لم تكن مُفاجئة لي زيارة السفير الأمريكي في الأردن هنري ت. ووستر وزوجته إلى مدينة (أم الجمال) قبل عدة أيام، لأني على ثقة بأن آثار (أم الجمال) ساحرة وفاتنة تخلبُ الألباب والعقول والقلوب، وفيها ألقٌ غير معهود في الآثار الأردنية الأخرى، والتي يتذوّقها السفراء والدبلوماسيون وضيوف الأردن والسياح والزوّار وحتى الأردنيين والعرب، بنكهة مخفوقة بالقهوة البدوية الأصلية والأصيلة، وتاريخ أجدادنا الأردنيين الأنباط الأوائل، مع كرم المنسف الأردني الذي يُقدم للضيوف، وحلوى اللزاقيات المُجللة بالسمن البلدي والهيطلية وغيرها من الحلويات التراثية (الصحراوية – البدوية) الأردنية، مما يدعوني أن أُطلق على (أم الجمال) اسم (الماسة الأردنية السوداء) التي تقبع في عمُق الصحراء الأردنية بشموخٍ، على مقربة من الحدود الأردنية مع سوريا والقريبة من فضاءات الحدود العِراقية.
ورغم أن زيارة السفير الأمريكي ووستر وزوجته هي زيارة سياحية اعتيادية، إلا أنني كإعلامي أردني ومُستشار إعلامي بوزارة الإدارة المحلية فإني أقرأ انطباعات وأصداء هذه الزيارة لمدينة (أم الجمال) بطريقة غير اعتيادية، حيث أن السفير أرسل رسالة إنسانية غير مُباشرة، ورسالة غير سياسية بعفوية من مدينة (أم الجمال) بأن الأردن هو بلد الأمن والأمان والسلام والاستقرار، خاصة من هذه المدينة المجاورة للحدود الأردنية مع سوريا التي تستخدمها العصابات التهريبية والجماعات الإرهابية، لتهريب المخدرات والأسلحة من الجنوب السوري إلى الأردن، ومنه إلى دول الخليج العربي.
ومع قناعاتي بأن زيارة السفير الأمريكي لـمدينة (أم الجمال) لم تخرج عن طابعها السياحي والأثري والتراثي والترويح عن النفس في الصحراء الأردنية، وإيماني المُطلق كذلك بأن هذه الزيارة بعيدة كل البُعد عن الطابعين السياسي والأمني، إلا أن ما قام بها السفير ووستر وزوجته هو إضفاء طابع متجدد من (الجلال والفخامة) في هذه المرحلة على مدينة أردنية غير منسية تربض على أكتاف البوادي، التي تفخر (أي هذه البوادي) بأنها كانت النواة الرئيسية الأولى لتأسيس الجيش العربي (الأردني) الذي احتفلنا باعتزاز بذكرى تأسيسه قبل عدة أيامٍ (في العاشر من حزيران)، لدرجة أنني أرى وأسمع طيف وأصوات الجنود الأردنيين الأوائل وهم يصرخون بأعلى أصواتهم (الله ... الوطن ... الملك)، في ميادين الجُندية في البوادي، وأيضاً في صحراء (حمرا حمد) التي كانت تجري فيها المناورات العسكرية في السابق، والتي تشهد على بسالة الجنود الأردنيين، مثلما تشهد كذلك على أن راية السلام الأردنية ستبقى خفّاقة في سماءات الوطن، وكذلك في العديد من دول العالم التي شارك فيها الجنود ورجال الأمن الأردنيين من خلال قوات حفظ السلام الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
ولأني على ثقة بأن السفير الأمريكي هنري ووستر وزوجته وفريقه من السفارة قد عادوا إلى عمّان من مدينة (أم الجمال) مُحمّلين بإرث حضاري وتراثي وثقافي وسياحي عتيق وعريق، فهي إشارة عفوية ومحببة منّي أرجو أن تلتقطها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بأن تضع على أجندتها دعم مشاريع تنموية لخدمة الحركة السياحية والثقافية في بلدية (أم الجمال) بشكل خاص، وبلديات البادية الشمالية بشكل عام، وتوجيه اهتمامها أيضاً للبلديات الأردنية في البوادي والأرياف التي تسعى لإقامة مشاريع تنموية مُدرّة للدخل للبلديات والمجتمعات المحلية، من خلال بناء تعاونٍ وشراكات مع منظمات دولية بحجم وكالة الـ (USAID) التي أصبحت جزءاً رئيسياً من مبادرات ومشاريع خدمية وتنموية في المملكة.
مع التذكير هُنا بأن مناطق البلديات المُجاورة للحدود الأردنية مع كلّ من سوريا والعِراق بشكل خاصٍ، كانت هي المحطة الأولى والحُضن الدافئ والقلب الحاني في استقبال اللاجئين السوريين والعراقيين من نساء وأطفال وشيوخ وأشخاص ذوي إعاقة فرّوا إلى الأراضي الأردنية بحثاً عن الأمن والأمان، بعد أن حُرموا هذه النعمة في بُلدانهم، وقد شاهد العالم ولمس عن قُرب دور المملكة في توفير البيئة الآمنة للاجئين الفارين بحياتهم إلى الأردن.
لهذا أقول للسفير الأمريكي هنري ت. ووستر بأن زيارتك إلى مدينة (أم الجمال)، تأتي في ذات الوقت الذي ترتفع فيه طموحاتنا كأردنيين بإعلان آثار مدينة (أم الجمال) على قائمة التُراث العالمي من قِبل مُنظمة الأمم المتحدة للتربية والعِلم والثقافة (اليونسكو) مطلع العام القادم، مما سيُضاعف المسؤولية علينا كأردنيين بأن نكون على قدر هذه الثقة الكبيرة وهذا التحدي العالمي، حتى نؤكد للعالم بأن هذه (الماسة الأردنية السوداء) الرابضة في عُمق الصحراء والبادية، ليست مجرّد مدينة أثرية تبعد عن عمّان حوالي (86) كيلومتراً، إنما هي مدينة مميزة قابعة في قلب كل أردني، تزخر بالحضارة والعراقة والسلام، وتُجسّد أيضاً الثقافة العربية (المسيحية – الإسلامية) التي يعتز بها الأردن والأردنيون.
ولمن يُريد أن يستزيد بمعلوماته عن (أم الجمال) فهي مدينة تضم حصوناً قديمة وكنائس بيزنطية أهمها كنيسة (يوليانوس) التي تعود بتاريخها إلى سنة 345 ميلادي، وكنيسة القديسة مريم (عليها السلام)، وأيضاً مساجد من العهد الأموي الإسلامي، إضافة إلى أحواض ماء مسقوفة أو مكشوفة، وفسيفساء قديمة تمثل نهر الأردن وعلى جانبيه المدن والقرى التي ورد ذِكرها في الكتاب المُقدس.
أقول شكراً بحجم الأردن للسفير الأمريكي في الأردن هنري ت. ووستر وزوجته، وأتطلع أن أرى سفراء الدول الشقيقة والصديقة والجاليات الدبلوماسية وضيوف وزوّار الأردن في زيارات إلى المواقع الحضارية والأثرية والتراثية والسياحية في مدينة (أم الجمال) وغيرها من المواقع الحضارية والتراثية والأثرية والسياحية في المملكة، لأن الأردن هو متحف أثري وتراثي وثقافي مُتكامل يجب أن نُحسن تسويقه واستقطاب السياح والمُستثمرين له. msa.malkawi@gmail.com