" رسالة إلى دولة الدكتور عون الخصاونة وأهل العقد والحلّ في الأردن"
دولة السيّد الحسيب النسيب , الأديب الأريب , السياسي المهيب الدكتور عون بن شوكت الخصاونة الأكرم حفظه الله , ورعاه , وسدد على الطريق الحقّ خطاه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد سمعت عنك كثيرا من رجال أمناء شرفاء صادقين كانوا يثنون عليك ويصفونك بصفات القوي الأمين , ورجل الدولة المثقف المنتمي المؤهل لتحمّل المسؤولية , ومعاناة السياسة التي عدّها الحكماء أشرف العلوم وأجلها وأصعبها على الإطلاق , وكان كلّ من يسمع عنك مثل ذلك الثناء يتمنى أن يراك على رأس الحكومة الأردنية لإنقاذ الوطن من الدمار الذي جاء ثمرة طبيعية لعقود من الفساد والاستبداد واسناد الأمور لغير أهلها , وكان قدرك أن تنتدب لهذا الأمر العظيم في هذا الظرف الحالك الحرج الذي لا يحتمل أدنى خطأ ؛ لأنّ إخفاق رجل مثلك _ لا سمح الله _قد يدخل الوطن في مستنقع الفوضى المدمّرة التي ستجعله مسرحا للقوى الطامعة التي استعصى عليها طيلة التسعين عاما الماضية .
السيّد الرئيس :
أعرف أنّ الكتابة إلى أمثالك تصنف تحت بند ( محاولات لفت النظر ) والرغبة بالوصول الذي يعدّ هاجسا للجميع , ففكرت بعدم كتابة اسمي على هذه الرسالة , ولكن ضرورة النشر توجب كتابة الاسم لأتحمل مسؤولية ما ورد فيها , فأطمئن دولتكم بأنني على مذهب والدك في هذا الشأن الذي كان يقول: "السلطان من لا يعرف السلطان " فليس لي مطمع ولا مطمح فيما يتنافس عليه المتنافسون على أبواب السلطان , وأعاهدك بألاّ أدخل رئاسة الوزراء أو الديوان الملكي إلاّ معتقلا , وكلّ ما أتمناه هو أن أرى هذا الوطن عزيزا قويا يسوده العدل والحق والخير , وتصلح منظومته التشريعية وتفعّل قوانينه ودستوره ؛ليفرض حبّه وتقديسه على مواطنيه , ويكون مهوى أفئدة العرب والمسلمين وقبلتهم فلا يدخله إلاّ الطاهرون من طالبي العلم , والأمن , والكرامة , والنصرة , والعلاج , وأصحاب الاستثمار الحقيقي لاعتقادي بأنّه وطن طاهر , تقوده قيادة طاهرة مطهّرة فلا ينبغي أن يدخله إلاّ الطاهرون .... هذا ما أريده ويريده جميع الشرفاء الأحرار من هذا الشعب العربي العريق , ونحن بذلك نقف على طرفي النقيض مع قوى الفساد والإفساد وأبواقها من أذناب , وإعلام مأجور والتي تسعى لتكريس الفساد بحجج برّاقة كبيت العنكبوت الذي لا يصطاد إلاّ الذباب وشبه الذباب , وتسعى مواصلة الليل بالنهار لتحويل هذا الوطن الطاهر الشريف إلى مكبّ لنفايات البشرية ورذائلها , وكأنّها موكولة بتوجيه صفعة لما يمثّله هذا الوطن من مشروع نهضوي , وقيادة شريفة وشعب طليعي وحدوي لإظهاره أمام الآخرين طفيليا يعيش على مساعدات الآخرين وفتات موائدهم , ومركزا لغسيل أموالهم , ومنتجعا لقضاء شهواتهم , وبندقية للإيجار للدفاع عن ترفهم وفسادهم .
دولة الرئيس :
إنّ قبيلة بني صخر القبيلة العربية الأردنية المعروفة بمواقفها القومية والوطنية قد قامت يوم الأربعاء الثاني عشر من تشرين الأول من عام 2011م بإغلاق الطريق عمان – العقبة , والطريق الدولي المارّ من قرى الموقّر من الصباح إلى المساء احتجاجا على تخبّط الحكومة السابقة في قضية البلديات , ومعروف أنّ هذه القبيلة هي قبيلة حكيمة حليمة بعيدة النظر لا تستفزّ بسهولة , ولا تميل مع الرياح حيث تميل , وخروج الحلماء عن طورهم أمر جلل يستحقّ الوقوف والدرس والتحليل والبحث عن الأسباب ؛ ولإيماني بأنّ هذا الأمر لن يبحث بحثا نزيها فإنني أحاول في هذه السطور أن أضع هذه الأحداث في إطارها الصحيح كجزء من الحراك الاجتماعي على مستوى الوطن, فإن وفقت فذاك ما أريد وإن قصّرت فإنني أرجو معذرة العقلاء.
إنّ وضع الحدث في إطاره الصحيح يقتضي منّا أن ننظر للأمور نظرة شاملة ولا نختزلها في قضية " فصل البلديات " ؛ لأنّ اختزالها في هذه القضية هي نوع من التضليل الوقح الذي لا يقول به إلاّ جاهل أو صفيق , وعلى الرغم من معرفتي بأنّ الغالبية العظمى من الكبراء لا يقرأون المطوّلات لما تطبّعوا به من نهج تلقي "المسجات" لتنفيذها بدون نقاشها ثقة بمصدريها أو مصدّريها من مخرجين وراء الستارة أو من وراء السهوب والبحار – فإنني مضطر للإطالة لأنّ الموضوع لا تفي به مسج أو ألف مسج لعلّ وعسى أن يوجد من لديه نفس طويل = (طولة بال ) فيقف عند هذه الأمور .
تحدّث أحد باشوات " الإصلاح الجدد " على إحدى المحطات الفضائية المحلية عن حادثة إغلاق شارع عمان العقبة يوم 12/10/2011م بإشارة عابرة بأسلوب استفزازي استعلائي ينبيء عن جهل فضيع بأحوال المجتمع الأردني الذي يزعم أنّه يسعى لإصلاحه , فقال : الخطر ليس بالمسيرات الأسبوعية التي يقوم بها الحراك الشعبي أسبوعيا ..... وضرب أمثلة من الأمور الخطيرة كان أولها على حدّ قوله ما شاهده من إغلاق الطريق الصحرواي من قبل فئات تريد بلدية لكّل عشرة بيوت, وأنا أجزم بأنّ هذا الباشا الإصلاحي المومأ إليه لا يعرف عن هذه البيوت وأصحابها إلاّ ما يعرفه كاتب هذه السطور عن شرق الصين , ومع هذا فإنّ كلمة أمثاله لها وزنها عند أصحاب القرار ؛ لأنّ "كلام الباشا" "باشا الكلام" فاللقب عصمة من الخطأ ألم يقل هشام بن عبد الملك عندما بويع بالخلافة : " الحمد لله الذي أنقذني من النار بهذا المقام" ؟؟!! , وقبل أيام هاتفني مسؤول قائلا : ما بال بني صخر بدأوا يقلبون العباءة ={ تغيير المواقف تجاه الدولة} ؟؟ وقبله قال لي أحد المسؤولين على خلفية تشكّل " تجمّع شباب قبيلة بني صخر للإصلاح " وتوجيه ذلك التجمّع رسالة إلى جلالة الملك : ماذا تركتم يا بني صخر لغيركم ؟؟ مستكثرا على أبناء هذه القبيلة أن تضمّ صوتها لدعاة الإصلاح !!
إنّ هذه الأقوال وأمثالها تدلّ دلالة قاطعة على أنّ الأقلية المثرثرة المسموعة الكلمة من علية القوم والذين يلونهم من أصحاب المراتب والرتب يعانون من جهل فظيع بأحوال الناس وهمومهم وشؤونهم , ولا لوم عليهم في ذلك ولا تثريب لأنّهم ليسوا من أهل السياسة وإن مثّلوا دور الساسة , وما دامت السياسة في العالم الثالث كلّه تأتي معلبة من وراء البحار , وما على أهل البلاد إلاّ تطبيقها فما لهم وما للسياسة وعنائها ونصبها وتعبها التي قال عنها الجاحظ : "وليس في الأرض عملٌ أكدّ لأهله من سِياسة العوامّ وقَدْ قال الهذْليُّ يصف صُعوبة السياسة ( وإن سياسة الأقوامِ فاعلمْ ** لها صَعْدَاءُ مَطلبُها طويل ) وهل جنى ممارسوها إلاّ الآلام والأسقام , والهمّ والغمّ , والأذى والضنك ؟؟؟
دولة الرئيس :
كان الله في عونك ولا لوم عليك عندما شكوت من قلّة الرجال ؛ لأنّ الحاكم مهما كان ملهما وفذّا فإنّه لن يستطيع أن يدير الدولة إلاّ برجال أفذاذ , وقد شكى قبلك من ندرتهم عمر بن الخطاب في زمن الرجال , إذ يروى " عنه رضي الله عنه " أنّه قال لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق به. فقال عمر تمنوا: فقالوا: ما ندري ما نتمنى يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أنا أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان أستعين بهم على أمور المسلمين " .
وإنّ النقص في هذا الصنف من الرجال هو سبب دمار الدول وضعفها واندثارها فقد سئل بزرجمهر: ما بال ملك بني ساسان صار إلى ما صار إليه ، بعدما كان فيه من قوة السلطان وشدة الأركان؟ فقال: ذلك لأنهم قلدوا كبار الأعمال صغار الرجال .
"معرفة أحوال الشعب ضرورة سياسية وحقّ من حقوق الشعب "
"الصمم الرسمي هو الذي أجبر الناس للخروج للشوارع "
السيّد الرئيس :
لا سبيل لسياسة الشعوب إلاّ بمعرفة { الأحوال والآمال } , وما نجح الغرب وخاصّة البريطانيين في حكم المشرق العربي إلاّ لأنّهم درسوه وعرفوه معرفة دقيقة عجز عن مثلها من ساس هذه البلاد من العرب والمسلمين وكتابهم ومفكريهم , فكانت طلائعهم من الرحالة والباحثين تجوب تلك البلاد منذ بداية القرن التاسع عشر بأمثال (بيركهارت ) ولويس موزيل , والليدي بلنت , فجاءت جيوشهم لبلاد يعرفون عنها كلّ صغيرة وكبيرة , فأغنى رجل واحد مثل (جون باغوت غلوب ) عن وجود جيش جرار في هذا البلد , وما كان ذلك إلاّ نتيجة معرفة دقيقة عميقة بشؤون هذه المجتمعات مكنته من التعامل معها , وسياستها , ولعلّ إخفاق الأمريكان في هذا الجانب هو سبب هزيمتهم في العراق وبلاد الأفغان على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي تملكها هذه الدولة .
السيّد الرئيس :
وهذا النهج الذي رأيناه من الغرب لم يكن ابتداعا في السياسة فيحدثنا التاريخ الذي يعدّ سيّد العلوم , وعلم الكبراء من أهل الرئاسة والسياسة – عن حرص أهل الحزم من أهل السلطان على التعرّف على أحوال الشعب , وسماع أناته وآهاته , فيروى عن أحد ملوك الصين أنّه فقد سمعه , فجعل يبكي فقال له وزراؤه لا بكت عيناك أيها الملك مم بكاؤك ؟؟ فقال لست أبكي على ذهاب سمعي , وإنما أبكي لأن المظلوم يقف بالباب يصرخ فلا أسمعه , ثم قال لئن كان ذهب سمعي فما ذهب بصري , نادوا في الناس لا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم , وكان يركب في كل يوم فيله , ويخرج لعله يرى مظلوما " . وفي قصّة عمر بن الخطاب المشهورة مع المرأة ذات الأطفال الجياع قالت تلك المرأة بفطرتها مؤكدة حقّ الشعب على من يحكمه بمعرفة أحواله : "يتولى أمرنا ويغفل عنا " .
وقال الخليفة العظيم أبو جعفر المنصور: " ما كان أحوجني أن يكون على بابي أربعة لا يكون على بابي أعف منهم. قيل: من هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم أركان الملك لا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع قوائم، فإن نقص قائمة واحدة عابه : أحدهم قاض لا تأخذه في الله لومة لائم ، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي ، والآخر صاحب خراج يستقضي ولا يظلم الرعية فإني غني عن ظلمهم.... ثم عض على إصبعه السبابة ثلاث مرات يقول في كل مرة: آه آه؟ قيل: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة"
ثمّ تطوّرت الدول , ووضعت القوانين والدساتير , وأسست المؤسسات لتحقيق تلك الأهداف التي أشار إليها أبو جعفر المنصور , وحرص عليها ملك الصين , فمن قضاء مستقل لا سلطان لأحد عليه إلاّ سلطان القانون , إلى حكومات مسؤولة أمام الشعب أو ممثليه المنتخبين , إلى مجلس يمثّل الشعب بالانتخاب المباشر يشرع القوانين , ويراقب أداء السلطة التنفيذية , ويحاسبها , إلى صحافة يطلق عليها لقب السلطة الرابعة لما تقوم به من محاسبة شديدة لأيّ انحراف لدى أيّ سلطة من السلطات الثلاث ( التنفيذية , والتشريعية , والقضائية ) إلى أجهزة رقابة ومحاسبة ومتابعة وملاحظة ووقاية , ومبادرة , وتكثر الأسماء والمؤسسات ومع هذا فالأمور تسير القهقرى !!!
تركيبة الدول في الماضي وربما الماضي القريب تقوم على البساطة , وإمكانيات ضعيفة جدا مقارنة بما هي عليه الحال اليوم ومع هذا كانت قويّة في أدائها , محققة لأهدافها , راعية لشعبها , محققة العدالة , محافظة على إمكانيات الأوطان , وبقدر ما أصبحت هذه الأنظمة معقدّة , وذات عناوين وشعب وفروع بقدر ما تراجع الأداء وبقدر ما تضخمت الأبنية وتفخمت المراكب بقدر ما تقزّمت المناصب , وبقدر ما كثرت مؤسسات المراقبة تضخم الفساد , إنّه أمر يثير الحيرة , ويبعث على الدهشة .
يحدثني العالمون بشؤون السادة من كبار المسؤولين أنّهم لا يجدون وقتا لقراءة مطالب الناس وهمومهم , فهم لا يقرأون إلاّ العناوين ثمّ يحولونها فورا إلى صغار الموظفين الذين احترفوا تزييف الحقائق , وتضليل الكبار عن معاناة الشعوب فشكلوا طبقة عازلة بين القمّة والقاعدة , فأصبح كلّ من الطرفين يعيش في واد بينه وبين الآخر تلال وجبال , ومفازات وأهوال .
ويحدثنا الواقع الموضوعي المرّ أنّ السادة الكبار لا يحبون سماع أنين الشعب وشكواه , فإن أرغموا على سماعها لم يصدقوها ؛ لأنّ المواطن في نظرهم متهم في صدقه , فهو يبكي بدون دموع , كجدي يسمع ثغاؤه والشطر في فمه , فإن شكى أو بكى وكان لابدّ من الاستماع لذلك التفت المسؤول الكبير لأحد الصغار من موظفيه وقال ما باله فأجاب الصغير جوابا لا يخطر على بال بشر , ملفقا تهمة للشاكي الباكي إمّا باتهامه بالكذب أو التعدي على حقوق الآخرين فيتقبل المسؤول الجواب دونما شكّ أو ارتياب , وتزداد قناعته بأنّ المواطن الذي يحمل لقب " مدعو " لا يستحقّ أن يسمع له , ولا حتى يخاطب باسمه الذي اعترفت به الجهات الرسمية في وثائقه الرسمية , فيجب أن يسبق اسمه لقب المدعو , فيقول " المدعو فلان يبكي بدون دموع كجدي يسمع ثغاؤه والشطر في فيه "
واعتادت الدول عندما كانت تضطر لعدم الاستماع لصوت ما يسمى بالسوقة
أو الدهماء أو الغوغاء أو العامّة على افتراض أنّهم يكذبون ويبالغون , ويثغون والشطر في أفواههم , نقول اعتادت على اعتماد وجوه للناس ليرفعوا مطالب الناس ومظالمهم لأصحاب القرار فقد " كتب ابن عمّكم عُمَربن الخطاب إِلَى أبي موسى: إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائج الناس، فأكرموا وجوه الناس، فإنه بحسب المسلم الضعيف أن ينتصف في الحكم والقسمة ". وكان معاوية يذكّر هؤلاء الوجوه بما يجب عليهم تجاه الشعب , فيروى عنه أنّه كان عندما يجلس للخاصّة يقول : " يا هؤلاء إنما سميتم أشرافاً، لأنكم شرفتم من دونكم بهذا المجلس. ارفعوا إلينا حاجة من لا يصل إلينا. فيقوم الرجل، فيقول: استشهد فلان. فيقول: افرضوا لولده ويقال: غاب فلان عن أهله فيقول: تعاهدوهم وأعطوهم واقضوا حوائجهم "
وقد كان سادات الناس وأشرافهم حريصون على نقل أوجاع الشعب وهمومه للقيادة , فمما يروى بهذا الخصوص أنّه لما قدم وفد العراق على معاوية وفيهم الأحنف بن قيس ، خرج الآذن فقال : إنّ أمير المؤمنين يعزم عليكم ألا يتكلم أحد إلا لنفسه ، فلما وصلوا إليه قال الأحنف : لولا عزمة أمير المؤمنين لأخبرته أن داّفةً دفت ، ونازلةً نزلت ، ونائبةً نابت ، وكلهم بهم الحاجة إلى معروف أمير المؤمنين وبره ؛ فقال : حسبك يا أبا بحر ، فقد كفيت الغائب والشاهد . ...... فأين هذا من رجال شرّفوا بتلك المجالس فأوهموا ولاة الأمر بأنّ الناس بخير وهم لا يعرفون عن هموم الناس شيئا , وحصروا همّهم واهتمامهم بمطالب خاصّة من منصب رفيع أو تعليم ولد في لندن يكلّف الدولة عشرات الألوف ثمّ لا يتميّز عن أقرانه من خريجي الجامعات الأردنية بشيء , أو توظيفه في وظيفة تتطاول إليها الأعناق أو إعفاء من قرض أخذ باسم الزراعة من مخصصات المزارعين فأنفق في سيارة فارهة أو قصر مشيد !!
