التقييم القائم من جهات مختلفة لواقع الأزمة السورية ينطلق، هذه الأيام، من المعطيات القائمة على الأرض. والمشهد الداخلي سيظل محل تجاذب لفترة طويلة، حيث يصعب توقع تفاهمات وطنية سورية سريعة تعيد الاعتبار إلى الوحدة السياسية والهوية الوطنية الموحدة. أما المشهد الخارجي، فهو أكثر ارتباكاً في ظل احتدام المعركة بين محورين حول من يمسك بسوريا، أو من يكون الأكثر نفوذاً فيها.
في الجانب الداخلي، يروي القادمون من أرض الشام أن الانقسام السياسي على أشده. الكتلة المؤيدة للنظام متراصّة وباتت أكثر تعصّباً في موقفها السياسي الرافض لكل تحركات تقوم بها أي جهات معارضة. وهي ترى أن المعركة الآن قائمة مع مجموعات مسلحة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً، تريد النيل من سوريا وليس من النظام فقط. ويجد هؤلاء في الرئيس بشار الأسد رمزاً لا يريدون له التنازل عن أي شيء الآن. وترافق هذا التحلق تعبئة ذات أبعاد "أقلوية وطائفية ومذهبية"، رغم أن مشهد المدن الكبرى لا يعكس الأمر على وجه الدقة.
في المقابل، يرفع المعارضون الصوت عالياً، رافضين أي نوع من الحوار مع النظام. بل هم انتقلوا الآن إلى رفض التعامل مع مؤسسات النظام، وباتت صورة الدولة متماهية مع صورة النظام، فصاروا يبررون هجمات المسحلين على رجال الشرطة والمخافر، أو على المؤسسات العامة، أو توجيه ضربات إلى منشآت حيوية للدولة، كذلك العمل في سياق ضرب الليرة السورية. وصار هؤلاء يكثرون من الكلام الحادّ ضد أشخاص الدولة وضد طوائف ومذاهب، في سياق يوضح حاجة هؤلاء إلى إبقاء الاستنفار على أشدّه.
وبين الفريقين، تكبر يوماً بعد يوم الكتلة أو الفئة الخائفة على سوريا. بين هؤلاء من يرفض سؤاله عن موقفه. لم يعد هؤلاء يريدون الدخول في نقاش بشأن من المحقّ ومن المخطئ. صار قلقهم على وحدة البلاد واستقرارها أولوية تتقدم على غيرها. لكن هؤلاء يقرّون، في المحصلة، بأن موقفهم يصبّ في مصلحة النظام الآن، عدا عن أن قسماً كبيراً من السوريين الذين يدعمون الانتفاضة من أجل التغيير عادوا خطوات إلى الخلف، رفضاً لممارسات قوى المعارضة، سواء المسلحة منها أو الموجودة في الخارج تستدعي التدخل العسكري الخارجي غير آبهة بالنتائج الكارثية لهذه الخطوة.
أما خارج سوريا، فالمراجعة الجارية لمناسبة مرور عام على اندلاع الأزمة تنطلق من الحسابات الرياضية، خصوصاً عند خصوم النظام الذين أظهروا إفراطاً في التفاؤل مردّه إلى نقص حاد في التقدير السياسي السليم، عندما توقّعوا سقوط النظام خلال أسابيع أو شهور قليلة. ولذلك، تبدو علامات الخيبة والإحباط ظاهرة الآن على وجوه وفي مواقف وتعليقات وسلوكيات هذه القوى وأشخاصها وقواها السياسية والدبلوماسية والإعلامية وحتى الأمنية. وهذا الإحباط مردّه ليس فقط إلى عدم قدرة المعارضة الداخلية على نقل سوريا من مكان إلى مكان، بل إلى عدم القدرة على ابتداع أفكار عملانية من شأنها تحقيق هدفهم بإسقاط النظام.
