لا بأس من تكرار بعض ما أشرت إليه في مقالة مقتضبة سابقة.. فالأسباب المباشرة للكوارث وتعاظم آثارها في المنشآت الصناعية عامة والكيماوية أو النووية على وجه الخصوص تعزى الى عوامل عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
١. الأخطاء البشرية
٢. الخلل الميكانيكي
٣. العيوب التصميمية
٤. ضعف أو عدم مواءمة أجهزة التحكم والسلامة
٥. ضعف أو عدم مواءمة إجراءت السلامة العامة
٦. ضعف التدريب والتأهيل للكوادر الفنية
٧. العوامل الخارجية كالكوارث الطبيعية ومنها الزلازل على وجه الخصوص
٨. التخريب المتعمد أو الأعمال العدوانية أو الإرهابية
٩. انعدام أو ضعف خطط الطوارئ للمجتمعات المحلية المحيطة بالمنشأة
١٠. عدم توفر البنية التحتية المناسبة لاحتواء آثار الكوارث في حال وقوعها.
ولكي نتفهم الأمر بشكل أعمق دعونا نعرج وبإيجاز على ثلاث من كبريات الكوارث النووية في الذاكرة الحديثة:
١. كارثة تشيرنوبل في أوكرانيا التي وقعت عام ١٩٨٦ وكلفت الاقتصاد السوفيتي آنذاك ١٨ مليار روبل وانتهت بإخلاء ما يزيد عن ثلاثمئة وخمسين ألف شخص خلال السنوات التي تلت الحادثة. التحقيق الذي أجري عزا أسباب الكارثة الى أمور عدة، منها عيوب تصميمية في المفاعل وخطأ بشري ناتج عن انتهاك صارخ لقواعد وتعليمات التشغيل، بالاضافة الى تعطيل مخططٍ لبعض اجهزة السلامة والتحكم في المفاعل لإجراء تجربة تتعلق بتزويد نظام المفاعل بمصدر رديف للطاقة في حال انقطاعٍ طارئٍ للمصدر الرئيس.
٢. كارثة ثري مايل ايلاند التي وقعت في ولاية بنسلفانيا الامريكية عام ١٩٧٩ ونتج عنها تسرب اشعاعي بلغت كلفة احتواء نتائجه بين عامي ١٩٧٩ و١٩٩٣ ما يقارب المليار دولار. وقد خلصت نتائج التحقيق الى أن خللا ميكانيكيا في الجزء غير النووي من المنظومة، مصحوبا بسوء التقدير الذي ارتكبه الفنيون وخصوصا عدم قدرتهم على التشخيص الصحيح لموطن الخلل، كانا وراء حلول الكارثة.
3. أما ثالثة الاثافي فكارثة فوكوشيما في اليابان عام ٢٠١١ التي اتضح لاحقا ان دراسة هندسية للموقع أجريت عام ٢٠٠٨ حذرت ان منظومة الطاقة الرديفة المخصصة لتبريد المفاعل في ظروف الطوارئ هي عرضة لمياه الفيضان إن وصلتها أمواج تسونامية بارتفاع عشرة أمتار أو اكثر، لكن هذه الدراسة أهملت من القائمين على الموقع بحجة استبعاد وقوع سيناريو كهذا، حتى حلت الكارثة وغمرت مياه الفيضان منظومة الطاقة الرديفة وكان ما كان.
نلاحظ وبشكل جلي أنه وبالاضافة الى الأسباب التقنية فإن العامل المشترك بين هذه الكوارث جميعا هو العامل البشري والأخطاء التي يمكن ارتكابها من قبل الكوادر الفنية وخصوصا تحت وطأة ظروف تشغيلية غير اعتيادية وبغض النظر عن مدى تطور أجهزة التحكم والسلامة.
