لا يقل الأمن الغذائي أهمية عن الأمن الوطني بمفهومه الشمولي، فبعد ان أجبرت كورونا دول العالم على إغلاق أبوابها لم يكن التهديد الصحي أكثر خطورة من التهديد الذي يواجه الدول في تأمين حاجتها من الغذاء.
هذه الحاجة، سلطت الضوء على ضرورة أن يتعاون العالم في سبيل تحقيق مفهوم التكامل الغذائي، فليس بمقدور دولة لوحدها، في إقليمنا على الأقل، أن تحقق أمنها الغذائي بمعزل عن جاراتها ما يفتح الباب واسعا أمام أهمية عقد الشراكات بين الدول لتحقيق ذلك، فالمصلحة هنا متبادلة ولا تسير في تجاه واحد.
محليا، أُعلن يوم أمس عن الخطة الزراعية 2022 – 2025، وهي من أهم الخطط لتحقيق مفهوم الأمن الغذائي وتحسين قطاع الزراعة باعتباره قطاعا تنمويا مشغلا لليد العاملة وباعتبار الحاجة له في رفع نسبته في الناتج المحلي الإجمالي التي ما زالت متواضعة 4.7% وفقا لإحصائية عام 2019.
لذلك، ثمة ما يدعو إلى تسليط الضوء عليه بشكل أعمق، من دون أن نقلل من أهمية ما تم الإعلان عنه، فالحاجة ماسة إلى توفير التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وأساليب ري متطورة، وتحسين واقع المزارع وتبسيط القروض وتخفيض نسبة الفائدة، ودعم مدخلات الانتاج، وفتح أسواق جديدة للتصريف، وتوفير الأمان للمزارع من أن يهضم حقه لصالح الحلقات الوسيطة وما إلى ذلك.
فقطاع الزراعة يحتاج إلى ثورة حقيقية تتمثل في تنفيذ مشاريع كبرى تساهم في حل إشكالية نقص المياه، العامل الأساس والحاسم في النهضة الزراعية، مثل جر مياه البحر الأحمر، والتفكير الجاد بمشاريع زراعية تدب الحياة في الصحراء، عبر مشاريع الاستصلاح الزراعي.
مشروع الناقل الوطني كما هو معلن، سيوفر ما نحوه 300 مليون متر مكعب من مياه الشرب، ولست أدري إن كان هناك تفكير في مساهمته في توفير المياه لغايات الزراعة أو غايات استحداث مساحات زراعية جديدة، فما لدينا من مساحات متواضع بعد التوسع عبر العقود الماضية في زراعة الكتل الاسمنتية في المساحات الصالحة للزراعة مثل سهول حوران مثلا.
إذ تبلغ المساحات الزراعية، بحسب إحصاءات عام 2017 حوالي 3.2% فقط من مساحة المملكة الكلية، ما يعني أن التوسع في الاستصلاح الزراعي وإقامة مشاريع زراعية كبيرة في الصحراء قد يكون له الأثر الأكبر في تحقيق الأمن الغذائي وفي رفع نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي وفي توفير المزيد من فرص العمل، وذلك يمكن أن يتحقق بتوسيع دائرة التفكير في الناقل الوطني والاستفادة منه على مستويات مختلفة لا تتوقف فقط عند تحلية المياه للشرب.
لذلك، لنا أن نتأمل شكل الصحراء كيف سيتغير مع المزارع المستحدثة والمحاصيل الجديدة ومع التفكير أيضا في إقامة مشاريع التصنيع الغذائي والمشاريع السياحية في مناطق مختارة في الجنوب إذا ما تم التفكير بالناقل الوطني أيضا في هذا السياق.
عندها، سيلمس الأردن بشكل عام الأثر، وستتغير النظرة إلى جيوب الفقر في الجنوب على الأقل، وسنسير بخطى واثقة نحو تحقيق الأمن الغذائي إذا ما ترافق ذلك بالتفكير الجاد لدى دول الإقليم بتحقيق التكامل الغذائي والاقتناع أن ليس بمقدور دولة منفردة تحقيقه ما لم تتعاون مع محيطها على الأقل.