أقصى ما كان يحصل عليه في بريطانيا لقطة تلفزيونية أو صورة خاطفة وهو في طريقه للمحكمة، بينما في عمان الأمر مختلف تماما. جلسات المحاكمة الأسبوعية لأبي قتادة تحولت لمؤتمرات صحفية دورية، يتحدث الرجل فيها بوصفه ناطقا إعلاميا باسم تنظيم القاعدة؛ يعلق على التطورات الجارية في سورية، ويوجه رسائل للمقاتلين هناك، ويتدخل لحل الخلافات بين "داعش" وجبهة النصرة، ويعطي فتاوى بالجهاد، ويهاجم المعارضة السورية المشاركة في مؤتمر جنيف2. وفي بعض الأحيان يعرج على الأوضاع في العراق، ويرد على أسئلة الصحافيين بكل أريحية.
وفي جلسة المحاكمة الأخيرة، وسع"أبو قتادة" من دائرة عملياته لتشمل لبنان، فكال الاتهامات لحزب الله، محملا إياه المسؤولية عن التفجيرات التي يشهدها لبنان.
باختصار يطل "ابوقتادة" على وسائل الإعلام للحديث في شؤون الساعة اقليميا وعربيا أكثر من معظم المسؤولين الحكوميين أصحاب الشأن.
مًن من قادة تنظيم القاعدة في العالم حلم يوما بعقد مؤتمر صحافي أسبوعي، وأين؟ في قاعة المحكمة العسكرية حيث يحاكم بتهم التخطيط لعمليات إرهابية سبق أن دين فيها غيابيا قبل سنوات.
"أبو قتادة" كما قلت متهم والمتهم بريء إلى أن تثبت ادانته، والمفترض أنه يحضر أسبوعيا للمحكمة لحضور جلسات استماع الشهود وبينات الدفاع والنيابة. وقد تسلم الأردن المتهم المذكور من بريطانيا بعد مداولات طويلة بين البلدين، ضمن الأردن بموجبها محاكمة عادلة له، لكن لم نسمع أن في مذكرة التسليم مايشير إلى حق المتهم بعقد مؤتمر صحفي أسبوعي بوصفه ناطقا رسميا باسم تنظيم القاعدة.
لقد حوكم العشرات من المتهمين من قبل في قضايا أمن الدولة، ولم تتح لهم فرص الحديث مع وسائل الإعلام كما هي متاحة اليوم لأبي قتادة. كان بعضهم يصرخ ويشتم من داخل القفص، وتلتقط وسائل الإعلام عباراتهم، لكن المعنيين بالأمر كانوا يتدخلون لمنع التجاوزات على أصول المحكمة، وأحيانا يأمر القاضي بإخراج المتهم من قاعة المحكمة.
المتابعون لمحاكمة أبو قتادة لاحظوا مبكرا أن هناك تسهيلات استثنائية للرجل تتجاوز ما هو متفق عليه مع بريطانيا. وذهب آخرون إلى القول إن جهات رسمية يروق لها مداخلات منظر التيار السلفي مادامت تصب في طاحونة الخلاف المتفاقم بين أجنحة التيار، والمنقسم حيال الولاية على المجاهدين في سورية. والمعروف أن منظري التيار الأبرز في الأردن يساندون جبهة النصرة في صراعها مع تنظيم دولة العراق والشام"داعش". وينظر إلى"النصرة" بوصفها التنظيم الأكثر اعتدلا إذا ماقورن بداعش التي ترتكب أعمالا فظيعة في سورية والعراق.
إذا كان هذا التخمين صحيحا، فإنه يحمل في طياته مخاطر تتجاوز المنافع المحدودة منه. فهو من ناحية يمنح منظرا بارزا لتنظيم القاعدة فرصة مخاطبة أنصار التنظيم في كل مكان، وحشد طاقاتهم في مواجهة لن يكون الأردن بمنأى عنها في وقت قادم. ومن ناحية أخرى يجعل من محاكمة أبو قتادة قضية رأي عام تثقل كاهل القضاة، وقد تضغط عليهم عند اتخاذ القرار.
أبو قتادة مثل أي متهم يستحق محاكمة عادلة، لامنصة لتنظيم القاعدة