من يتابع نشاطات وبرامج وحوارات الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمرشد الروحي لجماعة الاخوان لا يسعه الا ان ينبهر بقوة الذاكرة ودقة الطرح وطغيان الحضور لرجل بلغ اليوم من العمر السابعة والثمانين ويُظهر الرجل حماسا لما يطرحه من افكار واراء لا شك بانه يستحق الاعجاب وقالبا في ذلك مقولة الشاعر العربي ومن يعش ثمانين حولا لا ابا لك يسأمِ.
من يقرأ سيرة الشيخ يُعجب بما حققه في حياته فهو اولاً على كل مقعد دراسة حفظ القران الكريم وهو ابن العاشرة ضمن افكاره المعتدلة والبعيدة عن التشدد في العديد من الكتب ومن قرا كتابه الحلال والحرام – مثالا- يدرك ان الرجل تمثل روح الدين وابتعد عن التشدد رافعا قاعدة لا إفراط ولا تفريط دفع ثمن انتمائه للجماعة سجناً واعتقالاً الا انه حافظ على انتمائه وولاءه حتى بعد ان هاجر الى قطر واخذ جنسيتها لكن انتصار الاخوان في مصر اعاد اليه الحنين لمصر والجماعة فالنصر في مصر لا يقاس باي نصر.
في زمن الربيع العربي زادت شهرة الشيخ واصبحت رؤيته اشكاليةً بين مؤيدين ومعارضين للنهج الذي اتبعه بأن مزج بين الدين والسياسة فقد وقف مع الشعوب في ثوراتها دون خجل او مواربة وتصدى علنا لحفز الثائرين ضد الطغاة الفاسدين.
وفي الوقت الذي افتى فيه بهدر دم حكام ورجم اخرين فقد بدا الشيخ الثمانيني كناشط سياسي يعرف تماما كيف يشق عباب السياسة بقارب ديني ليبدو انه اكثر فقها من ساسة ليس لهم حظ او نصيب في حكمة او سياسة ينطبق علهم قول الشاعر:
ساسوا الناس بغير عقل فقيل عنهم ساسة
اليوم يتعرض الشيخ للهجوم لا سيما من زبانية الانظمة البائدة نسبة لما احدثته فتاويه من اثر في تحريك الماء الراكد وقلب انظمة طغيان وقتل حكام مستبدين.
لا يكاد هؤلاء يمسكون عليه شيئا ذا بال بل ان انحيازهم لفسادهم واستبداد حكامهم هو الذي اعمى قلوبهم عن الحق وأغفل عيونهم عن الحقيقة.
لقد اعاد الشيخ هيبة العالم ورصانته وصارت فتواه يحسب لها الف حساب بل ان بعض الجائرين رأى بفتاويه اهم اسباب الانقلاب عليه.
عندما زادت عمليات التفجير ضد اسرائيل واختلف العرب على تصنيفها أهي انتحارية ام استشهادية اصر الشيخ على شهادة اصحابها وبارك ما يقومون به.
كثيرا ما تُحمّل مواقف قطر للشيخ او العكس لكن الشيخ لم يتوانى عن انتقاد الدولة القطرية عندما اختلفت سياساتها مع مبادئه حدث ذلك اكثر من مرة فقد انتقد الوجود الاجنبي وقواعده ورفض وجود المكتب الاقتصادي الاسرائيلي في الدوحة ودعا الى اغلاقه كما رفض زيارة رابين وطلب من امير قطر ان يغسل يده سبع مرات بعد مصافحته.
في الايام القليلة الفائته حضر اسم الشيخ في خبرين الاول عندما ذهب الى غزة متضامنا مع اهلها فتمنحه الحكومة الحمساوية جواز سفر فلسطيني تقديرا لموقفه من غزة بل من فلسطين ليستثير ذلك زلم فتح والسلطة ويطالبون بنزع الجواز من الشيخ علما بان هؤلاء في معظمهم لا يحملون جوازهم الفلسطيني وهو ليس محل فخرهم او استخدامهم وكما هو معروف فان قيادات الصف الاول بمن فيهم رئيس السلطة ورئيس وزراءها يحملون جنسية دولة اخرى.
وهؤلاء لم يقدموا شيئا لفلسطين بل على العكس فانهم كسبوا من وراء قضيتها الشيء الكثير فهم لم يحروا زيتونة او ليمونة لكنهم كانوا تجارا شطارا يعرفون كيف يكسبون شهرة ومالا.
واثار اهتمامي في خبر اخر تعليق الشيخ على مقتل العالم محمد سعيد البوطي فكما هو معلوم وقف المرحوم البوطي مع النظام وهنا اختلف مع الشيخ القرضاوي لكن مقتله اثار حزن الشيخ وتحدث عنه كصديق والشيخ البوطي رحمه الله عالم جليل يُجل علمه وإن يدان موقفه وهذا ما أود ان أوكد عليه وهو ان الموضوعية تقتضي منا ان ندين الموقف السياسي لا ان نغتال شخصية عالم الدين.
تذكرون موقف الشيخ الشعراوي من زيارة الرئيس السادات الى القدس وسط رفض عربي واسلامي كبير لكنه رحمه الله ترك لنا تفسيرا للقرآن لم يأت به حتى الائمة وكان تفسيرا فقهيا ولغويا بأسلوب بسيط يستحق التقدير لكن بدا ان موقفه من الزيارة كان فرصة للتطاول على ارثه وتاريخه وعلمه.
لست رافضا الاختلاف مع موقف او سياسة سواء كانت لذي سلطة دينية او سياسية او اجتماعية لكنني تماما ضد اغتيال الشخصية والقاء التهم جزافا فالعدالة في النهاية تساوي الخلق القويم.