* أرث من المحبة وذكرى عطرة..عرف أن الإرادة تصنع المستحيل.. فوصل الى قمة النجاح بضمير متصل مع الناس.
* كرم غير محدود ودلال القهوة تفوح بالهيل، واسوار القدس سياج ثوابته القومية وصدقه جعلت منه رمزاً وطنياً وشيخاً ستبقى فروسيته حاضرة مثل مواقفه التي كان يقولها دون خوف.
* فارس حارب بشجاعة وبنى نفسه وملامحه السمراء وصوته الشجي جعلت منه قاسما مشتركا لكل أبناء الوطن.
* اسم نظيف ورحلة طويلة ومواقف لا تنتهي لن يملأ فراغه أحد.. فله الرحمة ويحق لـ "بني صخر" ان تبكيه الى الان
* صخري يشع نورا ومؤسسة اردنية من رجل
ميعاد خاطر- يرحل عيد الفايز وشجرته محملة بثمار خضراء باسقة، يرحل وقد ترك كنز كبير وارث عظيم يستحق ان يصان ويرعى، فقد عمل في قطاعات كثيرة وترك لمن يخلفه ما يستطيع ان يبني على ما بنى ويستفيد من مداميك البناء الناجحة.
سيبقى صوته وهيبته ووقوفه يهز صمت أصدقائه بالكلمة والدعاء.. سيبقى حاضرا في كل مكان وطأ أو جلس في المواقع الرسمية والخاصة فقد حرموا الأن برحيله من لحظات كانت جديرة به او كان الأجدر بها .. لحظات كان الأردنيون يستحضرون قيمه كلما افتقدوا وجوده بينهم، لكنه رغم غيابه كان دائما الغائب الحاضر بين عشيرته ومعهم نحو الاسهام في رفد المسيرة الخيرة الإنسانية والوطنية.
ليس بمقدور أي كلام نكتبه ان يعبر عن حجم الخسارة التي نزلت على بني صخر العشيرة التي قدمت للوطن شخصية كبيرة وفذة، فهذه العشيرة تجيد صناعة الرموز والوطنيين باحتراف، فالكثير الكثير من الأسماء اللامعة جاءت منها ورصعتها وزادت في بريقها ومنحتها هوية التميز ، فما تعلمه عيد الفايز بين عشيرته وما راكمه من خبرة ودروس مستفادة طوال سنين عمره جعله مثالا للشخصية الأردنية الجديرة بالاحترام والتقدير.
رحيل عيد الفايز بالأمس أحدث فراغا و مساحة واسعة، فما كان يشغله ويغطيه بحضوره كثير وكبير ، فلم تكن بني صخر وحدها من خسرت هذه القامة البارزة، إنما هو ابن الأردن واحد رموزها الوطنية والمعرفية المشعة والسند القوي الذي اوكلته الدولة مهام كثيرة كان "قدها وقدود" وزيادة.
لقد شكل عيد الفايز لنا كمحبين ولمن عمل معه في كافة مواقعه مصدر ثقة واطمئنان، كنّا وكانوا يتسلحون به وبفكره وبجرأته ومواقفه واندفاعه وعظم إصراره وطريقته وشخصيته المؤثرة فكانت الخسارة جلية وعظيمة بفقدانه .. .
من لا يعرف عيد الفايز الذي غادر الدنيا الى الاخرة.. إنه مؤسسة اردنية من رجل.. إنه رمز وطني لا ينال منه اختلاف.. لديه روح وثّابة وإرادة لا تعرف إدارة الظهر للعمل العام والمصلحة الوطنية، وليس من الصعب ان نعرف سر ذلك، إنه شخصية فذة يقول رأيه دون خوف او مداراة، وكل الذين عرفوه او خبروه او سمعوه او شاهدوا احاديثه كانت تعجبهم شجاعته وقوة حجته فيما يطرح من حلول لمشاكل وقضايا سواء كانت سياسية او اجتماعية أو ثقافية او أدبية او اكاديمية او ، فالقضايا التي شغلته هي القضايا التي شغلتنا جميعا.
أتيح لي شخصيا ان اتعرف على الفقيد عيد الفايز عن قرب بحكم عملي بالصحافة، ولم تكن مدة اللقاء تسعفني أن اطيل، فالمحبين حوله كثر وقد أعطاني وقته وانصاته واهتمامه فأثرت أن اجعل مداخلتي قصيرة حتى لا يحرم غيري من لذة اللقاء وفخامته.
