بعد مقدمات العيد، عيد الفصح، وهو فلسطيني بامتياز، من أحد الشعانين، والجمعة الحزينة، وسبت النور، نحتفل اليوم مع نصفنا الآخر، مع إخوتنا، نبض عروقنا، تحل علينا وعليهم قيامة السيد المسيح، شهيد فلسطين الأول، الذي رحل من بيت المقدس، مصحوباً بالإيمان والتضحية، حاملاً صليبه عبر حواري القدس الضيقة، وصولاً إلى نهاياته في الرحيل قسوة وظلماً، كما شعبه اليوم، الذي يؤكد في الجمعة اليتيمة مقدار إنحيازه، من قبل ربع مليون مسلم صلوا واحتفلوا بإيمانهم المماثل في المسجد الأقصى، أولى القبلتين، ومسرى سيدنا محمد ومعراجه.
تكامل الإيمان والدور والامتداد والاستعداد العالي للتضحية وفاء كي تبقى فلسطين، كل فلسطين لشعبها كما كانت، وكما يجب أن تكون، في مواجهة الغزاة الأجانب، ومشروعهم الاستعماري.
تحالف المستعمر الروماني الأجنبي مع خيانة يهوذا الإسخريوطي، حينما سلم السيد المسيح لمضطهديه، الذين صلبوه، وساروا به في درب الآلام، الطويلة واقعاً وقضية إلى اليوم، حيث القهر والموت والاضطهاد، ومحاولات التهويد والأسرلة والعبرنة عنوة على حساب أهل البلاد الأصليين.
خانوا المسيح عليه السلام، ولذلك بقوا وأمثالهم منبوذين من قبل كل أطراف البشرية المؤمنة في رسالة السماء وعلوها ونبلها وعظمتها.
رغم خيانة بعضهم، نتعاطف مع معاناة اليهود الذين تم اضطهادهم من قبل القيصرية والفاشية والنازية، طالما هم أصحاب رسالة، وجزءاً كبيراً منهم أبناء شعبنا العربي في اليمن والعراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا وتونس والمغرب، وعاشوا مواطنين عرب كما المسلمين والمسيحيين، مع اختلافنا في الاجتهاد معهم أو مع بعضهم، ولكننا كعرب مسلمين لا نقبل الظلم، حيث لا يجوز تحميل المسؤولية للجميع بسبب حماقات البعض، وجريمتهم في خيانة السيد المسيح.
مظاهرات اليسار الإسرائيلي ضد الاحتلال، ضد الصهيونية، ضد ترحيل الفلسطينيين من حي الشيخ جراح ومن غيره كمواقع سُكنى لأهل البلاد الأصليين، مظاهرات مقدرة لها معنى تعبر عن مدى عدالة قضية الفلسطينيين وتفاصيلها، كما تُعبر عن صدق النوايا لأن يعيش هؤلاء المتحررين من الصهيونية وأدواتها ومشروعها الاستعماري، واستعدادهم للعيش المشترك مع الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، بمساواة وعدالة وشراكة وندية.
مهما قست الظروف، ونالت من فلسطين بالنكبة والنكسة وتشريد نصفهم خارج وطنهم، ولكن التحولات التدريجية تسير باتجاه إنصافهم، كما هي
باتجاه كشف وتعرية المستعمرة وأدواتها وألاعيبها وزيف روايتها.
الذين سيّروا الحافلات المجانية من أهل القرى نحو القدس في الجمعة اليتيمة، والذين تبرعوا لتغطية التكاليف من الأطفال والنساء والرجال والشباب والشيوخ، لهو الرد المباشر على مصداقية الشراكة بين أبناء فلسطين ووعيهم لأهمية المشاركة والانتقال إلى القدس لتوصيل رسالة الإنحياز للمدينة المقدسة ومضمونها ومكانتها في الضمير والواقع والتراث ونحو المستقبل.