تجاوزت سوريا أكثر من نصف عام على سقوط نظام بشار الاسد، وعبَرت مراحل عديدة خلال ستة أشهر، من انفتاح عربي واسع، واختراقات دولية مهمة، كان ذروتها التقارب الكبير مع واشنطن، وعواصم أوروبية مؤثرة، مثل: باريس وبرلين.
إلا أن كثيرًا من الملفات الداخلية غير المحسومة، من الأمني والطائفي، وما يتعلق بالحريات العامة، وشكل الحكم النهائي للبلاد، يثير الشكوك حول قدرة نظام الحكم الجديد في دمشق على تجاوز نماذج عربية سابقة انزلقت إلى صراعات طائفية وحروب أهلية جعلت منها "دول ميليشيات".
ورغم الاختلاف النسبي الذي تبدو عليه دمشق الجديدة، فإن خبراء يحذرون من أن تجنّب سوريا لتكرار سيناريوهات عربية لدول تحكمها الفوضى والميليشيات، يتطلب "خريطة طريق" برعاية عربية ودولية.
وسوريا التي كانت مسرحًا لحرب أهلية عنيفة تحولت لاحقًا إلى إقليمية، يرى الكاتب والباحث علي حمادة، أنها مطالبة بالعمل الفوري لـ "تجنب الغرق في أتون حروب أهلية صغيرة على غرار ما حدث في العراق وليبيا واليمن والسودان"، معتبرًا أن من الضروري الإسراع نحو "حل سياسي شامل على الصعيد الداخلي".
ويدعو علي حمادة في تصريحات صحفية السلطات الجديدة في دمشق إلى عقد مؤتمر تأسيسي شامل برعاية عربية ودولية، تشكل "الضمانة لحماية سوريا من التدخلات السلبية، الدولية والإقليمية".
ويشدد على ضرورة "الاحتضان العربي لسوريا خصوصًا من دول المركز"، إضافة للدعم الغربي، والأمريكي تحديدًا، لردع أي محاولة "إيرانية أو غير إيرانية يمكن أن تعمل على إعادة رمي سوريا في نيران النزاعات".
وضمن "خريطة الطريق" التي ينبغي للحُكم الجديد في سوريا أن يسير عليها، يعتقد علي حمادة أن الحكومة في دمشق مطالبة بإجراء حوار وطني "عاجل"، يأخذ بعين الاعتبار أن الدولة "مكونة من مجتمع متنوع عرقيًّا وطائفيًّا".
ويذهب علي حمادة إلى أن إقرار الحكومة بالتنوع والأخذ به "ليس صعبًا ولا معقّدًا" كما أنه "لا يهدد بأي حال من الأحوال وحدة البلاد، انطلاقًا من العاصمة المركزية دمشق".
و"سياسة الحوار مع الأقليات والأفرقاء"، بحسب الخبير وأستاذ العلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات، من أهم شروط تفادي سوريا الانزلاق نحو "نماذج عربية كارثية" سبقتها إلى الفوضى.
و يشدد شنيكات على أن الحوار يجب أن يعتمد على "وحدة سوريا واحترام التنوع والتعدد داخل المجتمع"، و"تحريم التقسيم وتداول سلمي للسلطة"، محذرًا في المقابل من أن تكرار نظام الحكم السابق "سيؤدي إلى النتيجة السيئة ذاتها".
ويعتقد شنيكات أن أمام سوريا شوط طويل لتجنّب ما حدث في دول عربية لم تنجُ مما عُرف بـ "الربيع العربي"، معتقدًا أن بناء "قوات أمن مهنية ومحترفة تحتكر السلاح" هو أول خطوة في "خريطة الطريق".
كما ينوّه إلى ملفات أخرى صعبة منها ما هو اقتصادي، وخدماتي وصولًا إلى البنية التحتية "المهترئة"، مشيرًا إلى أهمية بدء العمل وبالتوازي فيها جميعًا.
داخلي وخارجي
الأمين العام لحزب التضامن العربي الديمقراطي، ماهر كرم، بدوره يرى أن "التوافق" داخليًّا وخارجيًّا هو الطريق الوحيد نحو تجنّب الفوضى في سوريا.
ويوضح ماهر كرم في تصريحات صحفية أن التوافق الداخلي يتطلب "عدم الاستئثار بالسلطة، أو إقصاء أي مكوّن سياسي أو اجتماعي أو ديني"، معتبرًا أن لغياب هذا التوافق تداعيات قد تكون كارثية. ولتحقيق هذا التوافق يقترح عقد مؤتمر حوار وطني لا يستثني أحدًا.
أما خارجيًّا، فيذهب ماهر كرم إلى أنه رغم ما يبدو من رغبة إقليمية ودولية على تحقيق الاستقرار في سوريا، فإنه ينوه في المقابل أن هناك أطرافًا إقليمية خرجت "خاسرة" نفوذًا أو مصالح معينة بعد التغيرات الكبيرة في سوريا، مستدركًا أن غياب التوافق الدولي قد يعقد مساعي التعافي.
تجاوز المرحلة
لكن الكاتب والباحث، غسان يوسف، يرى أن ما تحقق في أكثر من نصف عام على سقوط نظام الأسد، يؤكد أن "سوريا قد تجاوزت بالفعل ما جرى في بلدان، مثل: ليبيا والسودان واليمن"، مؤشرًا بذلك على بدء "تشكيل جيش موحّد، ووجود دولة بأركان موحدة".
ورغم إقرار غسان يوسف وجود مناطق خارج سيطرة الدولة، كالسويداء ومناطق شمال شرق سوريا، لكنه يعتقد أنه في النهاية لن يكون من مصلحة تلك المناطق الخروج عن سيطرة الدولة، غير مستبعد أن يكون هناك نوع من اللامركزية".
وفي المجمل، يذهب إلى أن سوريا تجاوزت في أكثر من ستة شهر "خطر التقسيم والحروب الأهلية والتدخلات الخارجية"، وأن هناك في المقابل "دولة موحّدة بحكومة الرئيس أحمد الشرع، منوط بها مَهمّة الحفاظ على سيادة وأراضي الدولة".