ما كنا ننتظره منذ عدة أشهر زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية الأردني خالد مشعل بان نرى تبادل لوجهتي نظر بين حركة حماس المفصلية بالحال الفلسطيني وبين الأردن الدولة اللاعبة الإستراتجية الأهم في مستقبل القضية الفلسطينية أو لنقل صاحبة المسؤولية الوحيدة إلا أن الزيارة جاءت معتمة، ولم تعطنا دلائل ما حدث .
ثمة فرق واسع بين ما سرب عبر المواقع الإعلامية المقربة للإخوان المسلمين وبين الإعلام الرسمي، فقد ورد في صحيفة السبيل أن هذه الزيارة بداية انفتاح، لم يقصد منه سوى فتح الباب، وان الجلسات السياسية القادمة ستفتح بها ملفات واسعة وكبرى، بينما ظهر الإعلام الرسمي الاردني بان خالد مشعل جاء بمعية ولي العهد القطري تميم بن حمد أل خليفة وصفت بأنها برتوكولية، بل وجهت لحماس اهانة كبيرة عندما قيل انه مشعل سيجلس على طاولة رئيس الديوان الملكي، وليس على طاولة الملك وهذه التي نشرت في الإعلام تم تلافيها في يوم الزيارة، ولو حدثت لصنعت شرخا واسعا لان خالد مشعل يملك مكانة رئيس دولة وعدم جلوسه على طاولة الملك بعيدا عن بروتكوليات ظاهر المناصب فقد كانت ستسبب قطيعة واسعة.
في المحصلة لم نخرج بمحدثات الزيارة، التي كانت فيما ظهر أن ملفها سيكون بحوزة القصر فقط، ولم نقرا في الإعلام الأردني سوى عن إنهاء أزمة التشديد القطري على العمالة الأردنية، هناك حيث كانوا يعانون من خنق وتسفير، شبه انتقامي، بعد تأزيم العلاقات بين عمان والدوحة،حتى عكست نتيجة الزيارة لدينا .. وكأن خالد مشعل جاء ليصلحنا مع قطر وليس العكس ، كما كنا نتوقع ولعلي لا أبالغ إن قلت أن هذه عنت للمواطن الأردني أكثر، فقد سألني عدة شباب نفس السؤال (هل سنحصل على وظائف في قطر) وكذلك شهد الأمر ارتياح واسع لأهالي الأردنيين العاملين في قطر لان الملف الاقتصادي يعني المواطن الأردني أكثر من السياسي.
الملك تعامل بذكاء كبير مع الزيارة، فالسلطة الفلسطينية كانت متخوفة من انفتاح عمان على حماس ،على حسابها وهي لم يتبق لها غير النظام الأردني والسعودي، كحلفاء، وكأرض إستراتجية، وكذلك لم يرد الملك أن يظهر لحماس بأنها أكثر قوة اليوم بعد فوز الإخوان المسلمين في مصر و تونس في الانتخابات، وكذلك وجد القصر أن إحضار مشعل برفقة ولي العهد تميم وليس والده فيه نوع من عدم الاهتمام بدور الأردن الكبير في تحديد عدة ملامح سياسية قادمة لفلسطين والوطن العربي وتحالفاته الخارجية، ونقطة الذكاء ويجوز أن نقول العبقرية بان يستقبل ولي العهد الشاب الأمير حسين بن عبدالله ضيف قطر تميم وهذه كانت مواجهة ذكية بالمقامات بعيدا عن وجود مشعل الذي لا يمكن أن نحكم سوى ان القصر اعتبر خالد مشعل يخلوا حتى هذا الوقت من منصب حقيقي حكومي أو رئاسي ، فهو رئيس مكتب سياسي لحماس وما يزال مواطن أردني، لذا تعامل معه النظام بشكل رسمي وليس سياسي.
ما يهمني أيضا التركيز عليه ما قيل قبل الزيارة بان المخابرات الأردنية لم تختلف وجهة نظرها بين مدير المخابرات السابق محمد الرقاد أو الحالي فيصل الشوبكي ما تزال تجد أن أي توسع لحماس في الأردن أو لجماعة الإخوان المسلمين فانه يضع النظام بمرحلة خطر، بينما وجدت حكومة الخصاونة إنها تريد بناء حلف سياسي استراتجيي مع أهم قوى في المعارضة والربيع العربي الإخوان المسلمين، وبين الخلافين الحادين محليا وعربيا، استفرد القصر في هذا الملف فلم يحضر الجلسة لا رئيس الوزراء ولا مدير المخابرات وفي هذه دلالات واضحة نتعرض لها في حديث قادم.
خالد مشعل جاء وهو مطلع على كل ما يقال في الساحة الأردنية ، فقد وجه رسائل محبة بان الحركة بالرغم من طردها من عمان، تحب الأردن وتملك مقدار ثقة لها ، وذكر مكارم الأردن والملك في غزة، وتجنب الحديث في اللقاء الصحافي عن أي خلافات سابقة، وأعطى إشارات عامة ليس لها علاقة فيما كان الإعلاميون والسياسيون ينتظرونها، وحاول كسب و طمأنة القوى السياسية الشرق أردنية، بان حماس ترفض أي توطين أو استغلال لوجود الأصول الفلسطينية أو حزب الإخوان في الأردن وركز على رفض الوطن البديل وهذا الملف الذي يؤرق أغلبية الشعب الأردني حاليا.
إذا عكست نتائج الزيارة، فقطر اليوم لديها ولادة جديدة، وكل خلافاتها مع الملك عبدالله انتهت سياسيا حيث خرجت من دعم تحالف ما سمي زورا بمحور المقاومة، واليوم قطر والأردن بمربع واحد خاصة الملف الليبي والسوري، لذا عليهم بناء رؤية مستقبلية خصوصا أن الدولتان قريبتان من القوى السياسية القادمة وهم الإخوان المسلمين.
الأردن وخصوصا الملك عبدالله الثاني يعتبر الزعيم الأهم عربيا وخاصة للقضية الفلسطينية حيث يثق به اغلب الأصول الفلسطينية داخل وخارج الأرض المحتلة كذلك هو والأردن العامل الأول للدعم السياسي والمصالحة القادمة وحتى بناء الدولة الفلسطينية في رام الله وغزة، لذا لا يمكن أن يبنى أي حال اليوم دون قيادته من الأردن، الذي يجب أن يحمي نفسه من التجنيس ويحمي فلسطين من التمزق والشقاق .
بقي أن نقول أننا خرجنا بنتيجة أولا بعودة علاقات عمان الدوحة والتي ستشهد المزيد من المتانة القادمة، بينما لم نصل بشيء إلى مستقبل العلاقة الأردنية مع حماس وحكومة غزة سيما بعد زيارة لملك عبدالله إلى واشنطن لذا نقول لخالد مشعل شكرا لأنك أصلحننا مع قطر وسنسال قطر قريبا ما النتيجة من اصطحابكم لمشعل إلى عمان ؟
Omar_shaheen78@yahoo.com