أخبار البلد -
قال رئيس الوزراء فايز الطراونة إن الدعوة لمقاطعة الانتخابات غير دستورية، أي يترتب عليها مخالفة وربما عقوبة قانونية.
طبعاً، لن أدعو لمقاطعة الانتخابات، ودعوتي ليست مهمة فأنا لا أمثل قوة سياسية، ولكنني أصر على رأيي في أن المشاركة في الانتخابات هي بمثابة إعطاء شرعية لصيغة غير تمثيلية، لأي من مكونات الوطن، والأهم انها أي الانتخابات ستكرس تغييب الإرادة الشعبية عن المشاركة في صنع القرارات في مرحلة تمر بها البلاد في أزمة مركبة اقتصادية سياسية وتترتب عليها معاناة شعبية واسعة النطاق.
طبعاً المسألة أكبر من قانون انتخاب، لأن جوهر الأزمة هو في تسلط جهات معينة على القرار السياسي، فأصبحت الحكومات بلا ولاية، والبرلمانات لا تملك لا سلطة تشريعية و لا تمثيلية.
قانون الانتخاب هو نتاج التركيبة القائمة ويهدف إلى عدم المس بهذه التركيبة و فرض سيادة الذهنية الأمنية على كل قرارات ومفاصل الدولة.
يقول رئيس الوزراء إن المقاطعة هي بمثابة إقصاء طَوعي يقوم به الفرد المقاطع، أي أنه يحرم نفسه من فرصة المشاركة في صنع القرار وفي عملية الإصلاح.
هذا صحيح من الناحية المجردة، ولكن في الحالة الأردنية، فأنه تم وضع صيغة إقصائية – ممثلة بقانون الانتخاب- لإعطاء صبغة زائفة لعملية المشاركة الشعبية.
أتمنى أن يجيب الرئيس على سؤالين، الأول: حتى لو حصلت الحكومة على ما تريد من مشاركة تعيد إنتاج شكل مشابه لمجلس النواب الحالي، فهل تعتقد حقاً انها تستطيع تقليص المعارضة الشعبية عندما يفيق الناس على تداعيات سياسات، اقتصادية وسياسية، على حياة الناس وأمنهم المعيشي؟
في العرف السياسي،أن البرلمان المنتخب، يصبح الوسيط بين الناس والحكومات بهدف تمثيل المصالح المختلفة لمكونات المجتمع ولعب الدور الأهم وهو مساءلة الحكومات وردعها عن سياسات قد تكون ضارة، أو لم تأخذ في الحساب التداعيات الاجتماعية، كما حصل خلال العقود الماضية، أو هذا أيضاً مهم، دعم السياسات التي تخدم المصلحة الوطنية- عدا أن البرلمان التمثيلي عامل ضامن لعدم تطور الصراعات الاجتماعية إلى اشتباكات عنفية.
في الحالتين، هل تتعلم الحكومات والجهات الرسمية أن تقليص دور مجلس النواب إلى مجرد شاهد زور، لم ينجح في النهاية في إخفاء الحقائق عن الناس؟ نعترف بأن ذلك نجح في الأمد القصير إلى أن استفاق الناس على نتائج سياسات كارثية، لم تنفع إلا قلة من المستفيدين وأسفرت، في النهاية، عن موجة امتعاض وسخط تتجاوز في دائرتها حدود الحراك الشعبي المنظم.
أما السؤال الثاني لرئيس الوزراء فهو، أنا بحق فوجئت من مدى الحرص على صيانة الدستور، فلماذا لا نجد مثل هذا الحرص حين كان يُذبَح الدستور في السابق، أو حين يتم تحويل مدنيين إلى محكمة أمن الدولة، في خرق فاضح للدستور الذي حصر مهماتها في حالات معينة، أو أن الدستور يُطبَق على المواطن والتيارات المعارضة فقط؟
بصراحة الانتقائية في استحضار نصوص الدستور، حتى وإن كانت تطبيقاً حرفياً لنص في الدستور، تبدو أكثر كتهديد مبطن للأصوات المعارضة أكثر منها احتراما للدستور.
أخيراً وليس آخراً ماذا تستفيد الحكومة حتى لو ربحت وهزمت المعارضة؟ لأن السؤال الحقيقي بالنسبة لقانون الانتخابات هو لأي مجتمع تؤسسون؟ فإذا كان الهدف هو استغلال التنافس العشائري والمناطقي والفئوي لضمان ولاء مُزَيَف، فأي مستقبل وطن ينتظركم وينتظرنا؟
طبعاً نسيت أن الحكومات تتغير ونبقى نحن جميعاً لندفع ثمن سياسات قصيرة النظر، لم تتعلم أي شيء من الانتفاضات الشعبية العربية، وتعتمد على تغذية المخاوف الشعبية من الأوضاع الإقليمية، وبالتالي قتل الأمل، بدل من التخطيط لمستقبل- للأسف لم نكن ننتظر بأفضل من الحكومات، ولكن مع هذا نحتار قليلاً بأن الفئات المؤثرة على صنع القرار ، وإن كنا نتوقع بأن تتجاهل الشعب ، تبدو غير خائفة على مستقبلها هي، فعلى ماذا تعتمد؟