مشهد منطقتنا يقول أنها تتجه نحو إستقرار نسبي بعد العديد من الهزات الأمنية والسياسية، والإنتهاء من الانتخابات الرئاسية المصرية خطوة هامة في خارطة الطريق التي جاءت بعد عزل محمد مرسي قبل عام تقريباً، وحتى الأوضاع الأمنية في مصر فإن التوقعات أن تميل إلى الإستقرار، فالدولة هناك لم تتعثر في خطوات الإستقرار السياسي ولا المواجهة الأمنية، وحماس بعد مصالحتها المصلحية مع حركة فتح تبحث عن طريق أو وسيط يفتح لها الأبواب نحو القاهرة، وهو أمر ممكن لكنه يحتاج الى مبادرات حسن نوايا ، واخوان مصر جزء من معادلة حماس ، وستكون الأولوية للأخوان البحث عن مكان « شرعي « في المعادلة المصرية، وهو أمر ليس مستحيلاً لكنه يحتاج إلى مراجعات فكرية سياسية كبرى داخل الجماعة تقودها طبقة قيادية جديدة أو على الأقل فكر إخواني جديد.
ورغم صعوبة مهمة الرئيس المصري المنتخب إلا أن مصر اليوم تمثل قاعدة لحالة عربية تريد مصر قوية مستقرة، حلف يريد مصر نموذجاً لحكم حازم، حكم يتخلص سريعاً من تجربة حكم الإخوان، ويكون أيضاً قاعدة لبناء حالة عربية إقليمية بعد سنوات من إنقسام دول المنطقة بين محاور كانت متناقضة أحياناً على صعيد الملف السوري والمصري والموقف من صعود نجم الإخوان في المنطقة والملف الإيراني وحتى التركي.
واياً كانت مواقفنا من النظام السوري تأييداً أو معارضة فإنه يذهب نحو سيطرة نسبية أمنياً وعسكرياً، وهناك حالة لمصلحة النظام صنعتها الانتخابات الرئاسية هناك، وفي كل الأحوال فإن القيادة المصرية اليوم لا تقف في صف أعداء النظام السوري وإن كانت ليست في صف حلفائه، وهذا يعطيها حرية في الحركة لمصالحها وأدوارها.
ليس لأننا أردنيين، أو لأننا نبالغ في تقدير أنفسنا بل هي الوقائع التي تعطي للأردن دوراً ومكانة خاصة في المرحلة، كما هي المكانة الخاصة لقيادته، فالأردن وقف بوضوح إلى جانب إستقرار مصر، كما هو اليوم إلى جانب رئيسها المنتخب، وهو موقف له دوافعه الأردنية والإقليمية، والأردن اليوم لا يقف في صف النظام السوري لكنه لم ينغمس في الأزمة الداخلية وإنما تحرك وفق منظومة مصالحة، والأردن اليوم يتقاطع مع دول الخليج في العديد من الملفات وأهمها الإرهاب ومصر وحكم الإخوان، وحتى قطر فالعلاقة معها معقولة.
أما الملك فهو في المنطقة من القادة الذين سجلوا تجربة رفيعة المستوى في إدارة سنوات الربيع والملف السوري، وهو القائد الذي قدم رؤية لدول العالم المؤثرة، ورأيه ومنطقه مسموع في العالم بل ومطلوب، وهو لا يتحدث حديثاً نظرياً بل عن تجربة أردنية في سنوات عصفت بدول كبرى في محيطنا.
وحتى على صعيد قادة المنطقة فالملك صاحب الرؤية، والحضور الدولي، والأكثر خبرة بين الجميع، والأردن ورغم صعوبة المرحلة إلا أنه كان عوناً وداعماً لدول عربية عديدة سياسياً وأمنياً، وكان موقفه من مصر الدولة الكبرى جزءاً من هذه المنظومة، والملك اليوم يمثل نموذجاً للحكم المنحاز للإصلاح والقادر على صناعة الأمان لشعبه وحتى لمحيطه، وربما لولا الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها لكانت التجربة أكثر إيجابية.
واليوم بعد سنوات الربيع تذهب المنطقة نحو فكر يميني في القضايا الأمنية والسياسية، أي نحو مزيد من الانضباط والإلتزام بالقانون، لكن هذا لا يعني ذهاباً إلى القمع، فهناك استحقاقات ديمقراطية على الجميع، لكن مقابلها هناك رفض لإتساع دائرة الفوضى والعبث.
جزء من سمات الأداء الأردني الأبتعاد عن الإستعراض والفوقية، لكن الأردن وقيادته اليوم حالة إقليمية متقدمة من حيث الإستقرار الداخلي، والخبرة والحضور الدولي وأمتلاك رؤية في إدارة القضايا، إضافة إلى تميز قيادته بالحكمة والخبرة والشباب، فدول عديدة فيها الخبرة لكن إستحقاقات العمر والمرض تفرض نفسها، ودول فيها حكام جدد لكنها التجربة الأولى التي يحتاج معها القائد مخزون خبرة وعلاقات.
ولعلنا في ظل هذه الميزة النسبية للدولة وقيادتها نحتاج إلى سرعة أكبر في بناء تصورات للتعامل مع بعض ملفاتنا الداخلية وبخاصة على الصعيد الاقتصادي، وأن تقتنع بعض ( النخب ) أن في الأردن أمورا تستحق التعامل معها بغير الشكوى والتذمر والبكاء السياسي...