إنّ الصمم الرسمي الذي يعاني منه الوزراء وكبار المسؤولين وحجب صوت الشعب من الوصول إلى أسماع صاحب القرار , واستنكاف وجهاء الناس وكبراؤهم عن إيصال هموم الناس إلى من بيده الأمر والنهي _ إنّ كلّ ذلك قد أجبر الناس للجوء للشارع , وعمل المسيرات والاعتصامات التي أصبحت الوسيلة الوحيدة للحصول على أبسط الحقوق , وفتح المجال لمن يريد أن يسيء للوطن والدولة وشجّع القوى الطامعة التي استعصى عليها الأردن طيلة التسعين عاما الماضية للتلاحم بين القيادة والشعب..... وإن كنت في شكّ من ذلك فشكّل لجنة أمينة نزيهة وأطلب منها دراسة الاعتصامات والإضرابات بدءا من حراك المعلمين ومرورا بكافّة التحركّات والتي كان من آخرها اعتصام المتقاعدين العسكريين أمام الديوان الملكي قبل أيام وستجد أنّ الناس تقدموا بمطالب مشروعة عبر القنوات الرسمية بنفس الأساليب التقليدية , وتوسلوا وأستعطفوا وأستشفعوا إلاّ أنّ أصحاب القرار آثروا التصامم ورفض الاستماع إلى هذه المطالب المشروعة وتلك الحقوق الضائعة فأضطر الناس للخروج للشارع ونشر الغسيل على الملأ .
"طبيعة هذه الرسالة "
رأيت أن أكتب إليك هذه الرسالة المطولّة نسبيا لقناعتي بأنّك من أهل الفكر والعلم ولست من صنف قرّاء المسجات الذين لا يعرفون عن الشعب شيئا ولا يريدون أن يعرفوا , ولقناعة ثانية بأنّك أنت وأمثالك من الكبراء مهما اجتهدتم في محاولة معرفة { أحوال وآمال الشعب } فإنّكم لن تستطيعوا معرفتها بدّقة لبعدكم الطبقي عن معاناة السواد الأعظم , وهذا ليس ذنبكم , ولا عيب فيكم , ولقناعة ثالثة بأنّ اخفاقكم -لا سمح الله _ هو كارثة بكافّة المقاييس _ وإنّ كلّ ما أستطيع تقديمه لكم من عون هو محاولة شرح { أحوال وآمال الشعب الأردني } بأمانة وشمول قدر المستطاع لتكون عونا لكم في هذه المهمة الجسيمة ؛ فرأيت أن أقدّم لدولتكم هذه الدراسة التي مصدرها العيش الطبيعي في أوساط هذا الشعب ومراقبة أحواله منذ أربعين عاما , ورأيت أن أبدأ بالحديث عن قبيلة بني صخر بحكم العيش في أوساطها وبصفتها نموذج للبوادي والأرياف الأردنية , ثمّ انتقل للسياسة العامّة للدولة في العقود الماضية وانعكاسها على هذه الشريحة وسائر شرائح المجتمع الأردني بما ستجده تحت العناوين التالية :
" لمحة عن واقع قبيلة بني صخر "
أنّ القبائل العربية ومنها قبيلة ( بني صخر ) قد مرّ عليها حين من الدهر كانت شبه مهملة تماما من قبل الدول التي كانت تحكم البلاد العربية , فلم تلتفت إليها تلك الدول , ولم تعدّها من مواطنيها التي يجب عليها رعايتهم والاهتمام بشؤونهم فتركتهم يلاقون قدرهم بأنفسهم , ولم تهتم بإخضاعهم للنظام , ولم يحدثنا التاريخ عن إغاثة لهم في نكبة تعرضوا لها , وما أكثر النكبات التي تعرضوا لها من القحط والجفاف , وانتشار الأوبئة والأمراض , ونكبات الغزو والحروب ..... فانعدم شعور هذه القبائل بالانتماء لتلك الدول , وعاشوا بكيانات شبه مستقلة تحكمها أعرافهم , وقوانينهم الخاصّة , تلك القوانين والأعراف التي بها تمكنوا من العيش في ظلّ تلك الفوضى العارمة بسبب غياب السلطة المركزية ...وقد قامت تلك الدول باستخدام تلك القبائل أسوأ استخدام , فزرعت بينها بذور الفتنة , ودعمت بعض القبائل, وحرضتها على بعض أخواتها من القبائل , كما استخدمتها في قمع انتفاضات وثورات المدن والريف , وبالمقابل استخدمت أهل المدن والريف في قمع القبائل البدوية فيما يسمى بحركات تأديب القبائل , وقد ترتب على هذه السياسة نفرة أهل المدن من البدو والبادية , ونظروا إليهم نظرة شكّ وريبة وعداء , وربما كان هذا الشعور متبادلا بين الطرفين , وغاب المصطلح الذي حاول ترسيخه النبي ( صلى الله عليه واسلم ) حيث قال عن بعض قبائل البادية : " هم أهل باديتنا , ونحن أهل حاضرتهم , إن دعونا أجبناهم ,وإن دعوناهم أجابونا " وغابت السياسة الراشدة التي قامت على تأليف البدو , وتحضيرهم , وتهذيبهم , والاهتمام بهم إذ يقول عمر بن الخطاب في وصيته للخليفة من بعده " وَأُوصِيهِ بِأهل البادية خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، ْ]. ..... فالقبائل العربية قد أهملت إهمالا مريعا طيلة فترة الحكم المملوكي والعثماني , وعادت إلى أوضاع أشبه بما كانت عليه قبل الإسلام , وبدلا من أن يلتفت علماء الأمّة الإسلامية , ومفكروها لهذا الخلل الناتج عن الإهمال السياسي فقد تفننوا في مهاجمة سلوك هذه القبائل , واتهامها بمختلف التهم مؤصّلين لذلك بآية من القرآن بعد أن انتزعوها من سياقها في النصّ القرآني الكريم , وبعد أن جردوها من ظروفها التاريخية , وأعني بها قوله تعالى : "الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " , مع أنّ هذه الآية تحمل تفسيرها في ثناياها فهي تبين أنّ شدّة الكفر والنفاق من قبل هذه الفئة من الأعراب هي بسبب البعد عن الحاضرة التي هي مركز العلم , وفيها ينزل الوحي , ويقيم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولدى التدقيق في هذا المعنى نجد أنّ تلك الفئة قد اشتدّ كفرها ونفاقها بسبب جهلها بما أنزل فأسفل منها دركا , وأحقر منها منزلة من ارتضى الكفر والنفاق , وخذل دولة الحقّ وهو يقيم مع النبي ويشاهده صباحا ومساء , ولا نريد الاسترسال في هذا المنحى فيتحول مسار البحث إلى جهة أخرى فنكتفي بهذه الإشارة , ولكن الذي نريد تقريره أن تلك الدول المتعاقبة لم تقم بواجبها الشرعي والإنساني تجاه القبائل العربية فتركتها مهملة طيلة عدّة قرون , ولا تلتفت إليها إلاّ إذا أرادت زجّها في فتنة تخدم صراعات الساسة المتناحرين في ذلك الزمن , أولئك الساسة الذين لا يشعرون بأدنى مسؤولية تجاه هذه القبائل إذ يرون أنّ من يحمل الجنسية , ويتمتع بحقوق المواطنة هم أهل الحواضر فقط , وإن اقتربت تلك القبائل من مراكز السلطة أرهقوها بالضرائب والإتاوات التي لا تؤخذ من أغنيائهم وتعود على فقرائهم كما رسمت ذلك السياسة الشرعية , والسنة النبوية , ولكن خلافا لهذه وتلك تؤخذ من كرائم أموالهم قسرا وتذهب إلى غير رجعة ... وكانوا يتعاملون معها بمنتهى القسوة والوحشية , وما أكثر ما يحدثنا تاريخ تلك الفترة عمّا يسمى بحملات تأديب القبائل حيث تقوم تلك الحملات العسكرية بسفك الدماء , ونهب الأموال وهتك الأعراض مما لا يرضاه لا شرع ولا عقل , فحالت تلك السياسة الظالمة دون تحضّر تلك القبائل , واستقرارها, وحالت دون استفادة الأمّة من تلك الطاقات البشرية الهائلة , وما ظهر فيها من شخصيات فذّة لو وجدت من يحسن استخدامها , ويضعها في المكان المناسب لدخلت التاريخ من أوسع أبوابه .
وسأذكر لك بعض النصوص التاريخية التي توضّح ما كانت عليه الحال مع تلك الدول , يقول ابن طولون في كتابه مفاكهة الخلاّن عند حديثة عن حوادث سنة 905هـ بحدود 1500مما نصّه : " وفي ليلة الخميس سادسه خرج النائب من دمشق بعسكر كثير إلى بني صخر، حتى جاوز أربد، فقتل منهم نحو العشرين، وقبض جماعة، وأخذ منهم كسباً، دواب كثيرة، غنماً، وإبلاً، وبقراً، ثم رجع إلى أربد يوم الأحد ثاني عشره، ثم أرسل مبشراً، فدقت البشائر بدمشق يوم الثلاثاء سابع عشره" . (1) وذكر في حوادث سنة 908هـ قائلا : " وفي يوم الاثنين النصف من رمضان منها، خرج من دمشق أمير ميسرة، المشهور بخال الأسياد، دولتباي اليحياوي، ومعه جماعة ابن عمته نائب الشام، قانصوه البرجي، بأمره، وأن يأخذوا معهم ابن القواس بجماعته إلى أوائل الغور، ليأتي بأغنام وخيل طائفة العرب بني صخر، فذهبوا بعد أن سخروا دواب الناس، فنهبوا بني صخر وأخذوا شيئاً كثيراً؛ ثم أرادوا الذهاب إلى طائفة أخرى منهم بأرض أربد، ولم يرجعوا من الطريق التي أتوا منها، فانقلب عليهم المنهزمون بالنشاب، فأصيب جماعات كثيرة، وهرب الأتباع، وأصيب دولتباي المذكور" .
وجاء في مجلة البيان العدد 214 من عام 1426 هـ ما نصّه : " تمكن الثري اللبناني «سرسق» من شراء قرية في (سهل مرج بني عامر) في فلسطين عام 1869م، وكان هذا السهل قد آل للدولة عندما انتزعت ملكيته من قبيلة بني صخر" .
وذكر الدكتور مفلح النمر الفايز في كتابه "عشائر بني صخر تاريخ ومواقف / تأليف / ص 32 وما بعدها .... أنّ بعض فرق بني صخر كانت تتبع لناحية السلط , وذلك في عام 1538م , وذلك في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني , وكانت تدفع الضرائب المقررة لتلك الدولة .
نكتفي بهذه النماذج الثلاثة لأننا في هذا المقام لسنا معنيين بالبحث التاريخي الشامل ولكن أردنا أن نصل معا إلى سرّ تمسك قبيلة بني صخر طيلة تلك القرون بحياة البداوة على الرغم من أنّ طلائع هذه القبيلة قد وصلت للشام التي تمثّل جنّة الدنيا منذ أكثر من ستمائة عام , أو تزيد , ومن بقي منهم في الحجاز كان لهم زرع في واحاتها , وعلى عيونها المتفجرة في منطقة العلا وما حولها ..... إنّ السرّ في ذلك واضح وهو يتمثل في سوء السياسة التي كانت تمارسها دول ذلك العصر , فمن ارتبط بالأرض وأتجه للزراعة تحول إلى قنّ مستعبد يكدّ ويشقى ويصادر إنتاجه دونما خضوع لقواعد الشرع الحنيف فيما يتعلق بالزكاة والخراج , وإن رفض أو ثار تعرض للسحق والمحق .......... إذن لا تلام قبيلة بني صخر على عدم ترك حياة البداوة , والتوجه لحياة الاستقرار ؛ لأنّ الاستقرار يعني الاستعباد والذل والهوان , فكان أمر طبيعيا أن ترفض قبيلة بني صخر محاولة ربطها في الأرض التي حاولها بعض حكماء شيوخها تمشيا مع سياسة الدولة العثمانية التي حاولت ذلك مع القبائل في حدود 1860م تقريبا , ومع هذا فقد بدأت هذه القبيلة في الاستقرار التدريجي منذ منتصف القرن التاسع عشر , وبدأت تملك الأرض وتزرعها بواسطة مزارعين , مع محافظتها على حياة البداوة , والترحال لعدم ثقتها بسياسة الدولة التي عانت منها الأمرين طيلة القرون الماضية ... ومما لا شك فيه أنّ هذا التوجه للزراعة لدى قادة القبيلة وبعض عشائرها يعد من المحطّات الهامّة في التاريخ المعاصر لهذه القبيلة , ويحدثنا التاريخ بأنّ من أسباب يوم ( الشيحا ) عام 1887م على الأرجح هو طمع القبائل الغازية بقمح أم العمد وماء الثمد , ظهر ذلك في حداء الغزاة وأهازيجهم ( تركية تبغي له عربود من قمحة بأم العمد .... ) إلخ ... وقد لاحظنا توجه النابهين من العشائر لوضع اليد على الأرض بما يسمّى بالخزّ قد تمّ في أواخر القرن التاسع عشر
هذه أولى المحطات في الاتجاه لحياة الاستقرار , أمّا المحطّة الهامّة فهي المشاركة في الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي وأنجاله الكرام , والتي قامت من أجل طرد الترك , وتأسيس دولة عربية حديثة , فقد شاركت قبيلة بني صخر مشاركة فعّالة في تلك الثورة , وساهمت مساهمة فعالة في تأسيس وبناء الدولة الأردنية الحديثة , وربما شعرت لأول مرّة أنّها تتفيأ ظلال دولة قامت على عقد اجتماعي بالرضا بين جميع الأطراف , ولم تقم بالقوّة والقهر , ولأول مرّة ربما في التاريخ يشعر فيه البدوي أنّه يعيش في ظلّ دولة يلجأ إليها إذا رهب , ويستغيثها إذا نكب , ويحسب حسابها إذا غضب .
" بنو صخر جزء من النسيج الاجتماعي الأردني "
إنّ قوى الفساد والاستبداد كانت تصوّر قبيلة بني صخر بأنّها شريحة معزولة عن المجتمع الأردني والشعب العربي وقضايا الأمّة , وكأنّها أقلية عرقية أو دينية منتفعة من الفساد والاستبداد , وترفض قيام دولة مؤسسات مدنية عصرية يسودها العدل والحقّ والقانون , ويصورونها بأنّها قبيلة بدوية تعيش على السلب والنهب, ولا تتورع عن سفك الدماء,وتعلن الحرب على الأحمر والأسود, وتسوم المستضعفين الخسف وترهقهم العسف,ولا تقيم وزنا لله,وتستخف به, وتتطاول عليه,ولا تتحرج من فعل الظلم,و نصرة الظالم, وسحق الضعيف,وتتعالى على الآخرين ,وتتطاول على الناس, ولا تقيم وزنا لأحد, وتطول قائمة هذه القبائح الكالحة,والرذائل الفاضحة,وتلك التهم الظالمة ... لقد قام أبالسة الشعوبيين ,وحلفاؤهم ممن قعدت بهم أنسابهم وأحسابهم بإلصاق كافّة الرذائل بهذه القبيلة وسائر القبائل العربية موهمين الجهلة من أبناء تلك القبائل بأنّها من مظاهر الرجولة,وصفات البطولة, وأخلاق الفروسية ..... وانطلت الحيلة على هؤلاء المساكين, وآمنوا بهذه المفتريات الظالمة,وما علموا أنّ من روّج لهذه الأباطيل لا يريد مسخ تاريخهم , وتسفيه أسلافهم فحسب, ولكنّه يريد مسخهم ,وإسقاطهم,والقضاء عليهم, لأهداف يضيق المقام بتعدادها,إنّه يريد أن يرى أبناء هذه القبيلة قد ضلّوا سبيلهم, وتخلقوا بهذه الرذائل التي ما أتصف بها أحد إلا وخسر الدنيا والآخرة إنّه يريدهم مسخا مشوّها يقابلهم الناس بالاحتقار والبغضاء, وينظر إليهم بالسخرية والازدراء......
لقد كذب الفاسدون والمفسدون بزعمهم أن أبناء تلك القبيلة كانوا بدوا همجا , وأعرابا أجلافا لا يهمها إلاّ السلب والنهب , والقنص والصيد , وتجاهلوا أنّ هذه القبيلة كانت قبل قيام الدول الحديثة علاوة على ارتباطها مع أكثر من 90% من عشائر وأبناء الضفتين بروابط البنعمة , والحلف , والخوّة , والتجارة , والصداقة , قد انحازت لصفّ القائد العربي ظاهر العمر ضدّ الترك , وما انقلبت عليه إلاّ لأنّه أراد استغلال أهل الأردن بجبايتهم دون رعايتهم , وتجاهلوا أنّها قاتلت قوات نابليون في مرج بني عامر , وتجاهلوا أنّها نصرت ثورة العرب الكبرى من أجل إقامة دولة عربية واحدة ترث دولة بني عثمان , وتجاهلوا انحيازها للمشروع الهاشمي الوحدوي عندما ظهرت الأصوات المبكرة الداعية للقطرية المطالبة بأردنة الدولة الناشئة , وتجاهلوا ما قدّمته تلك القبيلة من دماء في فلسطين مع الجيش العربي أو المناضلين , وتجاهلوا دعم شيوخها لثوار الشام وأحراره أيام الاحتلال الفرنسي ...... تجاهلوا وتجاهلوا وما أكثر ما تجاهلوا لقد تجاهلوا أنّ 75% من شهداء الجيش العربي في حرب 1948م كانوا من أبناء القبائل الأردنية و 25% منهم من أبناء بني صخر , تجاهلوا أنّ سند ناصر أخو صحينة الهقيش قد كرر نفس قصّة " حنظلة الغسيل " , وأنّ محمد هويمل الزبن قد كرر قصّة جون جمال .
ثمّ تحضرت الناس , وطلقت حياة البداوة , وأصبح في كل بيت شهادة جامعية ونحن على ما كنّا عليه ,مسلمون نبكي من الزلزال الذي أصاب الباكستان , عروبيون نحبّ العرب , فلسطينيون نألم لما يصيب فلسطين , أردنيون نريد للأردن الرفعة والتقدّم , نصفّق لصدام , ونلعن قاتليه وخاذليه , ونصفق لأبناء الوطن المخلصين الذين يدافعون عن كرامته , ومصالحه ، نكره الفساد والفاسدين والمفسدين نحب الهاشميين ونفديهم بالمهج والأرواح , , ومع كلّ ذلك فإنّ صورتنا هذه العروبية الوطنية الواعية الصادقة المخلصة قد غيّبت بفعل فاعل وأريد لنا أن نظهر بصورة مشوهة ننظر لها نحن قبل غيرنا باحتقار .
