عُشَّاقُ المُتَنَبّي... وورثةُ جنائنِه!

عُشَّاقُ المُتَنَبّي... وورثةُ جنائنِه!
تركي الدخيل
أخبار البلد -  
فِي رِحَابِ الأَدَبِ، حيثُ تتَجاوَرُ الحِكْمَةُ وَالطُّرفَةُ، ويَختلطُ السَّردُ بِالشّعْرِ، مَرَّ عَلينَا المَقَالُ البَهِيُّ لأستَاذِنَا الكَبِيرِ سَمير عطا الله، بِعُنوَان: «تلكَ هيَ الحِكاية»... مَقالٌ كَتبَهُ، كَمَا يُرسَلُ الطَّيف في ليلةٍ بَهيَّة، فأنَارَ ليلَ الذّكريَاتِ، وَسَلَكَ بِنَا مَسَالِكَ السَّردِ، مِنْ هُوميروسَ إلَى عَنتَرَةَ، وَمِنَ الحَارَةِ إلَى «المواسم»، ومِنِ اسْمِ المَولُودَةِ إلَى بَيْتِ المُتَنَبّي. وَفِي هَذَا التّيهِ الجَمِيلِ، أَشَارَ إليَّ بِوَصْفٍ لَطِيفٍ ظَرِيفٍ، قَالَ فِيهِ: «وإذَا مَا اعتبر حارسُ أوقاف المتنبي، السفير تركي الدخيل، أنَّنا في هذهِ الاستعارةِ اعتدينَا علَى مُروجِه التي يَغرف منهَا كلَّ أسبوع...». وإنّي، وَقَدْ وَقَفْتُ عِنْدَ هَذَا الوَصْفِ، لَا أمْلِكُ إلَّا أنْ أبْتَسِمَ. فَلَيْسَتِ الأَوقَافُ حِكْرًا، وَلَا مُروجُ المُتَنَبّي بِمِلْكِيَّةٍ لِأَحَدٍ. إنَّمَا نَحْنُ العَاشِقِينَ لَهَا، كَالرُّوَّادِ إلَى جَنَائِنَ مَفتُوحَةٍ، يَسْقِينَا المُتَنَبّي مِنْ بَيَانِهَا، وَيَغْتَسِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا فِي مَاءِ قَرِيحَتِهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ لِيَقْطِفَ مِنْ ثَمَرِهَا، مَا شَاءَ لَهُ ذَوْقُهُ، لَا مَا شَاءَ لَهُ أَحَدٌ سِوَاه. نَعَمْ، إنَّنِي لَا أُنْكِرُ أنّي طَالَمَا وَلَجْتُ «مُرُوجَهُ» مُبَكّرًا، وَتَأمَّلْتُ ظِلَالَهَا، وَجَلَسْتُ طَوِيلًا تَحْتَ أَشْجَارِهَا، لَكِنَّنِي، وَاللهِ، مَا كُنْتُ إلَّا وَاحِداً من الشَّادِينَ، لَا صَاحِبَ الحَدِيقَةِ، وَلَا حَارِسَهَا الّذِي يَصُدُّ أَحَداً... بَلْ لَعَلّي الدَّلِيلُ الّذِي يُرَحّبُ بِالزَّائِرينَ، ويُرْشِدُهُمْ إلَى كُنُوزِ هَذَا الإِرْثِ الشَّامِخِ. وَقَدْ أَشَرْتَ يَا أبَا شَادِي، إلَى أَبِي العَلَاءِ المَعَرّي، وَذَكَرْتَ كِتَابَهُ الشَّهِيرَ: «مُعْجز أحْمد». وَهَذَا لَعَمْرِي مِنْ تَمَامِ ثَقَافَتِكَ، وَمِنْ رَهَافَةِ إِشَارَتِكَ؛ إذْ لَا أَحَدَ أَنْصَفَ المُتَنَبّي - فِي عَصْرِهِ وَبَعْده - كَمَا أَنْصَفَهُ أَبُو العَلَاءِ. بَيْدَ أنَّ مِنْ وَاجِبِ العَارِفِ أنْ يُنَبّهَ رَفِيقَهُ - إنْ وَجَدَ مَوْضِعَ تَنْوِيهٍ - بِرِفْقٍ لَا يُشْبِهُ المُعَاتَبَةَ، بَلْ يُشْبِهُ الوَفَاءَ لِلنُّصُوصِ. فَكِتابُ «معجز أحمد»، كَمَا لَاحَظَ عَددٌ مِنَ البَاحِثِينَ، تُحيطُ بِهِ ظِلَالٌ مِنَ الشَّكِ فِي نِسْبَتِهِ إلَى المَعَرّي، وَمِنْ أَبرزِ مَنْ نَاقَشَ هَذَا الأَمرَ وَتَحَقَّقَ مِنْهُ، الدُّكتُور مُحمَّد العَزَّام، فِي مَقَالَاتٍ مُستَفِيضَةٍ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى أنَّ: «أسلوبَ الكِتابِ لَا يَتَّفقُ مَعَ أسْلُوبِ المَعَرّي فِي كُتُبِهِ الأُخْرَى، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأخِيرٌ لا يُناسِبُ ترتيبَهُ المَنطِقِيَّ، وبعضُهُ يُناقضُ مَا وَردَ فِي (اللّامع العزيزي)، ممَّا يُرجّحُ أنَّ نسبةَ الكتابِ للمَعرّي غيرُ مؤكَّدة».

