أخبار البلد - حملة إعلامية هائلة، عنوانها مستشفى الشفاء (كموقع عسكري)، قام بها الكيان، وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية موجهة للداخل الصهيوني، بذات الوقت جرى، وكما يقال، التعاقد مع شركات متخصصة للدعاية والإعلام في الغرب لبث تلك الدعاية حول المستشفى، فيما الإمبرياليات الأوروبية والأمريكية وإعلامها، تتبنى ذات الموقف الصهيوني حول المستشفى.
هناك مَنْ يعقد مقاربة بين هذا وبين ما فعله الأمريكييون عند احتلالهم للعراق، حين جرى التركيز على مطار بغداد باعتبار أن سقوطه سقوط للنظام، وعبر تحويل المطار (لرمز ومركز) للنظام، ونجحوا بذلك كما بدا، فلم تصمد بغداد أكثر من ثلاثة ايام بعد سقوط (مركز ورمز الدولة). في الكيان سعوا لتصوير مجمع الشفاء باعتباره ليس فقط (قاعدة عسكرية) تضم الأنفاق والمقاتلين والقيادات ومخازن الأسلحة والصواريخ، بل باعتباره رمزأ (لحكومة حماس)، فهناك العديد من المسؤولين المدنيين في وزارات الحكومة، خاصة بعد قصف الوزارات والمكاتب الحكومية، والاخذ بعين الاعتبار ان في نفس موقع المجمع، وليس ببعيد عنه، يقع المجلس التشريعي والجامعات، وكأننا والحال هذا، كما أراد الكيان الترويج، أمام العاصمة، وبالتالي سقوطها يعني انجازاً عسكرياً لا مثيل له، فيتحقق ما سعت له الدعاية الصهيونية التي تشكلت حول (محورية ورمزية) مجمع الشفاء، من إعادة الثقة، بين المستوطنين والمستويات السياسية والعسكرية والاستخبارية والأمنية.
ليس مهماً في الحرب الإعلامية، مدى مصداقية (الرواية) المفبركة، بقدر أهمية قدرتها على ما تحوز عليه من (مصداقية) لدى مستقبليها، والاهم ما تتركه من تأثير نفسي لدى هؤلاء المستقبلين. والمستقبلون هنا هم المستوطنين الذين بلعوا تلك الرواية، متعطشين للانتقام كقيادة الكيان اصلاً، فكان لا نقاش بينهم حول صحة وجدوى وضرورة قرار اقتحام المستشفيات، ومنها الشفاء، وحتى 100 طبيب منهم أعلنوا بياناً اداروا فيه ظهرهم للقسم المهني الأخلاقي كأطباء، وطالبوا بقصف المستشفيات واقتحامها، ولا باس إن تركت تلك الحملة، بحسابات منظميها، بعضاً من تاثير نفسي على شعبنا، وكأن المقاومة تنتهي باقتحام الشفاء واحتلاله.
ولكن على الأرض، والمعارك تجري على الأرض وليس على الفضائيات وشبكات التواصل وفي المؤتمرات الصحفية، فماذا تقول الحقائق عن الواقع؟
أولاً المقاومة لا زالت تملك القدرة على إطلاق رشقات صواريخها باتجاه ليس فقط المستوطنات والقواعد والتحشدات العسكرية في ما يُعرف بغلاف غزة، بل وتل أبيب ومحيطها، وعسقلان واسدود وحتى إيلات.
وثانياً المقاومة تملك القدرة على قصف التحشدات العسكرية من جنود وآليات داخل غزة، وفي غلافها بمختلف الأسلحة وأهمها الهاون.
وأخيراً فالمقاومة تواصل الاشتباك اليومي مع الآليات المتقدمة على كل المحاور، والأهم هنا مواصلة ضربها للآليات والجنود خلف خطوط الدبابات المتقدمة، مثل تكرار الاستهداف وايقاع الخسائر في بيت حانون مثلاً، ومحوري جباليا وبيت لاهيا.
