أحسن نوابنا صنعا بسحبهم مذكرة أل87 بطرح الثقة بحكومة الدكتور عبد الله النسور. لقد قيل أن سبب ذلك كان مراجعة 30 نائبا منهم لموقفهم السابق وسحب تواقيعهم منها، مما خفض عدد الباقين منهم، وهدد بفشل مشروع إسقاط الحكومة.
صحيح أن مشروع طرح الثقة لا يحتاج إلا لتواقيع عشرة منهم، غير أن المهم ليس التحرك نفسه بقدر النجاح فيه، وهو نجاح كان مشكوكا فيه منذ البداية لأسباب كثيرة منها:
1.أن إدارة العلاقات مع إسرائيل بما فيها طرد سفيرها من عمان وإلغاء معاهدة السلام، كلاهما أو أحدهما، ليس من اختصاص مجلس النواب بل هو، في الحالة الأولى، من اختصاص مجلس الوزراء (المادة 45/ 1 ) من الدستور، ومن صميم سلطات جلالة الملك (المادة 33/ 1 ) في الحالة الثانية.
2. قيل أن نوابنا قد استجابوا، عند تحركهم، لرغبات الناس وأمانيهم. ولكن حتى لو كان ذلك صحيحا، فهل تشفع تلك الرغبات والأماني، لتبني هكذا إجراء، والعمل بموجبه؟ معروف أن شعبنا يتمنى، في ضوء ما تقترف إسرائيل من جرائم، لا طرد سفيرها وحسب، بل، بالإضافة لأمور أخرى، تحرير كل فلسطين وإعادة كل فلسطيني لأرضه. ولكن هل ذلك ممكن في عالم محكومة العلاقات بين الدول فيه بمعاهدات وقوانين دولية، وعلاقات قوة، ومصالح آنية وبعيدة المدى؟
3.حدود العمل في هذا المجال منوط، على أية حال، بالدبلوماسية الأردنية ورئيسها، جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ورئيس وزرائه، وهو وزير خارجية أسبق وصاحب دراية واسعة بكل القدرات المتاحة، للحفاظ على مصالح الدولة الوطنية والدولية المشروعة واستقرارها وأمنها وإدارة الأزمات التي تجد نفسها في بؤرتها وسط توازنات إقليمية صعبة معروفة لنوابنا الكرام.
4.على أن الأمر لم يحسم كاملا بعد، فسيجد نوابنا أنفسهم، وبعد شهر ونصف منذ اليوم، عند ذات النقطة التي غادروا منها عند سحب مذكرتهم، وذلك عندما سيكون على حكومة الدكتور عبد الله النسور أن ترفع، مضطرة، أسعار الكهرباء. فهل سيسارعون، عندها، للعودة لطرح مشروع الثقة بالحكومة، مرة أخرى؟
5. وعلى فرض أن مجلس النواب استطاع إسقاط الحكومة، يوم إذن، فكيف يمكن له أن يتدبر أمره تحت ما يستجد من ظروف؟ وخاصة حين تجد الحكومة الجديدة نفسها في ذات المربع الذي لا بد من البدء منه في أية خطوة خارجه؟ هل ثمة عصا سحرية يمكن لأي مسؤول، بتلويحة بسيطة منها، أن يقول للشيء: كن فيكون؟
لا يكاد شعبنا يخرج من أزمة حتى يجد نفسه وجها لوجه مع أخرى. هذه حقيقة جيوسياسية تاريخية وثقافية تفرضها علينا طبيعة التكوينات العرقية والطائفية والمذهبية لشعوب المنطقة والصراع فيما بينها التي تصيبنا شظاياها من وراء الحدود إصابات بليغة لا تفيد، في الشفاء منها، أية محاولة للتملص من المسؤولية عنها، أو إلقاء اللوم على الآخرين؛ بل العمل بتكاتف جميع القوى السياسية والمجتمعية في بلدنا وتوحيد الجهد والوصول به للكتلة الحرجة والدخول به، بكل ما له من قوة رادعة، لساحة المواجهة للانتصار فيها على كل التحديات المفروضة علينا، كما فعلنا في عشرات الحالات التاريخية المماثلة.