أميركا الحضارة وأميركا السياسة

أميركا الحضارة وأميركا السياسة
أخبار البلد -   أخبار البلد - أميركا هي الإمبراطورية الأقوى في التاريخ البشري، وهي بحكم قوتها حاضرة في كل العالم، أمماً وحكوماتٍ، شعوباً ودولاً، والقوة متعددة الجوانب والمظاهر، وليست عسكريةً فحسب، وقوة أميركا الأكبر هي في مكانتها الحضارية الطاغية في جميع المجالات التي تهم البشر، وتحديداً في قيادة البشرية في مجالات العلم، والمعرفة والاختراعات والابتكارات.

النموذج الحضاري الأميركي مبهرٌ، علمياً وإنسانياً، والهجوم عليها كان قاسياً إبان الحرب العالمية الباردة، وهو هجومٌ آيديولوجيٌ شيوعيٌ يساريٌ شامل، واليسار مؤثرٌ في حضوره النظري وبنيته الفكرية القوية، وإن كانت نماذجه متعددة ومختلفة وتجلياته على أرض الواقع متباينة، سواء في السلطة أو المعارضة حول العالم.

بحكم بنيته الآيديولوجية الصارمة، فإن نماذج اليسار في الحكم كانت جميعاً نماذج ديكتاتورية شمولية ساحقة، ولهذا سقطت في «الاتحاد السوفياتي» معقلها الأكبر وتهذبت في «الصين»، وتطوّر خطاب اليسار في غيرهما فتشكلت نماذج تحكمت في تبايناتها واختلافاتها المعطيات الواقعية والفكرية في كل منها، واليسار الليبرالي الأميركي هو أكثر هذه النماذج إثارة للجدل بعدما أصبح مؤثراً في دوائر صنع القرار الأميركي، وبالذات في فترتي حكم الرئيسين الأسبق باراك أوباما والحالي جو بايدن، ومن قبل ومن بعد في قيادة وقاعدة الحزب الديمقراطي، ناهيك بالحضور القوي في كل أنواع الفنون وصناعة الدراما وفي الجامعات والأكاديميات العريقة وكذلك في وسائل الإعلام بأنواعها وأشكالها.

بحكم الخلفية اليسارية لهذا التيار الأميركي، فمن الطبيعي أنه لا يكنّ مودةً للأنظمة العربية، والأنظمة الملكية منها تحديداً، بينما لا يجد غضاضةً في التعامل مع الأنظمة الثيوقراطية الديكتاتورية مثل «النظام الإيراني»، وهو من صنع «الاتفاق النووي» معه، وهو من يستميت اليوم لاستعادة ذلك الاتفاق وإيران تتمنع عليه، ولا تبدي حماسة للمضي قدماً في المفاوضات مع كل توسلاته المخجلة.

«المكارثية» مصطلحٌ يعبر عن نوعٍ من «الغوغائية» والاتهامات التي تطلق جزافاً، وهي سميت بذلك نسبة للسيناتور الأميركي جوزيف مكارثي الذي أطلق حملةً واسعةً ضد الشيوعيين واليسار في أميركا مطلع الخمسينات، ثم اتضح أن غالبية من اتهمهم لم يكونوا كذلك، والمهم هنا أن أحداً لم يجادل مكارثي في وجودهم، ولكنهم استنكروا أن يكونوا قد تغلغلوا في الإدارات الرئاسية والجيش والمؤسسات الرسمية أو أنهم كانوا عملاء للاتحاد السوفياتي.

بيرني ساندرز السيناتور الأميركي الشهير هو امتداد لذلك التيار اليساري الأميركي، وهو زار موسكو وكان هواه اشتراكياً واضحاً، وفشلت محاولاته في إنكار ماضيه وإعادة إنتاج نفسه في إلغاء ذلك الماضي، وقد أثبتت الوثائق التي نشرتها «نيويورك تايمز» 2020 علاقاته بالاتحاد السوفياتي، وساندرز هذا ليس مواطناً عادياً ولا سيناتوراً هامشياً، بل لقد حلّ ثانياً في انتخابات الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية مرتين: خلف هيلاري كلينتون في 2016 وخلف بايدن في 2020، ما يعني بوضوح تصاعد حضور هذا التيار في أميركا.

حركات الإسلام السياسي تأثرت بالخطاب اليساري فكرياً وتنظيمياً، والعلاقات بين الطرفين طويلةٌ ومتشعبةٌ، وشواهدها كثيرةٌ، ونماذجها متعددةٌ، وليس هنا مجال سردها والتوسع فيها، ولكن المهم اليوم هو أن «اليسار الليبرالي» الأميركي قدّم رؤيةً متماسكةً للمنطقة وسعى لتطبيقها عملياً إبان ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» 2011، وتقوم هذه الرؤية على فكرة دعم إسقاط الأنظمة العربية وتمكين جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين» من الوصول إلى السلطة وحكم الدول العربية، وقد رأت الشعوب العربية النتائج الكارثية المرعبة لذلك التوافق والتعاون الاستراتيجي بين التيارين على أرض الواقع.

لا يخفي هذا التيار مواقفه تجاه السعودية قبل وصوله إلى السلطة، وهي مواقف لم تكن وديةً بأي حالٍ، وعلى الرغم من ذلك، فإن السعودية الجديدة أثبتت للعالم كله أنها حليفٌ لأميركا، ولكنها ليست بأي حالٍ من الأحوال تابعةً لها، وأنها تمتلك من عناصر القوة ما تروّض به جموح بعض التيارات والرموز السياسية الغربية، ويكفي قراءة القرارات الأخيرة لوزارة الخارجية الأميركية و«البنتاغون» لإظهار نتائج التعامل السياسي المحكم الذي تقوده السعودية في المنطقة.