هذا الواقع على الأرض تشير له معطيات المراسلين الصحافيين والمحللين والخبراء، ليس فقط المتضامنين والمنحازين منهم مع نضالات شعبنا والمقاومة، بل والمحللين والخبراء الصهاينة والمتصهينيين في الإعلام الغربي. أما النتائج الأبرز لتلك المعارك على الأرض فهي:
أولاً: إن الهدفين الذين وضعتهما المستويات السياسية والعسكرية والأمنية بتصفية حماس واسترجاع الأسرى، لم يتحققا، ولا أفق لتحققهما، وبالتالي وبعد 40 يوماً من إلقاء 32 الف طن من المتفجرات، ومئات الدبابات وعشرات آلاف الجنود، واسشهاد وفقد اكثر من 15 ألفا، فيما المصابون تجاوز رقم 25 ألفا، فما حصد جيش الاحتلال إلا الفشل. وهذا ما بات الأمريكان، شركاؤهم في الجريمة، يستشعرون خطورته ويلمّحون لضرورة السرعة بإنهاء العملية البرية، وهو ذاته ما دعا العنصري الأبيض ماكرون، المتلهف على سحق المقاومة، والغارق بعشق الصهاينة، للحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار فما حصد من أحبابه سوى القول له على لسان نتياهو ( لا ننتظر نصائح من أحد).
ثانياً: المعركة على الأرض هي مَنْ ستغير المواقف، وهي مَنْ غيرت الرأي العام العالمي لصالح شعبنا، إضافة لأخلاقية ومصداقية نضال وحقوق شعبنا أمام الإبادة الجماعية، وعليه يدرك الصهاينة، ومعهم الإمبرياليين، أن استمرار المعارك بهذه الوتيرة سيزيد من حجم الخسائر لدرجة لا تحتمل، خاصة أن حجم الخسائر حتى الآن لم يحرر اسراهم، بل يفاوضون لإبرام صفقة، مع انهم يراوغون ويماطلون، علماً أن هذا لن ينفعهم حسب تصريحات العديد من قيادات المقاومة. ولعل تسجيل (انجاز) مستشفى الشفاء أمام شعبهم، مدخل لتبرير تنازل في صفقة قريبة، وكأننا بهم يقولون لشعبهم: نحن عقدنا الصفقة من موقع قوة احتلالنا لرمز حكومة حماس في غزة.
أما خسائرهم، وحسب ما تعلنه المقاومة، فاقترب حجم الآليات والدبابات المدمرة كلياً أو جزئياً من 200، فيما توقعات القتلى بالعشرات إن لم يكن بالمئات. أما أنهم يخفون أرقام قتلاهم فذلك ما يؤكده رقم الآليات المدمرة، والآليات المعتمدة لديهم حول إعلان أسماء القتلى، وقرار الرقيب العسكري بإخفاء الأرقام على جبهة الاشتباك مع المقاومة اللبنانية، علماً أن المستشفيات شمال فلسطين، وكما اعلنت مصادرهم، استقبلت حتى يوم الأحد 1505 مصابين، فيما نذكر توجيه زعيم المعارضة بيلد للصحافيين، والمنشور علانية، بعدم التمسك بالموضوعية وعد ذكر الحقيقة لأن هذا يخدم حماس.
أما السعي لتدعيم صورة المستشفى (القاعدة العسكرية) عبر ناطقهم الرسمي وفيديوهاته فهي مفضوحة تماماً ومكشوفة تماماً، فحين يتحول كشف مناوبة العمل للاطباء داخل مستشفى الرنتيسي، إلى كشف بالعمليات العسكرية لمقاتلي حماس من داخل المستشفى، وحين يتحول (منور/ بئر) يعمل كمجمع لتمديدات الكهرباء والماء والاتصالات إلى مدخل نفق، حين يحصل ذلك فيمكن اعتبار السلوك هذا بمثابة فضيحة إعلامية، شأن الممرضة الإسرائيلية البائسة ضعيفة التمثيل التي ظهرت كممرضة فلسطينية متهمة حماس بسرقة الوقود!!!
لذلك فما يجري على الأرض لا يزكي (انتصار) المستشفى، بل يزكي حقيقة القتال الضاري وانكسارات الحملة البرية وخسائرها المادية والبشرية، اما (انتصار) المستشفى فيعكس العجز والتخبط والتعلق بريشة الغريق لتحسين صورة المستويات على اختلاف تخصصاتها داخل الكيان.
جيش (ينتصر) على مستشفى
وسام رفيدي