في الغالب، إذا كنت تقرأ هذه الكلمات، فإما أنك تعاني من رُهاب وتوتّر وخوف عند الحديث أمام الجمهور وتعاني ممّا يُعرف بالقلق الاجتماعي، وبالتالي فأنت تسعى لإيجاد حل لمشكلتك وتبحث عن حلول عملية وخطوات مباشرة للتخلّص منها، أو أنك مطّلع على هذا الاضطراب الشائع، وتسعى للإحاطة به بصيغة علمية لتكوين معرفة ربما تساعد بها غيرك لاحقا، أو من باب اهتمامك العام بهذه القضايا.
وإذا كنت من الفريق الأول، أي الذي يسعى لإيجاد الجواب، والحلول العملية والمباشرة، فننصحك بإتمام هذا التقرير الذي أنت فيه الآن، أما إذا أردت زيادة تكوينك الثقافي والاطلاع على المزيد من التفاصيل حول الموضوع ومعرفة أسبابه والنظريات النفسية التي تفسّره، فننصحك بقراءة التقرير الأصلي كاملا، والذي نشرح فيه، خطوةً بخطوة، الاضطراب النفسي الأوسع، والذي يدعى الرهاب الاجتماعي
الخوف من التحدّث أمام الجمهور.. كيف أتخلص منه؟
- أولا: عليك أن تكسر حلقة الخوف.. التجنب لن يفيدك
ينبع القلق الاجتماعي من وَعيك المفرط بذاتك، فتصوّركَ للمواقف الحياتية قبل حدوثها وتفكيرك فيها، أثناء المناسبة الاجتماعية وبعدها وخلالها، هو ما يستند عليه قلقكَ من الأساس. الأمر الذي يدفعك إلى تَجنبها كلها، كحلّ جذري ونهائي، لكنّ التجنب في هذه الحالة ليس الحل، بل هو بمثابة سكب الوقود على نار مخاوفك. نعم، فأنت بهذه الصيغة لا تحل المشكلة، بل تزيد من رسوخها. فإدراكك وتصوراتك المسبقة يقولان لك: عليك تجنب الحياة الاجتماعية أو التملص منها في أسرع وقتٍ ممكن.
حتى حين تفشل محاولاتكَ لتجنبها، تتعامل فيها مُتخذا كل سلوكيات الأمان الممكنة، تلتزم الصمت، تقف في الزاوية، تتجنب التقاء عينكَ بأي أحد، تبقى بصحبة شخصٍ تعرفه دائما، وما شابه. تُقنعك هذه التصرفات بأن الموقف سار على ما يرام، وأنكَ واجهت خوفك وكنت حاضرا، فتتخذها كصَدَفةِ حماية. لكن هذه التصرفات لا تؤدي إلّا إلى مزيدٍ من القلق؛ لأنك تذهب إلى الحفل بقناعةٍ مسبقة وتتصرف بناءً عليها فيحدث ما تخاف منه: ألَّا يكلمك أحد فتظن أنكَ مملٌ أو منبوذ.
- ثانيا: حوّل اهتمامكَ لمَا حولك وليس لذاتك
ينبع القلق من تدقيقكَ ومراقبتك لنفسك طوال الوقت، حيث تضع نفسك أسفل عدسةٍ مُكبرة، لكن في وسعكَ تدريب انتباهك على التركيز على المحيط. تخيل عضلة في دماغكَ تحتاج تعزيزا وتقوية للتمكن من التحكم فيها. تُتَّبع تقنية "تدريب الانتباه" في العلاج المعرفي السلوكي للقلق الاجتماعي، ومن ثَم فإن قضاء عدة دقائق وحدكَ يوميا لممارسة هذه التمارين سيساعدك على التخفيف من القلق.(1)
أنصت إلى كل الأصوات من حولك، اِستغرق فيها واستمتع بها قدر الإمكان. قد تغمض عينيك وتسمع صوت العصافير، أو صوت سياراتٍ هادرةٍ يأتي من بعيد، أو صوت تلفازٍ مكتوم، أو صوت أناسٍ يتحدثون. تَطلَّع إلى مَن حولك ولاحظ الألوان ودرجاتها في بيئتك، أشكال الظل الغريبة التي تُشكلها المباني في الشارع، أو ألوان السيارات المصفوفة في الجراج، أو تدرُّج اللون الأخضر بين أوراق شجرةٍ كبيرة. استمع لمقطوعةٍ موسيقية عدة مرات، مع التركيز على آلةٍ واحدة كل مرة والتبديل بينها، تبدأ بالتركيز على البيانو ثم الجيتار، ثم صوت الغناء، وهكذا.