عملياً، يرى هؤلاء أن عسكرة الاحتجاجات المدنية في سوريا خلقت أزمة كبيرة للمعارضين عند الناس، وأن الذهاب نحو عمليات شبيهة بالتي حصلت في ليبيا أو حتى اليمن، لم تنتج سوى المزيد من التعب للناس، بينما لم تبرز علامات الانهيار على قوى النظام ورموزه. وبعد شهور عدة من العمل الأمني والإعلامي والاقتصادي والدبلوماسي والسياسي، يظهر بوضوح لخصوم النظام في سوريا أنه لا يزال متماسكاً، وأن قواه العسكرية والأمنية متماسكة أيضاً، وأن مؤسسات الدولة على ضعفها لم تشهد انهياراً من النوع الذي يفقد السلطة الحاجة إليها. بل أكثر من ذلك، يرى خصوم النظام أنه تمكن من استعادة السيطرة الميدانية على مناطق كثيرة من سوريا، وأنه تمكن من توجيه ضربات قوية إلى المعارضين له، وخصوصاً التجمعات المسلحة التي اعتقدت أن الخيار هو من خلال عمل عسكري "انقلابي" شامل.
إلى جانب هذه الوقائع، بدا الموقف الروسي، ومعه الصين وإيران وقوى أخرى في المنطقة والعالم، مساعداً بقوة لمواجهة حرب التدخل الخارجي "لإسقاط" النظام في سوريا. وهو ما يوضح طبيعة المناقشات الجارية الآن علناً، وهي التي تختصر ببيانات الجامعة العربية أو الهيئات الدولية أو حتى لعبة الموفدين والوساطات التي لا يثق أحد بأنها ستؤدي إلى نتيجة حقيقية في المدى المنظور.
كل ذلك يجعل خيارات خصوم النظام في سوريا تضيق أكثر فأكثر، وفي هذه الحالة، ليس من الضروري أن يعلن هؤلاء الاستسلام أو التراجع، بل تظهر حدّة التصرف أنهم يفكرون في حلول أخرى تحقق مرادهم. وأخطر من هو متداول الآن بين أطراف هذا المحور، هو ما تحذر منه جهات وعواصم ودول، والمتعلق بسعي الأطراف المعادية للنظام في سوريا إلى تحقيق ضربات كبيرة، إما من خلال العمل على إقناع ضباط كبار"بالانقلاب" على الحكم القائم هناك، أو إشعارهم بأنهم في دائرة الخطر الأكيد. وفي النقطة الأخيرة، يبدو أن المجانين من خصوم النظام في سوريا قد انتقلوا إلى التفكير في عمل مجنون، عنوانه "التخلص" من الرئيس بشار الأسد شخصياً... ترى هل يعتقد هؤلاء أن "اغتيال" الرئيس الأسد سيعطيهم فرصة الإمساك بسوريا؟
في الجانب الداخلي، يروي القادمون من أرض الشام أن الانقسام السياسي على أشده. الكتلة المؤيدة للنظام متراصّة وباتت أكثر تعصّباً في موقفها السياسي الرافض لكل تحركات تقوم بها أي جهات معارضة. وهي ترى أن المعركة الآن قائمة مع مجموعات مسلحة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً، تريد النيل من سوريا وليس من النظام فقط. ويجد هؤلاء في الرئيس بشار الأسد رمزاً لا يريدون له التنازل عن أي شيء الآن. وترافق هذا التحلق تعبئة ذات أبعاد "أقلوية وطائفية ومذهبية"، رغم أن مشهد المدن الكبرى لا يعكس الأمر على وجه الدقة.
في المقابل، يرفع المعارضون الصوت عالياً، رافضين أي نوع من الحوار مع النظام. بل هم انتقلوا الآن إلى رفض التعامل مع مؤسسات النظام، وباتت صورة الدولة متماهية مع صورة النظام، فصاروا يبررون هجمات المسحلين على رجال الشرطة والمخافر، أو على المؤسسات العامة، أو توجيه ضربات إلى منشآت حيوية للدولة، كذلك العمل في سياق ضرب الليرة السورية. وصار هؤلاء يكثرون من الكلام الحادّ ضد أشخاص الدولة وضد طوائف ومذاهب، في سياق يوضح حاجة هؤلاء إلى إبقاء الاستنفار على أشدّه.
