أخبار البلد- بعد نحو شهر من الغياب، عاد الحراك الأردني إلى زخمه في معظم محافظات الوطن في جمعتين حافلتين برسائل الرفض: رفض الغلاء، ورفض النهج الاحتوائي الاقصائي القمعي، ورفض العملية السياسية التي يريدون من خلالها إقناع الخارج قبل الداخل بأن الانتخابات النيابية، وتشكيل حكومة عبر التشاور مع البرلمان الجديد هي التتويج النهائي لعملية الإصلاح.
واربد كانت على موعد مع شقيقاتها في جمعة رفض الطغيان والاستبداد، ولكنها فوجئت بحشد كبير لقوى الأمن ووحدة التدخل السريع من قوات البلطجية، والحواجز الأمنية، فرشقت المتظاهرين على وجوههم مباشرة بالحجارة والزجاجات الفارغة وقنابل الغاز والقنابل المسيلة للدموع والأمواس، فأصيب العديد منهم في وجوههم إصابات بالغة.
دأبت منظومة الحكم في الاردن -وعلى مدار عامين- على تجاهل مطالب الحراك الذي أبدى سلمية مشهودة، بل عملت بكل وسعها على الالتفاف على استحقاقات الإصلاح وضرورات التغيير، وافتعال الصدامات مع الحراكيين، وإطلاق حملة من المناكفة السياسية الشاملة التي أخذت تتحول إلى ما يشبه لعبة شد الحبل بين الشعب بأحزابه رموزه، والنظام بكل مكوناته وأركانه، فضلاً عن إشاعة نظرية المؤامرة وإطلاق يد البلطجية؛ لتنفير الناس وتخريب المشهد الوطني، والتغطية على حالة الإفلاس والانسداد السياسي وسياسات رفع الأسعار، إلى جانب ما تقوم به من عقد صفقات مع القوى الخارجية على حساب العلاقات والمصالح القومية!
حالة الشد والجذب وعمليات إجهاض الفرص وخلط الأوراق عكست نفسها في أزمة ثقة عميقة جداً، أدخلت الوطن وكل الأطراف الوطنية في مأزق، وأخذ كل طرف يسارع إلى التنصل من مسؤوليته عن حالة الانسداد القاتلة التي بلغتها الحالة السياسية، ولعل من أمثلتها تصريحات مدير الأمن العام حين حمل الحراك المسؤولية عن ارتفاع الجريمة!
ورغم إصرار الأردنيين على مطالبهم، إلا أن الوضع حتى تاريخه ما يزال يشهد أن الذهنية العرفيّة ما تزال تسيطر على رموز «الحرس القديم»، وتستمر معها وبسببها مغامرة القبضة الامنيّة وملاحقة النشطاء والبطش بهم، وتحريك أدوات الفتنة لشق الصف وإنتاج حالة فلتان أمني؛ تمهيداً لإخراج القوى السياسية من المعادلة لتأكيد أن هذا الشعب هو شعب غوغائي غير مؤهل لحكم نفسه بنفسه. فكما يبدو، فإن المطلوب من الشعب أن ينصاع صاغراً لنهج إعادة التدوير السياسي، ومَلْهاة تديرها شلل الفساد والإقطاع السياسي التي ما فتئت تبيعنا حلولا وهمية وسراباً خادعاً مع غياب المصداقية والجدية. ولعل في المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الترجمة الحرفية لهذا النهج، كما يؤكد غياب أي نية رسمية لتحقيق تغيير حقيقي، بل تبدو أنها مجاولة جديدة لإجهاض الحراك وإعادة انتاج القمع والاستبداد!
لقد استمرأ النظام الانفراد بالحكم والسلطة، ويرى الأمور من زاوية مصلحته، ولا مانع لديه من تحريك كل قوى الشد العكسي التي تعتقد أن الإصلاح سيؤدي إلى تفكيك شبكة مصالحها في النفوذ والمال، وبذلك فلابد من ضرب الحراك وتصفيته بأية وسيلة، بما يؤكد غياب أي نية رسمية لإنجاز أي تغيير حقيقي!
إلا أن ما يقف أمام هذا المنطق أنَّ أسباب تجدد وتصاعد الحراك ما تزال قائمة ومتنامية؛ ومن أهمها:
• استمرار التدهور في الاوضاع الاقتصادية مع فشل الحكومات المتعاقبة في علاج الازمة الاقتصادية، وتقليص العجز في الميزانية الذي يدفع ثمنه المواطن الاردني المسحوق، وفي ظل غياب الخطط الحكومية القادرة على كبح جماح الاسعار الذي بلغ معه الغلاء معدلات قياسية، مع فشل متراكم في وضع الحلول لازمات البطالة المتفاقمة، وتحفيز الدورة الاقتصادية ورفع معدلات التنمية وتحسين الظروف المعيشية.
• استمرار حالة الاستعصاء السياسي، وإمعان النظام في محاولات الالتفاف على الإصلاح، والتنكر له، وإجهاض الحراك الشعبي.
• أن الإصلاح الشامل بات موضع إجماع وطني، وحتى يتحقق فإن الحراك ضرورة وطنية وإجهاضه جريمة كبرى، وقوى الحراك اليوم أكثر تماسكاً وتنظيماً ومأسسة، كما أنها أكثر إصراراً على الإنجاز.
وعليه؛ فإن جميع المحاولات لإجهاض الحراك الشعبي والالتفاف عليه، وإعادة إنتاج مرحلة عرفية جديدة ما هي إلا محاولات يائسة، بل تشكل عامل تأجيج لحالة الغضب الأردنية لأن الشعب الأردني قد حسم خياراته!
بقلم:د.عيدة المطلق قناة