أخبار البلد - لا تزال تداعيات مقتل مهسا أميني التي قضت في الحجز بعد أن ألقت شرطة الآداب الإيرانية القبض عليها تتفاعل، مثيرة أكبر موجة احتجاجات في الشوارع منذ سنوات، مما أدى إلى حملة أمنية واسعة وفرض قيود على الإنترنت والهواتف.
الإيراني سعيد سوزانغار يدير شركة تكنولوجية في طهران، وكثيراً ما واجهه انقطاع شبكة الإنترنت المتكرر، إلا أنه كان يتغلب عليه كل مرة، لضمان استمرار عمله، أما في هذه الفترة التي شمل فيها انقطاع الاتصالات البلاد كلها، فقد كانت مشكلة سوزانغار أكبر.
ويقول الرجل البالغ من العمر 34 سنة إن ”هذا هو أسوأ إغلاق للإنترنت نتعرض له منذ ثلاث سنوات. إنه فوضى مطلقة، لا شيء يعمل. لا يمكنني العمل، ولا يمكنني التحدث إلى أحبائي، ولا يمكنني حتى إجراء معاملة بنكية بسيطة على هاتفي”.
وأعلن وزير الاتصالات الأسبوع الماضي حل اضطرابات "مؤقتة” في بعض الأماكن وفي بعض الساعات. حسب سنام محوزي في مؤسسة تومسون رويترز، وقالت جماعات حقوق الإنسان إن إيران واحدة من الدول التي شهدت أكبر عدد من حالات إغلاق الإنترنت العام الماضي، حيث أرادت السلطات قمع المعارضة خلال الانتخابات المحلية وإخفاء العنف المزعوم ضد المتظاهرين.
وفي مايو من هذا العام، تباطأت سرعات الإنترنت والإنترنت عبر الهاتف المحمول في مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية، وبرزت اضطرابات مماثلة في جميع أنحاء البلاد وسط احتجاجات على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفقا لمجموعة مراقبة الإنترنت "نت بلوكس”.
حجب الأدلة على العنف
نشطاء الحقوق الرقمية يقولون إن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع وأطلقت طلقات تحذيرية لتفريق الحشود واعتقلت المتظاهرين، ومنع قطع الإنترنت نشر صور ومقاطع فيديو للعنف.
ويبين أمير رشيدي، مدير الحقوق الرقمية في مجموعة ميان ومقرها تكساس، وتدعم نشطاء حقوق الإنسان في إيران، أن هذا جزء من إستراتيجية حكومية واضحة، ويضيف "يريدون أولا منع المتظاهرين من التواصل مع بعضهم البعض وثانيا منعهم من إرسال أدلة وصور هذه الانتهاكات إلى العالم الخارجي”.
وفقا لأكسس ناو، أصبح قطع الإنترنت في جميع أنحاء العالم أكثر تعقيدا واستمر لفترة أطول، مما أضر بالناس والاقتصاد واستهدف الفئات الضعيفة في جميع أنحاء العالم.
وسجلت المنظمة حوالي 182 إغلاقا للإنترنت في 34 دولة خلال العام الماضي، ارتفاعا من 159 إغلاقا في 29 دولة في العام السابق. وعانت إيران من عشرات الإغلاقات لمدة تتراوح من 15 دقيقة إلى 12 يوما منذ ديسمبر 2018، وفقا لتحالف كيب إت أون الذي يشن حملات ضد انقطاع التيار في جميع أنحاء العالم.
وقالت منظمة العفو الدولية إن السلطات أخفت "الحجم الحقيقي لعمليات القتل على أيدي قوات الأمن” عندما قطعت الإنترنت لمدة 12 يوما خلال الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود في نوفمبر 2019 وهو أطول إغلاق على مستوى البلاد حتى الآن.
وأظهر تحقيق لرويترز أن نحو 1500 شخص قتلوا على أيدي قوات الأمن خلال تلك الفترة، عندما كانت الإنترنت المحلية الخاضعة للرقابة المشددة في البلاد هي الوحيدة التي كانت تعمل. ولم ترد السلطات الإيرانية على مزاعم القتل غير القانوني، وألقت باللوم على التدخل الأجنبي والعناصر الانفصالية في الاحتجاجات.
وصاية المرشد
تحظر شبكة الإنترانت المحلية الإيرانية، شبكة المعلومات الوطنية، معظم مواقع التواصل الاجتماعي العالمية وتطبيقات المراسلة بما في ذلك فيسبوك وتويتر ويوتيوب وتيليغرام وسيغنال، وتحدد المستخدمين من خلال أرقام هواتفهم ومعرفاتهم.
