أدعو الجميع, خاصة في عمان لزيارة الطفيلة, وأدعو نفسي والجميع, إلى الخروج من العاصمة ليس فقط لتذوق جمال الطبيعة الاردنية خاصة وقد أقبل فصل الربيع- بل لمعرفة الناس والمشاركة في حياتهم وهمومهم.
بالنسبة للكثيرين, بالطبع, الحياة بين عمان وقرى ومدن المنبت لم تنقطع, فالكثير من الزملاء يشد الترحال كل مساء خميس, أو صباح جمعة, إلى مزار الكرك, وملكا اربد, وأم الجوز السلط, ولم ينقطع عن جذوره, ورائحة الأرض التي تربى في حقولها, ولكن تبقى هناك هوة بين العاصمة وبين الأنحاء الأخرى من البلاد.
طبعاً هناك أيضاً من يعاني من فصل قصري عن الجذور بحكم الاحتلال الإسرائيلي للأرض, ولكن المسألة التي اود طرحها, انه بغض النظر عن المنابت والأصول, هناك حاجة ماسة للتواصل بين أرجاء الوطن.
اخترت الطفيلة, ليست تفضيلاً عن سواها, مع انني أعتقد أن بعضهم لا يعرف عن بساتين الزيتون فيها, ولم يشتم رائحة زهر المشمش المختلط مع شذى زهر اللوز فيها, ولكن أيضاً لأنها باتت في قلب الحدث وأصبحت رمزا لرفض الهوان --ولكن في رأيي أصبحت مركز استقطاب للحراك وبالتالي مؤهلة أن تصبح بوابة التلاحم المجتمعي بين أبناء البلاد.
ما دفعني لكتابة هذا المقال, هو تجربتي, القصيرة زمنيا, المكثفة والعميقة وجدانياً, مع أبناء المحافظة الجميلة, التي يفخر أهلها بطبيعتها وبحيها القديم, الذي عرفني به, كل من زيد وقيصر محيسن, والثاني معتقل حاليا في سجن البلقاء, كما حدثاني باعتزاز عن حمامات عفرا, الذي كان قد وعدني بمرافقتي في زيارته, الطالب مجدي قبالين, الموجود حالياً في سجن الجويدة.
أعترف أن لهذه التجربة مذاقاً حزيناً, ليس فقط بسبب اعتقال كل من الشابين, مع نشطاء آخرين في الحراك, ولكن لما كَشَفته التجربة, والأحداث المرافقة, عن خوف مكونات الوطن من بعضها بعضاً, والأفكار, والصور النمطية التي تأسست بين العاصمة والمحافظات, التي وإن كنت أتفهم مسبباتها, فالكثير منها مشوهة, وممكن أن تغذي أخطار التصادم المجتمعي.
لا شك أن الشعور بالتهميش السياسي والاقتصادي, هي في أساس التباعد بين سكان عمان والمحافظات, لكن في نفس الوقت لا يمكن الإغفال أن جيوب الفقر منتشرة في العاصمة, وفي المدن الأردنية, ولا تقتصر على المحافظات, والأماكن النائية.
من ناحية ثانية, فأن بث التخويف من الحراك, وبالذات من حراك الطفيلة, لن يفيد أي عملية تغيير بل المقصود منه منع وإجهاض النضال من أجل الحريات والعدالة الاجتماعية.
من الطبيعي أن يخاف أصحاب القرار في أي بلد, من الغضب الشعبي, وهذه ظاهر صحية, ولكن أن يصل الخوف إلى حد إلغاء قنوات التواصل ومحاولة خنق أشكال التعبير السلمي, ففي ذلك وصفة لتعميق الشروخ الاجتماعية التي لن تأتي خيرا على الوطن.
قد لا يستطيع الكاتب التأثير على صانعي القرار, مع أننا نحب أن نؤمن بتأثيرنا, ولكن أتمنى على الأقل أن نساهم بفتح الأبواب, ولو قليلاً, أملاً في المشاركة معاً في بناء وطن سيادة القانون وحقوق المواطن.
لذا أرجو أن تتقبلوا دعوتي إلى فتح بيوتنا وقلوبنا وعقولنا, كما فتح لي شباب حراك الطفيلة, وأمهاتها ونساؤها بيوتهم, وتتعرفوا الى أم نبراس العبيدين وأم عمار القبالين وأخواتهما.
أما انا فسأبقى بانتظار خروج قيصر ومجدي من المعتقل, لأن الربيع قد أقبل, وٍسأطالبهما بتحقيق استحقاقات هذا الفصل الجميل, لأن زهر المشمش لن ينتظرني, طويلاً, وأنا أتوق الى رؤية وسماع مياه حمامات عفرا, التي يتباهى أهل الطفيلة على أنها مثل أو أجمل من حمامات ماعين وأعتقد أن الدعوة مفتوحة للجميع لمرافقتنا مع قيصر ومجدي ورفاقهما, فكرم أهل الطفيلة يسعنا جميعاً.