والحقيقة الموضوعية تقول أنّ قبيلة بني صخر ما كانت في يوم من الأيام تعيش في عزلة عن الشعب الأردني , وما كانت يوما معزولة عنه , وعن قضاياه, وإن حصل شيء من هذا القبيل فهو بفعل عوامل خارجية طارئة على مسلك هذه القبيلة,وهل كانت هذه القبيلة تعيش في عزلة عن محيطها أعندما اصطدمت بقوات نابليون في مرج بني عامر عام 1799 م ؟؟,أم عندما اصطدمت بقوات إبراهيم باشا عندما هاجم الكرك؟أم عندما انحازت إلى العرب في ثورتهم على يهود الدونمة الذين حكموا الدولة العثمانية وعزلوا سلطانها العظيم عبد الحميد؟؟ أم عندما تطوّع رجالهم للجهاد في فلسطين عام 1947م,أم عندما وقفوا سورا للبلقاء أمام الزحف الوهابي المتوحش؟؟ أم عندما قدموا قوافل الشهداء في فلسطين عام 1948وعام 1967م؟؟ وهل كانوا منغلقين عندما استقبلوا إخوانهم من مهجّري فلسطين , وأباحوا لهم أرضهم ومياههم وواسوهم بما يستطيعون ؟؟؟ وعندما حصلت فتنة أيلول عام 1970م لم يتعرضوا لهم بأذى, وغضّوا الطرف عمّا سمعوه منهم من أذى؟؟
وتقريرا لهذه الحقيقة فإنني أشير إلى الحقائق الموضوعية التالية عن هذه القبيلة:
1. ساهمت مساهمة فعّالة في زلزلة الاحتلال التركي طيلة القرون التي سبقت سقوطه وبقيت صامدة على مفترق الطرق : الطريق السلطاني الذي يصل بين الشام والحجاز , والطريق الواصل وبين فلسطين ومصر والعراق , وحوادثها مذكورة مشهورة ومن أشهرها الوقائع التي قادها دبيس الموح الفايز , وقعدان الفايز , ومحمد الخريشا وسليمان الخريشا , وغيرهم من سراة القبيلة وشيوخها العظام .
2. وقوفها في وجه الغزو الفرنسي لفلسطين في أواخر القرن التامن عشر والاحتلال المصري في الثلث الأول من القرن التاسع عشر وانحيازها لصفّ القائد العربي ظاهر العمر ضدّ الترك , والتي ما انقلبت عليه إلاّ لأنّه أراد استغلال أهل الأردن بجبايتهم دون رعايتهم .
3. ساهمت مساهمة فعّالة في الثورة العربية الكبرى بما تغني شهرته عن ذكره
4. تصدّت للغزو الوهابي المسيّس المرسل من قبل قوى إقليمية ودولية لاحتلال الأردن في عامي 1922م و 1924م وهزمته هزيمة ساحقة واستشهد منها في هاتين المعركتين أكثر من مائة وخمسين شهيدا , وفي عام 1927م تعرضوا لهجوم انتقامي غادر من قبل الوهابيين في منطقة (غرايس ) أستشهد منهم حوالي المائة .
5. ساهمت في الدفاع عن فلسطين جنودا في الجيش العربي ومتطوعين في حركة المناضلين , وقدّمت 25% من شهداء الجيش العربي في حرب 1948م .
6. مواقف شيوخها ورجالاتها المشرّفة من قضايا الشعب العربي في فلسطين وسوريا التي يسجّلها التاريخ بأحرف من نور وتأبى الشعوبية المعاصرة وأبواقها إلا تغييبها .
7. انحيازها الكامل للدولة الأردنية في فترة ما يسمى بالمدّ القومي الذي خدع بشعاراته البرّاقة كثير من الناس والذي تسبب بدمار كثير من الشعوب المجاورة ولولا موقفها آنذاك هي والقبائل الأردنية لسقط الشعب الأردني تحت نير حكم دكتاتوري دموي فعل بالشعوب المجاورة ما لم يفعله المحتلون والمستعمرون .
8. تعرضت هذه القبيلة كغيرها من القبائل والعشائر الأردنية لأذى كثير واستفزازات جارحة طيلة العامين الذين سبقا فتنة 1970م , إلاّ أنّها لم تسغل تلك الفتنة ولم تفكّر بالانتقام إذ تسامت على الجراح , وكظمت الغيظ ولم تؤاخذ السفهاء على ما كانوا يقومون به من حركات وتحركات استفزازية طيلة تلك الأعوام , ولم يسمع الذين يعيشون بين ظهرانيهم كلمة سوء .
9. تبوأ المئات من رجالها مناصب رفيعة في الدولة الأردنية في مختلف المواقع فخدموا بشرف وإخلاص , و ساهموا في بناء الأردن الحديث مساهمة فعّالة , ولم يسجّل على أحد منها قضايا فساد مالي أو إداري , ولم يشر لأحد منها بأصابع الاتهام , وحتى الثروات المتواضعة التي يملكها بعض هؤلاء الشخصيات هي معروفة المصدر فهي من أثمان أراضيهم التي ورثوها عن الآباء والأجداد الذين سقوها بدمائهم دفاعا عنها منذ مئات السنين بشهادة التاريخ .
10. الغالبية العظمى من أبناء هذه اتجهوا للخدمة في الجيش والأمن العام محققين الأمن والاستقرار للأردن تاركين دنيا الاقتصاد والمال والعمل الحرّ لغيرهم فأنتهوا برواتب تقاعد هزيلة لا تكاد تقوم بأودهم , وانتهى غيرهم بشركات ومؤسسات وعقارات وملايين .
11. لقد كانت قبل قيام الدولة ترتبط مع أكثر من 90% من أبناء الضفتين بعلاقات طيبة من ( بنعمة , وخوّة , وحلف , وصداقة ) وعندما قامت الدولة زادت تلك العلاقات ترسّخا وثباتا .
12. أن قبيلة بني صخر لم تعدّ قبيلة بدوية , فهي قبيلة تصنّف من أهل الحضر , ولا فرق بينها وبين أخواتها من العشائر المتحضرة كقبيلة عباد , وبني حسن , وبني حميدة , وعشائر البلقاء , وعشائر الكرك والطفيلة , فحياتها لا تختلف عن حياة تلك العشائر والهموم واحدة , والآمال , والآلام واحدة , ومستوى المعيشة متقارب إن لم يكن واحدا , ومطالبها واحتياجاتها واحدة .... مع التذكير بأنّ تجريد القبيلة من صفة البادية لا يجردها من الصفات والقيم النبيلة التي تتصف بها القبائل العربية , فتلك الصفات والقيم هي من خصائص وطبائع العرب بادية وحاضرة , ومن الجدير بالذكر هنا أنّ كلمة عرب في القرون المتأخرة كادت تقتصر على تسمية القبائل العربية البدوية , وفي أواخر القرن التاسع عشر عندما بدأ إيقاظ الحسّ القومي أصبحت كلمة عربي تطلق على كلّ من يتكلم اللسان العربي وإن كانت طباعه غير عربية , وإدراكا من البعض للفارق بين عرب اللسان , والعرب العرب حاضرة وبادية صار يطلق كلمة بدو على كلّ من يحمل المفاهيم , والأخلاق , والعادات , والتقاليد , والقيم العربية دون تفريق بين بادية وريف , ومدينة .....
وقد كانت النتيجة الطبيعية لهذا التاريخ المشرّف الثري بالعلاقات الطيبة التي كانت تربط هذه القبيلة بسائر قبائل الوطن , وعشائره , وعائلاته, وسعة هذه العلاقات, تنوّعها – هي ترسيخ الحسّ بالمسؤولية تجاه الآخرين , وجعل أبناء هذه القبيلة أبعد الناس عن ضيق الأفق , والتعنصر البغيض , وومع كلّ هذه الحقائق الدامغة التي أشرنا إليها يرى البعض أنّها ليست كافية لتؤهل هذه القبيلة لأنّ يكون لها صوت مسموع فيما يجري في وطنها ودولتها التي ساهمت ببنائها بالدماء الزكيّة والعرق الطهور والنفسية المتسامية التي شعارها قول سيّد عبس وفارسها عنترة بن شدّاد حيث يقول :
" يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم "
"ملخص المسيرة الاقتصادية في البادية الوسطى "
إنّ قوى الفساد والاستبداد لم تكتفي بفريتها السابقة التي تصوّر هذه القبيلة أقلية همجية ترفض الاندماج مع المجتمع الأردني وترفض دولة المؤسسات المدنية وسيادة القانون فقد أوهمت القصر كما أوهمت سائر فئات المجتمع الأردني بأنّ هذه القبيلة تعيش عالة على الدولة , ومكارم القصر حتى أصبحنا نسمع في السنوات الماضية شعار " ناس تدفع ضرائب وناس تأخذ رواتب " , وربما لا يدري القصر ولا المجتمع الأردني بأنّ هذه القبيلة قد وضعت بظروف اجتماعية واقتصادية قد حولّت أكثر من 90% منهم تحت خطّ الفقر بدرجات فأنطبق عليهم المثل العربي القائل "الذئب يغبط بذي بطنه وهو جائع " وتوضيحا لهذه الحقيقة وكشفا لتلك الفرية فإننا نضع بين يدي من يهمهم الأمر الحقائق التالية :
1. كانت قبيلة بني صخر قبل قيام الدولة قبيلة بدوية تملك ثروة هائلة من الإبل , وقطعان أقلّ من الغنم , وتملك بعض عشائرها مساحات لا بأس بها من الأراضي الزراعية الخصبة ذات التربة الحمراء , وتملك بقية عشائرها مساحات شاسعة من أراض صالحة للزراعة وإن كانت أقلّ خصوبة من الأولى , وقد مارست الزراعة بواسطة مزارعين ( فلاحين ) منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر .
2. قامت الدولة الأردنية الحديثة في عشرينات القرن العشرين فبدأت القبيلة بالاستقرار التدريجي ؛ لأنّ الدولة شجعت شباب البدو للانخراط في الجيش , وأصبحت الحدود عائقا أمام تحركات أصحاب الإبل , فبدأت هذه الثروة بالتقلص , وما جاء عقد السبعينات إلاّ وكانت قد تلاشت أو كادت , وقد كانت الأغلبية قد اتجهت للزراعة قبل ذلك بعقود من الزمن , وفي تلك الفترة كانت مصادر الدخل لابن القبيلة متعددة , فتجد لدى الأسرة قطيع من الغنم , وأرض تنتج الحبوب في كلّ عام تقريبا , بالإضافة إلى وجود مجنّد في الجيش أو الأمن يمثّل راتبه على تواضعه رافدا لدخل الأسرة , وهذه المصادر على تواضعها كانت توفّر لهم حياة الكفاف , نظرا لأنهم يعيشون حياة خشنة غير معقدة , فالسكن في بيوت الشعر ذات الأثاث البسيط ومن بنى بيت حجر فهو عبارة عن غرفة واحدة أو غرفتين , واستمرت هذه الحال حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين , وفي هذه الفترة كانت غالبية الأيدي العاملة من مواليد الثلاثينات وما بعدها في الجيش , وقوات البادية .
الدخول في النفق المظلم
ثمّ بدأ الدخول في النفق المظلم الذي سألخصه في النقاط التالية :
• التوجه للعمل الوظيفي والاعتماد الكلي على وظائف القطاع العامّ :
حيث قامت الدولة بتشجيع أبناء هذه القبيلة على الخدمة في الجيش منذ تأسيسها , وقد لاقت هذه الدعوة تجاوبا منقطع النظير , وأصبح أكثر من 50% من أبناء عشائر بني صخر جنودا , فتشكّلت قناعة في نفوس الناس بأنّ أفضل وسيلة للعيش هي العمل في القطاع العامّ الذي يوفّر لصاحبه دخلا شهريا ثابتا , وتأمينا صحيا له ولمن يعوله , ثمّ جاءت مكرمة إسكان الجيش , ومكرمة تعليم أبناء الجيش , فترسّخت هذه القناعة وتأصلت في النفوس , فانصرفت الغالبية العظمى عن العمل الحرّ , واتجهت هذا الاتجاه , وحتى القلّة القليلة التي لم تلتحق بالجيش , وبقيت تمارس الزراعة , وتربية الماشية فإنّها كانت تدير مشاريعها بطريقة تقليدية لا تكاد توفّر لها حياة الكفاف.
• كارثة بيع الأراضي :
كانت عشائر بني صخر تملك مساحات شاسعة من الأراضي وكان معدل نصيب رب الأسرة في غالبية العشائر لا يقلّ عن ألف دونم إلاّ أنّ الأراضي الشرقية لم تكن مسجّلة رسميّا بأسماء أصحابها , فسجّلت في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات فبدأت حركة بيع واسعة بأسعار زهيدة لا تتجاوز العشرة دنانير للدونم الواحد , وعندما حصلت طفرة الأراضي قبل ثلاثة أعوام لم يكن قد تبقى لهم من الأرض إلاّ أقل من 5% من تلك المساحات الشاسعة مسجلين بذلك خسارة فادحة تقدّر بالمليارات بدون مبالغة فعلى سبيل المثال تقدّر خسائر إحدى العشائر في المنطقة الشرقية القريبة من طريق ( عمّان – العقبة ) " بأكثر من مائة وعشرين مليون دينار إذ أنّ مساحة أراضيها بحدود سبعين ألف دونم بيع منها ما يقارب من خمسة وستين ألف دونم بأقل من اثنين مليون دينار , وفي طفرة الأراضي بلغت قيمتها بما يزيد على مائة وعشرين مليون دينار ....... وما حصل في أراضي تلك العشيرة حصل في أراضي سائر العشائر المجاورة التي لا تقلّ مساحاتها عن نصف مليون دونم ضاعت بحوالي عشرين مليون دينار على الأكثر وبلغت قيمتها قبل عامين حوالي مليار ونصف المليار من الدنانير .
هذا ما حصل في الأراضي الشرقية ذات التربة البيضاء أمّا ما حصل مع الأراضي الحمراء ذات التربة الخصبة فإنّ الكارثة تجلّ عن الوصف .
• أسباب بيع الأرض :
يظنّ البعض أنّهم قاموا ببيع هذه الأراضي بأثمان بخسة سفاهة وطيشا ورغبة في حياة الترف , والحقيقة عكس ذلك فقبيلة بني صخر بدأت في ممارسة الزراعة منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر , وبدأ الناس في التخلي عن حياة البداوة تدريجيا منذ تأسيس الدولة , واتجهت الغالبية العظمى لزراعة الأرض , وتأسيس القرى , وبدأوا تدريجيا في التخلي عن ثروتهم من الإبل , وما جاء عقد السبعينات من القرن العشرين إلاّ وقد قامت جميع العشائر بتأسيس قرى , ومدارس , وأصبحت غالبيتها تسكن في بيوت الحجر , وتمارس زراعة الأرض ..... وما إن بدأ عقد الثمانيات إلاّ وأصبح أكثر من 95% يملكون بيوت الحجر , وأصبح الذين يسكنونها على مدار العام لا يقلّون عن 80% , وأغلب أرباب هذه الأسر التي تقيم إقامة دائمة هم من العاملين في الجيش والأمن العام وسائر الوظائف الحكومية .
إنّ هذه الحياة الحديثة قد فتحت عليهم أبواب استهلاك لا عهد لهم بها تمثّلت في ضرورة بناء بيوت تصلح للسكن , وما يستلزمها من أثاث , وبناء بيت مستقلّ لكلّ أسرة ناشئة , ولم يعد للأسرة الممتدة وجود , إضافة لذهاب الأطفال للمدارس وما يستلزم ذلك من نفقات علاوة على ما سببه دخول المدارس من نقص في الأيدي العاملة في الأسرة إذ كان الأطفال في الماضي يستخدمون لرعاية الماشية , ومساعدة أهلهم في أعمالهم , ثمّ التحاق الطلاب في الجامعات وما يستلزمه من نفقات ..... لقد أصبحت جميع هذه المستلزمات ملقاة على عاتق ربّ الأسرة ذي الدخل المحدود الذي لا يكاد يكفي لحياة الكفاف , فتزامنت هذه الظروف المأسوية مع تسجيل الأراضي التي لم تعد زراعتها ذات جدوى اقتصادية لأسباب يطول شرحها _ وتدفق أموال المغتربين في الخليج , وغيرهم من كبار الأغنياء الذين بدأوا بشراء مساحات شاسعة بأسعار رمزية .
• قصّة الآبار الارتوازية , والزراعة المروية :
لقد اتّجه بعض النابهين من أبناء هذه العشائر للاستدانة من مؤسسة الإقراض الزراعي لحفر آبار ارتوازية في أرضهم لإحيائها , وقاموا بممارسة زراعة الخضار وبعض الأشجار المثمرة وخاصّة الزيتون فانتهت بهم الحال للإفلاس بعد أن تراكمت عليهم ديون بعشرات ومئات الآلاف اضطرتهم لبيع ما تبقى لهم من أرض ليعودوا صفر اليدين , ولم يكن إخفاقهم نتيجة تقصير ذاتي ولا قدر إلهي , ولكنّه بفعل فاعل يعرف ما يريد .
