أخبار البلد - لقي قرار الحكومة العراقية بخفض السعر الرسمي للدولار إلى 1300 دينار عراقي ردود أفعال متباينة، إلا أن الأسواق واصلت تجاهل القرار، مما أظهر أنه انتهى إلى إلحاق الضرر بالخزانة العامة، ولم يحقق الغرض المعلن منه.
وسجلت البورصتان المركزيتان (الكفاح والحارثية) في بغداد سعر 1505 دولارات للدينار، أي بفارق يزيد عن ألفي دينار لكل مئة دولار، فيما تجاوز سعر الدولار الواحد في محال الصرف أكثر من 1510 دينارات، ما يؤكد أن تدخل المصرف المركزي يستنزف الموارد ولا يوفر حلا لمشكلة ارتفاع الأسعار. ففي مقابل 200 مليون دولار يتم عرضها يوميا من خلال نافذة مصرف الرافدين لبيع الدولار تبلغ الخسارة الصافية نحو 40 مليار دينار، أو ما يعادل 30.7 مليون دولار يوميا.
وقرار المصرف المركزي بخفض قيمة الدولار، والذي صادق عليه مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي، جاء ردا على تعثر مفاوضات الفريق الذي قاده وزير الخارجية فؤاد حسين، برفقة محافظ المصرف علي محسن العلاق، مع المصرف الفيدرالي الأميركي الذي رفض تخفيف القيود عن تحويلات الدولار إلى العراق.
ويمتلك العراق أموالا تبلغ نحو 115 مليار دولار، إلا أنها خاضعة لإشراف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. ولا يتم تحويلها إلى عملات نقدية إلا بحدود ضيقة لتغطية الاحتياجات المحلية. في حين تتم تلبية باقي الالتزامات التعاقدية مع الشركات والدول الأخرى عن طريق تحويلات رقمية. وتخضع كل الأموال لآليات المراقبة عن طريق نظام التحويلات "سويفت”.
وتدافع الحكومة العراقية عن قرار خفض سعر الدولار بأنه يساعد على خفض الأسعار. إلا أن النتيجة العكسية أظهرت أنه زاد الطين بلة. من ناحية، لأن الأسعار لم تنخفض لاسيما وأنها ترتبط بارتفاع عالمي للأسعار. ومن ناحية أخرى لأن تعاملات السوق الحرة هي التي تلعب الدور الأهم في حركة الأسعار وليس القرارات الحكومية، خاصة وأن عرض المزيد من الدولارات يؤدي إلى تهريب المزيد منها، ولا تبقى ضمن الدورة الاقتصادية داخل العراق.
وقال المستشار المالي لرئاسة الحكومة مظهر محمد صالح إن "هذا القرار سيؤدي إلى رفع قيمة الدينار العراقي، ومكافحة الأنشطة غير الرسمية، ويخفض التوقعات التضخمية التي تفاقمت في الأشهر الثلاثة الأخيرة”.
وكشف صالح أن موازنة الدولة العراقية لعام 2023 ستعتمد سعر الصرف الجديد البالغ 1300 دينار، لأغراض تقييم إيراداتها ومصروفاتها بالعملة الأجنبية. وهو ما يعني، من ناحية الخسائر اليومية، مبلغا يصل إلى 1.17 مليار دولار لهذا العام ناجمة عن الفرق بين السعر الرسمي والواقع.
ويقول مراقبون إن مسألة تهريب الدولار إلى إيران وسوريا زادت سوءا أيضا بالسعر الجديد للدينار العراقي، وذلك لأنها جعلت الحصول على الدولار بقيمة أقل. فالمصارف "الأهلية” الخاضعة لسيطرة الميليشيات الموالية لإيران صار بوسعها أن تشتري كميات أكبر من الدولار، بينما اضطرت خلال الأسابيع الماضية إلى شرائه من محال التصريف بأسعار أعلى.
وما يزال السؤال الذي سبق لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن طرحه قائما، وهو: ما هي السلع والمواد التي يمكن شراؤها بما يعادل 200 مليون دولار يوميا؟ وهو سؤال يثير شكوكا حول مبرّرات عرض هذا المبلغ من خلال نافذة التصريف التي يفتحها المصرف المركزي العراقي، والتي يريد الاحتياطي الفيدرالي أن تخضع عمليات شراء وتحويلات الدولار فيها إلى نظام "سويفت”، بحيث يُصبح ممكنا تتبع المسار الذي تتخذه هذه التحويلات، وما إذا كانت تغطي مشتريات حقيقية أم مجرد تعاقدات وهمية.
وعدا عن التحويلات النقدية التي تتلقاها إيران بصورة مباشرة عن طريق رحلات برية وجوية يومية، فإن هناك "مراكز تحويل” تعمل في الأردن وتركيا لتغطية تجارة التهريب وتبييض الأموال، بحيث تعود لتصل إلى إيران أو سوريا أو حزب الله في لبنان.
وفي خضم أزمة المعروض النقدي من الدولار، فقد أدى سحبه من الأسواق لتلبية حاجات إيران إلى انخفاض قيمة الدينار إلى 1800 دينار للدولار، بينما كان السعر الرسمي قبل تصاعد الأزمة يبلغ 1450 دينارا. وهذا السعر كانت حكومة مصطفى الكاظمي هي التي قررته للحد من عجز الميزانية، ولرفع كلفة أعمال التهريب بعد أن كان السعر يبلغ 1200 دينار.
ويشكل قرار خفض قيمة الدولار إلى 1300 دينار بمثابة عودة إلى الوضع السابق، حيث كانت أعمال التهريب مستقرة نسبيا.
ومحادثات الوفد العراقي بقيادة حسين والعلاق لم تتمكن من تليين موقف الاحتياطي الفيدرالي الذي شدد على الحاجة إلى وقف ممرات التهريب وتبييض الأموال إلى إيران، وإخضاع كل تعاملات المصرف المركزي لنظام "سويفت”.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن "نعمل على تعزيز الاقتصاد العراقي وإعادة دمجه بالمنطقة وفق اتفاقية الإطار الإستراتيجي (لعام 2008) التي تربط البلدين”، موضحاً "نركز الآن بشكل مكثف للغاية على البعد الاقتصادي لتلك الاتفاقية”.
ومع فشل الفريق العراقي في سعيه لإرجاء تنفيذ القيود على التحويلات لبضعة أشهر، فإن الكرة عادت إلى ملعب الحكومة والميليشيات، لتنظر في وسائل أخرى لإيجاد توازن بين الحد من الأسعار وبين القيود على أعمال التهريب.