صدقناهم عندما قالوا لنا إنّ العالم سيصبح «قرية صغيرة». عشنا هذا الوهم لثلاثة عقود. رأينا اتفاقات تجارة حرة بين عدة دول، تشجيع الاستثمار، تسهيلات في الانتقال من دولة إلى أخرى.. وإذا بنا نصحو على عالم أشبه بالغابة الكبيرة.
فاجأ الرئيس الأميركي العالم، كل العالم ودوله الحليفة والصديقة والعدوة والنص نص، بقراراته الصادمة، وبخاصة رفع الرسوم الجمركية، عدا عن تهديده بضم الجارة كندا والسيطرة على غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم، التي تتمتع بالحكم الذاتي داخل مملكة الدنمارك.
ولا ننسى نيته بتحويل غزة إلى ريفييرا فرنسية، لكن بعد تهجير أهلها!
ما حدث ويحدث للعالم اليوم، نفس ما حدث معنا نحن العرب عندما صدقنا أن إسرائيل تريد السلام. وقّعنا معها معاهدات واتفاقات ومكاتب تجارية، الاسم الحركي للسفارات، وإذا بها تعلن في عهد نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، أقطاب حكومة أقصى اليمين، أنها تريد تحقيق حلم إسرائيل الكبرى «من النيل إلى الفرات». ما يعني، حسب ما أعلنوه، احتلال أراضٍ من الأردن وسوريا ولبنان ومصر، وحتى من السعودية.
ثمة شبه بين عقلية ترامب ونتنياهو. كلاهما يتصرف خارج الصندوق، اعتمادًا على منطق القوة وليس قوة المنطق. الأول يخطط لعالم جديد، والثاني لشرق أوسط جديد. كلاهما يحوّل نظام الدولة إلى نظام دولة الرجل الواحد.
لكن الحقائق على الأرض تتحدث بعكس ما يريدان. أفكارهما جاءت من خارج الصندوق، وربما يخرجان أيضًا خارج التاريخ.
استياء دولي من الرسوم الجمركية لإدارة ترامب، وبعضها تحدٍّ واضح مثل كندا والصين. ما يعني بالنسبة للصين اقتراب نشوب الحرب العالمية الثالثة، وهو ما تخشاه أميركا ترامب. وربما تنطلق الشرارة من إيران، التي ترتبط معها الصين باتفاقية تعاون مدتها 25 سنة، وُقّعت في مارس 2021، تشمل المجالات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية. وحتماً ستتبعهما روسيا بوتين.
شرخ كبير بين أميركا والحليف الأوروبي، اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا، وبخاصة في الموقف من حلف الناتو وما يشبه الحرب الاقتصادية الحالية. يُضاف إلى ذلك اتساع مدى المعارضة الداخلية الأميركية لسياسات ترامب، والتي تمثلت أمس بمظاهرات في العاصمة واشنطن و120 مدينة في الولايات المتحدة، ما يهدد بخطر بقائها.. متحدة، وقد بدأ التمرد في كاليفورنيا، حسب سياسيين ومحللين أميركيين وأوروبيين. إضافة إلى مظاهرات مماثلة في لندن وباريس وعدة عواصم أوروبية.
نتنياهو يتبع نفس سياسة القوة والغرور، وإن كان بوحشية أبشع. وارتكاب جيشه جرائم بحق أهل غزة، وإبادة جماعية غير مسبوقة من قتل للأطفال والنساء، وممارسة التجويع والتعطيش، وقتل موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، كجريمة قتل ودفن الـ15 مسعفًا التابعين للهلال الأحمر الفلسطيني. وكلها ضد القانون الدولي.
وفي الوقت نفسه، فإنه يواجه معارضة شديدة متصاعدة في الداخل لسياساته التفردية، واعتماده القوة المفرطة المتوحشة، والمراوغة والكذب على الإسرائيليين.
ما يؤدي إلى اتساع الشرخ وتفكك المجتمع و.. إلى حرب أهلية.
أوجه الشبه هذه، وإن كانت غير متكاملة تمامًا، فإنها ستؤدي إلى خسارة الرجلين منصبيهما، وربما إلى النهاية.