• قصة مشاريع تربية الماشية :
تقلصت الثروة الحيوانية عند هذه العشائر في عقود الستينات والسبعينات , وعندما جاء عقد الثمانينات بطفرته الاقتصادية المشهورة كانت الغالبية العظمى من أبناء القبيلة قد فقدت ثروتها من الماشية , وما كانت لتستطيع مجاراة الحياة الجديدة بإمكانياتها الذاتية , فقامت ببيع الأرض بأبخس الأثمان , واتجهت لامتلاك قطعان كبيرة من الماشية , وسمح لها بامتلاك سيارات تعامل معاملة خاصّة لخدمة مواشيها وأصبحت حياة هذه الثروة تعتمد اعتماداً مباشراً على الحكومة بما توفّره لها من أعلاف , وبسماحها للإخوة السوريين بالعمل في الأردن فاستخدموهم للعمل رعاة لهذه القطعان التي بدأت تتكاثر , والتي كان من أسباب تقلصّها في الماضي عدم وجود الرعاة إذ كان الشباب يفضّلون العمل في الوظائف الحكومية على تلك المهنة الشاقّة التي لا توفّر لأصحابها مثل تلك الامتيازات التي توفرها الوظائف الحكومية , وعلى الرغم من عودة الكثيرين من أبناء هذه القبيلة لتربية الماشية فإنّ حياتهم كانت تختلف عمّا كانت عليه الحال في العقود السابقة , فقد كانوا يملكون البيوت الحديثة , وتقيم أسرهم أغلب الوقت فيها , وأبناؤهم في المدارس , وكانوا يملكون السيارات , وتجد وسائل الحياة الحديثة في بيوت الشعر , وتغلب عليهم الإقامة لاعتمادهم على الأعلاف لا على الكلأ , وقد حاولوا أن يجعلوا من هذه الثروة مشاريع إنتاجية بعيدا عن الطريقة التقليدية التي كانت تدار بها مثل هذه الثروة في الماضي ,.... ومما تجب الإشارة إليه أنّ هذا التوجه لهذه المشاريع الإنتاجية القائمة على تربية الماشية لم يكن حكرا على قبيلة بني صخر , وإنما كان موجودا عند كثير من القبائل والعشائر التي تعدّ من أهل الحاضرة كعشائر بني حميدة والبلقاء والكرك وغيرها ..... ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أنّ الذين توجهوا هذا التوجّه كانت نسبتهم تتجاوز بحدود ال 30 % من أبناء القبيلة , والبقية الباقية ظلّت على حياتها السابقة المستجدة وأعني بها الاعتماد على وظائف القطاع العامّ , والإقامة الدائمة في القرى والمدن ..... وعندما جاء عام 1996م تعرّض أصحاب الماشية لهزّة عنيفة متعمدّة مكشوفة مما أدى إلى تقلّص نسبة العاملين في هذا القطاع إلى نسبة قد لا تتجاوز 3% على الأكثر , وعادت البقية للبحث عن وظائف القطاع العامّ , أو صندوق التنمية ........ وما عادت تربية الماشية تشكّل مشاريع إنتاجية إلاّ لمثل تلك النسبة , وإن كانت بعض الأسر تقتني أعدادا قليلة من الماشية لا تكاد تذكر لغاية أن تكون من روافد دخل الأسرة الضئيل المتآكل .... ونستطيع أن نقرر هنا أنّ الثروة الحيوانية التي كانت تملكها القبيلة خاصّة في لواء الجيزة قبل عام 1996م لم يتبق منها إلاّ حوالي 10% أو أقلّ .
• قطاع النقل :
عندما بدأ قطاع تربية الماشية في الانهيار عام 1996م اتجّه كثير من أبناء البادية الوسطى إلى بيع ثروتهم من الماشية بثلث قيمتها , ومنهم من باع ما تبقي من أرض بثمن بخس واشتروا ( شاحنات ) = تريلات فاستمرت أمورهم مستقيمة نوعا ما حتى عام 2004م فنكب هذا القطاع بإجراءات أخطرها حلّ "الشركة الموحدة للنقل البري " الذي جعل قطاع النقل الأهلي الذي كان بحدود ثمانين ألف شاحنة يعتاش منها أكثر من مليون ونصف من البشر في مهب الريح , وتحول إلى كارثة على أصحابه تجلّ عن الوصف, وكنت قد قدمت دراسة مفصّلة لتلك المأساة في بداية عام 2005م إلى لجنة النقل في مجلس النواب وبكلّ أسف فإنّ الحكومة آنذاك لم تلتفت لتلك الصرخة المدويّة واستمرت في تلك الإجراءات حتى أصبح هذا القطاع في عداد الأموات ...... علما بأنّ إنقاذ هذا القطاع لا يحتاج إلى معجزات كما يدعي الحيتان ومصاصوا الدماء , فإنقاذه لا يحتاج إلاّ إلى وقفة صادقة مخلصة ووزارة نقل تمثّل الأردن لا مجرد وزارة لتمثيل أصحاب الشركات والسماسرة الذين دمّر هذا القطاع لصالحهم , فتسمع شكوى أصحاب هذا القطاع ومطالبهم العادلة , وستكتشف أنّ إعادته للحياة لا يحتاج إلى أكثر من إجراءات سهلة منصفة تعيد له الحياة
• قرار منع حفر الآبار الارتوازية غربي سكّة الحديد .
تحدثت عن قصّة بيع الأراضي , ومن تبقى له قطعة أرض الآن غرب سكّة الحديد فإنّه ممنوع من حفر بئر ارتوازي فيها , فأصبحت مياه تلك الأراضي الجوفية من نصيب أولئك الوافدين للمنطقة الذين اشتروا الأراضي بأبخس الأثمان وحفروا فيها الآبار قبل قرار المنع , وأمّا أصحاب الأرض الأصليين الذين احتفظوا بقسم من أرضهم , ولم يتمكنوا من حفر الآبار فيها سابقا فأرضهم بقيت معطلة خرابا تثير الأسى والشفقة وقد أحاطت بها المزارع الخضراء المرويّة من الآبار الارتوازية التي حفرت قبل قرار المنع .
الواقع التعليمي
عانت قبيلة بني صخر كغيرها من قبائل العرب من الأمية ونقص التعليم طيلة قرون , وعند تأسيس الأردن الحديث اهتمت الدولة ببناء المدارس منذ تأسيسها وما جاء العقد السابع من القرن العشرين إلاّ وكان جميع أطفال الأردن في المدارس وإذا نظرنا إلى أحدث القرى تأسيسا والتي أنشئت مدارسها في بداية عقد السبعينات , فإنّنا نجد أنّ أكثر من 90% من مواليد عقد الستينات من الجنسين قد دخلوا المدارس , وأمّا الأجيال التي بعدهم فإن نسبة لا تقل عن 80% قد أنهوا المرحلة الإلزامية ( الصف التاسع ) , والذين وصلوا المرحلة الثانوية لا تقل نسبتهم عن 50% , ولئلا يظنّ ظانّ بأنني أبالغ فإنني أودّ أن أتخّذ قرية الزميلة / لواء الجيزة أنموذجا , فهذه القرية تأسست وأفتتحت مدرستها في العام الدراسي 1970/1971م وفيها الآن بحدود خمسمائة أسرة من بني صخر , فيها ما يزيد على المائتين من حملة الشهادات الجامعية من الجنسين علاوة على عشرات الجامعيين والجامعيات الذين لا يزالون على مقاعد الجامعة , ولا أريد أن أقول أن نسبة الذين أنهوا المرحلة الأساسية من مواليد أواخر الستينات وما بعدها تصل إلى 99% .... هذا في قرية حديثة التأسيس نسبيا فكيف بقرى تأسست مدارسها قبلها بعقود ؟؟ لا أريد أن أقول أن حملة شهادة الدكتوراة والماجستير من أبناء هذه القبيلة بالمئات وحملة البكالوريوس بالآلاف , ,ودعك من مئات الشخصيات الذين شغلوا مواقع قيادية في مؤسسات الدولة , وفي القوات المسلحة .......
" الواقع الحالي لقبيلة بني صخر "
الواقع الحالي يتلخص بما يلي :
1. ما من بيت في البادية الوسطى إلاّ وفيه جامعي على الأقل من الجنسين أو طالب على مقاعد الدراسة في الجامعة أو على طريق الدخول فيها, وهؤلاء أغلبهم يدرسون على نفقة ذويهم , ومن غطيت نفقات دراسته جزئيا من قبل المؤسسات المعنية بهذه الشؤون فإن نفقاته الشخصية التي يدفعها له ربّ الأسرة المتمثلة بمأكله وملبسه ومواصلاته وسكنه وكتبه لا تقلّ عن مائة وعشرين دينارا شهريا تترتب على أسرة لا يتجاوز دخلها في أحسن الأحوال عن ثلاثمائة دينار شهريا , فكيف إذا علمنا بأنّ بعض الأسر عندها أكثر من طالب جامعي .
2. ما من بيت إلاّ وفيه شاب عاطل عن العمل على الأقل , وأكثرهم من حملة الشهادات الجامعية من جامعات حكومية قبلوا فيها بإشراف رسمي وعندما تخرجوا منها قيل لهم : لا حاجة للسوق بتخصصاتكم !! (تخصصات العلوم الإنسانية ) نظرا لنقص الفروع العلمية وتدني مستوى المدارس و التي دخلت القرن الميلادي الثالث وهي لا تزال تصنّف تحت بند الأقل حظّا .
3. المصانع الموجودة في المنطقة لم تساهم مساهمة جادّة في حلّ مشكلة البطالة فهي تستخدم هؤلاء الشباب برواتب متدنية لا تصل المائتين مقابل عمل في ظروف صعبة وخطيرة .... والأعجب من ذلك أنّ وزارة التربية الموقّرة لم تستجب لمطالبات الناس المتكررة في لواء الجيزة منذ عام 2003م بفتح مدرسة مهنية لتأهيل الشباب للعمل في لواء فيه أكثر من مائة وسبعين مصنعا , واكتفت بفتح فرع فندقي في مدرسة الجيزة الثانوية وهو اللواء الذي لم يدخل أهله فندقا قط , ولا يوجد فيه فندق قط .
4. كانت الخدمة في الجيش والأمن العام وقوات البادية هي الملاذ لشباب البوادي العاطلين عن العمل إذ كان مفتوحا لهم بدون واسطات أو شفاعات , وفي السنوات الأخيرة أصبح القبول فيهما لا يتمّ إلاّ بشفعاء ووسطاء ومع هذا لا يقبل إلاّ القليل .
5. أكثر من 80% من الأسر في البادية الوسطى لا يتجاوز دخلها الشهري الثلاثمائة دينار . وفاتورة الأسرة الشهرية لمستلزمات الحياة الضرورية لا تقلّ عن ستمائة دينار غير شاملة لنفقات التعليم الجامعي والواجبات الاجتماعية .
6. كلّ شاب في البادية يريد الزواج يحتاج إلى مبلغ لا يقلّ عن عشرين ألف دينار أردني لبناء بيت من الطوب المغشوش الممكيج بقليل من الأسمنت ومما لا بدّ منه من أثاث بسيط ومهر , وإن أراد توفير ذلك من راتبه إن ساعفه الحظّ بوجود عمل في القطاع العام أو الخاصّ فهو بحاجة إلى حوالي عشرين عاما في الجمع والتوفير والتقتير . وتزداد الصورة قسوة إذا علمنا أنّ 70% من المجتمع الأردني هم من الشباب تحت سنّ الثلاثين , وتصبح الصورة مرعبة أكثر إذا علمنا بأنّ 90% من الشباب الذين بلغوا سنّ الزواج يعيشون هذه المعاناة , وهذا هو سرّ إحجام الشباب عن الزواج بعيدا عن تحليلات العائشين في الأبراج العاجية .
7. وتتضاعف المأساة عندما تجبر الحكومة الشباب على الإنفاق على أسرهم ضمنا وذلك أنّها تقوم بقطع راتب الأسرة التي تعتاش على صندوق المعونة الوطنية إذا تعيّن أحد أبنائها في وظيفة ما , متجاهلة أنّ هذا الشاب بحاجة إلى التوفير لبناء نفسه , وتجلّ الكارثة عن الوصف إذا علمت بأنّ صندوق المعونة الوطنية لا يقرر راتبا لأسرة فقيرة إن وجد فيها شباب فوق سنّ الثامنة عشرة وإن كانوا عاطلين عن العمل !!
8. ما من بيت في البادية أو سيارة أو زواج أو شهادة جامعية منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين إلاّ ووراءه قصّة بيع قطعة أرض ارتوت من دماء الأجداد , واليوم ذهبت الأرض كلّ الأرض ولا تزال الحياة تدفع بمزيد من شباب بحاجة إلى بيوت وزواج وجامعات .
"السياسات الاستفزازية لعامّة الناس "
وزيادة على هذا الواقع المأساوي فإننا نضع بين يديّ دولتكم نماذج من السياسات الاستفزازية التي كانت تمارسها الجهات الرسمية والحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الماضية , ولا تزال , وتلك السياسات منها ما يختصّ بقبيلة بني صخر ومنها ما يشاركهم فيها جميع الشعب ,وإليكم طائفة منها :
1. الاعتداء على واجهة عشائر بني صخر وذلك بقيام بعض المتنفذين في الثمانينات بتسجيل عشرات الآلاف من الدونمات بأسمائهم وأسماء أصحابهم في تلك الأرض التي تعدّ ملكا مشاعا لهذه القبيلة بموجب نصّ المادّة السادسة من قرار تقسيم الواجهات العشائرية عام 1945م والمحفوظ في قيادة البادية ودائرة الأراضي والمساحة .
2. المحاولات التي تجري الآن من بعض المتنفذين لعرقلة " مشروع تقسيم وتفويض واجهة عشائر بني صخر " التي وعد بها جلالة الملك , والتي تعدّ من الحقوق التاريخية لهم , والتي كانت نهبا مشاعا لبعض المتنفذين طيلة العقود الماضية .
3. قبل عدّة أعوام قام الديوان الملكي العامر بتوزيع مئات الآلاف من الدنانير في لواء الجيزة على أشخاص من رجال ونساء من عائلات محدودة , وبالمقابل حرم من هذه الأعطيات عشائر كاملة يعدّ رجالها بالآلاف , وفيها أعلى نسبة من حملة الشهادات الجامعية , وطلاب على مقاعد الدراسة الجامعية , وفيها فقر مدقع بشهادة الإحصائيات الرسمية التي تزامنت مع توزيع تلك الأموال !! .
4. حرمان الأغلبية الصامتة من بعثات الديوان الملكي العامر ومن الأمثلة على ذلك مجموعة قرى بلدية العامرية ( الزميلة , خان الزبيب , ضبعة وضبيعة , الخالدية العامرية , العرين ) والتي تسكنها العشائر التالية : ( المسلَم , العبد القادر من الزبن , الصبيح , السطول الطلاق , الشموط , العطايا , الخزون ) علمت أكثر من أربعمائة طالب جامعي , ولا يزال لها عشرات الطلبة على مقاعد الدراسة الجامعية إلاّ أنّ بعثات ومنح الديوان الملكي لم تساهم في تدريس طالب واحد قط من أبناء هذه الشريحة المظلومة المهمّشة التي تعاني من الفقر المدقع والبطالة المرعبة .
5. سياسة الإذلال في توزيع "طرود الخير الهاشمية " , إذ تجد مئات العجائز والشيوخ في طوابير يقفون الساعات الطوال تحت لهيب حرّ الصيف أو زمهرير الشتاء عند مقاطعة الجيزة في مشهد يمزّق القلب ليحصلوا على تلك المعونات ........ ولا ندري ما الذي ضرّ الجهات القائمة على توزيع هذه المساعدات لو اقتدت بجماعة الإخوان المسلمين أو الجمعيات التبشيرية التي توصل هذه المساعدات لبيوت المستحقين ولاسيّما أنّ الحكومة والبلديات وقيادة البادية تملك أسطولا من السيارات التي تكفي لتنفيذ عشرة أضعاف هذه المهمّة .
6. الحرمان من مشاريع إسكان الفقراء : فقد صنفت قرى لواء الجيزة وقضاء أمّ الرصاص في الإحصائيات الرسمية عام 2005م بأنّها من أفقر مناطق المملكة , ويوجد فيها أراض مسجّلة في خزينة الدولة بآلاف الدونمات, وفي هذه القرى مئات الشباب الفقراء العاجزين عن بناء بيوت لتكوين أسر , ولم يفكّر أحد بإنشاء سكن لهم على قطعة من تلك الأرض ليشعروا بأنّهم جزء من هذا الوطن الذي تذهب مكارم قيادته ذات اليمين وذات الشمال وهم محرومون منها .
7. نقص وتدني مستوى الخدمات الضرورية في مجال الصحة والتعليم والشوارع والكهرباء , والمماطلة في تنفيذ تلك الخدمات بعد اقرارها السنوات الطوال , وتحويل مخصصاتها لمناطق ليست بحاجة ملحّة .
8. في منطقة لواء الجيزة والموقّر مئات المصانع والشركات التي تلّوث الماء والهواء ولم تساهم في حلّ مشكلة بطالة شبابنا الجامعي في وظائفها الإدارية , وأمّا اليد العاملة فشغلت نسبة ضئيلة برواتب سقفها مائة وخمسون دينار فقط . ومن الملفت للنظر ممارسة أصحاب تلك المصانع لضغوط نفسية على من يعمل بهذه المصانع والشركات من أبناء البادية بشكل خاصّ, وأبناء الوطن بشكل عامّ, تضطرهم لترك العمل, ومن أبرز تلك الممارسات تدني رواتب هذه الفئات قياسا مع رواتب العامل الوافد, ففي إحدى هذه المصانع كان يعطى الفني من أبناء البادية 150 دينار على الأكثر بينما يعطى الوافد الذي لا يمتاز عنه بشيء ضعف هذا المبلغ وفي أحد هذه المصانع كانت تعطي الحداد الأردني 150 دينار, وتعطي حدادا وافدا 500 دينار ولم يشفع له أنّه أكثر مهارة من ذلك الوافد.... ومن تلك الضغوط التي تمارس ضد أبناء البادية بشكل خاصّ , والعامل الأردني بشكل عامّ هو جعل المراقبين على العمال من العمالة الوافدة والتي تنتهج سياسة (التطفيش) للعمالة الوطنية, وكذلك عدم شعور العامل في هذه المصانع والشركات بالأمن الوظيفي إذ يأتي الاستغناء عن خدماته كالأجل...
