أخبار البلد - تستفز عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض معجماً جديداً لمحاولة مقاربة تصرفاته وتصريحاته، وأثرها ليس فقط على الولايات المتحدة، بل على العالم، خصوصاً تصرفاته الصبيانيّة، وتلك المضحكة التي يجب أخذها على محمل الجدّ، كوننا الآن أمام رئيس أقوى دولة في العالم، وليس شخصاً مداناً بعشرات التهم الجنائيّة.
واحدة من هذه التصرفات، هي زرّ كوكاكولا الخالية من السكر الذي أعاده دونالد ترامب إلى مكتبه في البيت الأبيض. زر صغير يضغطه مرة واحدة كي تصله قنينة كوكاكولا باردة وخالية من السكر، حسب "ذا وول ستريت جورنال"، التي غطت كيفية تغيُّر البيت الأبيض لاستقبال ترامب خلال أقل من 12 ساعة. هذه العملية تمثّل جزءاً من استعراض انتقال السلطة السلمي في الولايات المتحدة، هذا إن تجاهلنا تحريض ترامب أتباعه على اقتحام مبنى الكونغرس عام 2021.
لكن، هل هذا الزر دعاية للشركة العملاقة؟ نعم. هل من فائدة سياسية للزر؟ لا. هل هو استعراض للقوى بصورة شديدة الشعبية؟ نعم. هل هي مزحة؟ المفترض كذلك. السبب، أنه سبق لجيمس كوردون، وفي سياق كوميدي، أن سأل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن كيف يحصل على البوظة مثلاً، فما كان من الرئيس السابق إلا رفع سماعة الهاتف بجانبه، وطلب البوظة، فوصلت. كل هذا في سياق المزاح، والترويج لبايدن حينها.
أما اليوم، فزر كوكاكولا، أمر جديّ. علامة على القوة، لكن أي قوة؟ بصورة ما، هي قوة الاستهلاك، والقدرة على تلبية "الرغبة" الاستهلاكية بلمسة زر. الأمر مشابه لما تفعله "أمازون برايم" مثلاً، التي تعد المستهلكين بالحصول على المنتج بكبسة زر واحدة فقط، وهذا ما يفسر طبعاً حضور مديري الشركات الكبرى في حفل تنصيب ترامب، وبينهم جيف بيزوس، صاحب شركة أمازون.
هذا الزر وارتباطه بكوكاكولا، يعكس تغيراً في العقلية الاقتصادية الأميركية، إذ حصلت شركة فورد على دعم حكومي أثناء الحربين العالميتين، لإنقاذها من الإفلاس، بوصفها رمزاً للصناعة الأميركيّة، واضطرت السلطة إلى التدخل لإنقاذها. اليوم، ومع زر كوكاكولا في البيت الأبيض، تقول السلطة إنها تدعم الاستهلاك السريع، ومنتجاً غازياً مليئاً بالكافيين والسكر، يستهلك لمرة واحدة، وبضغطة زر. هذا ربما نموذج الاقتصاد الذي يتبناه ترامب حالياً: مادة إدمانية استهلاكيّة محفّزة تناسب "الجميع"، ولا توقف عن إنتاجها.
هذه المقاربة الشعبيّة للسلطة وصورتها ليست بالجديدة، إذ سبق لترامب أن أقام وليمة في البيت الأبيض، وكانت وجبات الطعام فيها من ماكدونالدز، سلسلة الوجبات السريعة التي كانت جزءاً من حملة ترامب الانتخابية، إذ رأيناه في أحد أفرعها يقلب قطع اللحمة ويبيع السندويتشات. ترامب هنا يحاول مخاطبة المستهلك العادي الذي يتقاضى الحد الأدنى من الأجر، مرسّخاً الحلم الرأسمالي، بإمكانية الترفع ضمن هرمية الشركات الكبرى.
هذه هي أميركا ترامب؛ أميركا الإدمان الاستهلاكيّ، والسعي الدائم إلى الإعلان، ذاك الذي لا يتردّد ترامب نفسه بتبنيه في أول يوم له في الحكم، متجاهلاً كلّ الفضائح المحيطة بالشركة، سواء فيما يخص التلوث الذي تسببه العبوات الفارغة، أو كميات السكر الإدمانية المستخدمة فيها، أو حقوق العمال ومنعهم في بعض المصانع من تشكيل نقابات للدفاع عن حقوقهم. ربما هذا الزر اختزال لسياسة ترامب التي سبق أن شهدناها: كل شيء له حلول سريعة، لا داعي للتفكير فيها، حلول تختصر بزرّ واحد، كحال الزرّ النووي، أو حل مشكلة أوكرانيا بـ"ساعة واحدة"، أو مشكلة المهاجرين في "بناء جدار مع المكسيك"، كلها حلول تبدو منطقية، لكنها خالية من السياسة، وسلطة المؤسسات، والعملية الديمقراطيّة. حلول يمكن وصفها بشديدة الشعوبيّة، مشابهة لمحاولات إثبات أن الأرض مسطحة.
عاد ترامب إلى البيت الأبيض وعادت معه الكوكاكولا
