اخبار البلد_ فجّر زكي بني ارشيد رئيس الدائرة السياسية لحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، جملة قنابل شديدة الإنفجار, في لقاء مصغر مع نخبة من الكتاب الأردنيين, دعا له الزميل الأستاذ بلال التل, وحضره "المستقبل العربي".
بني ارشيد المعروف بصراحته الكبيرة, قال "إنه لا يمكن لأي دولة أو مشروع نهضوي قادم أن يتجاهل المشروع الأميركي" في المنطقة.. واعتبر أن حكومة الدكتور معروف البخيت, التي سبقت الحكومة الحالية في الأردن, انجزت أكبر قدر من الإصلاحات التشريعية. وقال "حكومة البخيت قدما كما من الإصلاحات يفوق ما حققته أي حكومة اردنية سابقة.. يجب أن نعترف بهذا"، لافتا إلى أن الحكومة الأردنية الحالية برئاسة عون الخصاونة، "اتجهت إلى تصويب العلاقة مع الحركة الإسلامية، لكنها لم تحقق بعد شيئا على أرض الواقع". ووصف النظام العربي بأنه قائم على أساس نظرية "ولاية الفقيه السياسي".
ووجه بني ارشيد انتقادات لممارسات سلطة "حماس" في قطاع غزة, وانتقد الأداء المذهبي للحراك الشعبي في البحرين.
قبل أن يفتح باب الحوار, كان بني ارشيد تحدث في اربعة محاور, بدءاً بما يراه تراجع للنفوذ الأميركي في الإقليم, حيث أنه لم يعد كما كان, مستنداً في ذلك إلى استشعار استراتيجيين اميركيين, أن مشاريع أخرى قادمة كي تملأ الفراغ الأميركي.. مشيراً إلى أن ريتشارد هيس قال بأن "القادم الجديد لملء الفراغ هو الإسلام السياسي".
ودلل بني ارشيد على صحة هذا الإستنتاج, بالإشارة إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق, وسعي واشنطن لمحاورة حركة طالبان "لتأمين انسحاب آمن ونظيف, أو خروج بماء الوجه من افغانستان".
وقال "القوة الأميركية لم تعد مهيمنة ومسيطرة ومتنفذة في مسارات الإنتاج السياسي والإقتصادي في المنطقة", نافياً أن تكون اميركا تمسك بـ 99% من اوراق اللعبة في المنطقة, كما سبق أن تبنى أنور السادات هذه النظرية.
واعتبر أن "من لا يدرك حجم هذا التغيير يظل أسيراً لنظرية المؤامرة التي يحاول البعض تفسير كل ما يجري في المنطقة بها", وعلى ذلك قال بني ارشيد هنالك من يرى الثورات العربية مؤامرة اميركية, انطلاقاً من هذه القناعة.
انتهاء مشروع اسرائيل الكبرى
وبإنتقاله لتناول المشروع الصهيوني, قال بني ارشيد "لا شك أن هناك ثمة تغيير واسع طرأ على المشروع الصهيوني", واستشهد على ذلك بتصريحات "لقادة هذا الكيان الذين تحدثوا بكل صراحة عن أن مشروع اسرائيل الكبرى قد انتهى".
كما أشار بني ارشيد في السياق إلى عدم قدرة اسرائيل على حسم معاركها, كما كان عليه الحال في السابق, مستشهداً بحرب تموز/ يوليو 2006 على لبنان, وحرب غزة 2008/ 2009.
وبتناوله للمحور الثالث, أكد بني ارشيد قدرة الشعب على صناعة مستقبله ورسم قراره, وكسر حالة الإستفراد التي نجمت عن حالة الإستبداد.
وأكد أن "دور الشعوب أصبح يؤخذ في الإعتبار عندما تصنع السياسات". وأشار إلى أنه بفضل ذلك, وضع غيتس وزير الدفاع الأميركي استراتيجية اميركية جديدة تقضي بعدم ذهاب اميركا لأي حرب جديدة, منفردة, كما حدث في العراق, بدون قرار من الأمم المتحدة".
واستحضر بني ارشيد مقولة فيلدمان, مساعد وزير الخارجية الأميركية, عندما حاول بنيامين نتنياهو ضرب قطاع غزة قبل شهرين, بقوله له "قد تستطيع أن تكسب جولة في غزة, لكنك ستخسر عمان إن لم تتخذ القرار المناسب".
تفكك سياسي واقتصادي ومجتمعي
المحور الرابع والأخير تناول الوضع الداخلي في الأردن, بدءاً من حقيقة تجاوز الدين العام الخط الأحمر ممثلاً بنسبة 60% من الناتج المحلي إلى 70%. وقال "لدينا الآن مديونية بلغت 20 مليار دولار, يضاف لها أكثر من مليار دولار سنوياً, وقد يقارب الملياري دولار".
