في بحث للدكتور إبراهيم عبد اللطيف العبيدي - باحث في الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية، حول صور مستجدة من تحويل ونقل الأموال/ (تقديم جهة التحويل مبلغاً لصاحب المال مقابل تحويلها لماله) نشرته « الاقتصاد الاسلامي « جاء فيه :
من المسائل المستجدة التي انتشرت في بعض شركات ومكاتب تقديم خدمات تحويل الأموال ونقلها بين الدول مؤخراً مسألة قيام جهة التحويل بتقديم مبلغ من المال إلى صاحب المال الذي يريد تحويله ونقله إلى بلد آخر، مقابل كل عملية تحويل مالي بمقدار معين.
وتعد هذه الصورة المستجدة عكس الصورة السائدة التي جرى العمل بها منذ زمن طويل، والمتمثلة بقيام جهة التحويل باقتطاع مبلغ مالي بمقدار معين من مبلغ التحويل كرسوم مقطوعة مقابل تقديم خدمة تحويل المال من مكان إلى آخر، أو مطالبة المتعامل – طالب التحويل – بتقديم المبلغ المقرر مقدماً؛ كأجور أو رسوم مقابل الخدمة المتفق عليها؛ المتمثلة بصرف ونقل وتحويل المبلغ من مكان إلى آخر، وغالباً ما تكون العملية من دولة إلى دولة أخرى.
وقد تقدم أن هذا الإجراء المتبع الذي جرى العمل به لا يوجد فيه إشكال شرعي؛ باعتبار أن إشكال طلب مبلغ مقابل تقديم خدمة التحويل المالي قد زال – كما مرّ آنفاً – حسب تكييف المعاملة على أن جهة التحويل تمثل أجيراً مشتركاً؛ لتحقق أركان الإجارة في المعاملة، ابتداء من طالب التحويل الذي يتقدم إلى شركة التحويل، سواء عن طريق تسليمه المبلغ المراد تحويله، أو عن طريق خصم المبلغ من حساب المتعامل المودع في المصرف، وقيامه بإنابة جهة التحويل في عملية تحويل المبلغ إلى شخص آخر، سواء كان في بلد التحويل نفسه أو في بلد آخر، وما يقدم من مال مقابل ذلك يعد أجرة تحتسب على أساس تقدير التكلفة الفعلية المتحققة من عملية تحويل المال وما تتطلبه من مصروفات مختلفة؛ تتمثل بأجور الاتصالات الهاتفية أو ما يقوم مقامها من اتصال عبر الفاكس أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة اتصال أخرى، زيادة على ما تتم طباعته من أوراق ووثائق تثبت وقائع استلام وتسليم الأموال، وما يستلزم ذلك من تغطية ثمن الأحبار وأجهزة الطباعة والمكتب والموظفين وغيرها من المصروفات العامة المترتبة على مثل هذه العمليات.
كما يمكن اعتبار تكييف المعاملة كذلك – وكما مرَّ آنفاً – على أنها وكالة بأجر؛ باعتبار طالب التحويل عادة ما يتقدم إلى جهة التحويل ويسلمها المبلغ إما نقداً أو خصماً من حسابه الموجود في المصرف، وتصرفه هذا يمثل توكيلاً منه بإنابة الجهة المحولة للمبلغ في نقل ماله إلى المكان الذي يرغب إيصاله إليه، ومن جهتها تقوم الجهة المحولة بإنابة جهة أخرى لتسليم المبلغ، فيجتمع أكثر من توكيل في المعاملة. وقد تقدمت الإشارة إلى ذكر بعض الاعتراضات الواردة بشأن تكييف المعاملة على أساس أنها وكالة بأجر، وتمت مناقشتها، وقد حسم ذلك القرارات الصادرة في هذا الشأن من مجمعي الفقه الإسلامي بجدة والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة بما صدر عنهما من قرارات سبق ذكرها.