محبتي له جعلتني اتتبع أخباره فعندما كان يتحدث كانت تنصت له الاذان، كان حيياً لا يكشر في وجه أحد، يشعر الكثيرين بأنه الصديق الأقرب لهم، كان يستخدم كلمات رصينة جداً ومقتضبة، يصل الى هدفه بالقليل من الكلام وكانه في سباق مع الزمن..، فشكلت كلماته ومحياه وقسمات وجهه وحركاته وممشاه وتلميحاته هاجس لدي لتقليده .. فله قدر عال في نفسي ، ولكن لا شيء يجيز ان اتحدث عنه بشكل اليف او حميمي كما يتحدث اصدقاؤه ومن عايشوه حتما.. أنه قدوة النجاح وبوصلتها، صنع اسما نظيفا وجهدا عظيما وعائلة طيبة متماسكة بارّة.
رحل عيد الفايز وهو يحمل القدس في كل ذرة من جسده ونبض في قلبه الذي توقف، رحل وقد أعطاها الكثير من حبه وعشقه حتى غدا واحدا من أبنائها البررة، لم يكن قلبه يحتمل الاخبار السوداء عن القدس فاستودع ما حمل لها من امانه وارتحل، فقد ظلت القدس في وجدانه منذ ان رأى اسوار مدرستها ، فقد درس فيها وكون اكثر صداقاته منها وكانوا خير الرفقاء له في سفره الى أمريكا..
لقد كان الموقع العام الذي شغله "أبو سداد" او الوظائف الكبيرة هاجسه ليقدم ما ينفع الناس والوطن، ويحفظ له اسما ومجدا محترما يقترن باحترام الناس، فلم يتسلم وظيفة او منصب إلا أهلّه وأعطاه وملأه بالإنجاز وابدع في نهوضه وقدرته على التغيير.
سار رحمه الله في رحلة طويلة ووقائع عديدة، كان فيها مشاركا وشاهدا إما مبشرا وإما نذيرا.. عاش في كنف والده الذي علمه كيف يخدم البلد ويعتمد على ذاته، ويحسن التصرف.. تزوج شركسية وكانت له السند وأثرت في شخصيته بشكل إيجابي. ولديه من الأبناء (سداد وسند وهلا )
كان لصوته الهادئ إيقاع فيه دلاله، فطريق حياته كانت تعبق بها رائحة حب الهال وصورة البادية، فهو البدوي الحضري، فقد صارع شقاء السفر في أمريكا وعانى ويلاته، وتغلب عليها بعد ان صبر واهتدى الى ان وجد طريق النجاح، فدعاء والديه جعل الحياة تقبل عليه وتعشقه وكانت تجدد فيه الحياة.
عيد الفايز هو الرجل الذي إن ذكر فطيبه ومواقفه وسردها لا ينتهي، وان قلنا عن حزننا عليه فكل بيوت العزاء في عشيرته واحبائه يحزنون، هو ابن العشيرة المسكون بكرمها وطيب عاداتها وعز مسعاها، ومشهود له احترامه للعشائر الأردنية التي قدمت أدوارا ونماذج إيجابية ساعدت مؤسسات الدولة في النهوض بتحقيق أهدافها وإيجاد نوع من التوازن الاجتماعي والسياسي والقضائي.. وكان يضيق من استخدام افراد خارجين عن التقاليد اسم العشائر والزج بها في طريق لم تكن قط طريقها.
غاب عيد الفايز وترك ارثا وديوانا للرجال وديوانا أخر يجاريه بالفخامة للنساء فقد كرس الفقيد جزءاً من فكره في الدفاع عن المرأة ليس كجزء مصون وانما كحالة تبحث عن دمج متكافئ وإعادة اعتبار.
يظل عزاء الأردنيين أصحابه وأهله وأبناءه مجسداً في التركة التي خلفها بعده والأعمال والإنجازات والسيرة التي ملأها بكده وتعبه وسهره وتفانيه خلال سنواته الثمانين التي قضاها على الأرض..
اعرف ان النفوس ملأى بالاسى على فراقه، فقد اعطى من حياته الكثير من الأداء المشرف، وكان بحق ابيض الوجه لمن وثق فيه عندما طلب لأداء الواجب، فكان صاحب ضمير نظيف وقام بمهماته خير قيام منطلقا في ذلك كله من مبدأ الوفاء للوطن والملك.
لقد اوحش فراقه الكثيرين ولكنه ترك لأولاده وعشيرته ومحبيه ارثا معنويا من الذكرى العطرة والمحبة، فلنتذكر دوما ابن بني صخر البار الذي رحل تاركا لنا مواقف عديدة زرعها في بستان معرفته فنم قرير العين يا أبا سداد.