9. الصمم الرسمي المتعمد تجاه مطالب الناس : ومن الأمثلة الحيّة على ذلك قيام أهالي بعض تلك القرى بتقديم دراسة شاملة تتضمن مشكلات بعض القرى ومطالبها , ومشاريع مقترحة غير مكلفة , وقدّمت لوزير التخطيط في شهر كانون الثاني عام 2004م فأعجب بها , ووعد خيرا , وظلّت لجان وزارة التخطيط تجوب المنطقة عامين كاملين ولم تنفذ ولو مشروعا واحدا من تلك المشاريع , وفي أواخر عام 2009م قدمت تلك الدراسة والمطالب إلى معالي النائب الأمثل مجحم حديثة الخريشا فأوصلها للديوان الملكي العامر في شهر كانون ثاني من عام 2009م فحولها الديوان الملكي لرئاسة الوزراء التي حولتها بدورها للجهات المختصّة , والمؤسف أنّ تلك الجهات قد أقرت بعدالة تلك المطالب , واتخذت قرارات بتنفيذ كثير منها إلاّ أنّ تلك القرارات بقيت في الأدراج ثمّ تبخرت ولم ينفذ منها شيء قط .... ولنضرب لكم مثالا من نتائج الصمم الرسمي التي دفعت الناس للاحتكام للشارع : فقد زار وزير التخطيط في شهر كانون ثاني من عام 2004م "قرية الزميلة " التي تعدّ من أكبر قرى لواء الجيزة على الإطلاق , وطلبوا منه جسرا للمشاة لقرية الزميلة ؛ نظرا لكثرة حوادث الدهس التي وقعت في هذه القرية , فوافق , وحوّل مخصصات ذلك الجسر لوزارة الأشغال فورا , وقام الأهالي بمراجعة الوزارة التي كانت تماطل بالتنفيذ , فدهس طفل من أبناء هذه القرية أختلط لحمه بالإسفلت , فذهب الأهالي يشكون لوزارة الأشغال لعلّها تتكرم بالموافقة على تنفيذ القرار , حيث وقع الحادث بعد زيارة وزير التخطيط بعدّة شهور , وفي عام 2006م أي بعد عامين من تلك الوعود والتي كانت مخصصاتها متوفرّة لدى وزارة الأشغال وهي تماطل في تنفيذها وقع حادث آخر دهست فيه امرأة أرملة تعيل بنات أيتام فأضطر الأهالي لإغلاق شارع عمان العقبة , ونشر الحادث على الفضائيات فأدركت الجهات المختصة حينئذ أن الأمر يستحق التفاتة منها , والغريب أنّه بعد تلك الحادثة بعشرة أيام فقط كان الجسر يقف شامخا , وهو الذي اختفى في الأدراج عامين كاملين !! فهل المطلوب ألاّ ينفذ طلب لهذه القرى إلا باعتصامات , وقطع طريق , ومصادمة مع رجال الأمن ؟؟ وتكررت القصّة ولكن على نطاق أوسع في فضيحة البلديات الأخيرة التي أجبرت لوائي الجيزة والموقّر على إغلاق الطرق الرئيسية يوم الأربعاء 12/10/2011م , والتي كانت نتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة القائمة على تجاهل مطالب الشعب , وتجاهل آراء النواب الصادقين , وآراء الحكام الإداريين المخلصين , وضرب كلّ ذلك بعرض الحائط بأسلوب استفزازي يثير علامات استفهام كبرى على مثل تلك التصرفات التي تدفع الوطن للهاوية .
10. المماطلة المتعمدّة في إنشاء مستشفى في لواء الجيزة , وتجاهل مساحته الواسعة وعدد سكانه , وتجمعاته السكانية المتناثرة وحاجته الملحّة لذلك ، ثمّ تأتي قصّة المستشفى الميداني الذي وضع في بلدية العامرية لإلهاء الناس عن المطالبة بمستشفى علما بأنّ هذا المستشفى الميداني يفتقر للعلاجات اللازمة والكوادر الطبية والمستلزمات والأجهزة الطبية !
11. سياسة التعطيش المتعمد :إذ تعاني قرى لواء الجيزة من نقص في المياه بما في ذلك القرى الواقعة على الخط الرئيسي , ولتتضح طبيعة هذه المعاناة وأسبابها نضرب مثلا حيّا بقرية العرين ( حمام الشموط ) التي تسكنها عشيرة الشموط التي يتجاوز تعدداها ثلاثة آلاف نسمة , فقد وصلتها المياه منذ أكثر من عشرين عاما وهي مع ذلك تعاني من شح المياه إلى درجة العطش , والسبب في ذلك يعود إلى تلك المزارع الصغرى التي يملكها أثرياء عمان , والتي تنتشر على جانبي طريق حمام الشموط , وكذلك مزارع الدواجن والأبقار لبعض المستثمرين التي تأخذ مياه هذا الخط لري مزارعهم , ودواجنهم , وأبقارهم , وقد جأر أبناء هذه القرية بالشكوى منذ عشرين عاما لجميع المسؤولين والمتنفذين فلم يسمع أحد صوتهم أو يأبه لعطشهم .
12. الحديث عن الطرق في البادية الوسطى يدمي القلب فعلاوة على اهمالها وعدم صيانتها وما تعانيه من مطبّات وحفر فإنّها تعاني من خلل هندسي واضح فاضح يتمثّل في تلك (المنعطفات الخطرة ) التي لا مبرر لها من أمثلتها شارع الجيزة – جلول , الجيزة – أم رمانة , شارع حمام الشموط , شوارع قضاء أمّ الرصاص ... إلخ .
13. التدمير المتعمد للبيئة ومصادر المياه من قبل المصانع ومحطات التنقية وكسارات الحجر ومصانع الأسمنت ومكبّ نفايات سواقة .... والأخطر من ذلك استهداف قبيلة بني صخر بشكل استفزازي متعمد بتلك المشاريع المؤذية بدءا من مكبّ نفايات مأدبا الذي كان يؤذي القرى المجاورة له منذ أكثر ستين عاما , ومرورا بمكبّ سواقة وخطره على المياه الجوفية والمراعي , وانتهاء بمحطّة تنقية الجيزة التي فرضت علينا قبل عامين ..... أمّا الكسارات ومصانع الاسمنت ومزارع الدواجن وتدميرها للبيئة فأمر تغني شهرته عن ذكره ..... وبمناسبة الحديث عن المصانع وأضرارها على البيئة فإنّ الناس كانوا يشعرون بالقهر والضيم عندما كانت تلاحقهم دوريات السير وتخالفهم على انبعاث الدخان من مركباتهم في الوقت الذي تصمّ فيه الجهات الرسمية آذانها وتغلق عيونها عن سحب الدخان التي كانت تغطي المنطقة والتي كانت تنبعث من تلك المصانع وخاصّة مصنع الحديد في منطقة أرينبة الغربية / لواء الجيزة .... وتقابل شكاوي الناس بالزجر والنهر والإنكار والاستنكار والاستكبار مما خلق في النفوس انطباعا بأنّ الجهات الرسمية ما هي إلاّ خادم وحارس لأصحاب تلك المصانع , ولا يعنيها صحّة المواطنين ولا بيئة الوطن .
14. قصّة حجر الخريم : الخريّم منطقة زراعية تملكها عدّة عشائر من عشائر فرقة العامر ( الزبن , الخزون , الصبيح ) , وعند إعلان التسوية فيها في ثمانينات القرن العشرين قام مدير تسوية الجيزة بتسجيل أكثر من خمسة عشر ألف دونم بخزينة الدولة وفيها أكثر من عشرة آلاف دونم صالحة للزراعة وتعود ملكيتها لعشائر " الصبيح والخزون والزبن " مستغلا جهل الناس وفقرهم , وبحجّة أنّ هذه الأرض فيها حجر يعتبر من الثروة الوطنية التي لا يجوز حيازتها فرديا ثمّ أصبحت تلك الثروة نهبا مشاعا لبعض المتنفذين وتجّار الحجر فحرمت من تلك الثروة خزينة الدولة , وحرم أهلها من الاستفادة منها ..... وقد طالبوا وصرخوا وبعثوا البرقيات إلى رئاسة الوزراء ولكن ما من مجيب !! طالب أهالي العامرية وزارة التخطيط عام 2004م أن يستغل ذلك الحجر الذي يذهب هدرا لجيوب حفنة من بعض التجار والمتنفذين لإحياء هذه المناطق التي تعاني من الفقر والجوع فوعدت خيرا ثمّ تبخرّت الوعود , هذا وقد أثار هذا الموضوع سعادة النائب الأسبق د. غازي الزبن وناضل لتصويب الأوضاع , وتلبية مطالب الناس إلاّ أنّ الجهات الرسمية اكتفت بالوعود !!
15. وللحديث عن منطقة الخريّم بقية فهو منطقة زراعية فيها عشرات الآبار الارتوازية اضطر أصحابها لإغلاقها منذ أكثر من ربع قرن لعدم وجود شارع زراعي وعدم توصيل الكهرباء لها , علما بأنّ شارعها لا يتجاوز ثمانية (8) كلم , والكهرباء لا تبعد عنها إلاّ حوالي تلك المسافة فقط
16. انتشار تعاطي المخدّرات في أوساط شباب البادية الوسطى لم يعد سرّا فإنّ ظنّ البعض أنّ ذلك يلهيهم عن المطالبة بحقوقهم فإنّهم لا يدركون العواقب الوخيمة لتفشي هذه الظاهرة في أوساط الشباب التي ستحولهم إلى مرتع خصب لعصابات الأعداء التي جندت أمثالهم في كثير من البلدان ضدّ أوطانهم وإخوانهم ..... إنّ الناس يعتقدون أنّ الحكومات متواطئة بنشر هذه الآفة بدليل أنّه عندما يعتقل بعض المروجين لا يمكثون إلاّ عدّة أيام ثمّ يفرج عنهم , ويتهامس الناس بأنّ هذه السموم تباع لصالح بعض الكبار .
17. استهداف أبناء قبيلة بني صخر من الضباط في القوات المسلحة , والأجهزة الأمنية بالإحالات على التقاعد المتواصلة منذ سنوات بشكل ملفت للنظر بحيث لم تترك تلك السياسة منهم إلاّ القليل القليل .
18. في شهر آذار من عام 2011م في الوقت الذي بلغ فيها الاحتقان والسخط الشعبي الأوج , وفي الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام عن فساد في أمانة عمّان يتفاجاء أهالي بلدية العامرية / لواء الجيزة وقضاء أم الرصاص بفريق من " دائرة التخمين لضريبة الأبنية والأراضي التابعة لأمانة عمّان " تهاجم هذه القرى المنكوبة لتقييد الضرائب المترتبة على بيوتهم وما تبقى لهم من أراض زراعية لم تنتج طيلة العقد الماضي فلسا واحدا , وقد قدّرت هذه الأراضي بأسعار خيالية , والعجيب الغريب أن أهالي تلك المناطق عندما طالبوا وزارة الزراعة بالتعويض عن موسم 2009م رفضت وزارة الزراعة تعويضهم بحجّة أنّ تلك الأراضي لا تصلح للزراعة ؛ لأنّ كميّة أمطارها السنوية أقلّ من المعدّل الذي يؤهلها لأنّ تعامل معاملة الأرض الزراعية , ثمّ بعد عام ونصف تأتي أمانة عمان لتعتبرها أراض زراعية منتجة يترتب عليها ضريبة ؟؟؟؟ والجهات التي اوعزت بهذا العمل تتجاهل أنّ الإحصائيات الرسمية عام 2005م قد صنفت قضاء أمّ الرصاص ومنطقة العامرية باعتبارها أفقر مناطق جيوب الفقر , ولا ندري ماذا جدّ عليها في عام 2011م إلاّ ضياع أموالها التي ابتلعتها البورصة وتركتها صفر اليدين.
19. كثرة الأخطاء الطبية التي أودت بأرواح كثير من المواطنين طيلة السنوات الماضية ففي لواء الجيزة وحدها قبل أربعة أعوام وقعت ثلاثة حوادث في عام واحد أدت إلى وفاة ثلاث أمهات خلفن وراءهن أطفالا أيتاما وأزواجا أرامل , وذهبت تلك الدماء هدرا بدون حسيب أو رقيب أو تعويض ؛ وتبين أنّه لا يوجد في الأردن ونحن في اللألفية الثالثة _ قانون للمساءلة الطبية , وتبيّن أنّ معالي الوزير الأمثل وليد المعاني عندما حاول سنّ ذلك القانون عندما كان وزيرا للصحة غضب منه كبار الأطباء ونقابتهم , وأقيل الوزير المذكور , وبقيت الأمور سائبة لئلا يحاسب الطبيب على أخطائه !!
20. تدني مستوى الخدمات الصحية ونوعية العلاج للفقراء والمشمولين بنظام التأمين الصحي , والعذاب والذلّ الذي يقاسيه المواطنون في مراجعة المستشفيات الحكومية , وقد دفعت هذه السياسة الفقراء للصبر على آلام الأمراض واللجوء للمشعوذين والأطباء الشعبيين .
21. التلاعب في مشاريع مكافحة التصحّر وتبديد الأموال الطائلة فيما لا قيمة له من المشاريع بأساليب تستخفّ بعقول المواطنين وتدفعهم للسخط والاحتقان .... فهل يعقل أن تشجير مائة دونم بشجيرات (القطف ) يكلّف ربع مليون دينار مثلا !! وهل يعقل أن يتبجّح المدير القائم على المشروع بالحديث عن ذلك أمام وزير زراعة وجمع من المواطنين والهيئات المانحة ولا ينتبه معاليه إلى ذلك ؟؟؟ حصل ذلك عام 2005م في زيارة وزير الزراعة لقرية رابية المحارب .
22. ويقابل ذلك حرمان البادية الوسطى من أيّة مشاريع ناجحة علما بأننا قدمنا لوزارة التخطيط عام 2004م دراسة شاملة تضمنت عدّة مشاريع ناجحة وغير مكلفة لإنعاش المنطقة , وتلقاها وزير التخطيط باعجاب واستحسان وبقيت لجان التخطيط تجوب لواء الجيزة عامين ونيّف , ولم ينفّذ من تلك المشاريع شيء !!
23. مآسي مراكز الأعلاف المزمنة : لقد تبنت الدولة دعم الثروة الحيوانية بتقديم أعلاف (شعير + نخالة ) بسعر مدعوم فيما يزعم المسؤولون منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين وهذا العلف المدعوم يغطّي فعليا 40% من حاجة أصحاب الماشية , فكان الناس يلجأون لتزوير الإحصاءات للحصول على كمية أكثر لتغطي حاجتهم بالسعر المدعوم , ثم تشكّلت مافيات لا تملك رأسا واحدا من الماشية تأخذ أكثر من 30% من العلف بالسعر المدعوم وتبيعه على أصحاب الماشية بالسعر الحرّ ..... والغريب أنّ جميع محاولات ضبط هذا الأمر كانت تذهب سدى مما ينبيء بتورط جهات رسمية بذلك التلاعب المكشوف علاوة على التلاعب بالوزن ....... والأغرب من ذلك أنّ أولئك التجار أو اللصوص كانوا يحصلون على كمياتهم بسهولة ويسر , أمّا أصحاب الماشية الفعليين فيمضون الأيام الطوال ينتظرون أمام مراكز الأعلاف في لهيب الصيف وزمهرير الشتاء .... ومهما يكن من أمر فقد كان التعامل المتّبع طيلة العقود الماضية في هذا الشأن يثير سخط الناس وحنقهم فيلوذون بالصمت لأنّهم لا يجدون من يريد سماع صوتهم .
24. سياسة الاستفزاز التي مارسها الأمن العام في السنوات الثلاثة الماضية التي تمثّلت بكثرة دوريات مراقبة السير , والتفنن في المخالفات , والاعتداء على المواطنين جعلت عوام الناس يعتقدون أنّ المطلوب منهم هو الثورة على هذه الأوضاع , وقد بقيت تلك السياسة حتى استلم عطوفة الفريق حسين هزاع المجالي منصب مدير الأمن فأختفت تلك السياسة الاستفزازية .
25. التسيّب الأمني المقصود إذ يلقى القبض على السارقين وبعد عدّة أيام يتمّ الإفراج عنهم ؛ ولذلك فإنّ الناس يتهامسون بأنّ كثيرا من المطلوبين من السرّاق والنصابين هم على علاقة شراكة مع بعض المتنفذين .
26. قضية البورصة : إنّ الناس يعتقدون أنّ الحكومة تآمرت عليهم , وأغلقت مصدر رزق اعتاش منه الناس عدّة سنوات لصالح البنوك , وحقّ لهم أن يعتقدوا ذلك لأنّ تصريحات المسؤولين أبان تلك الحملة كان يؤكد هذا الاعتقاد , ومن أمثلتها تصريح أحد الوزراء بقوله : " لا نريد أن يعتاد المواطن على الربح السريع أو الثراء السريع " أو كلاما بهذا المعنى !!
27. قضية وجود النفط في الأردن , وتخبطات المسؤولين في تصريحاتهم حول وجود بئر النفط الواقع في منطقة الجفر قبل عامين , ذلك البئر الذي فضح الحكومة في فترة ارتفاع أسعار النفط عالميا عام 2008 م , وصرّح آنذاك الوزير المختصّ على التلفزيون بأنّ عدم وجود شارع يخدم ذلك البئر هو الذي يحول دون الاستفادة منه !!