أما بالنسبة للصورة المستجدة التي تمت الإشارة إليها والمتمثلة في تقديم جهة التحويل المالي نفسها مبلغاً مالياً لطالب التحويل – على عكس الصورة السائدة بتقديم طالب التحويل (المتعامل) المال إلى جهة التحويل – مقابل اختيارها من بين جهات منافسة أخرى، فهي صورة غير مألوفة، ولكنها موجودة وقائمة ويجري بها العمل حالياً في بعض الدول، والهدف من تقديم جهة التحويل مبلغاً من المال لطالب التحويل يعد نوعاً من جذب المتعامل إلى الجهة المحولة ؛ لتحظى بعملية التحويل من بين بقية الجهات الأخرى المنافسة لها، ويأتي تقديم المبلغ مقابل ذلك من باب التأثير على طالب التحويل وجذبه، بحكم المنافسة القائمة بين جهات التحويل التي تسوّق كل واحدة منها نفسها في تقديم خدماتها لعملائها، ومن ضمن صور هذا التسويق تنازلها عن مبلغ الخدمات التي تقدمها نتيجة عملية التحويل وقيامها بتقديم مكافآت مالية لطالب التحويل المالي (المتعامل).
وقبل بيان الحكم الشرعي لهذه الصوة المستحدثة يحسن بيان طبيعة المبلغ المقابل لهذه العلمية، سواء تم تقديمه من جهة طالب التحويل المالي (المتعامل) إلى جهة التحويل، أو العكس كما في الصورة التي نحن بصددها، وهي تقديم جهة التحويل المالي مبلغاً من المال إلى طالب التحويل، فما وصف هذا المال، وهل يطلق عليه أجور خدمة، أم رسوم خدمة، أم مكافأة مالية، وهل ثمة فرق بين مصطلحات كل من الأجور والرسوم والمكافأة؟
وللتعرّف عليها لابد من تعريف كل من هذه المصطلحات:
الأجور: جمع أجر وهو العِوض الذي يدفع مقابل التعاقدات التي تقع على المنافع والخدمات، وهو بذلك يختلف عن الربح: المتمثل بالزيادة المرتبطة بإيجاد الثروة وتداول السلع.
وقد قسم الفقهاء الإجارة إلى قسمين:
– الإجارة على المنافع، وهي إجارة الأصول (العقارات والأراضي ونحوها).
– الإجارة على الأعمال، وهي إجارة خدمات الأشخاص (الخياطة والحدادة ونحوها).
كما تختلف الأجور عن المكافأة (وهي الجعالة بمصطلح الفقهاء) التي يجعل فيها جعلاً مقابل خدمات غير محددة، ولا يسمى فيها العائد أجراً إنما يسمى جعلاً.
أما الرسوم: فهي عبارة عن أجرة مقابل الخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية المتمثلة بالمصارف والبنوك وشركات التأمين لعملائها، وتتميز بأنها تتحدد على أساس المبلغ المقطوع وليس بنسبة مئوية مرتبطة بالمبلغ أو المدة، كما أنها تتحدد بما يقابل المصروفات الفعلية التي تتكبدها المؤسسة المالية أو بتقديرها تقديراً معقولاً، ولا يصح أن تتكرر إلا بتكرار الخدمة. والرسم أخص من الأجر؛ لأن الأجر قد يكون بمبلغ مقطوع أو بنسبة مئوية، كما أنه قد يقابل الجهد المبذول وقد لا يقابله؛ فيتحدد بمعزل عنه بما يحقق لصاحبه عائداً أوفر يغطي ويزيد عن مبالغ المصاريف الفعلية.
حقيقة الرسوم والعمولات: يرى علماء الصيرفة الإسلامية أن المدخل المقبول للرسوم أو العمولة هو ارتباطها بوجود منفعة حقيقية، من خلال تقديم المؤسسة المالية خدمة ملموسة لعملائها، وليس مجرد ستار يخفي خلفه التحايل للوصول إلى الزيادة على أصل المبلغ والتذرع إليه. ووجود مثل هذه الخدمة في مسألة تحويل المال من مكان إلى آخر واضحة ومتحققة في أرض الواقع.
أما الجعالة: فهي عقد على ما يعطاه الإنسان على عمل أو أمر يقوم به، كأن يقول: من ردّ عليّ ولدي الضائع أو جملي الشارد أو سيارتي المسروقة؛ فله مقدار معين من المال؛ فهي على أساس جعل شيء معلوم من المال لمن يعمل له عملاً معلوماً؛ ولا إلزام على أحد الطرفين قبل إتمام العمل.