- ثالثا: ما السيناريو الأسوأ؟
اكتب قائمة بمخاوفكَ الاجتماعية ورَقِّمها، مثلا، "صفر" سيكون (لا يسبب القلق)، و"10″ سيكون (مرعبا ويسبب نوبة هلع). اكتب المواقف التي مررت بها والتي تتصور أنك ستمر بها، أيا كانت أهميتها. مثلا، التحدث أمام الملأ، الذهاب إلى حفل، إلقاء عرض تقديمي في العمل، الأكل في المطعم وحيدا، المشي في غرفة ملأى بالناس، سؤال شخص غريب في الشارع عن عنوان. اسردها كلها وقيّمها، وأرفقها بتوقعاتك عن كيفية سير الأمور؛ حتى تتعرف على الشعور الذي تظنه سينتابك وقتها، وتُسائل نفسك بهدوء عمَّا هو متوقع ومنطقي في حالة إن حدثَ أسوأ شيء.
أنماط التفكير الخاطئة هي السبب في نظرتك لذاتك في المواقف الاجتماعية بطريقةٍ مجحفة، قد يفيدك البدء بتحليل هذه الأفكار لتتضح لك الصورة بشكل أكبر، لذا حين تمر بموقفٍ من المواقف التي سردتها في قائمتك، قارنها بما حدث على أرض الواقع فعلا، وقتها قد تدرك طريقتك في تضخيم الأمور، وأنكَ لم تتلعثم حين اضطررت للتحدث أمام زملائك، بل ضحكوا على الدعابة التي ألقيتها، ولم تقف وحيدا في الحفل سوى دقيقتين بل أتى ليُرحب بكَ صديقٌ قديم.
- رابعا: واجه خوفك بالتدريج
قررتَ مواجهة الوحش؟ لنفعل هذا بخطواتٍ متروية تجنبا لأي صدمات. في البداية تسأل أستاذكَ السؤال الذي راودك في المحاضرة وهو في مكتبه بمفرده، ثم حينما لا يتبقى سوى طالبين أو ثلاثة في قاعة المحاضرات، ثم في ندوة قليلة الحضور، ثم في قاعة الامتحان، وخطوة خطوة ستجد نفسكَ قادرا على إلقاء عرضٍ تقديمي أمام الفصل بأكمله. في المحادثات، على سبيل المثال، اِبدأ مستمعا، واطرح بين حينٍ وآخر سؤالا مفتوحا عن الطقس أو عن الأخبار أو أسعار السيارات أو آخر كتابٍ قرأه المستمع، هكذا تطلق العنان للحديث أن يستمر، وأن تواجه جزءا من خوفك، ومرة تلو المرة ستتمكن من الانخراط في محادثةٍ تكون فيها مندمجا. وبالمثل مع بقية مخاوفك، اِنزل بقدمك في الماء شبرا شبرا. لكنّ الأهم، ألا تتخذ من التجنب درعًا زائفًا لك كما أخبرناك في النقطة الأولى.
- خامسا: راقب بدنك
النيكوتين والكافيين والسكر هم أعداءٌ لدودون لك بشكل عام، وبشكل خاص وهام في حالة إن كنت تعاني من الرهاب الاجتماعي، تَحثُّ هذه المواد قلقكَ وتوتركَ أكثر على عكس هدفكَ الأساسي من تناولها. البعض يتناول السجائر في أوقات القلق والضغط، لكنه يتسبب في زيادة معدل ضربات قلبه وضغط دمه، ومن ثَم قلقه، وكذلك حال القهوة. لذا يُنصح باستبدالها بمشروباتٍ صحية، مثل الماء والعصائر الطازجة.
كذلك التمارين الرياضية تؤدي دورا في تنشيط دورتكَ الدموية، من المفيد لهدوئك وجسدك أن تُدخل في جدولك اليومي تمشية قصيرة، أو زيارة دورية إلى الصالة الرياضية، أو ممارسة أي أنشطة حركية. ستُحسِّن الرياضة من نومك؛ ما سيجعلكَ أقل عرضة للقلق، مُتجنبا قلة النوم أو الحرمان منه الذي يتسب في الكثير من الاضطرابات، منها القلق والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام ضربات القلب.(2)