28. عجز القضاء المدني عن إنصاف الناس :لقد أجمعت الإنسانية على اختلاف مذاهبها , ومشاربها , وأجناسها في القديم والحديث على احترام مؤسسة القضاء ؛ لأنّها المؤسسة التي ترتفع بالإنسانية من مقام "حياة الغاب الحيوانية" إلى الحياة الإنسانية النبيلة التي يستحقّ أهلها الاستخلاف في الأرض والوصاية عليها ..... وإنّ أيّ خلل في مؤسسة من مؤسسات المجتمع الإنساني يسهل إصلاحها ما دامت مؤسسة القضاء صالحة , فإن تسرب لها الخلل أصبح الإصلاح مستحيلا أو شبه مستحيل ؛لذلك رأينا أن نضع بين يدي دولتكم ظاهرة خطيرة لم يلتفت لها قادة الفكر والرأي ربما لبعدهم عن هموم الناس الحقيقية , وانشغالهم بالتنظير من أبراج عاجية , وكذلك لعجز المكتوين بنارها من طرحها ربما بسبب جهلهم بالمنابر التي ممكن أن تتيح لهم الحديث فيها أو عدم قدرتهم على التعبير عنها بوسائل التعبير المعاصرة . إنّ هذه الظاهرة هي تهاون المحاكم النظامية بكثير من القضايا ومن أبرزها قضايا الإيذاء التي نصّت عليها الموادّ " 333" وما بعدها من قانون العقوبات , وإليك ما يجري في مثل هذه القضايا : يقوم شخص قويّ البنية أو مجموعة أشخاص بالاعتداء على شخص أو أكثر في مشاجرة غير متكافئة فيوسع المعتدى عليه ضربا , وركلا , ولكما حتى يسقط على الأرض فيُدعَس على رأسه , ويداس في بطنه _ ثمّ يقوم المعتدي بالذهاب مباشرة للمركز الأمني , ويقدم شكوى ضدّ الضحية , ويذهب إلى مستشفى خاصّ فيحصل على تقرير يفيد بأنّه تعرض للضرب , وربما نام في ذلك المستشفى , وعندما يأتي الضحية إلى المحكمة يتفاجأ بأنّه مشتكى عليه من قبل الذي اعتدى عليه , فيصبح أمام خيارين لا ثالث لهما : إمّا أن يسقط شكواه عمن اعتدى عليه , ويصطلح معه , وإمّا أن يودعا السجن معا !! والعجيب أنّ المدعي العام يكتفي بشكوى كلّ من الطرفين , ويعتمد ما يقدمانه من تقارير طبية .... فكان هذا النهج المتبع في هذه المحاكم من الأسباب الرئيسية للعنف المجتمعي الذي ظهر بشكل مرعب في الأعوام الماضية ,... ونؤكد هنا بإنّ مثل هذه الإجراءات التي تتعامل بها المحاكم في مثل هذه القضايا تزيد المشكلات تعقيدا , وتهزّ ثقة المواطن بمؤسسات الدولة , ولولا تدخل أهل الإصلاح , واستخدام الأعراف العشائرية في حلّ مثل هذه القضايا _ لترتب على كلّ مشاجرة من هذا الصنف قضية قتل , وما يترتب على القتل من جلاء , وأضرار تلحق بمن لا ناقة لهم ولا جمل , علاوة على العداوة التي تزرع في النفوس , والتي يرثها الأحفاد عن الأجداد .... والأخطر من ذلك أنّ الناس يصلون إلى قناعة بأنّ الدولة ومحاكمها هي السبب , ويقارنون بين ما كانت عليه حالهم عندما كانوا يحتكمون لقضاة عشائرهم الذين كانوا ينصفون المعتدى عليه , ويردعون المعتدي بجلسة أو جلستين , فيشعر المعتدى عليه بأنّه قد استعاد اعتباره _ وبين ما يجري في محاكمنا النظامية العصرية من تعقيد للمشكلات حتى يصاب المعتدى عليه بالإحباط واليأس فإمّا أن يقبل وساطة وجوه الخير فيتنازل عن حقّه كاملا أو ثلاثة أرباعه بإرادته ظاهرا , ورغم أنفه باطنا , حفظا لماء وجهه , وإمّا أن يبتلى بارتكاب جريمة قتل تؤدي به وبعصبته إلى الهاوية , وإمّا أن يصبح " مهزلة بين الناس " !! ... والعجيب أنّ المؤسسة العرفية العشائرية إن جاز التعبير _ تتعرض لهجوم عنيف من قبل دعاة التنوير والتغريب من الليبراليين , ودعاة الأصالة من الإسلاميين , فالليبراليون يرون فيها رمزا للتخلف والجهل , والإسلاميون يرون فيها رمزا للجاهلية والوثنية , والأعجب من ذلك أنّ أهلها القائمين عليها عاجزون عن الدفاع عنها , وعاجزون عن القول بأنّه لولاها لتحوّل مجتمعنا إلى مجتمع غاب , ونظرا لهذه المفارقات العجيبة فإنّ " المؤسسة العرفية العشائرية " تحاول حلّ مثل هذه القضايا التي عقّدتها المحاكم باستحياء واستخذاء , ولذا تجدها تستجدي المعتدي الموافقة على حلول تحفظ ماء وجه المعتدى عليه , والمعتدى عليه يعلم يقينا أنّه يجب عليه أن يرضى بما يوافق عليه المعتدي وإن كان هزيلا ضئيلا ؛ لأنّه لا يوجد أي جهة تلزمه بدفع الحقّ كاملا , لذلك يرضى " بجاهة " شكلية يطلب منها حقّه كاملا ثمّ يسامح به قبل انتهاء مراسمها بناء على اتفاق سرّي مسبق , فيرضى بهذا الغبن لأنّه عجز عن تحصيل حقّه عن طريق القضاء الرسمي , ولم يرغب بالوقوع في كوارث أكبر إذ أصرّ على تحصيل حقّه بيده , ...... ولو اقتصر تردّي القضاء في أمور الجنايات لهان _ وهو ليس بالهيّن _ ولكن نجد ذلك التردي ظاهرا في مماطلة القضاء المتعمدّة بالبت في القضايا الحقوقية التي تمضي في أروقة المحاكم سنوات وسنوات مما أفقد الناس الأمل بنيل العدالة من هذا الجهاز , وترتب على ذلك عدم ثقة المواطن بمؤسسة القضاء النظامي , والقناعة التامّة بأنّها مؤسسات لتضييع الحقوق وتعقيد المشكلات , وتضييع الوقت والجهد والمال بدون جدوى , وأدّت إلى حوادث قتل شملت مآسيها أبرياء من نساء وأطفال , وشيوخ ومواطنين مسالمين لا ناقة لهم فيها ولا جمل , وتركت نفوسا مكلومة تكتم غيظها , وتنتظر الفرصة للانتقام ممن ظلمها أو ساعد على ظلمها , ولله در القائل ما أعلمه في نفوس العرب حيث يقول :
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا
وفتحت المجال للمتربصين بالدولة ممن يريدون زرع الفتنة بين الدولة والشعب , كما فتحت المجال للمنظمات الدولية , والإعلام المأجور الذي تتخذه الدول الكبرى الطامعة وسائل ضغط على الدولة لمصادرة قرارها السياسي والسيادي .
29. قصص الفساد المرعبة التي تتحدّث عنها الصحافة المحلية ووسائل الإعلام مع عدم قيام الحكومات المتعاقبة بإجراءات جدية لمعاقبة الفاسدين أو تكذيب تلك الأخبار التي بلغ ببعضها أن يتحدّث عن مافيا أردنية كمقال مدير موقع كلّ الأردن خالد المجالي تحت عنوان " المافيا الأردنية " !!
30. التلاعب بغذاء الشعب فمن القصص المرعبة التي تتحدث عن صفقات الأغذية الفاسدة , إلى السموم والهرمونات التي تستخدم في الزراعة والتي تحرّم استخدامها الدول المعنيّة بصحة مواطنيها , إلى المياه الملوثّة , والهواء الملّوث , والنتيجة تفشي أمراض القلب والرئة والسرطان .
31. بيع مقدرات الوطن بثمن بخس ينبيء بوجود فساد كبير في تلك الصفقات المشبوهة , والانسحاب من رعاية الاقتصاد وإدارته خلافا لما نصّ عليه الميثاق الوطني حيث جاء فيه " قيام النظام الاقتصادي للدولة الاردنية على اساس احترام الملكية الخاصة وتشجيع المبادرة الفردية ، وتأكيد ملكية الدولة للموارد والثروات الطبيعية والمشاريع الاستراتيجية ، وحقها في ادارة تلك الموارد والثروات والمشاريع او الاشراف عليها حسبما تقتضيه المصلحة العامة ، وتنظيم الاقتصاد وتخصيص الموارد وفقا للاولويات الوطنية " .وقد جيشت وسائل الإعلام التي مارست أسوأ أنواع الخداع في تروجيها لسياسة الخصخصة , والشريك الاستراتيجي , وأرقام النمو الكاذبة ثم جاءت النتائج بدين بلغ 17 مليار !! وهنا يتساءل الناس عن سرّ فشل القطاع العام في إدارة المشاريع الوطنية الكبرى مثل الفوسفات والبوتاس والمياه والاتصالات ثمّ تحقيق أرباح هائلة عندما بيعت للقطاع الخاصّ فهل هو نقص كفاءة أم نقص إخلاص أم مؤامرة لإعطاء المبرر لبيعها ؟؟؟
32. انهيار مستوى التعليم المدرسي والجامعي وتفشي ظاهرة الغشّ في الثانوية العامّة لدعم دكاكين التعليم المسمّاة بالجامعات سنويا بعشرات الآلاف من الناجحين لتمتصّ دماء الشعب إذ تكلّف الكرتونة المبروزة بحدود العشرة آلاف دينار لتمدّ سوق البطالة بمزيد من طلاب الوظائف ليكثر أبناء "برقراط " لمزيد من تعقيد المعاملات والتواقيع والانتظار والمراجعات .
33. الانهيار الأخلاقي المحصّن بالقوانين ومن أمثلتها ما جاء في قانون العقوبات في قضايا القدح والذم حيث نصّت على تجريم وتحريم القدح والذمّ والتحقير وإن كان صحيحا , ومنع مرتكب هذه الجرائم من اثبات صحّة ما قال , فتحصن الفساد الأخلاقي , والخروج على منظومة القيم , وهتك حجاب الفضيلة بمثل تلك القوانين , فلا يجوز أن يقال للكاذب كذبت , والفاجر فجرت , والبخيل بخلت , وقاطع الرحم قطعت , والنمام فتنت , ولصّ الأعراض فسقت , ولم يعدّ في قاموس مجتمعنا مصطلح " خوارم المرؤوة " و مصطلح ( ذوارب الشهود ) .... ثمّ جاءت مادة (23) المشهورة لتحصين الفساد نهائيا , يضاف إلى ذلك القوانين التي تتلاعب بنظام الأسرة (الأحوال الشخصية ) خضوعا لإملاءات خارجية وتنفيذا لمطالب مجموعة من نساء الطبقة المخملية التي لا تمت للعروبة والإسلام بصلة والمجتمع الأردني بصلة .... ويرافق كلّ ذلك انتشار أوكار الرذيلة مما حوّل الوطن إلى محجّ لطالبي المتعة المحرّمة علاوة على افساد الشباب وتدميرهم ثمّ تأتي ظاهرة ارتفاع العنوسة إلى أرقام فلكية مرعبة .... وهنا يتساءل الناس : هل قوى الفساد والاستبداد تريد تحويل الأردن إلى ملهى كبير ؟؟ ليتاجروا بأعراضه بعد أن تاجاروا بدمائه ونهبوا ثرواته ؟؟
34. مصادرة إرادة الناس في تزوير الانتخابات النيابية والبلدية دونما موجب أمني أو مبرر سياسي وإنما فقط لإثبات مقولة " نحن نعزّ من نشاء ونذلّ من نشاء " علاوة على تقزيم قوانين الانتخابات , وجعل ممثلي الناس من نواب ومجالس محلية ( بلديات ) أضحوكة للدهماء والغوغاء , وشماعة تعلّق عليها أوزار الفساد والاستبداد.
35. محاربة العمل الحزبي الوطني بأساليب فجّة مكشوفة من أبرز أمثلتها محاربة حزب التيار الوطني , والتضييق على أمينه العامّ , ومنعه من الترشّح للانتخابات .
36. تدمير الاقتصاد الوطني من زراعة وصناعة وثروة حيوانية بأساليب مكشوفة يشاهدها جميع الناس .
37. انهيار الإدارة في مؤسسات الدولة من اهمال موظفين , وعرقلة معاملات الناس وفرض المحسوبية والواسطة كجزء رئيسي لإنجاز أبسط المعاملات.
38. هدر الملايين في العطاءات الحكومية من أبنية وشوارع بأسلوب للسرقة مكشوف ويكون المسروق غالبا أكثر من 50% من قيمة تلك الأموال مثال نشرت فضائية الحقيقة الدولية على شريطها الإخباري بتاريخ 16/8/2011م الخبر التالي "بناء 3 مدارس في المزار الشمالي بكلفة 9 مليون دينار " ونقول لو فرضنا أن كلفة المتر 250 دينار فإنّ هذا المبلغ يبني أكثر من 750 غرفة صفية , كلّ غرفة صفية بمساحة 32م مربع ؟؟؟ وهل يوجد مدرسة تتكون من أكثر 250 غرفة صفية ... مثال آخر كلفة مدّ خط مياه الديسة 2 مليار دينار والمسافة 400كلم فتكون كلفة المتر الواحد خمسة آلاف دينار علما بأنّ المتر الواحد من المواسير نصف طن من الحديد = 250 دينار والحفر لا يتجاوز 100دينار ولنفرض أنّه كلّف ألف فهل يعقل أن تكون المضخات بقيمة مليار ونصف ؟؟
39. الإعلام الرسمي الذي يمارس الكذب والخداع جهارا نهارا غير محترم عقول الناس أو مشاعرهم , وتأتي الطامّة الكبرى بمحطة تدّعي الوطنية وتتبنى سياسة نشر ثقافة الكراهية , وتشجيع الفوضى , واستفزاز الناس .
40. التفنن في الضرائب التي حوّلت الشعب إلى طبقة واحدة مسحوقة , ويرافق ذلك ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي يحتكر استيرادها عمليا حيتان الفساد .
41. ارتفاع كلفة البناء ( البيوت ) بسبب احتكار الحديد وبيع الأسمنت وتصديره .
42. سرقة أموال مشاريع إسكان الفقراء ( سكن كريم ) .
43. شركات الأمن والحماية التي تسرق تعب المتقاعدين وجهدهم وتتقاضى من المؤسسات التي تستخدمهم ما بين 40- 50% مما تدفعه لهم تلك المؤسسات بدون مسّوغ إلاّ مسّوغ السلب المقنن والخاوة المتحضرّة , وقل مثل ذلك في تعهدات النقل والأشغال والبناء ..... إلخ .
44. الاستهانة بمطالب الشعب والإصرار على سياسة جعل الشعب في واد والقيادة في واد آخر : ظهر ذلك جليّا في تلك اللجان التي شكّلت لتعديل الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب واللجنة الاقتصادية ...... إلخ وذلك أنّ هذه اللجان مع تقديرنا لها لم تحمل الأمور على محمل الجدّ , وظهر ذلك في نتائج لجنة تعديل الدستور التي لم تكتفي بعدم تحقيق طموح الشعب وقواه السياسية ولكنّها جاءت بدستور متناقض كالذي نراه بين المادّة الأولى من الدستور " المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه ... إلخ "والبند المعدّل من المادة 33 والذي نصّه " معاهدات الصلح والتحالف والتجارة، والملاحة والمعاهدات الأخرى التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو نقص في حقوق سيادتها أو تحميل خزانتها شيئاً من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة .... إلخ " وككذلك ما جاء في المادّة المادة 98 " يعين قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين. و ( 2). "ينشأ بقانون مجلس قضائي يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية وله وحده حق تعيين القضاة النظاميين ويبين القانون صلاحياته في الشؤون الوظيفية المتعلقة بالقضاة.." فالبند الثاني يتناقض مع البند الأول ويتناقض مع المادّة 40 من الدستور والتي تنصّ على ما يلي : " يمارس الملك صلاحياته بارادة ملكية وتكون الإرادة الملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين , يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة " فكيف يكون للمجلس القضائي وحده حقّ التعيين والتعيين لا يكون إلاّ بإرادة ملكية سامية , والإرادة لا تكون إلاّ بتوقيع من مجلس الوزراء ......... إنّ مثل هذا التناقض له دلالة قاطعة على العقليات التي تسند إليها الأمور والتي تتناول القضايا الوطنية بمثل هذا الاستخفاف ..... إنّه داء الافتقار للجدية في بحث القضايا الوطنية الذي أصبح ظاهرة ملحوظة طيلة السنوات الماضية ولا يزال , وقد كان المأمول من الوسط السياسي أن يستيقظ من سباته ولكن كما يبدو أنّه لا يزال في نوم عميق إن لم يكن التناوم مقصودا نكاية بمرحلة هيمنة فريق الدجيتال على صنع القرار أو أسباب نجهلها نحن المراقبون عن بعد ولكنّها بالتأكيد ليست في مصلحة الوطن .
45. ثمّ جاءت القشّة التي قصمت ظهر البعير في قضية البلديات حيث قامت الحكومة يوم الثلاثاء 11/10/2011م باستحداث عشرات البلديات التي لا يوجد فيها أدنى المقومات في بعض المناطق من باب الترضية , وحشرت الجيزة التي تزيد مساحتها على ستمائة كلم مربع وفيها عشرات القرى , ولا يقلّ عدد سكانها عن ستين ألفا في بلدية واحدة , وحشرت لواء الموقّر الذي يزيد عدد سكانه على الستين ألفا من البشر في بلدية واحدة, وأستحدثت لقرية لا يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة بلدية وفصلتها عن بلدية أمّ الرصاص, في ترضية لبعض الأشخاص , وتجاهلت بالمقابل مطالب قرى يحقّ لها الفصل بنصّ قانون البلديات إذ يزيد عدد سكانها على خمسة آلاف فكان ما كان من يوم الأربعاء الأسود .
دولة الرئيس :
تطول القائمة وتطول ولا يخفى على دولتكم بأنّ هذه الأمور لا علاقة لها بالضغوط الدولية ولا استحقاقات الدور الإقليمي , ولا الأخطار التي تتهدد الوطن فنعترف بأننا عاجزون عن فهم ما يجري في هذا الوطن ولا ندري أهي السياسة العامّة للدولة تريد دفع الناس للسير في مواكب الاحتجاجات والمسيرات والإخلال بالأمن تماهيا مع مشروع التغيير الوافد أو فرارا من مستحقاته !! أم هناك عناصر خفية في بعض المؤسسات تريد دفع الناس لذلك لأجندة خاصّة !! أم أنّ بعض المسؤولين في غفلة عمّا يجري , ويجهلون عواقب مثل تلك التصرفات التي تدفع الناس دفعا لركوب الصعب .
إنّ هذه الأمور خلقت جيلا من الشباب أغلقت أمامه جميع السبل , فأصبح جيلا يائسا بائسا , ناقما على الجميع , كافرا بالجميع ؛ لأنّه يعيش واقعا مزريا من الفقر والبطالة , ويرى أنّه لا سبيل لبناء حياته , ولا وسيلة لتكوين نفسه , ولم تعدّ شعارات الوطنية , والأهازيج الحماسية , وفزّاعات ( المنعطفات الحادّة ) ( والاستهداف ) ( والوطن البديل ) تعني له شيئا ....... وينظر إلى أُلهيات الشباب مثل " كلنا الأردن " وشعارات "التنمية السياسية " وغيرها نظرة لامبالاة واحتقار ؛ لأنّه بحاجة إلى تعليم جامعي , وإلى عمل يعتاش منه , وإلى بناء بيت وزواج وتكوين أسرة , وكلّ هذه المطالب الملحّة عزيزة المنال على الغالبية العظمى ......... إنّه كمريض يتمنى الموت من شدّة الألم .