ثم لنلتفت الى أمر اخر هو غاية في الأهمية.. فأنا ورغم متابعتي المستمرة لهذه المشروع وتصريحات القائمين عليه لا أعرف الى الان كيف سيتعاملون مع النفايات النووية التي تشكل خطورة بالغة على دولة ضعيفة الإمكانيات كدولتنا.. اين وكيف سيتخلصون منها او يخزنوها.. هل سيعمدون الى دفنها في صحرائنا.. وذاك لعمري أمر جلل ان كان ذلك ما يدبرون له.. فما عساهم فاعلون؟
ولا بأس في طرح السؤال عن ماهية دراسات المسح الزلزالي.. لم أجريت في الظلام؟ وهل يجرؤ اصحاب الولاية النووية على الإفصاح عنها بشفافية كاملة وعرضها للمواطنين كافة ومنهم متخصصون أفذاذ في هذا المجال؟ لم لا؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
وماذا عن ضمانة عدم تعثر هذا المشروع الضخم كغيره من المشاريع التي ابتلينا بها واضطررنا نحن المواطنون لتسديد فواتيرها رغما عنا و من قوت أطفالنا ورزق عيالنا؟ يقول البروفسور ستيف توماس المسؤول عن البحث في كلية الاعمال في جامعة غرينوتش (Greenwich University) البريطانية في لندن، وهو متخصص في ابحاث الطاقة وسياساتها، يقول في مقالة نشرت في تشرين الثاني من السنة الفائتة «تثير مخططات الأردن بناء محطة طاقة نووية قضايا جدية من حيث التكونلوجيا المختارة واقتصاديات المحطة النووية وتوفر الدعم وجلب الشركاء الأجانب لامتلاك وتسيير المحطة»، ويذكر أيضاً ان «واقع الأمر انه والى اليوم، لم يتم تشغيل اي مفاعل وضع تصميمه بعد كارثة تشيرنوبل» ويضيف ان «التجربة الوحيدة في الغرب [اي في بناء مفاعل بتصميم جديد هي تجربة مفاعل اي بي أر (EPR) الذي يتم تنفيذه حاليا في كل من فنلندا (اولكيليوتو) وفرنسا (فلامانفل).. لكن هذه التجربة باتت سيئة جداً في الحالتين حيث تأخر إنجاز المشروعين ٤- ٥ سنوات وتجاوزت المصاريف الميزانية المرصودة بنحو ١٠٠٪».
المحير في الأمر أننا لا نعرف على وجه اليقين إذا كان التصميم الهندسي المفصل (Detailed Engineering Design) لخيارات تكنولوجيا المفاعلات التي وقع أو سيقع عليها الاختيار في الأردن قد تم إنجازه أم لا؟ واذا ما تذكرنا أن أي دراسة تفصيلية وشاملة لأنظمة السلامة في منظومة المفاعل لا يمكن ان تنجز قبل توفر التصميم الهندسي المفصل للمحطة والمفاعل، فعلى اي اساس يوزع القائمون على المشروع ضمانات التشغيل الامن.. الامر قد يأخذ سنوات طوال فقط لإجراء تقييمات السلامة العملياتية والعامة، فكما يذكر البروفسور توماس ان التجارب الحديثة في هذا المضمار في الولايات المتحدة وبريطانيا اثبتت ان هذا الامر وحده قد يستغرق ما يقارب الست سنوات.
ثم انه من المألوف وخصوصا في المشاريع الضخمة والمعقدة كمشروعنا هذا ان تكون الكلفة النهائية (عند تسليم المفاتيح) اعلى وبقدر ملموس من الكلفة التقديرية الأولية، فعلى سبيل المثال وكما يذكر البروفيسور توماس انه عندما بدأ الترويج للأجيال المطورة حديثاً في تكنولوجيا المفاعلات النووية فقد قيل ان التكلفة ستكون بمقدار ١٠٠٠ دولار للكيلو واط الواحد ولكن آخر التقديرات في بريطانيا والولايات المتحدة تشير الى ان الكلفة الحقيقية تقارب ٧٠٠٠ دولار للكيلو واط الواحد، على أن عيني وقعت على منشور صادر عن الجمعية النووية العالمية (World Nuclear Association) مؤرخ بشهر تشرين الاول عام ٢٠١٢ يشير الى ان الكلفة المتوقعة للمشروع الاردني تقارب ٤٩٠٠ دولار للكيلو واط الواحد.
بعد هذا كله، هل نقوى حقا في الأردن على احتمال التبعات الخطيرة لأي حادث نووي محتمل وهل نستطيع تحمل كلفة بناء مفاعل قد يتأخر بناؤه لسنوات وترتفع كلفة انشائه حتى تبلغ عنان السماء فلا نستطيع الإنجاز ونكون «مثل معايد القريتين» كما ورد في تراثنا القروي الاصيل والذي تحاول ان تغتاله عقول نرجسية لا تعرف ما يعني انشاء محطة نووية يقطن في محيطها ما يزيد عن ٧٥٪ من اهل هذا البلد الطاهر اهله؟
أم أني سأردد يوما ما لا سمح الله مقالة صاحبنا:
أمرتهم امري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح الا في ضحى الغد
ملاحظة هامة:»بما انني اعيش خارج البلد من فترة، بس حاب اطمن اذا ممكن.. شو صار بمشروع الباص السريع؟
طمنوني الله يخليكم»!
د. عمار الخوالدة –هيوستن– أمريكا