أخبار البلد - يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تشكيل تحالف للطاقة مع قطر على شاكلة التحالف النفطي أوبك+ ما سيمكنه من إدارة المواجهة مع أوروبا وإفشال مساعيها لفرض حظر قاس على غاز روسيا، أو تحديد سعر أدنى من موقع قوة.
وقال بوتين في اتصال هاتفي مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الجمعة إن روسيا مهتمة بالعمل في تعاون وثيق مع قطر لضمان الاستقرار في سوق الغاز العالمية.
وفي حين يصف مراقبون عملية إقناع الدوحة بـ”المهمة الصعبة”، نظرا إلى العلاقات الوطيدة التي تربط بين الدوحة وواشنطن، تقول أوساط خليجية إن قطر تعرف أن من مصلحتها الدخول في تحالف بقيادة روسيا التي ستكون أكثر قدرة على التأثير في إيران التي تشترك معها الدوحة في حقل غاز.
بوتين يدفع منتجي الغاز نحو إستراتيجية موحدة شبيهة بإستراتيجية أوبك+ لتحديد حجم الإمدادات وتثبيت الأسعار
ومن الواضح أن تركيز الرئيس الروسي على موضوع الغاز في اتصال كان الهدف منه التهنئة بالنجاح في تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم رغم كل الضغوط، يحمل رسالتين؛ الأولى إعلان دعم قطر في مواجهة الحملة الواسعة التي تتعرض لها على خلفية وضع العمال الأجانب وملفات حقوق الإنسان، وهي رسالة ذكية تأتي في الوقت الدقيق الذي تحتاج فيه القيادة القطرية إلى مواقف واضحة.
أما الرسالة الثانية فهي موجهة إلى أوروبا، التي تتحرك في كل اتجاه بحثا عن بدائل للغاز الروسي، ومغزى هذه الرسالة أن أوراق موسكو لم تنته، وأنها يمكن أن تبني تحالفا من منتجي الغاز يمكن أن تطلق عليه اسم "منتدى الدول المصدرة للغاز+” إذا لم تجد أرضية مشتركة مع الدول المنتجة الأخرى للغاز لبناء إستراتيجية موحدة شبيهة بإستراتيجية أوبك+ من أجل تحديد حجم الإمدادات وتثبيت الأسعار والتصدي لضغوط الدول المستهلكة الكبرى وخاصة الولايات المتحدة.
وقد تجد قطر نفسها أقرب إلى تحالف الطاقة الجديد مع روسيا، لاعتبارات من بينها رد ما تعتبره إساءات دول غربية مثل ألمانيا التي تصدرت الحملات على مونديال 2022، وبعض الدول التي وقفت على الربوة مثل فرنسا. كما أنها عمليا لا تقدر على توفير بدائل حقيقية لأوروبا في ظل التزامات واتفاقيات طويلة الأمد مع دول جنوب شرق آسيا.
ومن السهل أن يجد الرئيس الروسي الدعم من الجزائر لإنجاح التحالف الجديد، ويمكنها أن تحقق الأهداف التي يريدها بوتين بخنق أوروبا من الجنوب. والأوروبيون أنفسهم يتوقعون خطوة مماثلة من الجزائر بالرغم من الاتفاقيات الموقعة معها وزيادة الاهتمام بها من قبل دول مثل إيطاليا.
ولا يثق الأوروبيون ولا الولايات المتحدة في الجزائر خاصة بعد وقف إمداداتها من الغاز باتجاه المغرب، والعقوبات من جانب واحد على إسبانيا في خطوة اعتباطية لم تراع شراكتها مع الاتحاد الأوروبي قبل أن تتراجع بعد اكتشاف خطورة هذه الخطوة على مصداقيتها على المدى البعيد في أن تكون موردا للغاز، وأنها تماما مثل روسيا تخلط الشراكة على مستوى الطاقة بالمواقف السياسية الآنية.
لكن ورقة قطر تظل أهم بالنسبة إلى روسيا، فثقل قطر غير وزن الجزائر في سوق الغاز وفي الساحة الدولية، خاصة أن الولايات المتحدة راهنت عليها كأول منتج للغاز لتعويض الغاز الروسي، لكن الدوحة لم تنسق وراء مساعي واشنطن بالرغم من استقبال الرئيس جو بايدن لأمير قطر في واشنطن وإظهار الاهتمام المبالغ فيه.
وتقول قطر إنها لا تقدر على ضخ كميات جديدة في الأسواق، وإنها ترتبط بعقود طويلة الأمد مع الزبائن، وتحتاج إلى من يقنعهم بوجوب تجاوز تلك العقود أو تعديلها.
وقال وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد الكعبي إن قطر يمكنها تحويل ما بين 10 و15 في المئة من صادراتها من الغاز إلى زبائن مختلفين عن أولئك الذين تعاقدوا معها في البداية على البيع.
وقال في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر الغاز الذي عقد في فبراير الماضي بالدوحة إن غالبية كميات الغاز التي تصدرها بلاده مرتبطة بعقود طويلة الأجل.
وجاء كلام الكعبي مخيبا لآمال الأوروبيين، وخاصة الولايات المتحدة التي سعت لأن تدفع الدوحة إلى مضاعفة إنتاجها وتوفير كميات مهمة يمكن من خلالها الضغط على روسيا.
ويرى متابعون لأزمة الغاز أن تحجج الدوحة بالتزاماتها المسبقة، بدل الاستجابة الفورية، يعكس موقفا ذكيا يرفع عنها الحرج من جهة ضخ كميات إضافية، ومن جهة ثانية يمنع أي توتر في علاقتها بروسيا ويرسل إليها رسالة مفادها أن الدوحة لا تسعى لوضع اليد على جزء من حصتها في السوق الأوروبية، ولو بشكل نسبي.
ويقولون إن مواقف قطر الحذرة تجاه معركة الغاز بين روسيا والغرب قد تكون شجعت بوتين على التفكير في إكساب منتدى الدول المصدرة للغاز دورا أكبر أو البحث عن تحالف ولو محدود العدد يتزعم معركة الدفاع عن المنتجين في مواجهة ضغوط كبار المستهلكين، أي كارتل للمنتجين في مقابل كارتل المستهلكين.
ويجمع منتدى الدول المصدرة للغاز الدول الأعضاء الـ11 التي تملك أكثر من 70 في المئة من احتياطيات الغاز في العالم، بما في ذلك روسيا وقطر والجزائر ونيجيريا، بالإضافة إلى سبع دول مراقبة وثلاث بصفة ضيف.