هل يجب على الدول التي تربط عملتها بالدولار كالأردن أن تقوم بتخفيض نسبة الفائدة كلما قام الفدرالي الأمريكي بتخفيض نسبة الفائدة؟ السؤال في الأردن، هل يجب التخفيض بذات القيمة؟ سؤال وحوار هامّان حول وظائف أدوات وأهداف السياسة النقدية لدينا.
القاعدة العامة هي أن الدول ذات ربط العملة الصارم تحتاج إلى الحفاظ على فارق فائدة معقول على عملتها بالمقارنة مع الدولار لمنع خروج رؤوس الأموال، الضغط على الاحتياطيات، والمضاربة على سعر الصرف. لكن هذا لا يعني التطابق الكامل مع الفدرالي (يعني ضرب بضرب). فالدولة لا تستطيع أن تجمع بين سعر صرف ثابت، وسياسة نقدية مستقلة، وحرية حركة رأس المال. والأردن يختار سعر صرف ثابت، وانفتاحا ماليا نسبيا، والاستقلال الجزئي للسياسة النقدية.
هل يجب التخفيض بنفس القيمة؟ الجواب: لا، وغالبًا لا يُنصح بذلك، لماذا؟لأن سعر الفائدة المحلي يخدم وظائف مختلفة في الاردن عنه في الولايات المتحدة. ففي الولايات المتحدة يستعمل سعر الفائدة للتحكم بالتضخم، وتحفيز دورة الاعمال في أمريكا لاقتصاد منتج وعميق مع وجود الدولار كعملة احتياط عالمية. أما في الأردن يعتبر سعر الفائدة أداة استقرار نقدي أكثر من كونه أداة تحفيز اقتصادي حيث يقتصر دور سعر الفائدة على تثبيت سعر الصرف، وحماية الاحتياطات من العملات الأجنبية، وتسهيل تعاملات اقتصاد صغير مفتوح كعملة مربوطة.
ليس بالضرورة أن تخفّض الدول التي تربط عملتها بالدولار سعر الفائدة بنفس مقدار تخفيض الفدرالي الأمريكي، بل يعتمد القرار على طبيعة الاقتصاد، درجة الانكشاف الخارجي، وضع السيولة، والتضخم المحلي. والأردن مثالٌ على ذلك، فالدينار مربوط بالدولار منذ 1995، وأحيانا كثيرة نرى تحركات من قبل البنك المركزي في الأردن تجاري وتطابق في الاتجاه والقيمة تحركات الفيدرالي الأمريكي، رغم اختلاف اقتصاد البلدين، غير أن القاعدة العملية غير المكتوبة هي ان يتبع الفدرالي بالاتجاه صعودا أو هبوطا ولكن ليس بالقيمة. فحين يخفض الفدرالي 50 نقطة أساس (0.5%) قد يخفض الأردن سعر الفائدة الأساس ب25 نقطة (وهو غالبا ما يحدث) أو يؤجل أو لا يخفض إطلاقًا، حسب وضع الاحتياطيات، وتدفقات الودائع بالدينار، والفجوة بين الفائدة على الدينار والدولار، والتضخم المحلي (غالبية التضخم المحلي مستوردة وتقارب 60% من حجم التضخم).
التخفيض الكامل قد يكون خطيرًا؟ ففي اقتصاد مثل الأردن التخفيض الكبير قد يضغط على الدينار مما يقلل من جاذبية الودائع، ويرفع الدولرة، فيؤثر على الاستقرار النقدي، لذلك يفضّل المركزي سياسة التحفّظ النقدي، وهي اعتماد نهج في السياسة النقدية يعطي أولوية قصوى للاستقرار النقدي وحماية العملة، ويعتمد على التدرّج والحذر بدل الاستجابة الآلية للتحركات العالمية. وتجلى ذلك حين خفّض الاحتياطي الفدرالي الأمريكي الفائدة بمجموع 75 نقطة أساس في 2019، بينما اكتفى البنك المركزي بتخفيض 50 نقطة أساس فقط وعلى مراحل، محافظًا على فارق فائدة داعم للدينار والثقة النقدية. أي أن سياسة الفائدة في الأردن تتمّ بإدراك أهداف الاستقرار النقدي إلى جانب التوجّه العالمي، ولا تُنفَّذ كاستنساخ تلقائي لقرارات الاحتياطي الفيدرالي.
