الأردن بلد يمتاز بتماسك عشائري قوي جدا، و هذا التماسك يكون على شكل دوائر متداخلة، فرابطة الأخوة قوية في مواجهة بني العمومة، ورابطة لحمة العمومة قوية في مواجهة أبناء القبيلة، ورابطة العشائرية قوية في مواجهة الوطنية، وخير ما يدل على هذه الروابط الدائرية المثل التقليدي الشائع ( أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب )، هذه الروابط لا يمكن تجاهلها عند التعامل مع أي موقف من المواقف التي يتعرض لها الشخص في حياته العملية اليومية.
فموروث التعصب لبني العشيرة والصف في صفهم أمر كانت عليه العرب سابقا، كما دل عليه قول الشاعر:
(وهل أنا إلا من غزية أن غوت ...... غـويــت وإن تــرشــد غــزيــة أرشــــد)
ثم جاء الإسلام وهذب هذا التعصب، حتى أخرجه من حالة الذم التي كانت سمة تعصبه إلى حالة المدح، متمثلة بقول النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يرويه البخاري في صحيحة عن أنس رضي الله عنه ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره).
فبعد مرور قرابة العام من المطالب الملحة لمحاربة الفاسدين الذين عم بلائهم على أبناء الوطن، بدأت الحكومة بخطى متباطئة بالكشف شيئا فشيئا عن بعض قضايا الفساد، وبدأت تحيل هذه القضايا إلى الجهات القضائية المختصة، فبدأ المواطن يشعر بمشاعر الرضا عن التحسن في موقف الحكومة، وبدأ الأمل يسري بان الحكومة جادة بالتعامل مع قضايا الفساد بجدية وحزم، وهذا التقدم في موقف الحكومة رغم ايجابيته إلا انه أتى بانعكاسات سلبية على الشارع وعلى الحكومة في الوقت نفسه، وهذه الانعكاسات أخذت عدة اتجاهات يتوجب على الحكومة التعامل معها بحكمة وحزم ليتسنى لها متابعة المسير بتصفية الفاسدين وتجفيف منابع الفساد، ونستعرض هذه الانعكاسات عسى أن نجد حلول ناجعة لاستغلال فرصة ذهبية يمكن استثمارها للقضاء على مظاهر الفساد، التي تشكل عبء على المواطن والدولة في الوقت نفسه.
أول هذه الانعكاسات ينظر إليه من باب المساس برموز عشائرية لها وزنها في المجتمع، فالقبيلة لا تقبل أن يكون ابنها كبش فداء لمن هو اكبر منه، وخصوصا أن التركيبة العشائرية تتدخل لكون أن هناك طرف آخر شريك في نفس القضية حسب وجهة نظرهم ولم تثبت عليه تهمة، وهو من عشيرة أخرى منافسة فميزان العدالة في مثل هذه الحالة لن يكون منصفا لهم حسب اعتقادهم، بل انه سيكون سبب اشتعال خلافات عشائرية لا تحمد عقباها، وقضية الكازينو دليل واضح على هذا الانعكاس.
وثاني هذه الانعكاسات إحالة قضايا الفساد للمحاكم، ثم إيداع المتهمين للسجن، الذي ينظر إليه من باب التجني والتعجل لتقديم قربان، لإرضاء الشارع على حساب المتهمين بقضايا استغلال الوظيفة العامة والإخلال بواجباتها، وعدم استخدام الصلاحيات الرسمية من قبل القضاة في التعامل بمرونة مع مثل هذه القضايا، وخصوصا فيما يتعلق بتكفيل المتهم وإخراجه من السجن ليتسنى له الدفاع عن نفسه بحرية وعدالة، وخير دليل على هذا الانعكاس عدم تكفيل المهندس عمر المعاني أمين عمان السابق، مما ولد مشاعر عدم ارتياح لأبناء قبيلته، الذين يرون أن التعامل مع مثل هذه القضية بشيء من المرونة لن يفقدها أهميتها ولن يؤثر على سير العدالة في مجراها.
ومن الانعكاسات التي تتولد لدى المواطن العادي، إن بعض الملفات التي يعتبرها المواطن من أبجديات الفساد وأشهر قضاياه لم تفتح بعد، أو حتى لم يشعر المواطن أنها في طريقها للقضاء، لاعتقاده بان الرموز والشخصيات التي وراءها أقوى من إمكانيات هيئة مكافحة الفساد، ومن هذه الملفات ما يتعلق ببرامج التحول الاقتصادي، والخصخصة، والمديونية الفاحشة التي وصلت إليها الميزانية العامة للدولة، وملف موارد، وسكن كريم، وغيرها من الملفات التي ينتظر المواطن سماع كلمة القضاء فيها.