سلاح الإنترنت حول العالم
● 182 إغلاقا للإنترنت في 34 دولة خلال العام 2021
● 159 إغلاقا في 29 دولة خلال العام 2020
وقال نشطاء الحقوق الرقمية إن السلطات تعمل بشكل روتيني على تشويش الإشارات لحظر جميع عمليات البث باستثناء التي وافقت عليها الدولة، وإعادة توجيه المستخدمين إلى وجهات زائفة، وهي عملية تُعرف باسم اختطاف نظام أسماء النطاقات.
وشهدت الخطوة الأحدث اعتماد وضع البحث الآمن في غوغل وبينغ لجميع الإيرانيين، وهو يعتمد عادة للأطفال لحمايتهم من المحتوى غير المناسب لسنهم.
ويقول أمين سبيتي، مؤسس سيرتفا، وهو مختبر للأمن السيبراني يركز على الهجمات الإلكترونية التي تشنها إيران ومقره لندن، في إشارة إلى علي خامنئي "يفترض البحث الآمن أن جميع سكان إيران أقل من 13 عاما، وأن الوالد هو على ما يبدو المرشد الأعلى”. لكن هناك ضوابط أكثر صرامة في طور الإعداد للأمة التي يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة.
ويقترح مشروع قانون حماية الإنترنت الحد من خدمات الإنترنت الدولية، وتجريم استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية ووضع البنية التحتية للإنترنت وبوابات الإنترنت تحت سيطرة القوات المسلحة والوكالات الأمنية.
وقال خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن مشروع القانون الذي ينتظر الموافقة عليه في البرلمان هو "خطوة مقلقة نحو ترسيخ جدار رقمي في إيران”.
وكلفت عمليات الإغلاق والاضطرابات الاقتصاد ما يقرب من 28 مليون دولار العام الماضي، وفقا لتوب 10 في بي إن، وهي مجموعة مناصرة لحرية الإنترنت.
ويمثل بالنسبة إلى الإيرانيين الذين يديرون أعمالهم عائقا كبيرا. وتسجل مصممة الأزياء سارة الدخول إلى الشبكة الخاصة الافتراضية قبل تحميل صور أحدث إبداعاتها وتبادل الرسائل مع المشترين المحتملين على إنستغرام.
كما يعتمد العديد من الإيرانيين على الشبكات الافتراضية الخاصة للوصول إلى المواقع العالمية، والتواصل مع العالم الخارجي أو إخفاء هوياتهم على الإنترنت وهو أمر يمكن اعتباره جريمة بموجب القانون الجديد.
وتعد الشبكات الافتراضية الخاصة حتى الآن حلا غير مثالي، ويعني تباطؤ الإشارة المتقطعة أن المستخدمين غالبا ما يكافحون من أجل الاتصال.
وتقول سارة البالغة من العمر 32 سنة، التي طلبت عدم ذكر اسمها، "يجب أن أضيع ساعات من وقتي وأهدر الكثير من الطاقة كل يوم في محاولة الاتصال بالإنترنت". وتضيف "يمكن للمصممين في جميع أنحاء العالم بيع أعمالهم عبر الإنترنت بسهولة. وفي الأيام التي تكون فيها الإنترنت بطيئة أو معطلة، لا أسجل أي عملية بيع. إنها خسارة كبيرة”.
كما رفع مقدمو خدمات الإنترنت الإيرانيين الأسعار بنسبة تتراوح بين 30 و100 في المئة في وقت سابق من هذا العام بسبب التضخم السريع مما ترك العديد من الأسر غير قادرة على تحمل تكاليف الاتصال.
وأصدر المسؤولون الأميركيون في الأسبوع الماضي توجيهات لتوسيع نطاق خدمات الإنترنت المتاحة للإيرانيين على الرغم من العقوبات، بينما قال الرئيس التنفيذي لشركة ”سبيس إكس" إيلون ماسك إنه سينشط خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية الخاصة بالشركة لإيران. لكن، لا يمكن لهذه الخطوات أن تجعل الجميع متصلين بالإنترنت.
ومع انتظار الموافقة على مشروع قانون الإنترنت واستمرار الاضطرابات، يبدو أن الحكومة الإيرانية مصممة على تشديد قبضتها. ويكمن الهدف في نهاية المطاف في السيطرة على أكبر قدر ممكن من تدفق المعلومات، و"الإنترنت ميت الآن في إيران" على حد تعبير سبيتي.