وَمَعَ هذَا، فَإنَّ في المَعرّي ما يُغنِي عنْ كُلّ مُؤَلَّفٍ مَنْحُولٍ، و(اللامع العزيزي) شَاهدٌ عميقٌ علَى عَبقريتِه في قراءةِ المُتنبّي، بلْ لَعلَّه أكثرُ إنْصَافاً من كَثيرٍ ممَّن أتَوا بَعدَه. وأمَّا عن «جنائن المتنبي»، فَهيَ ـ وَاللهِ ـ لَا تُؤمّم، ولا تُحتكرُ، ولا تُقسّمُ، بل تُزرعُ وتُسقَى وتُثمرُ، وكلُّ من ارتوَى من مائِهَا، فهوَ مَدعوٌّ لأنْ يفيضَ من زلالِها عَلَى غَيرِه. فإنْ رأيتَنِي - يَا أبَا شَادِي - أُطِيلُ الوُقوفَ بَينَ أبيَاتِه، وأُكثِر التَّأمُّلَ في أروقَةِ دِيوانِهِ، فذَاكَ لأنّي كلَّمَا اقتربتُ منهُ، شَعرتُ أنَّنِي مَا زلتُ في أوَّلِ العَهْدِ بِهِ، وأنَّ بينِي وبينَه سَفراً طويلاً، لَا يَنتَهِي.

وَفِي خِتَامِ مَقالِكَ الجَميلِ، لمَّحْتَ إلَى خَتم الحِكاياتِ بِالفَرح، وَهَا أنَا ذَا أختمُ مَقَالِي بِالعِرفَانِ لكَ، وَلِلكِتَابَةِ الّتِي تُضِيءُ، وَلَا تُطفئُ، تَجمَعُ، لَا تُفرّقُ. سَلَامٌ عَليكَ أيُّهَا السَّارِدُ البَدِيعُ، يَا نَاثرَ الضَّوءِ فِي دَهَالِيزِ الذَّاكِرةِ... وَيَا شَادِيَ البَيَانِ، وَمُؤنِسَ الرَّكْبِ فِي طَرِيقِ الأَدَبِ.

وَهَكَذَا، فالّذِي يَقِفُ عَلَى بَابِ المُتَنَبّي، لَا لِيمنَعَ، بلْ لِيشْكُرَ الزَّائرَ، ويُرحّبَ بِالعَابرِ، ويَجمَعَ ما تَسَاقَطَ من وُرودِ القَصِيدَةِ فِي طَرِيقِ المُحِبّين.
شريط الأخبار مبنى حكومي بتكلفة ربع مليون ولا طريق له ديوان المحاسبة: مخالفات مالية في 29 حزبا سياسيا المقايضة للنقل تخسر قضيتها الحقوقية امام شركة مجموعة الخليج للتأمين اجتماع غير عادي للصناعات البتروكيماوية بهدف إقالة مجلس الإدارة الحمادين: ديوان المحاسبة حقق وفرًا ماليًا 22.3 مليون دينار خلال 2024 الحكومة: رفع تصاريح الدفن من البلديات على منصة قريبًا شركة لافارج.. استقالة سمعان سمعان وتعيين الوزير الاسبق يوسف الشمالي عضواً في مجلس الادارة المقايضه للنقل تخسر قضيتها مع مجموعة المتوسط والخليج للتأمين "لا معيل لهن الا الله" نداء الى اهل الخير 3 طالبات يدرسن الطب صندوق النقد: قدرة الأردن على سداد الدين كافية ومسار الدين العام يتجه للانخفاض زياد المناصير يستضيف رؤساء الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة.. لهذا السبب سوليدرتي الأولى للتأمين تقيم حفل خاص لموظفيها احتفاء بحصولهم على شهادات مهنية معتمدة خبراء يحذرون من فيروس شديد العدوى حول العالم.. ما تريد معرفته فرض رسوم على مشاركة الروابط الخارجية في فيسبوك الذهب يرتفع إلى مستوى قياسي ويتجاوز 4460 دولارا للأونصة أصول صندوق التقاعد لنقابة الاسنان تتآكل وقلق من استنزافها بالكامل زخات مطرية على هذه المناطق الثلاثاء مدعوون للامتحان التنافسي في الحكومة وفيات الثلاثاء 23-12-2025 بعد بيع وحدته في الأردن.. خطة طموحة للبنك العقاري لتوسع أعماله في مصر