بعض العرب وأتباع إيران في المنطقة يكذبون الكذبة ثم يصدقونها، وبعد أزمة لبنان الأخيرة والمقاطعة الخليجية الآخذة في التصاعد تدريجياً، والتي تتحوّل شيئاً فشيئاً لتيارٍ شعبيٍ عامٍ، صرّح وزير الخارجية اللبناني بأنهم يتحدثون مع الأميركان لوساطة مع السعودية، وهو توجه يوضح ضحالة الفكر السياسي القائم على الجهل والأكاذيب، والخطاب السياسي اللبناني ظلّ يعبّر عن سذاجة سياسية ومحاولة بدائية للخديعة لا تنطلي على أحدٍ سوى الغارق في أوهام الصراعات الداخلية اللبنانية وتعقيداتها، التي سيكون على قيادات لبنان تبين مواضع أقدامهم في مستقبل لبنان الدولة والشعب في المستقبل.

إدارة الصراعات السياسية علمٌ وفن ومهارات، وهي ليست مواقف جامدة وصلبة، بل هي مرنةٌ ومتحركةٌ، وهي تدار بالرؤية الواضحة والتخطيط المحكم ثم بالحكمة والصبر وصولاً إلى النتائج المرجوّة، وكثيرٌ من الصراعات السياسية تبتدئ وتنتهي من دون الحاجة لقوة خشنة وعسكرية، بل بالعقلانية والواقعية السياسية.

النموذجان العراقي واللبناني كاشفان في هذا السياق، فالسعودية ودول الخليج تدعمان استقرار العراق وتصاعد تياراته الوطنية والنجاحات التي يحققها الشعب العراقي في رفض التدخلات الخارجية، ورفض الولاء الأعمى لبعض التيارات السياسية والميليشيات المسلحة للنظام الإيراني، بعيداً عن مصالح العراق وسيادته واستقلاله وأمنه، بينما المعادلة مختلفة في لبنان، فلبنان فشلت كل وسائل دعمه ومساندته لا بسبب «حزب الله» الإرهابي فحسب، بل بسبب تيارات سياسية متحالفة معه من أديان وطوائف أخرى، مع فشل كل القيادات السياسية في بناء مخرج يحمي الدولة والشعب، وهو ما شكّل عائقاً حقيقياً أمام أي أمل في التغيير، والفساد العريض لكل الطبقة السياسية أفشل المساعدات الخارجية، كما أفشل كل تحركات الشباب وأحبط آمالهم في بناء مستقبلٍ ينقذ بلادهم من براثن هذه التركيبة السياسية المعطوبة.

أثبت الابتعاد الكامل عن بعض الدول الفاشلة أنه ناجحٌ ومؤثرٌ، ويقلّل نسب الخطر وتكاليف المواجهة، وقد نجح هذا النموذج في السنوات الأخيرة وسينجح في لبنان، وهو لمصلحة لبنان الدولة والشعب، وقد جاء متأخراً شيئاً ما بسبب الحرص على الشعب اللبناني.

أخيراً، فأميركا الحضارة هي نموذجٌ إنسانيٌ مبهرٌ لا يقلّل من شأنه عاقلٌ، بينما أميركا السياسية شيء مختلفٌ تماماً.
 
شريط الأخبار بالفيديو..مسيرة في مخيم مادبا احتفالاً بوقف إطلاق النار في غزة إعلام عبري: حماس منحت المحتجزات هدية مرفقة بـ"شهادة تخرج" وفاة شخص وإصابات خطيرة إثر حادث سير مروع في البلقاء الهيئة العربية الدولية للإعمار في فلسطين تقر خطة استجابة سريعة لمرحلة ما بعد وقف العدوان في غزة وزيرة النقل تلتقي أصحاب حافلات نقل عام لبحث مشكلاتهم ومطالبهم “حي الطفايلة” يتجهز و”تكية أم علي” تتحرك.. 1200 طبيب يريدون “السفر لغزة” واستقبال الجرحى بالمئات قريبا سهام أبو عبيدة تردي الكيان الصهيوني "قتيلًا"... عويل وبكاء في تل أبيب... ورسالة للأردن تحرير مرتقب لـ90 أسيرًا ضمن الدفعة الأولى من صفقة التبادل: أسماؤهم وتفاصيلهم "كتائب القسام" تسلم الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين في ساحة السرايا وسط حضور جماهيري كبير الامن العام : وفاة واصابات بحادث سير الملخص اليومي لحركة تداول الأسهم في بورصة عمان لجلسة الأحد .. تفاصيل خبراء إسرائيليون: استمرار مركبات حماس في غزة دليل على الفشل العسكري الشركة المتحدة للاستثمارات المالية والبنك الأردني الكويتي يوقعان اتفاقية تقديم خدمات الحفظ الأمين شكوى بحق رئيس جامعة خاصة .. بين الذكاء الاصطناعي والخس!! الحرس الثوري الإيراني: اليوم أهم أيام التاريخ.. يوم ذل وهوان لإسرائيل قرارات مجلس الوزراء اليوم الأحد وزير العمل: كثُر شاكوك وقل شاكروك !!! وزير العمل: كثُر شاكوك وقل شاكروك والد المدير التنفيذي لشركة البريق لتطوير البرمجيات هبه الإبراهيم في ذمة الله رسمياً.. الهدنة في غزة تدخل حيز التنفيذ