ويستدل على صحة عقد الجعالة بقول الله تعالى: (ولمن جاءَ بِهِ حِمل بعيرٍ وأنا به زعيم) سورة يوسف الآية 72، كما يستدل عليها من السنة النبوية أيضاً بحديث أبي سعيد رضي الله عنه أنهم نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، فأتوهم فقالوا: هل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا؛ فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً. فصالحوهم على قطيع من غنم، فانطلق ينفث عليه ويقرأ: (الحمد لله رب العالمين)؛ فكأنما نشط من عقال، فأوفوهم جعلهم، وقدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: «أصبتم، اقتسموا واجعلوا لي معكم سهماً».
وبناء على ما تقدم فقد فرّق الفقهاء بين بعض الأعمال التي تندرج تحت عقد الجعالة، والأخرى التي تندرج تحت عقد الإجارة، وهذا التفريق يرجع إلى طبيعة الاختلاف بين العقدين.
الخاتمة:
يمكن تلخيص أهم ما جاء في هذا البحث في الآتي:
1- عقد الحوالة الفقهي يختلف عن عقد التحويل المالي الذي يتم العمل به في عصرنا الحاضر، إذ تعني الحوالة عند الفقهاء: نقل الدَّين من ذمة إلى أخرى. بينما يمثل التحويل المالي نقلٌ لمطلق المال من مكان إلى آخر، ولا يقتصر الأمر على الدائن والمدين، كما في مسألة الحوالة الفقهية.
2- يجوز إجراء معاملة صرف عملة بعملة أخرى ثم تحويلها من مكانها إلى مكان آخر؛ وهي التي تتم عادة وفق عقدين مجتمعين، يمثل الأول عقد صرف، والثاني عقد حوالة، يتم من خلالهما عادة تحويل مبلغ من المال من عملة نقود البلد المحوّل منه، إلى عملة نقود البلد المحوّل إليه، مع جواز أخذ جهة التحويل أجرة (رسوم) من المحول لقاء عملية تحويل المبلغ من مكان إلى آخر.
3- العلاقة القائمة بين طرفي عقد الحوالة عند الفقهاء تتوقف على المحيل والمحال والمحال عليه، بينما يمثل المصرف أو شركة التحويل المالي جهة مستقلة (وسيطاً مالياً) لا علاقة له بطرفي التحويل المالي.
4- يجوز لجهة التحويل المالي تقديم مكافأة نقدية إلى طالب التحويل مقابل تحويل ماله، وذلك على عكس الصورة المعتادة في تقديم طالب التحويل مبلغاً مالياً إلى جهة التحويل مقابل عملية التحويل.
من المسائل المستجدة التي انتشرت في بعض شركات ومكاتب تقديم خدمات تحويل الأموال ونقلها بين الدول مؤخراً مسألة قيام جهة التحويل بتقديم مبلغ من المال إلى صاحب المال الذي يريد تحويله ونقله إلى بلد آخر، مقابل كل عملية تحويل مالي بمقدار معين.
وتعد هذه الصورة المستجدة عكس الصورة السائدة التي جرى العمل بها منذ زمن طويل، والمتمثلة بقيام جهة التحويل باقتطاع مبلغ مالي بمقدار معين من مبلغ التحويل كرسوم مقطوعة مقابل تقديم خدمة تحويل المال من مكان إلى آخر، أو مطالبة المتعامل – طالب التحويل – بتقديم المبلغ المقرر مقدماً؛ كأجور أو رسوم مقابل الخدمة المتفق عليها؛ المتمثلة بصرف ونقل وتحويل المبلغ من مكان إلى آخر، وغالباً ما تكون العملية من دولة إلى دولة أخرى.
وقد تقدم أن هذا الإجراء المتبع الذي جرى العمل به لا يوجد فيه إشكال شرعي؛ باعتبار أن إشكال طلب مبلغ مقابل تقديم خدمة التحويل المالي قد زال – كما مرّ آنفاً – حسب تكييف المعاملة على أن جهة التحويل تمثل أجيراً مشتركاً؛ لتحقق أركان الإجارة في المعاملة، ابتداء من طالب التحويل الذي يتقدم إلى شركة التحويل، سواء عن طريق تسليمه المبلغ المراد تحويله، أو عن طريق خصم المبلغ من حساب المتعامل المودع في المصرف، وقيامه بإنابة جهة التحويل في عملية تحويل المبلغ إلى شخص آخر، سواء كان في بلد التحويل نفسه أو في بلد آخر، وما يقدم من مال مقابل ذلك يعد أجرة تحتسب على أساس تقدير التكلفة الفعلية المتحققة من عملية تحويل المال وما تتطلبه من مصروفات مختلفة؛ تتمثل بأجور الاتصالات الهاتفية أو ما يقوم مقامها من اتصال عبر الفاكس أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة اتصال أخرى، زيادة على ما تتم طباعته من أوراق ووثائق تثبت وقائع استلام وتسليم الأموال، وما يستلزم ذلك من تغطية ثمن الأحبار وأجهزة الطباعة والمكتب والموظفين وغيرها من المصروفات العامة المترتبة على مثل هذه العمليات.