وبين الفريقين، تكبر يوماً بعد يوم الكتلة أو الفئة الخائفة على سوريا. بين هؤلاء من يرفض سؤاله عن موقفه. لم يعد هؤلاء يريدون الدخول في نقاش بشأن من المحقّ ومن المخطئ. صار قلقهم على وحدة البلاد واستقرارها أولوية تتقدم على غيرها. لكن هؤلاء يقرّون، في المحصلة، بأن موقفهم يصبّ في مصلحة النظام الآن، عدا عن أن قسماً كبيراً من السوريين الذين يدعمون الانتفاضة من أجل التغيير عادوا خطوات إلى الخلف، رفضاً لممارسات قوى المعارضة، سواء المسلحة منها أو الموجودة في الخارج تستدعي التدخل العسكري الخارجي غير آبهة بالنتائج الكارثية لهذه الخطوة.
أما خارج سوريا، فالمراجعة الجارية لمناسبة مرور عام على اندلاع الأزمة تنطلق من الحسابات الرياضية، خصوصاً عند خصوم النظام الذين أظهروا إفراطاً في التفاؤل مردّه إلى نقص حاد في التقدير السياسي السليم، عندما توقّعوا سقوط النظام خلال أسابيع أو شهور قليلة. ولذلك، تبدو علامات الخيبة والإحباط ظاهرة الآن على وجوه وفي مواقف وتعليقات وسلوكيات هذه القوى وأشخاصها وقواها السياسية والدبلوماسية والإعلامية وحتى الأمنية. وهذا الإحباط مردّه ليس فقط إلى عدم قدرة المعارضة الداخلية على نقل سوريا من مكان إلى مكان، بل إلى عدم القدرة على ابتداع أفكار عملانية من شأنها تحقيق هدفهم بإسقاط النظام.
عملياً، يرى هؤلاء أن عسكرة الاحتجاجات المدنية في سوريا خلقت أزمة كبيرة للمعارضين عند الناس، وأن الذهاب نحو عمليات شبيهة بالتي حصلت في ليبيا أو حتى اليمن، لم تنتج سوى المزيد من التعب للناس، بينما لم تبرز علامات الانهيار على قوى النظام ورموزه. وبعد شهور عدة من العمل الأمني والإعلامي والاقتصادي والدبلوماسي والسياسي، يظهر بوضوح لخصوم النظام في سوريا أنه لا يزال متماسكاً، وأن قواه العسكرية والأمنية متماسكة أيضاً، وأن مؤسسات الدولة على ضعفها لم تشهد انهياراً من النوع الذي يفقد السلطة الحاجة إليها. بل أكثر من ذلك، يرى خصوم النظام أنه تمكن من استعادة السيطرة الميدانية على مناطق كثيرة من سوريا، وأنه تمكن من توجيه ضربات قوية إلى المعارضين له، وخصوصاً التجمعات المسلحة التي اعتقدت أن الخيار هو من خلال عمل عسكري "انقلابي" شامل.
إلى جانب هذه الوقائع، بدا الموقف الروسي، ومعه الصين وإيران وقوى أخرى في المنطقة والعالم، مساعداً بقوة لمواجهة حرب التدخل الخارجي "لإسقاط" النظام في سوريا. وهو ما يوضح طبيعة المناقشات الجارية الآن علناً، وهي التي تختصر ببيانات الجامعة العربية أو الهيئات الدولية أو حتى لعبة الموفدين والوساطات التي لا يثق أحد بأنها ستؤدي إلى نتيجة حقيقية في المدى المنظور.
كل ذلك يجعل خيارات خصوم النظام في سوريا تضيق أكثر فأكثر، وفي هذه الحالة، ليس من الضروري أن يعلن هؤلاء الاستسلام أو التراجع، بل تظهر حدّة التصرف أنهم يفكرون في حلول أخرى تحقق مرادهم. وأخطر من هو متداول الآن بين أطراف هذا المحور، هو ما تحذر منه جهات وعواصم ودول، والمتعلق بسعي الأطراف المعادية للنظام في سوريا إلى تحقيق ضربات كبيرة، إما من خلال العمل على إقناع ضباط كبار"بالانقلاب" على الحكم القائم هناك، أو إشعارهم بأنهم في دائرة الخطر الأكيد. وفي النقطة الأخيرة، يبدو أن المجانين من خصوم النظام في سوريا قد انتقلوا إلى التفكير في عمل مجنون، عنوانه "التخلص" من الرئيس بشار الأسد شخصياً... ترى هل يعتقد هؤلاء أن "اغتيال" الرئيس الأسد سيعطيهم فرصة الإمساك بسوريا؟