لا يخفى على أحد منا أننا نعيش في زمن التسارع التكنولوجي والتطور الذي لا يتوقف في كل قطاعات الحياة ، والذي يمشي بتوازٍ وبخطٍ مستقيم مع تطور التعليم والأبحاث العلمية ، أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني اليوم تتمثل بارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الاستثمار الأجنبي والثقافة المجتمعية في الفهم الخاطئ لمفهوم المهن وانعدام التعزيز لمفاهيم وقيم المهن من قبل الجميع ، حيث أصبحت مؤشرات البطالة تدق ناقوس الخطر للتحرك من قبل الحكومات المختلفة ، خصوصاً إذا ما لاحظنا أن المعدلات ترتفع بين فئة حملة الشهادات الجامعية عمن سواهم ، حيث يقدر عدد خريجي المعاهد والجامعات المحلية سنويا من الأردنيين بأكثر من 70 ألفا في مجالات مختلفة وخاصة في تخصصات الطب والهندسة والتعليم والشؤون المالية والإدارية وغيرها .
احدى الحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة تتمثل في أن تقوم الحكومة الأردنية ، بربط رخص المهن الممنوحة لكافة القطاعات بمخرجات التعليم والنقابات المهنية والعمالية وبأثر رجعي من خلال قانون ينظم العملية ، مثل الصيدليات وعيادات الأطباء ، وعلى سبيل المثال والذكر لا الحصر ( محلات صيانة المركبات لا تمنح ولا تجدد رخصة المهن إلا بإضافة شرط للترخيص يتمثل بإجازة مزاولة مهنة لمهندس كهرباء أو ميكاترونكس أو ميكانيك) ، كذلك الأمر وعلى سبيل المثال ( المطاعم السياحية والمتوسطة بإضافة شرط للترخيص وجود موظف يحمل درجة البكالوريوس في علم تصنيع الغذاء ) وهكذا .... ، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الإنتاج العام وكفاءة المنتج والخدمة ، وسيخفف من معدلات البطالة بشكل ملحوظ ، ولكن هذا المقترح يتطلب تطبيق روح المقترح ومراقبة تنفيذ أهدافه لا أن يكون التطبيق شكلي لا أكثر .
الحل الوارد أعلاه يصطدم بآراء متباينة في أن هذا الطرح سيثقل كاهل المؤسسات بعبئ جديد ، وهنا الأجدر بالحكومات وضع خطط إستراتيجية منطقية ، لمراجعة نسب الضريبة العامة على المبيعات ، ومساندة القطاع الخاص في إنجاح الحل المطروح بخفض نسب الضريبة العامة على نحو يتراوح من 1.5% إلى 2% تقريباً ، مما سيسهم في تعزيز النمو الإقتصادي وإن قل إيراد الدولة من الضرائب.
كما وعلى الحكومات مراجعة سياسات جذب الإستثمارات الأجنبية ، ومراجعة ملفات المدن التنموية وآلية عملها والتسهيلات الممنوحة للمستثمر الأجنبي فيها كونها لا تحقق أي تنمية ، والعمل على رفع الناتج المحلي للفرد الأردني من خلال إنصافه بحد أدنى للأجور يحقق أساسياته ، والعمل على المباعدة في الحد الأدنى للأجور بين العامل الأردني والوافد ، والسيطرة على عمالة الأشقاء اللاجئين في سوق العمل والذين يتقاضون رواتب شهرية من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ، ويشتاحون سوق العمل الأردني بأخذ فرص الأردنيين المختلفة في عدد من القطاعات وبأجور زاهدة أحياناً .
كل ما ذكر أعلاه مسؤولية مشتركة تتقاسم الحكومات والنقابات والشعب مسوؤلية تعزيز مفهوم المهنة ، وكسر الثقافة المجتمعية (العيب) للفئة التي لا تحمل شهادة جامعية ، بضرورة التوجه للقطاع المهني من خلال مؤسسة التدريب المهني ومراكز التدريب الخاصة المختلفة ، فالشباب الأردني – العاطل عن العمل – أولى من المغترب واللاجئ بالفرص ، كون أن هذا التوجه سيسهم في خفض معدلات البطالة والمحافظة على أموال الوطن تدور في دائرة الوطن وفي كل قطاعاته مما يحقق عوائد مالية جيدة على الإقتصاد وعلى الناتج الإجمالي السنوي للمواطن الأردني ، ويعوض خفض الإيراد في الخزينة لقاء خفض الضريبة العامة.
نحتاج لإرادة حقيقية من الحكومة والشعب والنقابات و المكون الأردني لكي نحقق ما تم طرحه ، وأمثلة النجاح في دول أخرى كثيرة لا نختلف عليها وليس الأردن بأقل منها لتحقيق ذلك ، ومن يتحدث عن شح موارد وإمكانيات الأردن ، ما هو إلا مضلل ومشكك ، فالأردن لديه الكثير لكن نحتاج لإرادة حقيقية لتحقيق النمو الإقتصادي المنشود .