أخبار البلد -
نقلت الأخبار من القاهرة (18/5/2012م) أن حركتي فتح وحماس اتفقتا نهائيا على تنفيذ اتفاقي القاهرة- الدوحة نهائيا، وأنهما اتفقتا على تشكيل حكومة فلسطينية ترأسها شخصية مستقلة، وقد وافقت "حماس" على أن يرأس هذه الحكومة رئيس حركة فتح محمود عباس؛ تعبيرا عن حسن النية كي تزول كل المعوقات من طريق المصالحة، وقيل إن لجنة الانتخابات المركزية غادرت القاهرة إلى غزة لتراجع الكشوف الانتخابية، كما طلب المسؤولون المصريون الذين يقفون وراء هذا الاتفاق من جهاز المخابرات من رجال اللواء عمر سليمان، أن يتم تشكيل الحكومة خلال 10 أيام.
لم يفرح الشعب الفلسطيني بالخبر، وكما يبدو أنه لم يعد يهم الشعب الأمر بعد أن انتظره طويلا، وقد تكون هذه هي المرّة العاشرة التي اتفقوا فيها على أن تتم المصالحة بعد أن طال أمد الفرقة، لكنهم كانوا يختلفون فور وصولهم إلى رام الله وغزة! لماذا؟ لا ندري! لسبب ما كانوا يختلفون ويتبادلون الاتهامات دون أن يعرف الشعب الحقيقة الكامنة وراء الاختلاف، ودائما كان الوسيط يلتزم الصمت.
وها نحن اليوم نسمع أن الوسيط قد أسمع الطرفين شيئاً مما يجب وسنرى، فإن شعبنا فيه فصيل قد عشق السلطة وتشبث بها ولا يريد أن يتخلى، ولا حتى أن يقاسمه إياها طرف آخر، وهذا الفصيل الذي أوجدته "إسرائيل" وأمريكا نما وترعرع وغدت له مخالب حادة (صناعة إسرائيلية) قادرة على أن تخرب وتمزق وتعوق؛ وبالتالي نضطر إلى اللجوء إلى اتفاق آخر وهذه طبيعة بني إسرائيل التي وقعت معنا اتفاق أوسلو في ساحة البيت الأبيض الأمريكي في 13/9/1993، بحضور عدد كبير من زعماء العالم، وحددت له خمس سنوات ليتم تطبيقه على مرحلتين.
وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى في خمس سنوات، ولم تنفذ المرحلة الثانية، بل اتفق شارون مع باراك على زيارة شارون للمسجد الأقصى المبارك، فقامت الانتفاضة الثانية 2000، وقتل فيها من الصهاينة قرابة ألف وخمسمئة شخص واستشهد من شعبنا حوالي ثلاثة آلاف من الشهداء، وتوقفت "أوسلو" وقتل زعيم فلسطين ياسر عرفات، وتبدلت الأحوال، وترأس شعب فلسطين جناح المرتدين، وتجددت المفاوضات ولكن ليس من النقطة التي كنا قد وصلنا إليها، وإنما من نقطة الصفر، ولم يعد هناك ممران آمنان ولا معابر بين فلسطين والعالم، وأصبحت سياسة التهويد سائدة في القدس ومدن الضفة، وبني السور الأمني أو جدار الفصل العنصري، وتم تدمير كل شيء في اتفاق أوسلو، وحدثت حرب الأشقاء وانفصلت غزة عن الضفة، وصار لفلسطين حكومتان، وساد الشقاق والقطيعة أبناء الشعب الواحد، ولم تفلح حتى الآن أي من الوساطات في إعادة اللحمة بين الأشقاء، وساهمت الدول العربية الفاعلة في توسيع هوة الخلاف، وكانت "حرب الفرقان" مع اليهود، فكان هنا حصار خانق وهناك بحبوحة في العيش!
ها نحن قد وجدنا أنفسنا سارحين مع كل الظروف التي تسببت في انقسامنا إلى فريقين وحكومتين، وإلى محاولات ردنا إلى بعضنا رداً جميلاً، وفشلت كل المحاولات، وقد أشرنا إلى طرف ثالث قام بدوره على ما يرضي أسياده الأمريكان واليهود، فاستمر الانقسام وتواصل التشرذم، ولم تَصدق "إسرائيل" في أي من مواعيدها، فبقيت تحاصر قطاع غزة بحجة استمرار احتجاز جنديها شاليط، الذي وقع أسير حرب من قبل كتائب حماس وبعد الإفراج عنه بقيت مستمرة في حصارها لقطاع غزة، وأسرها لأعضاء حماس في المجلس التشريعي الثاني، ورغم كل الضغوط العالمية ظلت "إسرائيل" تحتجز نواب حماس وحصارها للقطاع؛ ذلك لأن ضغوط العالم كانت وهمية وكاذبة، كذلك ضغوط الطرف الرسمي في رام الله.
وثبت يقيناً أن الأجهزة الأمنية في الضفة كانت متواطئة مع الأجهزة الأمنية في "إسرائيل"، فقامت الأخيرة باعتقال عدد أكبر من نواب حماس ورئيس المجلس التشريعي؛ حتى يظل عدد أعضاء فتح يشكلون الأكثرية ويستأثرون بمراكز رئاسة المجلس وأعضاء لجانه، وبقيت لها الأغلبية في تبني قرارات متخاذلة، لكن نواب حماس خارج السجون كانوا يعطلون النصاب لعقد الجلسات، فتم تخريب المجلس التشريعي طوال الفترة الثانية؛ مما حرم حركة حماس من نتائج سيطرتها على أغلبية المجلس.
وهذا يطرح السؤال: هل كانت حركة فتح تنسق مع "إسرائيل" كي تعتقل نواب حماس وتحاصر قطاع غزة، وتوقف كل شيء تحقق من اتفاق أوسلو؟ أم إن سلطة رام الله حمت "إسرائيل" بالتنسيق الأمني، وحمتها من أي انتفاضة أخرى تحرجها مع العالم وتركتها تصول وتجول في الضفة وتعتقل أنصار حماس، بشرط ألا تعود لتتوحد أو تتفق مع حركة حماس؟ لو كان الأمر كذلك لكانت هذه الطامة الكبرى لا قدر الله!