فشلت السياسات الاقتصادية التي اتبعت خلال الاعوام الماضية في معالجة الازمة المالية والاقتصادية التي انهكت شعوب العالم، وعطلت النمو الاقتصادي وقد انطلقت من بعدين اساسيين الاول: مكافأة مجالس ادارات البنوك والشركات المسؤولة عن الازمة المالية والاقتصادية، بضخ تريليونات الدولارات الى شركات آيلة للسقوط. والثاني سياسات التقشف التي فرضت على الفئات الشعبية من العمال واصحاب الدخل المحدود، وزيادة الضرائب وتخفيض الخدمات الصحية والاجتماعية وانظمة الضمان الاجتماعي . و رغم مرور اربعة اعوام على انفجار الازمة الا ان النظام الاقتصادي العالمي مازال يعاني من حالات الارباك في مواجهتها، وان سياسة ادارة الازمة تمهد الطريق امام انفجار ازمة جديدة ستحدث انهيارات في دول وليس في شركات فحسب، حيث تقف الانظمة الراسمالية عاجزة امام تداعيات الازمة المالية والاقتصادية، بسبب فشل الاجراءات كافة لتحقيق نمو اقتصادي يسهم بتخفيض معدلات البطالة في امريكا ومجموعة الدول الاوروبية، وانعكس ذلك بشكل واضح على العملة الاوروبية فقد تراجعت بشكل ملموس امام العملات الاخرى في الاونة الاخيرة. فالازمة اليونانية وصلت الى حالة ألاّ عودة، وهي امام خيارات صعبة، والشعب اليوناني رفض صيغة التقشف التي فرضها الاتحاد الاوروبي. وفوز الحزب الاشتراكي الفرنسي اسهم بافساد السياسات المالية الالمانية، التي كانت تسعى لفرضها على القارة الاوروبية، ويضع حدا لسياسة التوسع في اجراءات التقشف البائسة التي تبناها ساركوزي. وجاء قرار وزراء مالية مجموعة اليورو بدعم القطاع المصرفي الاسباني بـ 100 مليار يورو كمحاولة لوقف حالات التدهور في القطاع المصرفي، ويأتي تدخل الحكومات الاوروبية لانقاذ المصارف الاسبانية من الافلاس، واعادة هيكلة هذا القطاع، وانقاذه من الانهيار، حيث تشهد العقارات هبوطا بالاسعار، ويبدو ان الحالة الاسبانية سوف تنسحب على عدد من الدول الاوروبية وفي مقدمتها ايطاليا. وفي ظل هذه المناخات الاقتصادية تشهد اوروبا هروبا لرؤوس الاموال بحثا عن ملاذ امن . صحيح ان النظام الاقتصادي الرأسمالي نجح بالتكيف مع الأزمات التي شهدها منذ نشوئه وفي مراحل تطوره، الا ان شعوب العالم دفعت ثمنا باهظا لهذه السياسات الاقتصادية، من زيادة عدد الفقراء في العالم، وارتفاع معدلات البطالة، مقابل تراكم الثروة بايدي حفنة من الاغنياء. وعلى الرغم من تخلي النظام الراسمالي عن بعض الصيغ الكلاسيكية مثل السماح للدولة بالتدخل في الحياة الاقتصادية، والاعتراف غير المعلن بفشل الدور الخفي لالية السوق لضبط الاختلالات، الا ان ذلك بهدف الحفاظ على جوهر علاقات الإنتاج الرأسمالي. أما الصورة الأكثر تعبيرا عن جوهر النظام الاقتصادي الرأسمالي، مواصلة ازماته الدورية الملازمة لوجوده، وإخفاق الدور الخفي المزعوم في تصويب الاختلالات، وعجز كافة أدوات النظام في مواجهة الأزمة الحالية، وهي ليست الأزمة الأولى في تاريخ الرأسمالية، فتشير بعض الدراسات ان الرأسمالية مرت بأكثر من عشرين أزمة في حياتها، أبرزها أزمة ثلاثينات القرن الماضي التي كادت تطيح بعدد من الدول الرأسمالية، وقد أسهمت بعض السياسات الغريبة عن المفاهيم الرأسمالية بانتشال الراسمالية من الانهيار، وذلك بالتخلي عن بعض مبادئها، المتعلقة بالحرية المطلقة لرأس المال، وكسر مبدأ عدم تدخل الدولة في الاقتصاد، وقيام الدولة بشراء الشركات المالية والصناعية الضخمة، والإنفاق على تحفيز الاقتصاد. وتعود السياسة الكنزية الى الواجهة بعد ما نجحت الليبرالية الجديدة بدفنها خلال العقود الماضية ، والسبب في عودتها ليس مقدرة النظرية الكنزية على اجتثاث الازمات الرأسمالية والبلسم الشافي لها، فقد فشلت هذه السياسة في تحقيق اي تقدم في اوروبا، بعد ما ضخت القارة الاوروبية تريليونات الدولارات لانقاذ الشركات من الافلاس وتحفيز الاقتصاد بلا جدوى، فاتجهت نحو سياسات التقشف التي عمقت الازمة. اما اسباب استعانة الإدارة الأمريكية للسياسة الكنزية ومواصلة إنفاقها على تحفيز الاقتصاد مرده طباعة الاوراق النقدية بلا حدود، خاصة ان الدولار ما زال يشكل احتياطا للعملات في العالم. وقد خفتت الأصوات المنادية بإيجاد احتياط بديل، بسبب حالة الضعف التي تعتري منطقة اليورو وانعكاسها على العملة الأوروبية، فالأزمة التي تعيشها أوروبا أضاعت فرصة تقدم اليورو ليحل محل الدولار، والحديث عن دور لليورو كبديل للدولار ضرب من الاوهام، فالهدف الأول لمنطقة اليورو الحفاظ على عملتها من الانهيار، إضافة الى الحفاظ على دول منطقة اليورو في إطار الوحدة النقدية، في ظل اشتداد الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها أوروبا. |
||
سياسة ادارة الازمات تعيد انتاج الأزمات
أخبار البلد -