اخبار البلد : خاص - علي السنيد
يخطئ النظام السياسي الاردني اذا اعتقد انه افلت من عنق زجاجة الحراك الشعبي الاردني بسلسة خطوات اتخذها لتسكين الشارع ، او بالالتفاف على مطالبه العادلة، والمترافقة مع حراك الشوارع العربية الهوجاء والمنتفضة على الانظمة، والتي ادت الى سقوط العديد منها، وتوزع رؤسائها بين قتيل وجريح، وهارب من وجه شعبه ، او معتقل ينتظر حكم القضاء فيه. وتصدرت مشهد هذه الدول المعارضات التي كانت الى حين تستضعف في اوطانها، وغدا مصائر انظمة الحكم بأيديها، ولا شك ان غراس ثورات الشارع العربي كانت تسبق هذه المرحلة، وربما ان حركة كفاية المصرية على صغرها كانت قبل سنوات تضع نهاية حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وقد ذهبت عبثا محاولات النظام القمعية في انهائها، وسحلها من الحياة السياسية المصرية الى ان اودت به مع جماهير الثائرين.
والنظام الاردني - الاحسن حظا - اتخذ عدة خطوات للقفز فوق تداعيات وعواصف الربيع العربي، وتمثلاته في الشارع الاردني ساعدته لربما على اضفاء صفة من التهدئة المؤقتة على الاوضاع الاردنية المتفاقمة، والتي ستكون لا شك مدار التغيير في السنوات القليلة القادمة.
ومن ذلك لجوء النظام الى اعتماد عامل الزمن، والتسويف، واتباع سياسية المراوغة مع نشطاء وقيادات العمل العام بغرض منع التحامهم بالجماهير في اللحظات الحاسمة، وخاصة في مقدمة تدفق، واندفاع الحراك، وقد اتفق مسؤولوا تلك المرحلة على الطلب من مختلف مستويات الحراك الاردني بضرورة اعطاء الدولة مهلة – سموها عطوة- لاصلاح اوضاعها، وكانوا ينظرون الى مؤشر الربيع العربي صعودا او نزولا ، ويكيفون خطابهم التصالحي، او التصعيدي مع نسب هذا المؤشر، واطلقوا الوعود الكبيرة بالتغيير، ومحاربة، واجتثاث الفساد، وتغيير بوصلة العمل السياسي باتجاه المصالح الشعبية، وليس النخب، واقتسام المكتسبات الوطنية مع كافة المناطق والمحافظات، ووقف التفرد بصنع السياسة الداخلية لصالح العاصمة على حساب الاطراف، وووقف الاستيلاء على السلطة التي هي ذات منشأ شعبي، واطلقت في هذه المرحلة الوعود الكثيرة بالاصلاح ، وتحسين مستوى المعيشة، والتزام قاعدة العدالة الاجتماعية والشفافية، وعدم تزوير الانتخابات، واشراك الاردنيين في وطنهم وتقرير مصيرهم، واعادة الاعتبار للعشائر المهمشة زمنا طويلا.
الا ان وعود السياسيين سرعان ما ان تبخرت وذهبت ادراج الرياح، ولم تمسك شبكة محاربة الفساد سوى بمدير المخابرات الاسبق محمد الذهبي، وبقي الاف اللصوص سراق المال العام طلقاء يتحركون، ويقررون مصير الشعب الاردني في المراحل اللاحقة، ويضعون الخطط المستقبلية، وبقي النظام يختار للسلطات من ذات الطبقة التي اودت بالبلاد، وصنعت مأساتها، ومديونيتها، وعجز موازنتها، وادت بها الى ولوج كارثة وطنية محققة اسفرت عن تبدد المشاعر الوطنية لشعب ثائر في الباطن، ويفتقد فقط الى قيادة تحسن التعبير عن مشاعره الوطنية، ولم يغير النظام من جلده او جوهره قيد انمله الى درجة ان ال به المطاف الى التوجه لرفع الاسعار على انقاض وعود الاصلاح، ومحاسبة الفساد، واسترجاع مقدرات، وثروات واراضي الاردنيين المهدورة.
النظام بدأ في مواجهة الربيع الاردني مسالما ، وقام بالتجاوب الى لقاء قيادات الشارع، والقوى السياسية على اعلى المستويات، وتم التأكيد على احقية مطالب الشعب الاردني، وجرى شراء صمت البعض، ودفعت الاموال لهذا الغرض، والبعض الاخر اسكت بوظيفة للاخ او الابن او الزوجة، وكانت الخطة في تلك المرحلة تقضي بالاحتواء، وبعدم اثارة الشارع، وانما توزيع العصائر على المتظاهرين، والبعد ما امكن الى ذلك سبيلا عن استخدام القوة المفرطة خوفا من ان يسيل الدم، و منعا لتطور الاحداث كما هي مجرياتها في الشوارع العربية الاخرى ، واللجوء الى سياسة اعلامية رسمية تهدف الى اقناع الشعب بجدية النظام السياسي في الاصلاح، وضرورة التوافق الوطني على خطة مستهدفة لولوج هذا الهدف.