يعني التحفّظ النقدي عمليًا بالنسبة لأسعار الفائدة عدم مطابقة قرارات البنوك المركزية للفدرالي تلقائيًا، تخفيض أقل من الفدرالي، أو تأخير القرار، أو التجزئة على مراحل. وفي إدارة السيولة يعني التحفظ النقدي استخدام أدوات غير سعر الفائدة مثل عمليات السوق المفتوحة، ومتطلبات الاحتياطي، وأدوات امتصاص السيولة بدلا من الاعتماد على الفائدة وحدها. أما في التواصل مع السوق فيجب ان تستخدم البنوك المركزيةرسائل حذرة، وأن تتجنب وعود مسبقة وكثيرة، وأن تقوم بترك مساحة للتكيّف حسب التطورات.
ويختلف التحفظ النقدي عن التحفيز النقدي، فالأخير يهدف الى تسريع النمو، ودعم الائتمان، وتقديم تخفيضات كبيرة، وتحفيز الطلب، بالإضافة الى أخذ قرارات حادة (إجراءات سريعة وكبيرة في قيمتها)، بينما يهدف التحفظ النقدي الى استقرار العملة، حماية الاحتياطيات، التدرج في القرار، واستخدام تخفيضات محدودة.
تعتمد طريقة استجابة البنوك المركزية على طبيعة الاقتصاد، لا على قرار الفدرالي وحده.
لا تتصرف كل الدول كالأردن، ففي السعودية والإمارات وقطر مثلاً، يكون التطابق شبه كامل، حيث الربط صارم والاحتياطيات مرتفعة، وغالبًا ما يجري تخفيض الفائدة بنفس مقدار الفدرالي وبسرعة. وفي هونغ كونغ والتي تمثل نموذج التطبيق الأكثر صرامة لأنها تستعمل نظام "مجلس النقد" (نظام نقدي صارم لإدارة العملة، يُلزِم البنك المركزي بأن يكون كل إصدار من العملة المحلية مغطّى بالكامل باحتياطيات أجنبية (عادة بالدولار أو اليورو)، مع ربط ثابت وغير قابل للتعديل لسعر صرف محدد)، مما يجعل انتقال قرارات الفدرالي شبه تلقائي فلا تُدار الفائدة كأداة سياسة مستقلة. وفي المغرب يستخدم نظام سعر صرف مرن يمنح بنك المغرب حرية أكبر في تحديد الفائدة وفق التضخم والنشاط المحلي، دون الالتزام بتحركات الفدرالي. وفي مصر، حيث العملة محررة، تُدار الفائدة أساسًا لمواجهة التضخم ودعم العملة، وليس استجابة للفدرالي.
السؤال المهم هو بكم وبأي توقيت وكلفة على الاستقرار النقدي يجب على الأردن أن يخفض الفائدة عندما يخفضها الفدرالي؟ السياسة النقدية الرشيدة لا تُقاس بمدى التقليد، بل بقدرتها على إدارة التوازن بين الاستقرار ودعم الاقتصاد. وفي هذا التوازن، يكمن الفرق بين قرار حكيم وقرار متسرع. أيضا، يجب الاخذ بعين الاعتبار أن الاستقرار النقدي بحد ذاته هدف تنموي، وأن سعر الفائدة ليس أداة نمو سريعة، بل صمام أمان، واستخدامه كوسيلة تحفيز مباشر قد يؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم يُحسَب بدقة، فكلما كان الاقتصاد أصغر وأكثر حساسية للدولرة، زادت الحاجة إلى الحذر لا إلى التطابق.