أؤكد إلى دولتكم أننا معشر البسطاء والأغلبية الصامتة لا تعنينا قصّة تشكيلة الحكومات من قريب ولا بعيد , ولا فرق عندنا بين وزير من حاضرة أو بادية إلاّ بما يقدمه للوطن من خدمات , إننا فقط نبحث عن العدالة , وصيانة الحقوق , وحفظ الوطن من الأخطار , ومستعدون للتضحية بكثير من الحقوق والمصالح في سبيل الوطن وأمنه واستقراره شريطة أن نشاهد أنّ الحكومات جادّة في الإصلاح , محسنة لإدارة الموارد , فالناس لا يلومون الحكومة على ضعف الإمكانيات ولكنّ اللوم كلّ اللوم هو في عدم إحسان إدارة هذه الإمكانيات , والسخط كلّ السخط على السياسات المتعمدّة المكشوفة لتدمير الاقتصاد الوطني , ولا يذهبن بدولتكم الوهم إلى أنّ هذا القول هو رأي شخصي , فهذا الذي أقوله هو حديث الناس في مجالسهم وغرف نومهم ...... الناس يعتقدون اعتقادا جازما مصدره المشاهدة البصرية أنّ أزمتنا الاقتصادية هي نتيجة سياسات خاطئة , وإهمال متعمد وفساد مكشوف , وإدارة في غالبية المؤسسات لا يوجد عندها حسّ بالمسؤولية , وهذه الإدارة ساهمت ولا تزال تساهم في إخفاق الحكومات المتعاقبة ؛ لأنّ الوزير مهما بلغ من الكفاءة والإخلاص فإنّه لن يستطيع أن يفعل شيئا ما لم يكن لديه كادر صادق مخلص يتصف بصفتين اثنتين : الرغبة بالعطاء والقدرة على العطاء = القوي الأمين, ولا بدّ من حملة توعية لكبار الموظفين ليترفعوا عن سياسة إفشال بعضهم بعضا , وإفهامهم بأنّ السقف إن سقط _ لا سمح الله - فإنّه سيسحق الجميع , وأنّ أمثالهم هم الخاسرون فعلا , أمّا نحن عامّة الناس البسطاء فليس لدينا ما نخسره .
أؤكد لدولتكم أنّ ما أسهبت في شرحه هو حديث العامّة في مجالسها وغرف نومها وإن كان كبار السنّ يتحاشون من التصريح به أمام المسؤولين رغبة أو رهبة , وإنّ عدم التطرّق لهذه الأوجاع أمام أصحاب القرار وعدم جديّة أصحاب القرار في تصويب الأوضاع قد أوصل الشباب إلى الحال التي وصفت .
"أزمة الثقة بالدولة ومؤسساتها ومنظومتها التشريعية "
( أ )فقدان الثقة بالمنظومة التشريعية "
دولة الرئيس : دولتكم رجل قانوني ضليع , ولا يخفى على دولتكم أهمية المنظومة التشريعية في بناء المجتمعات الإنسانية , وإنني هنا مع اتفاقي مع ما يطرحه معالي الدكتور محمد الحموري , ودولة أحمد عبيدات وغيرهم من دعاة الإصلاح من ضرورة إصلاح المنظومة التشريعية ( الدستور , القوانين , الأنظمة ) التي تمثّل العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم إلاّ أنّ ضرورة المصارحة والمكاشفة تقتضي تنوير دولتكم بأنّ الشعب لا يثق بهذه المنظومة , ولا يعوّل عليها ولا يكترث لها على الرغم مما يسمع منه من شعارات تطرح للاستهلاك والمزايدات والهتافات تقدّس الدستور , وتحييه , وذلك أنّ مشكلة ما يسمّى بالأغلبية الصامتة وهي في الحقيقة الأغلبية الهامسة التي تهمس فيما تريد في بالمجالس والدكان والباص وإن ظهرت في وسائل الإعلام قالت [ ما يراد أن تقوله لا ما تريد أن تقوله] _ إنّ مشكلتها تكمن في أنّها تنظر للمنظومة التشريعية نظرة غير جدّية , ولا تكترث كثيرا لطروحات إصلاحها , وذلك يعود للعوامل التالية :
1. أنّ النظرة المتوارثة لقوانين السلطة تقوم على أساس أنّها مما يفرضه القوي على الضعيف : وهذه النظرة سببها قرون الظلم والتهميش التي عاشها العرب في ظلّ أحكام الدول التي خضعوا لها عبر التاريخ , وظلّوا في إزدواجية بين الحكم الذاتي والمركزي , فقد كانت الغالبية العظمى من العرب تدير شؤونها الداخلية وفق قوانين متوارثة غير مكتوبة ( الأعراف , والعادات , والتقاليد ) , وتخضع إلى قوانين دول كانت تمارس البطش والسلب والنهب , واستمرت الحال إلى قيام الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي وأنجاله الكرام , والتي قامت من أجل طرد الترك , وتأسيس دولة عربية حديثة فشارك أهل الأردن فيها مشاركة فعّالة , وساهموا مساهمة قويّة في تأسيس , وبناء الدولة الأردنية الحديثة , وربما شعروا لأول مرّة أنّهم يتفيأون ظلال دولة قامت على عقد اجتماعي بالرضا بين جميع الأطراف , ولم تقم بالقوّة والقهر , ولأول مرّة ربما في التاريخ يشعر فيها الأردني أنّه يعيش في ظلّ دولة يلجأ إليها إذا رهب , ويستغيثها إذا نكب , ويحسب حسابها إذا غضب .... إلاّ أنّ عقودا من الاستبداد لأسباب مبررة وغير مبررة قد غيّبت [ العقد الاجتماعي ] الذي قامت على أساسه الدولة الحديثة فلم تتغيّر النظرة إلى منظومتها التشريعية لأنّ الشعب باختصار لم يساهم في صياغتها وإنّما صيغت وفرضت عليه بدون قناعة فيها أو شعور بالحاجة إليها .
2. تناقض المنظومة التشريعية مع العقلية العربية : العربي مجبول على الحرية، وهو لا يطيق الخضوع لأحد غير قبيلته, على ألا يؤثر ذلك في حريته الشخصية. .... وهو في سبيل ذلك حرم من الاستقرار في الماضي حرصا على حريته , ورفضا للخضوع لقوانين غير مقتنع بها فالعربي لا يخضع لقانون ولا يحترمه إلاّ إذا كان نابعا من وجدانه موافقا لأفكاره , متفقا مع مفاهيمه عن الحقّ والعدل والخير , ونظرا لأنّه لم يعرف القانون المكتوب طيلة تلك القرون فإنّه كان يخضع لقانون ينقل شفاها يتمثّل في منظومته الأخلاقية والعرفية , وقد كان يحترم تلك الأعراف حدّ التقديس , وعندما قامت الدولة الأردنية الحديثة قسمت المجتمع إلى قسمين : قسم يتحاكم إلى أعرافه المتوارثه وفق قانون الإشراف على البدو , وقسم يخضع للقوانين الحديثة , ولم تكن هذه جوهر المشكلة , فجوهر المشكلة أنّ القوانين الحديثة , وإجراءات التقاضي كانت مخالفة مخالفة كبيرة للعقلية العربية والوجدان العربي إذ صاغها رجال مبهورون بالقوانين الغربية ولم يراعوا الخصوصية لهذا الشعب ذي الإرث الحضاري الحافل فانظر إن شئت لقانون العقوبات الأردني وتناقضه مع العقلية العربية يظهر ذلك في المواد التي تتعلق بجنايات القتل والإيذاء والعرض والكرامة وما شاكل ذلك، والناس لا يحترمون القانون إلا إذا اقتنعوا فيه ورأوا فيه حارسا للقيم والمثل التي يؤمنون بها، ويضحون من أجلها ...لقد عجزت الدولة عن وضع قوانين تتفق مع عقلية المجتمع وقيمه ومثله خضوعا لسياسة التغريب , وعجزت عن تغيير عقلية المجتمع لتتفق مع القانون الذي يمثّل أفكار ومفاهيم مستوردة , فأصبحت كالغراب في تقليد مشي الحمامة .
3. إخفاق المنظومة التشريعية في حلّ مشكلات المجتمع : معلوم أنّ أي تشريع في الدنيا يقوم على أساس معالجة مشكلات المجتمع فإن فشل في ذلك وجب تغييره أو تعديله , والواقع الملموس أنّ المنظومة التشريعية قد فشلت فشلا ذريعا جعلت المواطنين لا يترحمون على أيام القضاء العشائري فحسب الذي ألغي عام 1976م , وإنما أصبح القضاء والعرف العشائري ملجأ الناس في الحواضر قبل البوادي فرارا من إجراءات محاكم لا يجوز للمواطن أن ينتقدها وهي التي تعطّل أبسط القضايا عدّة سنوات , هذا في جانب الأمور الحقوقية , أمّا في المجالات الأخرى فإنني أتفق مع ما قاله السيّد سفيان عبيدات في مقالته التي عنوانها ((الأردن – الفساد: الخلل في النظام )) حيث يقول : "تقوم في الأردن شبكة من التشريعات التي تحصن الفساد. وهي منظومة مترابطة ومعقدة، تفسد رقابة القضاء، وتفسد القواعد الدستورية والقانونية الكلية التي تضمن سيادة القانون، بحيث تبقى الرقابة وأدواتها بيد السلطة التنفيذية، تحركها متى وضد من تشاء وفي القضايا التي تشاء. وقد تم إرساء ذلك بواسطة التعديلات الدستورية والقوانين التي تراكمت مع الزمن ". ......... فأمر مؤسف ومؤلم عندما تتحول القوانين إلى عقبات في طريق الصلاح والإصلاح , وخدمة المجتمع , ونهضته , وانصافه ويتضاعف الأسف والأسى عندما تتعارض مع أبسط حقوق الناس وتحول دون انصافهم أو نفعهم .
4. والأسوأ من هذا أنّ القائمين على هذه المنظومة التشريعية لا يحترمونها , ولا يرون غضاضة في مخالفتها , والاحتيال عليها ,وإن كنت في شكّ من ذلك فعد إلى الميثاق الوطني الذي أقرّ عام 1990م برعاية رسمية , واحتفال شعبي مهيب , وتغطية إعلامية وبهرجة , ودقق في معنى " ميثاق " في الوجدان العربي وهي رديفة لكلمة " العهد " المقدّسة , ثمّ قارن ما جاء فيه مع ما جرى طيلة العقود الثلاثة الماضية ....... إنّني أتوقع أنّ الغالبية العظمى من المتعلمين والمثقفين في مجتمعنا لم يقرأوا الدستور مجرد قراءة عابرة , وأخشى ما أخشاه أنّ الكبراء ممن يقسمون على المحافظة عليه كذلك ..... إنّ السلوك الرسمي تجاه المنظومة التشريعية يجعل الإنسان يعتقد بأنّها ما وضعت للتطبيق والتفعيل , ولكنّها وضعت لإقناع العالم المتقدّم بأننا دولة قانون ودستور ....
5. الاعتداء على الدستور ومسخه وتفريغه من مضمونه قصة مأسوية بامتياز تغني شهرتها عن تفاصيلها .
6. لقد بقي القانون حكرا على القضاة والمحامين فلم يعرف الشعب الثقافة القانونية , ولا مقاصدها , ولا مسوغاتها , ولا حدودها والنتيجة أنّه يجهل ماله من حقوق وما عليه من واجبات بموجب تلك المنظومة .
7. لقد كان المأمول بعد عودة الحياة النيابية عام 1989م أن تغلب الصفة التشريعية على المجالس النيابية , وأن ينظر للنائب بهذه الصفة فيتولد عن ذلك ثقافة قانونية , واهتمام بالمنظومة التشريعية , إلاّ أنّ المجالس النيابية قد حُرفت عن واجباتها الدستورية , وأشغلت بأمور الخدمات التي على أساسها يقيّم أداء النائب , ومعلوم أنّ الخدمات قائمة على الواسطة التي هي والقانون غالبا ما يكونان على طرفي نقيض .
( ب )" انعدام الثقة بجميع مؤسسات الدولة "
ولو اقتصر الأمر على أزمة الثقة بالمنظومة التشريعية لهان على خطورته , ولكن كيف إذا علمنا بأنّ سياسة الحكومات المتعاقبة طيلة العقود الثلاثة الماضية قد هزّت الثقة بالدولة بشكل عام بدءا من حكوماتها , ومؤسساتها الرسمية , وانتهاء بالمعارضة والأحزاب السياسية , وفقدان هذه الثقة جاء نتيجة طبيعية لذلك الانقلاب الأبيض على "العقد الاجتماعي " طيلة تلك العقود , والذي تمثّل بمخطط تفكيك الدولة والوطن والذي وضحه الكاتب موفق محادين حيث قال " تحويل الأردن من دولة إلى سلطة، وقطع تطور المجتمع نحو المواطنة والعودة به إلى عناصره البدائية كسكان، وتراجع اهمية الجيش المرادف للدولة لصالح الأمن المرادف للسلطة، وتحويل الارض من قيمة لمواطنين منتجين إلى استثمارات عقارية، فكانت النتيجة انه مقابل ثلاثية الدولة ـ الجيش ـ المواطنون، الارض، حلت ثلاثية أخرى ذات صلة باستحقاقات المعاهدة "اسرائيلياً" هي ثلاثية السلطة ـ الامن ـ السكان. وبالأحرى ثلاثية البزنس، مكافحة الارهاب والبورصات العقارية " إنتهى . ولست أنا وحدي من يتفق مع هذا الطرح , فالغالبية العظمى من الشعب تدرك هذا التحوّل الخطير وإن كانت تجهل كنهه , وتعجز عن التعبير عنه.
إنّ النهج السياسي الذي ساد طيلة العقود الثلاثة الماضية هو في الواقع انقلاب أبيض على العقد الاجتماعي , وقد تمّ بأساليب متعددة منها :
1. تعطيل المادة الأولى من الدستور وتعطيل الحياة النيابية طيلة 22 عاما ثمّ العودة غير الحميدة لها , ومسخها بقانون الصوت الواحد , والتزوير , وتتفيه مجلس النواب .
2. بيع مقدرات الوطن والانسحاب من رعاية الاقتصاد وإدارته خلافا لما نصّ عليه الميثاق الوطني حيث جاء فيه " قيام النظام الاقتصادي للدولة الاردنية على اساس احترام الملكية الخاصة وتشجيع المبادرة الفردية ، وتأكيد ملكية الدولة للموارد والثروات الطبيعية والمشاريع الاستراتيجية ، وحقها في ادارة تلك الموارد والثروات والمشاريع او الاشراف عليها حسبما تقتضيه المصلحة العامة ، وتنظيم الاقتصاد وتخصيص الموارد وفقا للاولويات الوطنية " .وقد جيشت وسائل الإعلام التي مارست أسوأ أنواع الخداع في تروجيها لسياسة الخصخصة , والشريك الاستراتيجي , وأرقام النمو الكاذبة
3. تهميش مجلس النواب , وجعله افراز لقانون الصوت الواحد المثير للجدل, وتهديده بالحلّ , وهزّ الثقة فيه , وصرفه عن مهمته الدستورية المتمثلة بالتشريع والرقابة , وتحويله إلى وكيل خدمات للناخبين مما جرّأ الحكومات المتلاحقة على التنافس في الحصول على أرقام قياسية في جلسات الثقة وهي الحكومات التي كانت تمارس تفكيك الدولة جهارا نهارا , فحمّلت أوزارها وخطاياها إلى المجالس النيابية , وكما يبدو أنّ هذه سياسة قديمة إذ يقول مؤرخ الأردن سليمان الموسى في كتابه " أعلام من الأردن " صفحة 32 في حديثه عن الشهيد هزاع المجالي ما نصّه : " وفي غمرة الاستياء الذي كان يشعر به ( يعني هزاع ) تبادر إلى ذهنه أن مجالس النواب العربية ليست سوى تقليد للغرب وعمل استعراضي , وأن التمثيل فيها اقتصر على طبقة معينة هي طبقة الوجهاء والأغنياء والمتصدرين , وهي طبقة لا تمثل الشعب تمثيلا حقيقيا , وتبادر إلى ذهنه أيضا أن المجالس النيابية في بلاد العرب كثيرا ما كانت ستارا لتغطية مخازي الحكومات " إنتهى
4. توقيع اتفاقية وادي عربة التي يزعم الكثيرون أنّها تحتوي على بنود سرّية تهدد سيادة الدولة ووحدتها وثرواتها , والتي لم تستطع إغلاق ملف القضية الفلسطينية التي لا يزال حلّها على حساب الأردن قائما , والتي لم يجن منها الشعب إلاّ مزيدا من الفقر والبطالة وانتشار آفة المخدرات بشكل مرعب وخطير .
5. فرض رقما فلكيا من القوانين المؤقتة المسلوقة ذات اللغة السقيمة التي جاءت لتنفيذ ذلك الانقلاب , والتي حولت الدولة من دور الرعاية الأبوي إلى مجرد خادم لرأس المال وأصحاب الشركات .
6. رفض الاستماع للأصوات الوطنية التي تعالت تلك الفترة محذّرة من مغبة هذا النهج الانقلابي الفظيع .
7. تهميش الوسط السياسي القديم لصالح الكمبرادورية الطفيلية من وكلاء الشركات الاجنبية، والسماسرة الذين لا يعرفون الأردن ولا يعرفهم .
8. تدمير الاقتصاد الوطني وبيع مقدراته تحت حجّة ضغوط صندوق النقد الدولي .
9. التسيب الأمني والضعف الفاضح في أداء المؤسسات القضائية والمؤسسات التربوية والعلمية , وعرقلة العمل الحزبي مما أدّى إلى عودة غير حميدة للحال عمّا كان قبل الدولة تمثّل في بعث القبلية من قبل جهلة لا يعرفون أصولها وأعرافها فبعثت قبلية متوحشة مجردة من أعرافها ومنظومتها القانونية الرائعة وأخلاقها العالية، إذ ظن هؤلاء الجهلة أن القبلية تعني الظلم والقسوة وسفك الدم وعدم الخضوع للحق وجهلوا أنها كيان اجتماعي إنساني تخضع لأنظمة وأعراف ومفاهيم لا يملك العاقل الذي يطلع عليها ويدرك أسرارها وحكمها إلا أن ينحني لها إجلالا ..... إن إعادة انتاج الهويات القاتلة من قبلية وفئوية وجهوية هو نتاج سياسة مدروسة لتفكيك الوطن ليتحوّل أهله إلى مجرد سكان لا مواطنين كما جاء في مقال محادين المذكور آنفا .
10. انقلاب على موروث الشعب الفكري بجميع المستويات .
11. تغييب البعد القومي الذي قامت على أساسه الدولة , فالدولة الأردنية قامت لتكون قاعدة لتوحيد بلاد الشام والهلال الخصيب كجزء من مشروع الثورة العربية الكبرى التي قامت على أساس توحيد آسيا العربية في دولة واحدة........ ونصّ ميثاقها الوطني على أنّ ((الشعب الاردني جزء من الامة العربية، والوحدة العربية هى الخيار الوحيد الذي يحقق الامن الوطني والقومي للشعب العربي في جميع اقطاره ويحمي الاستقرار الاقتصادي والنفسي لامتنا ويضمن لها اسباب البقاء والنهوض والاستمرار)) ونصّ دستورها في مادّته الأولى على أنّ " المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه , والشعب الأردني جزء من الأمة العربية " .