ثم انتقلت الخطة الى استغلال اخطاء بعض القوى السياسية المعارضة التي حاولت الاستيلاء على الشارع، واحتكار تمثيله، وفرض مواقف ورؤى محددة من الاصلاح على كافة افرقاء الشارع مما شق الصف الوطني فعملت الاجهزة على تغدية هذا الشق، ووسعت من حدة الخلاف مستغلة لتعنت بعض الاحزاب وغرورها، وعملها على تصنيف الاردنيين حسب مزاجها.
وفي المقابل، ولغاية تفتتيت القوى السياسية الفاعلة دست الاجهزة الامنية المحسوبين عليها الى كافة الهيئات، والحركات التي تشكلت في سياق هذه المرحلة حتى اذا ما اصبحوا من صلبها وربما في المقدمة منها انشقوا فاحدثوا خلخلة داخلية فيها مما حول كثيرا من الحراك الى جهات متضادة ، وبقيادات متناثرة غير كفوءة، وهذا ادى الى انعكاس حدة الخلاف على الشارع مما اضعف فعالياته، وبقيت الاعداد المشاركة في تناقص، ولم تحدث اللحظة التاريخية المتمثلة بالتحام النشطاء بالجماهير الغاضبة.
وفي خضم حالة عدم الانسجام بين القوى الوطنية الممثلة لهذه المرحلة، وخاصة بين الاحزاب والتيارات الناشئة في سياق الربيع العربي، وبلحظة بدا فيها ان مؤشر الشارع العربي بدأ في النزول، والتراجع ، وافقها خطيئة البعض في التسرع برفع سقف الشعار في التوقيت الخطأ بما اهل النظام للاقدام على خطوة تصعيدية ، تتمثل بالانقضاض على رموز النشطاء، وزيادة نسبة القوة المستخدمة مع حراك الشارع الذي بقي وحيدا، ولم يستقطب الشعب الى الميادين والى خيم الاعتصام بعد مرور ما يناهز السنة ونصف السنة لانطلاق فعالياته المنددة بالنظام، وان كان الحراك الشعبي يظل يمثل الحالة الوجدانية للشارع، فكانت اللحظة المثالية التي تمناها النظام وعبر عنها بطريقة ذكية بانتزاع ابرز حالات التفوق في الشارع ، وزجها في السجون واشغالها بالقضايا والمحاكم والتكفيل والقيود، وكان هذا حال المناضل احمد عويدي العبادي الذي اعتقل كممثل لخط المعارضة المنظمة السياسية، وحراك الطفلية حيث كان قمة حراك الشارع وتم الزج بنشطائه في السجون، ومن ثم اصبحت القضية في الافراج عن المعتقلين، وليست في الاسباب التي سجنوا من اجلها، وليصار الى اشغالهم بجلسات المحاكم والتكفيل والقيود لدى الامن العام، وفي الخط الصحفي كان الزميل جمال المحتسب الخيار المفضل لتهديد المواقع الالكترونية ولايصال الرسالة الى الوسط الصحفي الذي ارتفع سقفه على حسب وتيرة حراك الشارع.
وفي نهاية المطاف يقوم النظام باطلاق خط موازي من القوى التقليدية في المجتمع لصنع شارع موالي في مواجهة شارع معارض تمكن من اشغال الساحة المحلية على مدار العام والنصف الفائت، ومكون هذا الخط الرئيسي من العشائر الاردنية، والتي يجري تنظيمها في احتفالات بروتوكولية تعد ، وتنسق من قبل الحكام الاداريين، ومدراء الاجهزة الامنية، وبالاعتماد على بعض الشيوخ والوجهاء الاجتماعيين المستفيدين بصورة او باخرى جراء الخدمات التي يقدمونها للاجهزة فيعمدون الى توظيف العشائر في المشهد السياسي على صورة مكاسرة اجتماعية ضد الحراك لمصلحة النظام الذي يقفز عن ان مأساة الاردن الحقيقية تتمثل اليوم بالحال التي وصلت اليها كثير من العشائر الاردنية، ومناطقها، والتي غدت مكنوبة، وحقوق ابنائها البسيطة، وقد تحولت الى احلام واماني في هذا الوطن.
وان نظرة واحدة الى واقع العشائر يمكن ان تكذب هذه الاستعراضات للولاء ، والتي لا تليق بهذا القرن الذي نعيش فيه، وقد شبعت الشعوب من متطلبات الحقوق والحريات المدنية.
قد يكون النظام الاردني افلت اليوم من المحاسبة بفساد رموزه، وتغوله على حقوق الاردنيين، وتحويلهم الى مستجدين لحقوق اصبحت تسمى مكارم ، وتثبيته لمعادلة السلطة في المحاسيب والشلل، وتكوينه واقعا يكون مناقضا للعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتمكن من البقاء محافظا على جوهره السلطوي القديم، ولكنه حتما سيكون غدا في مواجهة حرك شعبي من نوع اخر، وقد بات يتكون في احشاء المجتمع، وستفاجئة الايام بالمليونيات، ولات حين مندم.
علي السنيد