كلما أقيمت مباراة كرة قدم دولية على ستاد عمّان وارتبكت حركة المرور في المنطقة، وكلما وقع حادث سير على طريق المطار وتعطل الموظفون عن اللحاق بأماكن عملهم، وكلما أردت زيارة احدى عيادات الأطباء في منطقة جبل عمّان «الخالدي» وتعذبت تحت وطأة الألم وأنا أجوب المنطقة ذات الطرقات الضيقة علني أجد مكاناً أوقف فيه مركبتي، وكلما قصدت الجامعة الأردنية ليلحق ولدي بامتحانه والدقائق الثقيلة تمر كالسحاب في الأزمة الخانقة وكلما أردت أن أعيد الذكريات أو اشتري بعض الحاجات من منطقة وسط البلد حيث لا مجال للوقوف عدا كل السلبيات كالبسطات التي احتلت الأرصفة والطرقات، وكلما تابعت أبراج العبدلي وهي تطل برؤوسها واحداً تلو الاخر، وكلما عاد الحديث عن الباص السريع تساءلت عمّان الى أين؟
بحدود علمي فإن خطط تنظيم وتنمية المدن تقوم على أسس ثابتة أهمها أن تعمل على تحقيق عملية الطرد اليومي للمواطنين من مركز المدن الى أطرافها وأن تعتمد على نظرية التطور الدائري المتوازن، وأن يتم إعتماد أطراف المدن لإقامة مؤسسات الدولة وأسواقها الكبرى وبحيث يتم ربطها جميعاً بطريق دائري سريع يسهل وصول المواطنين اليها دون الحاجة الى الولوج الى قلب العاصمة حيث تقع المشكلة.
ولعل الجميع يعرف بأننا في عمّان طبقنا كل ما هو عكس هذه الأسس فجميع مؤسسات الدولة تقع في قلب العاصمة وكذلك أسواقها (المولات) والاستادات الرياضية والأبراج الضخمة وغيرها.
ومن جهة أخرى وعوداً الى أسس التنظيم والتنمية فإذا ما قمنا برسم دائرة مركزها وسط عمّان (المسجد الحسيني) سندرك ببساطة أن عمّان شهدت تنمية وازدحاماً سكانياً في ثلاثة أجزاء من الدائرة، وهي الشمال الشرقي والشمال الغربي والجنوب الغربي، حيث وعورة التضاريس التي تجعل من البنية التحتية مكلفة وتتطلب طرقاتها حفر الأنفاق وإقامة الجسور، في حين لم تشهد مثل هذا التطور والتنمية في جزئها الجنوبي الشرقي حيث التضاريس السهلة ولمسافات طويلة والتي كان من الاولى أن يكون التحرك نحوها لسهولة تضاريسها واعتدال طقسها.
نعلم أن هنالك طريق يتم تنفيذه الان بتمويل من البنك الدولي هو ممر عمّان التنموي والذي يسير بمرحلته الاولى من طريق المطار (جامعة الاسراء) وصولاً الى منطقة حي الجندي عند مدخل محافظة الزرقاء، وبرأيي أن هذا الطريق العبقري يحمل الحل لعمّان إذا ما أحسن استثماره بالشكل المثالي مع وضع استراتيجية مدروسة لإقامة مؤسسات الدولة الحيوية على جانبي هذا الطريق الذي يمكن جميع المواطنين الأردنيين من عمّان وباقي المحافظات من الوصول اليها بسهولة وسرعة ودون الحاجة الى دخول وسط عمّان.
وفي السياق نفسه، فإننا نعلم بأن الجامعة الأردنية أنشأت عام 1962م حين كانت منطقة الجبيهة إحدى ضواحي عمّان البعيدة وهي الان تقبع في قلب العاصمة وإذا ما علمنا أن معظم طلبة هذه الجامعة هم من أبناء شرق عمّان وجنوبها ومحافظتي مادبا والزرقاء فلمَ لا نخرج فكرنا خارج الصندوق ونفكر جدياً في نقل الجامعة كلها إلى الطريق الدائري المشار اليه فنوفر على أبنائنا رحلة الشتاء والصيف ونغلق ملف الباص السريع.
وأخيراً وبالعودة الى ما أثير عن تقصير أجهزة الدولة خلال العاصفة الثلجية الأخيرة فإنني أرى أن هذه المؤسسات قامت بدورها وفق ما لديها من امكانيات وإن جوهر المشكلة لا يكمن في تقصير المؤسسات بل يكمن في استراتيجية التخطيط الخاطئة لمدينة عمّان والتي يجب مراجعتها فوراً كي لا نجد أنفسنا في المستقبل القريب امام مشكلة مستعصية يصعب حلها.
إن الحديث في هذا الموضوع طويل ومتشعب والأفكار زاخرة والتحدي كبير ومُحدق فهل من مستمع، وهل من مجيب؟
* ديوان المظالم