أخبار البلد -
رسالة التطمين التي حملها رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، لمجلس النواب أول من أمس، بتأكيده على عدم أوّلية تعديل قانون الانتخاب، وتقديمه قانوني البلديات والأحزاب عليه، هي بمثابة تراجع واضح وصريح من قبل الحكومة عن الإشارات التي كانت قد صدرت عنها سابقاً بخصوص السير في إنجاز القانون، ابتداءً من الحكومة، وانتهاءً بديوان التشريع والرأي!
لم تشفع هذه الرسالة للرئيس أمام النواب، ولا إشارته الضمنية إلى عدم استعجال الحكومة لتقديم قانون الانتخاب خلال الدورة البرلمانية الحالية، كما كان مفترضاً؛ إذ جاء الردّ قاسياً، هذه المرّة، من سعد هايل سرور، رئيس مجلس النواب السابق، عندما اعتبر أن إعداد القانون، بحدّ ذاته، يضع المجلس "تحت تهديد وجود قانون جاهز، والتلويح بحل المجلس"!
خلاصة الرسائل المتبادلة أنّ الرئيس يدرك تماماً أنّ تمرير قانون انتخاب في الوقت الراهن عبر هذا المجلس، أمرٌ في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً، بعيداً عن موقف الدوائر الرسمية الأخرى تجاه مشروع القانون، أو حتى دفع الحكومة به إلى قبّة البرلمان حالياً. فهنالك مزاج نيابي متخوف تماماً من إعداد أي قانون، يقوده اتجاه محافظ داخل القبة وخارجها، يربط هذا التعديل بخطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وبمنح أبناء الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين حقوقاً مدنية!
هذا وذاك، في حال افترضنا أنّ دوائر القرار الأخرى رفعت "الفيتو" فعلياً عن تغيير قانون الانتخاب، والخروج من مصيبة "الصوت الواحد والدوائر الفرعية". وهو افتراض، في ظنّي، ما يزال ضعيفاً، لا نجد ما يؤيّده!
من الواضح أنّ النواب تلقوا "تطمينات متعددة" تتجاوز الرئيس، ما هدّأ من مخاوفهم وقلقهم تجاه قانون الانتخاب. ومن الواضح، كذلك، أنّ مشروع القانون الذي يريد الرئيس أن يسجّله باسمه، ويدفع به بقوة وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، د. خالد كلالدة، وهو مستلهم من مخرجات لجنة الحوار الوطني، هو (مشروع) قانون لن يرى النور قريباً، وسيبقى في أدراج الحكومة، وسيماطل به مجلس النواب، ليس مع هذه الدورة، بل التي تليها والتي تليها!
هل تراجع الرئيس يقف عند هذه الحدود؟ ربما يتجاوزه إلى الموضوع الجدلي الآخر، والمتمثّل في منح أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين حقوقاً مدنية. إذ تتحدث أوساط الحكومة عن تحجيم هذه الحقوق في الصحة والتعليم فقط، من دون حقّ العمل!
تراجع الحكومة، كما يشي بعض التسريبات، يصل إلى مشروع القانون المعدل لجوازات السفر، بما يقيّد منح وزير الداخلية الحقّ في إصدار جوازات سفر مؤقتة بلا أرقام وطنية، لحالات خاصة. فبالرغم من مرور القانون عبر مجلس النواب، وإقراره في اللجنة القانونية في مجلس الأعيان، إلاّ أنّ هناك اتجاهاً سياسياً يرى ضرورة تخفيض مدّة الجواز إلى عامين فقط، ما قد يدفع إلى مراجعة هذا البند قبل عبوره مرحلة إقرار مجلس الأمة!
المعطيات الأخيرة تؤشّر على أنّ ثمّة قراراً في "مطبخ القرار" اتُخِذَ، فعلاً، بتخفيض مستوى السجال والتفاعلات والتوقعات التي ترتّبت على ربط اتجاهات محافظة وسياسية ما بين تعديل قانون الانتخاب ومنح الحقوق المدنية وتعديل قانون الجوازات من جهة، وبين مشروع كيري من جهة أخرى، وما سبقه من مخاوف وهواجس لدى هذه الاتجاهات.
ربط هذه "الخطوات" ببعضها، برأيي، هو ربط متعسّف، وفيه مبالغة كبيرة. لكن صدور بعض الرسائل عبر شخصيات لها مكانتها الاعتبارية والدلالية، مثل رئيس الديوان الملكي السابق رياض أبو كركي، وبيان عبدالهادي المجالي مع المتقاعدين العسكريين، منح هذا المنطق قوة وتأثيراً. ما استدعى الحوار مع هذه الشخصيات، والقيام بالاستدارات الأخيرة لنزع فتيل الاحتقان، مع الإبقاء على احتقاناتٍ أخرى، في مناخ مفخّخ بالهواجس والريبة