وتساءل بني ارشيد أمام كبار كتاب الأردن: إلى أين نحن ذاهبون..؟! مؤكداً أن الوضع الأردني لا يسر صديقاً, وأنه تجاوز تفكك الإقتصاد إلى تفكك المجتمع.
واستشهد بني ارشيد على ذلك بأنه قبل الإنتخابات البرلمانية لعام 2010, بستة أشهر, كان الشعب الأردني يعرف من هو رئيس مجلس النواب المقبل.
وأشار إلى مفارقة إقالة حكومة سمير الرفاعي بعد شهر واحد فقط من حصولها على ثقة 111 نائباً في مجلس النواب, بنسبة تبلغ 5ر92%..! وقال اقيلت تلك الحكومة دون مراعاة لثقة مجلس النواب التاريخية..!!
ولاحظ بني ارشيد أن الأردن يقف الآن أمام أزمة مالية خانقة, ما لم يتم حل سريع, "تكون مرشحة للإنفلات". وقال إن "العامود الفقري للحراك الشعبي الآن يتشكل من معارضة جديدة لها ادواتها واعتباراتها, في حين أن الأجهزة الأمنية لا تزال تواجه المرحلة بنفس الأدوات القديمة غير الصالحة للإستخدام, ثم يتهمون الحراك بأنه قد يقود الأردن للإنفلات وعدم الإستقرار".
واعتبر بني ارشيد أن "بقاء الأمور كما هي عليه, يمثل صاعقاً قد يفجر الأوضاع". وأكد "المطلوب هو اصلاح لا إسقاط النظام", وطالب بإعاد سلطة الشعب إلى الشعب".
وأشار إلى أن تعريف نظام الحكم في الأردن أنه نيابي ملكي وراثي". وقال "إن فقد الركن الأول مفهومه وجوهره, لا يمكن أن يستمر الأردن كدولة وكيان بعد ذلك, لعدم امكانية السير على قدم واحدة".
وأعرب عن اعتقاده في أن "الفرصة لا تزال سانحة للإصلاح".. محذراً من أن البقاء طويلاً في عنق الزجاجة يؤدي إلى الإختناق أو الإنفجار".
وفي رده على الأسئلة والمداخلات التي تخللت الحوار, قال بني ارشيد إن السياسة الأميركية أسست لأنظمة الإستبداد في المنطقة العربية, بتقديمها غطاءً دولياً للأنظمة الشمولية.
وحول مضامين الخطاب الأميركي الجديد اتجاه الإسلاميين, قال بني ارشيد "لا تحالف ولا صفقة ولا تآمر أو اعتراف بحقائق الأمر الواقع وعناوين المستقبل". وقال "اميركا بالغت في تقدير مصالحها للحديث عن تحالفات مستقبلية".
اميركا: التيار الإسلامي قادم
وأعاد بني ارشيد إلى أنه منذ 2005, ظهرت نظرية لدى الأميركان تقول "إن القادم الجديد هو التيار الإسلامي", ولذا فقد ارتأت اميركا التحاور مع التيار الإسلامي حول مصالحها".
ورداً على سؤال: هل الحوار مع اميركا حرام أو جريمة أو خيانة وطنية..؟ أجاب بني ارشيد: "حتى الآن اميركا لا تزال موجودة, ولا يمكن لأي دولة أو مشروع نهضوي قادم أن يتجاهل المشروع الأميركي".
ولفت بني ارشيد إلى وجود فارق بين التعامل مع اميركا بعقلية التبعية, والموظف لديها, ومن يتعامل معها وفقاً لمصالحه".
وتمنى بني ارشيد, رداً على احاديث تقول إن صفقة ابرمت بين الإسلاميين والحكم, "أن تكون هناك صفقة مع صاحب القرار.. الحكومة أو الديوان أو جلالة الملك".. "يتم عبرها تحقيق الأهداف الإصلاحية".. معتبراً أن "النظام السياسي والملك هما أكبر المستفيدين من مثل هذه الصفقة حال ابرامها".
وأكد أن الحركة الإسلامية ترضى بنتائج صناديق الإقتراع. وقال "ليفز من يفوز.. إن فزنا نتحمل مسؤولياتنا, وإذا اختار الشعب غيرنا نمارس دورنا كمعارضة وفقاً للسياق الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة".
لكنه لفت إلى أن قرار المشاركة في الإنتخابات المقبلة لم يتخذ بعد", مفضلاً اتخاذ القرار في هذا الشأن من قبل القيادة الجديدة للحركة الإسلامية, إذ أنها على اعتاب انتخاب قيادة جديدة.. مبدياً رؤيته في أن "المقاطعة العدمية مرفوضة وكذلك المشاركة العبثية".