كما يمكن اعتبار تكييف المعاملة كذلك – وكما مرَّ آنفاً – على أنها وكالة بأجر؛ باعتبار طالب التحويل عادة ما يتقدم إلى جهة التحويل ويسلمها المبلغ إما نقداً أو خصماً من حسابه الموجود في المصرف، وتصرفه هذا يمثل توكيلاً منه بإنابة الجهة المحولة للمبلغ في نقل ماله إلى المكان الذي يرغب إيصاله إليه، ومن جهتها تقوم الجهة المحولة بإنابة جهة أخرى لتسليم المبلغ، فيجتمع أكثر من توكيل في المعاملة. وقد تقدمت الإشارة إلى ذكر بعض الاعتراضات الواردة بشأن تكييف المعاملة على أساس أنها وكالة بأجر، وتمت مناقشتها، وقد حسم ذلك القرارات الصادرة في هذا الشأن من مجمعي الفقه الإسلامي بجدة والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة بما صدر عنهما من قرارات سبق ذكرها.
أما بالنسبة للصورة المستجدة التي تمت الإشارة إليها والمتمثلة في تقديم جهة التحويل المالي نفسها مبلغاً مالياً لطالب التحويل – على عكس الصورة السائدة بتقديم طالب التحويل (المتعامل) المال إلى جهة التحويل – مقابل اختيارها من بين جهات منافسة أخرى، فهي صورة غير مألوفة، ولكنها موجودة وقائمة ويجري بها العمل حالياً في بعض الدول، والهدف من تقديم جهة التحويل مبلغاً من المال لطالب التحويل يعد نوعاً من جذب المتعامل إلى الجهة المحولة ؛ لتحظى بعملية التحويل من بين بقية الجهات الأخرى المنافسة لها، ويأتي تقديم المبلغ مقابل ذلك من باب التأثير على طالب التحويل وجذبه، بحكم المنافسة القائمة بين جهات التحويل التي تسوّق كل واحدة منها نفسها في تقديم خدماتها لعملائها، ومن ضمن صور هذا التسويق تنازلها عن مبلغ الخدمات التي تقدمها نتيجة عملية التحويل وقيامها بتقديم مكافآت مالية لطالب التحويل المالي (المتعامل).
وقبل بيان الحكم الشرعي لهذه الصوة المستحدثة يحسن بيان طبيعة المبلغ المقابل لهذه العلمية، سواء تم تقديمه من جهة طالب التحويل المالي (المتعامل) إلى جهة التحويل، أو العكس كما في الصورة التي نحن بصددها، وهي تقديم جهة التحويل المالي مبلغاً من المال إلى طالب التحويل، فما وصف هذا المال، وهل يطلق عليه أجور خدمة، أم رسوم خدمة، أم مكافأة مالية، وهل ثمة فرق بين مصطلحات كل من الأجور والرسوم والمكافأة؟
وللتعرّف عليها لابد من تعريف كل من هذه المصطلحات:
الأجور: جمع أجر وهو العِوض الذي يدفع مقابل التعاقدات التي تقع على المنافع والخدمات، وهو بذلك يختلف عن الربح: المتمثل بالزيادة المرتبطة بإيجاد الثروة وتداول السلع.
وقد قسم الفقهاء الإجارة إلى قسمين:
– الإجارة على المنافع، وهي إجارة الأصول (العقارات والأراضي ونحوها).
– الإجارة على الأعمال، وهي إجارة خدمات الأشخاص (الخياطة والحدادة ونحوها).
كما تختلف الأجور عن المكافأة (وهي الجعالة بمصطلح الفقهاء) التي يجعل فيها جعلاً مقابل خدمات غير محددة، ولا يسمى فيها العائد أجراً إنما يسمى جعلاً.