وإذا كانت هذه الانعكاسات تنتج عن تعامل الحكومة مع قضايا الفساد، وهي تبرهن على جديتها في التعامل مع هذا الملف، وتؤكد إصرارها على مواصلة العمل بما تمليه عليها العدالة والشفافية والحس بالمسئولية، نطلب من الحكومة أن تكون جدولة القضايا التي تتعرض لها من الأكبر للأصغر، وليس العكس، أملا بان تكون بذلك قد اكتسبت مصداقية اكبر من قبل المواطن، ولكي تضمن وقوفه بجانبها لتحقيق مطلب ملح من مطالبه في تجفيف منابع الفساد والقضاء عليه امتثالا لقول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33.
kayedrkibat@gmail.com
فموروث التعصب لبني العشيرة والصف في صفهم أمر كانت عليه العرب سابقا، كما دل عليه قول الشاعر:
(وهل أنا إلا من غزية أن غوت ...... غـويــت وإن تــرشــد غــزيــة أرشــــد)
ثم جاء الإسلام وهذب هذا التعصب، حتى أخرجه من حالة الذم التي كانت سمة تعصبه إلى حالة المدح، متمثلة بقول النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يرويه البخاري في صحيحة عن أنس رضي الله عنه ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره).
فبعد مرور قرابة العام من المطالب الملحة لمحاربة الفاسدين الذين عم بلائهم على أبناء الوطن، بدأت الحكومة بخطى متباطئة بالكشف شيئا فشيئا عن بعض قضايا الفساد، وبدأت تحيل هذه القضايا إلى الجهات القضائية المختصة، فبدأ المواطن يشعر بمشاعر الرضا عن التحسن في موقف الحكومة، وبدأ الأمل يسري بان الحكومة جادة بالتعامل مع قضايا الفساد بجدية وحزم، وهذا التقدم في موقف الحكومة رغم ايجابيته إلا انه أتى بانعكاسات سلبية على الشارع وعلى الحكومة في الوقت نفسه، وهذه الانعكاسات أخذت عدة اتجاهات يتوجب على الحكومة التعامل معها بحكمة وحزم ليتسنى لها متابعة المسير بتصفية الفاسدين وتجفيف منابع الفساد، ونستعرض هذه الانعكاسات عسى أن نجد حلول ناجعة لاستغلال فرصة ذهبية يمكن استثمارها للقضاء على مظاهر الفساد، التي تشكل عبء على المواطن والدولة في الوقت نفسه.
أول هذه الانعكاسات ينظر إليه من باب المساس برموز عشائرية لها وزنها في المجتمع، فالقبيلة لا تقبل أن يكون ابنها كبش فداء لمن هو اكبر منه، وخصوصا أن التركيبة العشائرية تتدخل لكون أن هناك طرف آخر شريك في نفس القضية حسب وجهة نظرهم ولم تثبت عليه تهمة، وهو من عشيرة أخرى منافسة فميزان العدالة في مثل هذه الحالة لن يكون منصفا لهم حسب اعتقادهم، بل انه سيكون سبب اشتعال خلافات عشائرية لا تحمد عقباها، وقضية الكازينو دليل واضح على هذا الانعكاس.
وثاني هذه الانعكاسات إحالة قضايا الفساد للمحاكم، ثم إيداع المتهمين للسجن، الذي ينظر إليه من باب التجني والتعجل لتقديم قربان، لإرضاء الشارع على حساب المتهمين بقضايا استغلال الوظيفة العامة والإخلال بواجباتها، وعدم استخدام الصلاحيات الرسمية من قبل القضاة في التعامل بمرونة مع مثل هذه القضايا، وخصوصا فيما يتعلق بتكفيل المتهم وإخراجه من السجن ليتسنى له الدفاع عن نفسه بحرية وعدالة، وخير دليل على هذا الانعكاس عدم تكفيل المهندس عمر المعاني أمين عمان السابق، مما ولد مشاعر عدم ارتياح لأبناء قبيلته، الذين يرون أن التعامل مع مثل هذه القضية بشيء من المرونة لن يفقدها أهميتها ولن يؤثر على سير العدالة في مجراها.
ومن الانعكاسات التي تتولد لدى المواطن العادي، إن بعض الملفات التي يعتبرها المواطن من أبجديات الفساد وأشهر قضاياه لم تفتح بعد، أو حتى لم يشعر المواطن أنها في طريقها للقضاء، لاعتقاده بان الرموز والشخصيات التي وراءها أقوى من إمكانيات هيئة مكافحة الفساد، ومن هذه الملفات ما يتعلق ببرامج التحول الاقتصادي، والخصخصة، والمديونية الفاحشة التي وصلت إليها الميزانية العامة للدولة، وملف موارد، وسكن كريم، وغيرها من الملفات التي ينتظر المواطن سماع كلمة القضاء فيها.
وإذا كانت هذه الانعكاسات تنتج عن تعامل الحكومة مع قضايا الفساد، وهي تبرهن على جديتها في التعامل مع هذا الملف، وتؤكد إصرارها على مواصلة العمل بما تمليه عليها العدالة والشفافية والحس بالمسئولية، نطلب من الحكومة أن تكون جدولة القضايا التي تتعرض لها من الأكبر للأصغر، وليس العكس، أملا بان تكون بذلك قد اكتسبت مصداقية اكبر من قبل المواطن، ولكي تضمن وقوفه بجانبها لتحقيق مطلب ملح من مطالبه في تجفيف منابع الفساد والقضاء عليه امتثالا لقول الله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33.
kayedrkibat@gmail.com