"حماس" جاءت من الباب العالي
عن زيارة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" للأردن, قال بني ارشيد إنه "لأول مرة تأتي حركة حماس للأردن من الباب العالي, وليس من باب جانبي آخر". وأبدى اعتقاده في أنها "زيارة تاريخية".. أسست "لمرحلة جديدة بين الدولة بقيادة الملك, وحركة حماس برئاسة رئيس مكتبها السياسي".
ورداً على سؤال حول موقف الحركة الإسلامية من معاهدة السلام مع اسرائيل في حال فوزها بالأغلبية البرلمانية, وتشكيلها حكومة في الأردن, قال بني ارشيد "معاهدة السلام هي قانون أقر دستورياً عبر مجلس النواب". وأضاف "في حال فوز الإسلاميين, تكون حالة جديدة عليها أن تعالج هذا القانون وفقاً لإرادة الشعب الأردني. إذا أراد الشعب الأردني أن يتخلص من هذه الإتفاقية مرة واحدة أو بالتدريج, لن يستطيع أحدا أن يقف امامها".
وتابع "لو وصلنا للحكم, لا نستطيع أن نلغي المعاهدة بكبسة زر في اليوم التالي, ونعلن الحرب على اسرائيل".
التغيير السوري
واعتبر بني ارشيد أن "الحديث عن التغيير في سوريا هو بداية إعادة تشكيل المنطقة". وقال "ايران تخوض معركتها الحقيقية في سوريا بإعتبارها معركة وجود, ذلك أنه إذا فقدت ايران سوريا تكون قد فقدت الكثير من اوراقها.. التواصل مع حزب الله والعراق".
واعتبر بني ارشيد أن الحدث السوري سيؤثر على الأردن وغير الأردن, معتبراً إياه زلزالا من العيار الثقيل, ستكون له ارتدادات" مبدياً "ضرورة انجاز ملف الإصلاحات قبل أن تبدأ الإهتزازات الإرتدادية لهذا الزلزال, لأن هذا الملف سيترك بصماته على كل المنطقة وليس فقط سوريا".
وفي معرض رده على سؤال عن ائتلاف احزاب قومية بمواجهة الحركة الإسلامية, وما إذا كان الهدف من هذا الإئتلاف مواجهة الحركة الإسلامية, أكد بني ارشيد أنه من حق هذه الأحزاب أن تشكل الإئتلاف الذي شكلته, لكنه لفت كذلك إلى وجود من يقول بـ "وجود ايعاز من مصادر القرار في الدولة لمحاصرة الحركة الإسلامية بالعشائر والسلفيين, حيث توجد محاولات لدعم تشكيل احزاب سلفية, وحزب للمتقاعدين العسكريين في مواجهة الحركة الإسلامية".
وقال بني ارشيد إنه يتقدم بإقتراح برغبة, كما هو الحال في مجلس النواب, "أن يدعو جلالة الملك لإطلاق مبادرة ملكية لعقد مؤتمر وطني اصلاحي بهدف انجاز الإصلاحات المطلوبة". وقال لا ينقص هذه الخطوة إلا صدور إرادة بذلك.
وأضاف في هذه الحالة, نأمل أن يكون لقاءنا مع جلالة الملك تتويجاً لإنجازات واطلاق المرحلة الجديدة التي طال انتظارها.
اخطاء في غزة
وختم بني ارشيد اجاباته على اسئلة الحضور بالإقرار بأن اخطاء ارتكبت في غزة, ملاحظاً أن هذه الأخطاء لا تقارن بالأخطاء التي ارتكبت في الضفة الغربية, مؤكداً في ذات الآن على أن وجهة نظره التي يبديها هي "قضية مبدأ".
وقال "الخطأ يجب أن يدان.. ونحن قدمنا توجيهات إلى حركة حماس في غزة.. التجاوز على الحقوق مهما كانت الظروف يجب أن يدان, وطلبنا أن ينسجموا مع ومضات الفكر الذي ينتمون إليه, وأن لا تكون هناك معاملة بالمثل لجهة قمع الحريات وحرية التعبير".
وقال "بالتأكيد توجد اخطاء.. نحن بشر, ولسنا ملائكة, لكن الإصرار على الخطأ غير مقبول".
وتابع "الحركة الإسلامية تنصح وتصحح نفسها.. هي التي تتسم بالمرونة والقابلة للإستمرار".
ورداً على سؤال: ما الذي تدينونه تحديداً في غزة, وما هي النصائح التي وجهتموها, أجاب قائلاً "حقوق الإنسان.. عدم السماح لحركة فتح أن تقيم حفلاً في ذكرى انطلاقتها.. حركة "فتح", بغض النظر عن توجهها السياسي, هي موجودة على الأرض, وحق طبيعي لها أن تحتفل بذكرى انطلاقتها. لا يجوز القول أن "فتح" منعت الإحتفال في الضفة بذكرى انطلاقة حماس, وسنعاملها بالمثل".