لم تكد خرافة التفوق العنصري الالماني تنهار بانهيار النازية في الحرب العالمية الثانية حتى افتضح وجودها عند آخرين، وللعجب ان منهم اولئك الذين اكتووا بنار الهولوكوست وأنشأوا بذريعته الدولة العبرية إسرائيل على انقاض فلسطين والفلسطينيين، فالصهاينة يهوداً كانوا أم ايفانجيليكيين، وأخص منهم البيض في أميركا واوروبا الغربية، يؤمنون بان الغوييم، اي كل من عداهم من جميع أمم الارض، هم الأدنى، وقد خلقهم الله ليكونوا خدماً وعبيدالهم حتى ان بعض هؤلاء الغوييم انفسهم باتوا يصدقون الفُرية الأسطورية القائلة بان الصهيوني خارقُ القدرات وذو مواهب تجترح المعجزات فلا يمكن لأحد أن يتغلب عليه في أي ميدان، ففي العسكري هزيمة ثلاثة جيوش عربية على يد الجيش الاسرائيلي في ستة ايام من حزيران عام ١٩٦٧، وتلك فُرية حطمها طوفان الأقصى في ٧ تشرين الاول ٢٠٢٣، لكن رواسبها المستقرة في نفوس بعض ابناء جلدتنا تجعلهم يتوهمون ان الميادين المدنية أيضا كالعلمية والاقتصادية والموسيقية والفكرية والتكنولوجية وغيرها لا تخلو من الخوارق، حتى ليصيبهم حيال ذلك من اليأس ما يبلغ حد التخاذل والاستسلام، وقد غفلوا عن جهود تراكمية جادة بإمكانيات متواضعة لكن ذكية مخلصة، بذلها فلسطينيون في السنوات الأخيرة حول العالم في حركة المقاطعة الBDS وفي إعلام The Electronic Intifada Podcast ومئات اخرى من الأنشطة المشابهة والمرافقة، بدأت تؤتي أُكُلَها وصارت قمينةً بتبديد ذاك الوهم وتعزيز الثقة بالنفوس.
تُرى، من هي تلك الدولة التي تروًج لشيوع ثقافة عنصرية خرافية كهذه، مناقضةٍ للعلم ومنافية للعقل السويّ دون ان تكون مقتنعةً بها بل بسواها مما يحقق غاياتها وأطماعها؟! إنها أميركا المتعدّية منذ تأسيسها على سكانها الأصليين، ثم على جيرانها الأقربين في شطرها الجنوبي والأبعدين في آسيا وافريقيا،والساعية دوماً للهيمنة على العالم كله بعدما قررت أن يكون القرن الواحد والعشرون قرناً أميركيا ً! وها هي الان تستخدم هذه الثقافة في التغطية على نواياها الحقيقة في الحرب على غزة بقفاز اسرائيلي لكن بدعمٍ لا ينضب من مالها وسلاحها،تاركةً للمغرَّر بهم التصديق بان إسرائيل «الجبارة» هي التي تسيطر على قرار إنهاء الحرب وان نتانياهو يعطل صفقة تبادل الاسرى، وكأن انتوني بلينكن وزير الخارجية الاميركي مجرد ناقل لرسائله!.
إن من صلب الموضوع ان اكررهنا ما سبق أن تطرقت له كثيرا من أن الخداع في تاريخ اليهود واستغلال مآسيهم حتى بين ظهرانيهم قديم في الشرق والغرب،فكما فعل ملوك وأمراء أوروبا برعاياهم من اليهود لأسباب مختلفة فأوكلوا قيادهم وكامل شؤونهم وجمع الضرائب منهم والإتاوات،للمتنفذين من احبارهم او كبار مرابيهم، وقام صلاح الدين الأيوبي بإقطاع طبيبه المشهور موسى بن ميمون يهودَ مصر ليتولى جميع شؤونهم وهو الحَبْر والفيلسوف الذي ادخل على التلمود عدداً كبيراً من التعاليم الكريهة والمفاهيم العنصرية المتعصبة ضد الأغيار ومنهم بالطبع العرب والمسلمون!
فان الصهيونية العالمية اليوم ومنذ قرن ونصف تقوم بإيهام يهود العالم (رغم اشتهارهم بالذكاء المفرط!) بان أمنهم وأمانهم ورغد عيشهم وتحقيق حلمهم بالسيطرة على كوكب الأرض بعد بناء دولة إسرائيل على دمار فلسطين وأجساد الفلسطينيين بموجب الوعد التوراتي، فلا نراهم يفطنون لاحتمالات انقلاب السحر على الساحر وسقوطهم في هاوية كارثية أشد هولاً وقتامة ًمن الهولوكوست، وهو مصير تأبى علينا شيَمُنا ان نتمناه لهم رغم كلّ ما ارتكبوا بحق الفلسطينيين من جرائم فظيعة لا تُغتفر، وماسببوا للشعوب العربية المجاورة من تخريب وتفتيت وفوضى وذلكم بالتآمر والمشاركة المباشرة مع حليفتهم العضوية وحاضنتهم الكبرى.. اميركا.
وبعد.. فان الذين خارت عزائمهم امام الانتصارات السابقة للحركة الصهيونية باستخدام مختلف الوسائل الدنيئة المفضية الى التطهير العرقي في خرق صارخ للقواعد الاخلاقية والشرائع الانسانية، مطالبون اليوم وقبل فوات الأوان بمراجعة ضمائرهم والعودة لصوابهم فالشعوب لم تعترف يوماً بالهزيمة، وأسطع الأدلة صمودُ المقاومة في غزة ونجدةُ الانصار في لبنان واليمن والعراق.. وتضامنٌ منقطع النظير من لدن احرار العالم، حكوماتٍ وشعوباً.