القرارات الدولية القاضية بحل الدولتين، والتي قامت على أساسها عملية السلام والمفاوضات من أجل التسوية الشاملة والكاملة، بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتنازل التاريخي الذي قدمته منظمة التحرير الفلسطينية، حين وافقت على دولة فلسطينية تقام على مساحة ٢٢ بالمئة، من إجمالي مساحة فلسطين، والإجماع الدولي والأممّي الذي دعم ودفع عجلة التسوية لسنوات، أجهضه اليمين المتطرف في إسرائيل منذ مطلع الألفية الثانية.
منذ ذلك الوقت ونحن نراوح في مناطق مبهمة، رمادية تحت وعود زائفة هنا ووعود هناك، وما كان واضحًا أن تصل الوقائع على الأرض عند هذه المستويات التي يصعب من خلالها قيام دولة، ذات امتداد طبيعي وسيادة واستقلال، مع استمرار مخططات الاستيطان والضم، وسياسات عزل المدن وتقسم الضفة إلى كنتونات صغيرة، محاطة بالمستوطنات والحواجز، كما تم عزل مدينة القدس بالكامل عن محيطها الفلسطيني، وعن كل المدن والبلدات المحاذية لها.
رغبة الاحتلال واضحة، سواء كان ذلك من خلال التصريحات والخطط، أو من خلال التحالفات والتفاهمات الداخلية، حول نواياهم بتهجير الفلسطينيين، وضم أراضيهم، ونفيهم عن خارطة الوجود، ولو كان ذلك النفي إلى السماء مثلما يفعلون في غزة. نظرة عنصرية يجاهر بها قادة التطرف والإرهاب داخل حكومة الاحتلال، ونلمس ممارساتهم على الأرض في كل تفاصيل حياتنا وفي دقات وقتنا.
من الواجب أن نفهم أن حالة الغياب الدولي وانحياز بعض الدول، وفي مقدمتها أمريكا دفع الاحتلال لهذه العنصرية، كما ومن المهم أيضًا أن نعلم حقيقة الواقع العربي وضعفه، أمام ما حدث ويحدث على مستوى المنطقة والإقليم، الأمر الذي جعل القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني كله تحت عصا الاحتلال، وسياسات التضييق والخنق، وأساليب القتل والتعذيب، وفي انعدام الرؤيا لدى المجتمع الدولي، وعدم جدّية الولايات المتحدة الأمريكية فإن مجرد الحديث عن حل الدولتين يكون وهمًا وسرابًا، ويكون الرهان عليه مضيعة للوقت. هو الوقت الذي يريده الاحتلال ليواصل تنفيذ مخططاته.
إن حالة اليأس التي وصل إليها شعبنا من عملية التسوية، ومن كل الوعود والشعارات حولها، سببه التجربة المعاشة والتي لم تسفر عن عودة أدنى الحقوق، ولم يوقف المحتل اعتداءاته، ولم يتحقق للفلسطيني ما كان يحلم به، وفي هذه الأيام تتصادف الذكرى الـ ٣١ لتوقيع اتفاق أوسلو الذي لم يثمر طيلة ثلاثة عقود عن دولة، بل وبعد هذه السنوات نعيش اليوم حرب إبادة شاملة وكاملة، وخرابًا كبيراً دمر كل أشكال الحياة في غزة، ونشهد عجزًا دوليًا لوقف هذه الإبادة.
أوسلو التي استقبلها الفلسطيني برغم كل ما شابها، إلا أنه تطلع من خلالها لدولة وسيادة وخلاص ولو جزئي من الاحتلال، لكنها في النهاية لم تفض إلى دولة، فقد قتلها اليمين المتطرف في إسرائيل، ورقص فوقها وسارع في قضم وضم الأراضي وأقام المستوطنات، وفرض جغرافيا جديدة مغايرة ومختلفة تمامًا، وداست بساطير جنوده كل الاتفاقيات، وأعاد الاحتلال لمناطق ما يعرف بمناطق (أ)، وهي المدن التي انسحب منها الاحتلال وفق الاتفاقيات.
وفي ظل حكومة الحرب بتركيبتها العنصرية المتطرفة، يكون الحديث عن حل الدولتين كذبة كبرى، وتخدير فاشل منتهي الصلاحية، لأن واقع التجربة في عين الصغير والكبير يعلم تمامًا استحالة الأمر، إلا إذا شاءت الإرادة الدولية ووافقت الدول الكبرى، وفرضت حلًا عادلًا وجادًا وفق رؤيا زمنية محددة، وقرارات ملزمة على الاحتلال، وما دون ذلك يبقى السلام مذبوحًا بسيف الاحتلال وبنادقه وقطعان مستوطنيه.
في ظل حكومة الحرب بتركيبتها العنصرية المتطرفة، يكون الحديث عن حل الدولتين كذبة كبرى، وتخدير فاشل منتهي الصلاحية، لأن واقع التجربة في عين الصغير والكبير يعلم تمامًا استحالة الأمر