يتحدث الكاتب والباحث الاقتصادي الهندي الأميركي روشر شارما في كتابه 2020 عن المعايير أو الشروط اللازمة للدولة لتكون ناجحة اقتصادياً.
في مقدمة كتابه يذكرنا بمعيار يجب ألا ننساه، وهو أن لا شيء ثابت، وأن التغير هو قانون الحياة. ولعله السبب الرئيس لفشل جميع المتنبئين الاقتصاديين في المدى الطويل. ينصحهم بقصر تنبؤاتهم في المدى القصير فقط.
يذكر شارما أن محافظاً لبنك الهند المركزي قال له: مع أن المستقبل غير يقيني، إلا أننا في الهند نعتبر الماضي غير يقيني أيضاً.
حسب شارما فإن أهم شرط أو معيار للنجاح الاقتصادي هو المحافظة على نمو الطاقة العاملة لتظل مواكبة لمتطلبات النمو الاقتصادي، وبخاصة بين سني 15 - 65 لأنها تنقص بالموت، والتقاعد، والإِسنان، والهجرة. مما يوجب على الدولة إحلال عاملين محليين محلهم باستمرار، فانخفاض واحد في المائة في الطاقة العاملة يؤدي إلى انخفاض واحد في المائة في النمو الاقتصادي وبخاصة في البلدان المتقدمة المعتدلة سكانياً حيث النمو السكاني صفر تقريباً معوضاً بالعمالة الوافدة، وبالإنسان الآلي، وبخاصة في صناعة السيارات.
لم يتكلم شارما عن الدول المتخلفة والنامية الذي يشكل النمو السكاني الكبير فيها إعاقة للتنمية الاقتصادية، ففي هذه الدول ينمو الاقتصاد حسب متوالية حسابية، وينمو السكان حسب متوالية هندسية، فلا يمكن أن يفي النمو الاقتصادي مهما نما، وكيف ما نما بمتطلبات التنمية اللازمة لاستيعاب النمو السكاني. إنها تظل تعاني اقتصادياً إلى أن يأتي يوم يعتدل النمو السكاني فيها، وهو بعيد جداً، لأنه يعني تغيراً بالتعليم في القيم والعادات والتقاليد والأعراف الراسخة وتعلم المرأة ودخولها سوق العمل المأجور.
فما بالك إذا كان كثير من هذه الدول غير منتج، أو ضعيف الإنتاجية للقيم نفسها، ويفضل أبناؤه وبناته المكتب على المشغل والمصنع والحقل. ولذلك يكبر فيها القطاع العام ويترهل، وتصبح الدولة ثقيلة الهمة وبطيئة الحركة وتزحف، وتحتاج آلتها للتزييت لتتحرك. وبدوره يصبح الدّين المتزايد عبئاً اقتصادياً عليها بأقساطه وفوائده، ومعيقاً للنمو.
في البلدان النشطة حيث قيمة العمل والإنتاج هي العليا، يحدث التقدم وبوتيرة سريعة. خذ الصين مثلاً، ذات مئات الملايين من السكان، وانظر كيف كبحت النمو السكاني بطفل/ة للأسرة، وفي أثناء ذلك أقدمت على تنمية عريضة وعميقة طال نفعها جميع السكان، مما جعلها تعود عن هذا القيد السكاني فيما بعد وتسمح للأسرة بإنجاب طفلين. لقد تفوقت الصين في الآونة الأخيرة على أميركا باقتصاد تزيد قيمته على 31 تريليون دولار.
القيم الصينية قيم عمل وإنتاج، فالعامل أو العاملة هناك يقضيان ساعات العمل في العمل، ولا يضيعونه بطقوس خارجة عنه، وهي قيم واتجاهات غير مقبولة أو غير ناشئة في بلاد العرب والمسلمين بعد.
أما المعيار أو الشرط الثاني للنجاح الاقتصادي عند شارما فهو القيادة الاقتصادية، فالدول الناجحة اقتصادياً يقودها مصلح اقتصادي جديد، لأن المصلح القديم قدم كل ما عنده. ويكون الأمر عظيماً عندما يصل المصلح الجديد في الوقت المناسب أي عندما تكون الأزمة في أوجها والناس مستعدون للوقوف وراءه لتفكيكها، فعندها يكونون في أفضل حالاتهم النفسية للاستماع إليه والسير وراءه، لأنه يُعد بنجاح التنمية وبتفكيك الأزمة مثل ما فعل حاكم سنغافورة الأول الذي حكم الجزيرة لثلاثين عاماً نقلها خلالها من الوحل إلى العلا في سائر الميادين وإلا فإن طول المدة والمراوحة يحولان القائد من بطل إلى مسؤول ثقيل الظل. وهو ما عانت منه البلاد العربية بالانقلابيين الذين جثموا على صدرها إلى أن ماتوا أو قتلوا أو هربوا. لقد مرّ الأردن بأزمة اقتصادية خانقة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وقد قاد المرحوم محمد سعيد «النابلسي» محافظ البنك المركزي والحكومة آنذاك عملية الاصلاح وعبرا الأزمة.
وبمعنى آخر يحدث النجاح بقيادات جديدة وديمقراطية لها قاعدة شعبية لا شعبوية، وليس تكنوقراط يحملون الدرجات الجامعية ولو من أعظم الجامعات كما يقول شارما أو شعوبيين يعدونهم بحل المشكلات المعقدة بأجوبة سهلة وأمجاد قومية.
يمتاز القادة الناجحون بثلاث ميزات؛ وهي تأييد الجماهير لهم، وفهم صحيح للإصلاح الاقتصادي، وتفويض السلطة إلى الخبراء.
أفضل القادة هم الذي يجمعون بين الكارزمية، والجدية، والمعرفة الصحيحة للمشكلات، ومتطلبات الإنجاز.
والأسواق الدولية تميز بين القائد المتهور أو الشعبوي والقائد الحكيم. أما التكنوقراط أو خريجو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو الجامعات العظمى، فقلما ينجحون في الأدوار القيادية لأنهم لا يملكون– في الغالب- المسحة أو القدرة لبيع الإصلاح للجمهور، وإن كانت الأنظمة السلطوية تعول عليهم، لكن التكنوقراط يستطيعون خدمة المصلحة جيداً إذ قدموا المشورة الصحيحة للحكومات وأنصتت إليهم.