أطلق نشطاء وحقوقيون في الصين أخيراً حملة لحث الأزواج على إنجاب طفلين لتجنب الصراعات الأسرية في مسألة تبعية الطفل الواحد وواجبات الرعاية، وتفاعل كثيرون مع الحملة.
في ظل سياسة الطفل الواحد التي استمرت نحو أربعة عقود في الصين، نشأ تقليد اجتماعي يقضي بتبعية الطفل الوحيد الذي يكون ذكراً عادة لأسرة والده فيحمل اسمه ويرثه، وحين يصبح شاباً يقدم له ولجديه واجب الرعاية. ويأتي ذلك على حساب عائلة الأم التي تحرم بطبيعة الحال من وريث يحفظ اسمها ويكفل لها الرعاية في مرحلة الشيخوخة.
وطرحت هذه المعضلة أفكاراً جديدة أخيراً في مجتمع ذكوري من بينها إنجاب طفلين أحدهما يتبع عائلة الأب، والآخر عائلة الأم، على أن يتحمل الأجداد من كلا الجانبين تكاليف تربية كل طفل. ويحصل ذلك بالتفاهم المسبق بين الزوجين قبل الإنجاب لحل هذه المشكلة. وأثار ذلك جدلاً واسعاً حول التداعيات الاجتماعية والآثار السلبية. وانقسمت الآراء بين فريقين، يرى الأول أن إنجاب طفلين قد يحقق درجة من العدالة الاجتماعية في مسألة رعاية كبار السن من جهتي الأبوين، ويجنب أيضاً الزوجين خلافات مستقبلية تتعلق بتبعية الأبناء ونسبهم. أما الفريق الثاني فيعتبر أن الفكرة تفاقم المشاكل الاجتماعية الناجمة عن سياسة الطفل الواحد، لأن إنجاب طفلين لا يعني بالضرورة أن يكونا ذكرين، وفي حال إنجاب أنثى، ستبقى المشكلة قائمة لأنها لا تدخل ضمن حسابات الرعاية الأسرية كونها ستتبع عائلة زوجها في المستقبل، كما أنه يصعب تحديد جنس الجنين قبل ولادته في ظل الموانع والقوانين الحكومية.
ضرورة ملحة تقول لو تشين، التي تؤيد الاقتراح الجديد وتعمل في صحيفة تعنى بشؤون المرأة في شنغهاي، لـ"العربي الجديد": "أنا أم لطفل وحيد يبلغ 12 عاماً من العمر، وهو مسجل باسم عائلة زوجي، ولديّ والدان يقيمان وحدهما في مقاطعة قوانغ دونغ (جنوب) لأنني أيضاً وحيدة أبوي. ومنذ أن تعرض والدي لحادث سير أفقده القدرة على المشي قبل ثلاثة أعوام، أواجه مشكلة على صعيد ضرورة البقاء إلى جانبه، لكن ظروف عملي في مدينة أخرى تمنع ذلك. أيضاً تحتم تبعية ابني الوحيد لزوجي أن يقدم الرعاية لجده من طرف أبيه في السنوات المقبلة، ما يعني أن والدي سيبقى بلا رعاية أسرية من الابنة والحفيد، لذا أعتقد أن من المهم أن يتفق الزوجان قبل الإنجاب في شأن نسب الأطفال، وتوزيع المهام المتعلقة بالرعاية الأسرية".
تضيف: "يعتبر إنجاب طفلين حلاً مثالياً لمعالجة هذه المشكلة، إذ يسمح للأبوين بتحقيق درجة من العدالة الاجتماعية بين الأسرتين. وبموجب هذا الإجراء، لا يمكن أن تستأثر أسرة واحدة بالطفل الوحيد على حساب الشق الآخر من العائلة".
تطلعات مشروعة وفي شأن الاقتراح الجديد وتداعياته الاجتماعية، تقول المحامية لي وانغ، المستشارة القانونية في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية، لـ"العربي الجديد": "الاقتراح مجرد فكرة يجرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن تتبناها الجهات الحكومية المعنية حتى الآن، بالتالي، من المبكر الحديث عن مخاطر اجتماعية، لكن التفاعل الكبير من الجمهور مع الفكرة يشير إلى تطلعات مشروعة لدى شريحة كبيرة ممن يعانون من مشكلة نسب الأطفال وتأمين الرعاية الأسرية لكبار السن، لذا من المهم أخذ الاقتراح على محمل الجد والتعامل معه من منطلق إنساني، خاصة أن شريحة كبيرة من أسر الطفل الواحد تواجه مشاكل عدة تتعلق بمسألة الرعاية سواء للأبناء أو الآباء، وعادة ما تحدث صراعات بين الأزواج تفضي في بعض الحالات إلى طلاق. فكل واحد من الزوجين يريد أن ينسب الطفل لعائلته كي يضمن تأمين الرعاية الأسرية في المستقبل".
وتوضح لي وانغ أن القانون الصيني يسمح بتسجيل المولود على اسم الأب أو الأم بحسب الاتفاق المسبق بين الزوجين، لكن بمجرد تنفيذ هذه الخطوة، يصعب تغيير الوضع القائم، وبالتالي، يفقد طرف من الأسرة حق حضانة الطفل، ويصبح مجرد التواصل مع الأسرة محض مجاملة وسلوك اجتماعي غير ملزم بموجب القانون".
عموماً، تعاني الصين من أزمة رعاية في ظل إخفاق نظام الضمان الاجتماعي في دعم كبار السن الذين يزداد عددهم بسرعة ملحوظة، خاصة في الريف، جراء سياسات تحديث المجتمع والهجرة الجماعية إلى المناطق الحضرية، وتحديد النسل في ظل تآكل الرعاية الأسرية التقليدية. ويبلغ إجمالي عدد مؤسسات ومرافق خدمات رعاية كبار السن في الصين 360 ألفاً توفر 8.126 ملايين سرير، بحسب بيانات اللجنة الوطنية للصحة، بينما يتجاوز عدد المواطنين فوق 60 عاماً 267 مليوناً يمثلون نسبة 18.9 في المائة من إجمالي السكان. ويتوقع أن يتجاوز العدد 300 مليون بحلول عام 2025، بحسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء.
وتأتي هذه البيانات في وقت تشهد البلاد عزوفاً غير مسبوق عن الزواج والإنجاب، ففي عام 2020، جرى تسجيل 8.14 ملايين زواج مقارنة بـ13.47 مليوناً عام 2013، وقد انخفضت معدلات المواليد خلال العام التالي إلى 7.5 لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.