن وزارة العدل.
الأردن كله ضحية لتعاقب الوزارات السريعة، وتغيير الوزراء، وأصبح مستقبل الأردن ومستقبل الأجيال أسيراً للاختلاف في مزاج الوزراء، وضحية للعلاقات الشخصية، حيث يقول مسؤول كبير في وزارة العدل لهؤلاء الخريجين الضحايا: (نحن لسنا ملتزمين معكم بشيء، اذهبوا إلى فلان، «وذكر اسم وزير سابق» لينفذ لكم التزاماتكم)!!.
أعتقد أن هذا المنطق مرفوض، وهؤلاء الذين جاءوا والتحقوا ببرنامج قضاة المستقبل،علاقتهم مع الدولة، ومع مؤسسات محترمة، وليس مع أشخاص! وهم أردنيون أبناء أردنيين، رهنوا مستقبلهم بهذا المسار، فلا ذنب لهم، ولا يجوز معاقبتهم من أجل معاقبة وزير سابق، ووزارة العدل معنية بحفظ العدل، وحفظ حقوق المواطن الأردني، وحفظ كرامة الأردنيين وأبنائهم.
الحكومة ووزير العدل معنيون بحل هذه المشكلة ومعنيون بتنفيذ التزام الحكومة تجاه هؤلاء، وإذا أرادت وقف هذا البرنامج فليكن ذلك متعلقاً بالمستقبل، وليس بحق الذين التحقوا ودرسوا، وتم توقيعهم على كفالات مالية مرتفعة تزيد عن (36) الف دينار للطالب الواحد، حيث يمثل ذلك خرقاً للعهد ونقضاً للميثاق.