أما الرسوم: فهي عبارة عن أجرة مقابل الخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية المتمثلة بالمصارف والبنوك وشركات التأمين لعملائها، وتتميز بأنها تتحدد على أساس المبلغ المقطوع وليس بنسبة مئوية مرتبطة بالمبلغ أو المدة، كما أنها تتحدد بما يقابل المصروفات الفعلية التي تتكبدها المؤسسة المالية أو بتقديرها تقديراً معقولاً، ولا يصح أن تتكرر إلا بتكرار الخدمة. والرسم أخص من الأجر؛ لأن الأجر قد يكون بمبلغ مقطوع أو بنسبة مئوية، كما أنه قد يقابل الجهد المبذول وقد لا يقابله؛ فيتحدد بمعزل عنه بما يحقق لصاحبه عائداً أوفر يغطي ويزيد عن مبالغ المصاريف الفعلية.
حقيقة الرسوم والعمولات: يرى علماء الصيرفة الإسلامية أن المدخل المقبول للرسوم أو العمولة هو ارتباطها بوجود منفعة حقيقية، من خلال تقديم المؤسسة المالية خدمة ملموسة لعملائها، وليس مجرد ستار يخفي خلفه التحايل للوصول إلى الزيادة على أصل المبلغ والتذرع إليه. ووجود مثل هذه الخدمة في مسألة تحويل المال من مكان إلى آخر واضحة ومتحققة في أرض الواقع.
أما الجعالة: فهي عقد على ما يعطاه الإنسان على عمل أو أمر يقوم به، كأن يقول: من ردّ عليّ ولدي الضائع أو جملي الشارد أو سيارتي المسروقة؛ فله مقدار معين من المال؛ فهي على أساس جعل شيء معلوم من المال لمن يعمل له عملاً معلوماً؛ ولا إلزام على أحد الطرفين قبل إتمام العمل.
ويستدل على صحة عقد الجعالة بقول الله تعالى: (ولمن جاءَ بِهِ حِمل بعيرٍ وأنا به زعيم) سورة يوسف الآية 72، كما يستدل عليها من السنة النبوية أيضاً بحديث أبي سعيد رضي الله عنه أنهم نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا، فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، فأتوهم فقالوا: هل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا؛ فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً. فصالحوهم على قطيع من غنم، فانطلق ينفث عليه ويقرأ: (الحمد لله رب العالمين)؛ فكأنما نشط من عقال، فأوفوهم جعلهم، وقدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: «أصبتم، اقتسموا واجعلوا لي معكم سهماً».
وبناء على ما تقدم فقد فرّق الفقهاء بين بعض الأعمال التي تندرج تحت عقد الجعالة، والأخرى التي تندرج تحت عقد الإجارة، وهذا التفريق يرجع إلى طبيعة الاختلاف بين العقدين.
الخاتمة:
يمكن تلخيص أهم ما جاء في هذا البحث في الآتي:
1- عقد الحوالة الفقهي يختلف عن عقد التحويل المالي الذي يتم العمل به في عصرنا الحاضر، إذ تعني الحوالة عند الفقهاء: نقل الدَّين من ذمة إلى أخرى. بينما يمثل التحويل المالي نقلٌ لمطلق المال من مكان إلى آخر، ولا يقتصر الأمر على الدائن والمدين، كما في مسألة الحوالة الفقهية.
2- يجوز إجراء معاملة صرف عملة بعملة أخرى ثم تحويلها من مكانها إلى مكان آخر؛ وهي التي تتم عادة وفق عقدين مجتمعين، يمثل الأول عقد صرف، والثاني عقد حوالة، يتم من خلالهما عادة تحويل مبلغ من المال من عملة نقود البلد المحوّل منه، إلى عملة نقود البلد المحوّل إليه، مع جواز أخذ جهة التحويل أجرة (رسوم) من المحول لقاء عملية تحويل المبلغ من مكان إلى آخر.
3- العلاقة القائمة بين طرفي عقد الحوالة عند الفقهاء تتوقف على المحيل والمحال والمحال عليه، بينما يمثل المصرف أو شركة التحويل المالي جهة مستقلة (وسيطاً مالياً) لا علاقة له بطرفي التحويل المالي.
4- يجوز لجهة التحويل المالي تقديم مكافأة نقدية إلى طالب التحويل مقابل تحويل ماله، وذلك على عكس الصورة المعتادة في تقديم طالب التحويل مبلغاً مالياً إلى جهة التحويل مقابل عملية التحويل.