أخبار البلد -
اخبار البلد
فجرّت الصحافية «حنان خندقجي» من موقع «عمان نت» فضيحة مدوّية حول الانتهاكات التي ترتكب بحق الأطفال المعوقين، وقد توّجت تقريرها المكتوب بتوأم تلفزيوني في التقريرالآخر الذي بثته قناة «البي بي سي» اللندنية.
بعضنا ثمّن للصحافية جهدها بكشف هذه «الفضيحة»، وبعضنا اعتبر أن هذه المكاشفة الإعلامية ألحقت إساءة بالغة بالبلد، وما بين الرأيين تبقى الحقيقة غيرالغائبة التي تقول إن هناك مشكلة مزمنة لا بد من حلها حتى لا تصبح الصحافية ضحية لنبل دوافعها وجرأتها وحتى لا ننسى جوهر القصة.
لا أظنها إساءة للبلد فالملك الحسين ذاته فجّر بقرار منه قصة مبّرة الايتام عام ستة وتسعين، والملك عبدالله الثاني دخل ايضاً على خط القصة ولم يتركها لتمر بهدوء، وزار المراكز اياها بعيداً عن هوى «الإدانة» لمن كشف الحقيقة لصالح مبدأ «الإدانة» لمن ارتكب المخالفة وهذا هو الأهم بدلا من سوء التأويلات.
الاعتداء بالضرب والاعتداء الجنسي في مراكز الأطفال المعوقين يصل ايضاً الى بعض دور الايتام التي ارتكبت بها انتهاكات جنسية واساءة معاملة، والأدلة متوافرة في ملفات الوزارة التي ما زالت تتعامل مع الحالات باعتبارها فردية بدلا من الوقوف مطولا عند تراكمات الملف لأن مبدأ «الطبطبة» هو الغالب باعتبار ان الناس ستنسى سريعا.
هناك روابط خفية بين موظفين رسميين وهذه المراكز، ولأن هذا المركز أو ذاك يعين موظفاً بواسطة فلان في وزارة التنمية الاجتماعية حيث يتم دعم المركز والتغطية على أي خطأ يرتكبه وسلسلة المنافع طويلة في هذا الصدد وتصل حد إبلاغ المراكز مسبقا عن بعض الجولات التفتيشية وحد تبادل المنافع بين المراكز والوزارة بشأن استقبال حالات محددة بطلب من الوزارة فتتعامى الوزارة عن أخطاء المراكز مقابل هذه الخدمات.
الأدهى أن مئات العائلات العربية وبالذات الخليجية تضع ابناءها من هذه الحالات هنا، وبعد «الفضيحة» علينا ان نتوقع سحب هؤلاء لأولادهم والبحث عن دول عربية أخرى وهذا أحد جوانب أضرار القصة فوق الضرر اللاحق بأطفالنا، لأن هؤلاء تركوا ابناءهم امانة هنا وسيغرقون اليوم في تصورات حول الواقع ما بين المبالغة والمعلومة.
كل هذه الفضائح تتم في المراكز الخاصة، فما بالنا في المراكز الحكومية والأغلب أن جميع المراكز «شدت حيلها» خلال هذين اليومين وتأنقت ورتبت امورها وأغدقت من الدلال على من فيها حتى لا تقع عين المحاسبة عليها الى أن تمر العاصفة بأقل الخسائر على الجميع.
معوق يتم حرقه ويقال لأهله إنه احترق بماء ساخن او مادة كيماوية، ولا يقولون لك كيف وصلت المادة اليه اساساً.
ومعوق بوجه يفيض براءة يتم تكسيره بجبيرته ويقولون لك إنه ربما كان يلعب الكاراتيه او سقط عن تلة جبلية داخل المركز، وآخر يتم سحبه على وجهه وكأنه في معتقلات جوانتنامو ان لم تكن هذه الطف!.
لا نعرف ما الذي كان سيحصل لو جرت محاولة لمعالجة الملف بعيداً عن التفجير الإعلامي غير ان غياب الثقة بالمعالجات المبكرة ربما جعل التفجير إعلامياً الحل الوحيد خصوصاً أن قضايا كثيرة وصلت لمسؤولين فتم حفظها في الأدراج، كما أن وظيفة الإعلام عدم التستر على «الخزايا» وليس العمل كوسيط سري بين الناس والمسؤول بقدر إعلام الناس بما يجري وفرد الحقائق على الارض.
إذا اساء أناس لسمعة البلد فهم أولئك الذين اعتدوا على المظلومين وليس من كشف فضيحتهم، والاردن يبقى «ناصع البياض» وفيه آلاف الحكايات الطيبة التي تستحق ان ُتروى والتي تطغى على السواد القليل جداً حتى لا نبقى أسارى لفكرة تقول ان كل نقد هو تشويه وكل مكاشفة خلفها اجندة مريبة وهذا كلام سيعرقل بالضرورة كل نقد بناء.
فضيحة ومن تسبّب بها هو من أهان الأطفال وليس من أماط اللثام عن مظلوميتهم حتى لا تتحول مهنة الصحافة لمهنة قوامها «طبالون ومزمرون وعازفون وراقصون» وحتى لا تتم قراءة «العربي» من اليسار الى اليمين.
سر المهنة: كشف المستور لا تزيين القبائح ومكيجتها.