كشف الجدل الذي أثير ومازال يثار بشأن عملية الهروب البطولية للأسرى الستة من سجن جلبوع الخلل الكبير لدى الأغلبية العظمى منا في بنيته النفسية والعقلية، فانعدام الثقة بالنفس والانبهار بالعدو وقدراته الافتراضية، والتشكيك بجدوى المواجهة معه كلها أعراض خطيرة لمرحلة خطيرة وصلها عقلنا الجمعي، حيث فقد هذا العقل القدرة على تخيل الانتصار في حياتنا وأدمن الشعور بالدونية والهزيمة..
قرأت منذ يوم الاثنين الماضي سيناريوهات عديدة لقصة هروب الأسرى الأبطال التي وصفتها صحيفة هارتس «أكبر إخفاق في تاريخ مصلحة السجون في إسرائيل»، وكانت معظم تلك السيناريوهات ترتكز على نقطة أساسية واحدة ألا وهي التشكيك «بعظمة الهروب وفداحة تأثيره النفسي والأمني على العدو»، وبعد القاء القبض على الأسرى شرعت ذات العقول والنفوس المهزومة في نسج خطاب من نوع جديد يحاول ترميم خطاب التشكيك بالواقعة بالانتقال إلى خطاب أقرب ما يكون لإدانة الضحية وتأنيبها على عدم استسلامها للجلاد مثل القول «هل كانوا يتوقعون الفرار، ولماذا فعلوها وهم لا يعرفون إلى أين يذهبون» وغيرها من الأسئلة التي تحمل في جوهرها الإدانة للضحية لأنها فكرت بالحرية وحاولت العمل من أجل الوصول إليها، منطق غريب ومستفز «تقيأته» وسائل التواصل الاجتماعي على مدى أسبوع كامل.
البعض من أصحاب العقول المهزومة يتعامل مع الصراع الدائر منذ ثلاثة وسبعين عاما مع العدو الإسرائيلي وكأنه مباراة كرة قدم ينتهى بانتهاء وقت المباراة وصافرة الحكم ولا يعلم أن طبيعة هذا الصراع فريدة من نوعها ومتعددة الأوجه والميادين، وأن وجود الكيان المحتل لا يعني انتصار هذا المشروع بل لا يعني بأي حال من الأحوال الاستسلام له، والانتصار في هذا الصراع ليس بالضربة القاضية بل هو «بمراكمة» معادلة (الصمود والمقاومة)، وأنه وما دام شعبنا الفلسطيني باقياً وصامداً فوق أرضه ويقاوم بكل الوسائل المتاحة فالنتيجة اليقينية هي أن المعركة لم تنته فهي في واحدة من مراحلها المتعددة والطويلة والمتعرجة.
أكثر ما أثار فضولي في تحليل مضمون وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا لدينا في الأردن وعلى «الفيس بوك» بصورة خاصة أن الأغلبية من حملة العقل «المهزوم أو المأزوم» هم من كبار السن الذين من المفترض أنهم عاصروا الانتصار التاريخي للجيش المصري في حرب اكتوبر عام 1973، وقبله عاصروا الانتصار العظيم لجيشنا العربي في معركة الكرامة الذي أعاد للعرب كرامتهم بعد هزيمة عام 1967، وعاصروا العديد من الأعمال الفدائية البطولية للثورة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال، وعاصروا الانتفاضة المجيدة للشعب الفلسطيني عام 1987 والتي أجبرت دولة الاحتلال على تغيير فلسفتها الأمنية والتفكير جديا في السلام على قاعدة «الأرض مقابل السلام».
لا تزال دولة الاحتلال تعيش صدمة «نفق الحرية» والبحث عن جذور «عبقرية الهروب الفلسطيني» والتفكير وبهلع بتهديدات «أبو عبيدة» الذي كان وما زال كابوسا لها.