12. غياب صوت المعارضة عمّا كان يجري , وانشغال تلك المعارضة بتنظيرات فكرية لا تسمن ولا تغني من جوع , وإن ظهرت أصوات خافتة , وحراك ضعيف , وطروحات خجولة منها ما كان يطرحه معالي المهندس عبد الهادي المجالي بضرورة العودة للعمق العربي , وطروحات دولة السيّد أحمد عبيدات , ولعلّ أكثرها وضوحا تمثّل في طروحات لجنة المبادرة الوطنية , ولجنة المتقاعدين العسكريين , وصرخات المهندس ليث شبيلات ومع تقديرنا لتلك الطروحات فإنّها كانت مبادرات فردية لم تظهر بالشكل الذي يجعلها تكتسب ثقة الشعب .
" موقف الشعب الحقيقي من الإصلاح "
إنّ الشعب الأردني وقبيلة بني صخر بصفتها جزء لا يتجزأ منه– يطمح لأن يرى الأردن قويّا عزيزا واحة للديمقراطية والحرية المسؤولة وسيادة القانون ؛ لأنّه باختصار شعب قيادي , متحضر , واع , مثقف , طموح , يريد أن يكون قدوة للعرب في الصلاح والإصلاح لأنّه هو الحامل للمشروع النهضوي الوحدوي الهاشمي , وهو الذي يشعر بمسؤوليته تجاه أمته جمعاء , وذاك طبع ورثه من الآباء والأجداد رغم أنف الصغار وأهل الصغَار .
وإنّ الشعب الأردني ومنه قبيلة بني صخر _ ليدرك عيانا بأنّ الطحالب المتسلقة والطفيليات الضارّة التي تسللت في غفلة من الدهر , وبدعم من قوى الاستكبار العالمي إلى المواقع المتقدّمة في أجهزة الدولة قد فرضت نهجا جديدا يقوم على تفكيك الدولة , ونهب ثروات الوطن وإفساد الذمم والأخلاق حتى أصبح الفساد ثقافة وطريقة عيش , وحتى أوصلوا الوطن إلى شفير الهاوية كمريض على أجهزة الإنعاش تضعف أجهزته ببطء ثمّ تموت تباعا .
إنّني أقرر هنا بحكم ما أعرفه وأسمعه بعيدا عن المزايدات والكذب والخداع بأنّ الشعب الأردني الصادق الطيب الوفي العروبي يريد وطنا يفرض حبّه وتقديسه على مواطنيه , وذلك بأن يكون حرّا عزيزا قويا منيعا , قلعة للعروبة والإسلام , حاملا مشروعهما الوحدوي النهضوي المتمثّل في مبادئ الثورة العربية الكبرى التي قادها أشراف بني هاشم العظام , والتي قامت على أساسها الدولة الأردنية الحديثة .... يريد وطنا يكون مهوى أفئدة العرب والمسلمين وقبلتهم فلا يدخله إلاّ الطاهرون من طالبي العلم , والأمن , والكرامة , والنصرة , والعلاج , وأصحاب الاستثمار الحقيقي ؛ لاعتقاده بأنّه وطن طاهر تقوده قيادة طاهرة مطهّرة فلا ينبغي أن يدخله إلاّ الطاهرون ... وإنّهم لينظر بسخط وحنق إلى قوى الفساد والإفساد وأبواقها من أذناب , وإعلام مأجور وهي تنظّر لتكريس الفساد بحجج برّاقة كبيت العنكبوت الذي لا يصطاد إلاّ الذباب وشبه الذباب , وتسعى مواصلة الليل والنهار لتحويل هذا الوطن الطاهر الشريف إلى مكبّ لنفايات البشرية ورذائلها , وكأنّها موكولة بتوجيه صفعة لما يمثّله هذا الوطن من مشروع نهضوي , وقيادة شريفة وشعب طليعي وحدوي لإظهاره أمام الآخرين طفيليا يعيش على مساعدات الآخرين وفتات موائدهم , ومركزا لغسيل أموالهم , ومنتجعا لقضاء شهواتهم , وبندقية للإيجار للدفاع عن ترفهم وفسادهم .
وأؤكد بأنّ الشكوى من سوء الأوضاع عامّة شاملة تشمل جميع طبقات المجتمع وشرائحه وإن حاول المأجورون من المتآمرين على الدولة والشعب التغطية عليها بما يقومون به من جعجعة وطعطعة وضجيج وعجيج طمعا في ثمن بخس تدفعه قوى الفساد والإفساد التي تستأجرهم بثمن بخس ليمارسوا مهمتهم الأزلية في خداع الحاكم وتضليله عن هموم الشعب وآلامه وآماله , لا بل أصبحت تلك الفئات المنافقة المخادعة التي ساهمت في تضليلها وخداعها لولاة الأمور إلى وصول الوطن هذه إلى الحال المزرية _ تندفع لممارسة هذا الدور التآمري الخبيث بدون أن يطلب منها بمجرد أن تسمع صوت احتجاج شعبي أو أنين فئة من فئاته أو طلائعه مبرهنة على صحّة تجارب بافلوف إذ يتحلب لعاب طمعها كلّما سمعت صوت جرس الشكوى والاحتجاج من سوء الأحوال .
لقد بقيت قوى الفساد والاستبداد والإفساد طيلة العقود الماضية تشكّل حجابا كثيفا بين القيادة والقاعدة تمنع وصول صوت الشعب الشاكي الباكي إلى القيادة حتى وصلت الحال إلى يأس قاتل لا يجهل خطورته على البنيان المجتمعي والسلم الأهلي إلاّ الأموات ؛ لأنّ الأحياء ممن سلبت نعمة العقل تدرك بغرائزها بوادر الخطر فتحتاط له .
لقد ارتفعت أصوات طلائع الشعب المحجوب طيلة تلك العقود العجاف وخرجت إلى الشوارع لتقول لقائد الوطن المفدّى ما قاله شاعر الأردن الكبير معالي الأستاذ حيدر محمود حيث قال :
((فلا تَلُمْ شعبك المقهورَ، إنْ وقعتْ عيناكَ فيه، على مليون( غضبان) !
قد حُكّموا فيه أَفّاقينَ.. ما وقفوا يوماً بإربدَ أو طافوا بشيحانِ
ولا بوادي الشّتا ناموا ولا شربوا من ماءِ راحوبَ.. أو هاموا بحسبان!
فأمعنوا فيه تشليحاً.. وبهدلةً ولم يقلْ أَحدٌ كاني.. ولا ماني!
لا يخجلونَ.. وقد باعوا شواربَنا.. من أن يبيعوا اللحى، في أيّ دكّانِ!!
فليس يردعُهُمْ شيءٌ، وليس لهمْ هَمُّ.. سوى جمعِ أموالٍ، وأعوانِ!
ومنهم من تمثّل بقول المجاهد الليبي إبراهيم الأسطى حيث يقول :
مقالة ملؤها الإخلاص أرفعها لقائد الشعب قلب الشعب ممليها
آن الأوان فما التأجيل يمنعنا لنعلن الحق إقرارا وتنبيها
فالق العصا إنها للسحر مبطلة مثل الكليم إذا ما خاف يلقيها
يا أيها الليث قم خلص عرينك من سطو الذئاب ولا ترهب عواديها
وإن شعبك للتوجيه منتظر فاصدر إرادتك العليا يلبيها
فليس في قلبه للصبر متسع من بعد أربعة سود لياليها
ذاق الأمرين من ذل ومسغبة ومن مظالم ما ينفك يرويها
عادوا به القهقرى في كل ناحية ليثبتوا أنه شاة لراعيها
وأمام هذا الحراك الشعبي الذي بدأ يخرج للعلن بعد عقود من الهمس والتهامس والذي بدأت تقوده طلائع المجتمع من المثقفين الوطنيين المقهورين تحركت قوى الفساد والإفساد مشكلّة ما يسمى بقوى "الشدّ العكسي " , وأجلبت على دعاة الإصلاح بخيلها ,ورجلها , وأبواقها , وصنائعها , وأمعنت فيهم تشكيكا وتخوينا وتخويفا , وانطلقت الأبواق , والأقلام المأجورة , والألسنة المعسولة مستخدمة كلّ ما لديها من فنون الزيف والخداع لإجهاض الإصلاح , وحرفه عن مساره الصحيح, وتساقطت أقنعة أصحاب الأقلام المأجورة الذين أشبعونا في الماضي تشاكيا وتباكيا وصراخا وتحذيرا وتنظيرا , فيا لله كم سفكوا من الحبر في الحديث عن الفساد والفاسدين والسماسرة , ونهب الأموال , وبيع مقدرات الوطن , وتفكيك الدولة , وضياع الشعب , وعندما انتفضت طلائع الشعب مطالبة بإصلاح حقيقي وإذا بهم يقلبون له ظهر المجنّ تسويفا وتشكيكا وتحذيرا .
إنّ هؤلاء هم جند قوى الفساد وأبواقهم , وألسنتهم فهم الخادعون المخادعون , الماكرون المتآمرون , الذين يشمخون بأنوفهم على أبناء جلدتهم مدّعين العلم والثقافة ولا يأنفون من تمريغها تحت أقدام أغبياء الفاسدين وجهلتهم الذين لا يعرفون من الحياة إلاّ سرقة المال وتثميره _ لالتقاط فتات موائدهم المترعة مما نهبوه من خيرات الوطن ودماء الشعب .... فتبا لهم ولعلمهم وثقافتهم ولأقلامهم التي وظّفوها لخدمة الخنازير البشرية الغبية الجشعة التي لم تفلح إلاّ في الفساد والسفاد ونهب خيرات البلاد وإذلال العباد .
لقد رأينا من سلوك هؤلاء الرويبضات المخادعة , والثعالب الماكرة عجبا فأيقنا أنّ هؤلاء ممن جاء وصفهم في أخبار النبوّة حيث قال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : "يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ , أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ , وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ يَقُولُ الله أَبِي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانَ " وربما هم من قال رسول الله بوصفهم " يأتي على الناس زمان أكثرهم وجوههم وجوه الآدميين , وقلوبهم قلوب الذئاب الضواري سفاكون للدماء لا يرعون عن قبيح فعلوه فإن بايعتهم ضاروك وإن حدثتهم كذبوك , وإن ائتمنتهم خانوك ,وإن تواريت منهم اغتابوك , صبيهم عارم , وشابهم شاطر , وشيخهم فاجر , لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر , الاعتزاز بهم ذل , والاختلاط بهم فقر الحليم فيهم غاو , والغاوي فيهم حليم , السنة فيهم بدعة , والبدعة فيهم سنة والآمر بينهم بالمعروف متهم , والفاسق فيهم مشرّف ......... " .
دولة السيّد الرئيس :
وأمام هذا الواقع الذي أفضت بوصفه فإنّ أنظار أهل الأردن تتجه إلى دولتكم وأمثالكم من الشخصيات الوطنية المخلصة المنتمية منتظرين وقفة مشرّفة تنقذ الوطن ؛ لذلك فإنني أضع بين يدي دولتكم خطوطا عريضة لمشروع للإصلاح الوطني الشامل لعلّها تكون عونا لكم في هذه المهمّة الجسيمة حيث ترمقكم أنظار شعب يكنّ لكم الكثير من الحبّ والاحترام .
إنّ جوهر المشكلة هي أزمة الثقة بينكم معشر رجال الدولة ووسطها السياسي وبين الشعب فلا أنتم بمصدّقي الشعب ولا الشعب بمصدقكم , وإنّ خطّة الانقاذ يجب أن تبدأ بحلّ أزمة الثقة هذه , وهي بحاجة إلى مبادرات منكم أنتم تؤدي إلى مصالحة وطنية تعيد ثقة الشعب بالدولة ورجالها لئلا يصبح الوطن فريسة سهلة لما يخطط له العدو ؛ لذلك فإنني أنصح بالتداعي لمؤتمر وطني عام يحضره كلّ من يهمّه الأمر من أهل العقد والحلّ من رسميين , وحزبيين , ومستقلين , تطرح فيه جميع الرؤوى , والمشاريع , والمقترحات وتناقش جميع السلبيات , وتوضع جميع النقاط على الحروف , ولا تترك لا شاردة ولا واردة , مع ضرورة أن يدرك الجميع بأنّ الانقاذ لن يكون بعقليات أكاديمية تعيش تعيش في صومعة البحث الأكاديمي البحت ولا بعقليات حقوقية قانونية تختزل مسيرة المجتمعات الإنسانية بنصوص قانونية جامدة , وإنما الانقاذ يكون بعقليات سياسية تحمل فكرا إنسانيا أي لديها مواصفات ما يطلق عليه[ رجل الدولة ] وهو كل إنسان يتمتع بعقلية الحكم، و يستطيع إدارة شؤون الدولة , ومعالجة المشاكل، والتحكم في العلاقات الخاصة والعامة.... لا يتجاهل الواقع ولكنه لا يخضع له، بل يحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الأفضل.... رجل الدولة هو الإنسان القادر على أن يشيع في الناس قيما رفيعة تستحق التفاني والتضحية من أجلها , وتأتي قدرته تلك من إيمانه بما يدعو إليه , رجل الدولة هو الذي يشعر بإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين شعور الوالد الحازم الشفيق تجاه أبناءه , رجل الدولة هو الذي يبحث عن العقبات والعوائق ليحلّها حلاّ جذريا , ويجتثها من طريق السائرين , بخلاف عقلية الموظف الإداري الذي يتفادى الاصطدام بالعقبات ولا يفكّر بإزالتها , ومما يجب التنبيه له أنّ اطلاق كلمة رجل الدولة هو من باب التغليب وإلاّ فإنّ هذا الصنف موجود في مجتمع الرجال ومجتمع النساء .
إنّ الذين يملكون مواصفات رجل الدولة التي أشرنا لبعضها هم من تنعقد عليهم الآمال في تقديم خطّة الإنقاذ , ومشروع الإصلاح الذي يؤمل منه أن يتمخض عن مشروع إصلاحي شامل ينقذ الوطن من أخطار قوى الفساد وقوى الاستعمار .
"مسوّدة مشروع إصلاحي "
يعلم دولتكم أنّ الدولة الديمقراطية لن تقوم إلاّ على الركائز التالية :
1. قضاء مستقل له صلاحية النظر في جميع القضايا , ويخضع لسلطته الجميع من حاكم ومحكوم , ويسند إلى رجال أكفياء أمناء شرفاء خاضعين للمراقبة والمساءلة .
2. مجلس نواب يمثّل الشعب وينطبق عليه مقولة " البرلمان سيّد نفسه " ولا يجوز لأيّ كان أن يتدخل في شؤونه من حيث الحلّ والانعقاد ولا مرجعية له إلاّ الشعب الذي اختاره ليمثّله.
3. حكومة تحمل برنامج عملي قابل للتطبيق يحظى بثقة مجلس النواب , وتكون الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب , وخاضعة لسلطة القضاء ولا تقال بعد حصولها على ثقة المجلس إلاّ في إحدى حالتين : انتهاء دورة المجلس القانونية أو إسقاطها من قبل مجلس النواب بإعادة طرح الثقة فيها.
4. إعلام حرّ ومسؤول يعيد للقلم احترامه , وللكلمة قدسيتها .
5. أحزاب سياسية فاعلة تقوم على برامج عملية واقعية تتخذ الوصول إلى مجلس النواب وسيلة لتشكيل الحكومة لتطبيق هذه البرامج , ويتمّ ذلك استقلالا أو ائتلافا حسب تشكيلة المجلس النيابي
الوسائل لتحقيق هذه الأهداف :
1. إعادة إحياء المشروع النهضوي الوحدوي الهاشمي الذي قامت على أساسه الثورة العربية الكبرى القائمة على موروث الأمّة الحضاري وإرث مدرسة آل بيت النبوة الكرام , واعتبار القيادة الهاشمية ركن أساسي في هذا المشروع منه تستمد الشرعية , وبها يكتمل هذا المشروع , ولن يزدهر هذا المشروع وتعود إليه الحياة إلاّ بالعودة للعقد الاجتماعي بين الشعب والقيادة الذي نقضته الطحالب المتسلقة وسماسرة القوى الكبرى طيلة العقود الماضية ممارسة على الشعب والقيادة أبشع أساليب الإغراء والإغواء والاستقواء , وآن الأوان لأحفاد البرامكة وابن العلقمي وأفراخ الدونمة أن يخلوا الساحة لهذا الشعب العربي العريق وقيادته الشرعية التي لا ترضى له إلاّ حياة العزّة والكرامة ولا يرضى بها بدلا لو كان من جنس الملائكة المطهرين .
2. رفض مقولات قوى الشدّ العكسي من الفاسدين والمفسدين وأبواقهم الذين يطالبون بتأجيل الإصلاح بحجج واهية يريدون منها دفع الشعب للانفجار , وإفهام هذه القوى ومن يقف ورائها من قوى الاستكبار العالمي بأنّ الشعب الأردني لن يرضى بأقل من الحياة التي يتفاخر " نتنياهو " بأنّ شعبه يتمتع بها خلافا لمن يحيطون به من الشعوب العربية التي تعيش مستعبدة , مسلوبة الإرادة ؛ لأنّ شعبا تتجاوز نسبة الجامعيين فيه ال10% من البالغين , ولا تصل نسبة الأمية فيه إلى 10% , وأصبح الكتاب , والنت في 90% من بيوته , وتقوده قيادة هاشمية تحمل إرثا سياسيا يمتدّ إلى أعماق التاريخ السحيق _ لا يجوز أن يصنّف بأنّه لم يبلغ سنّ الرشد , وأنّه لا يزال بحاجة إلى وصاية وانتداب.
3. إلغاء أيّ نصّ دستوري أو قانوني أو إجراء رسمي يتعارض مع الركائز المشار إليها أو يعرقلها .
4. إلغاء جميع التشريعات التي شرّعت لتفكيك الدولة وإلغاء دورها في رعاية الشعب , وأدت إلى تدمير الاقتصاد الوطني .
5. وضع تشريعات صارمة لصيانة الحقوق والمال العام , وتشكيل أجهزة رقابة فاعلة تخضع بدورها لمساءلة مجلس النواب , ومؤسسة المظالم , والصحافة. ويجب أن تكون جميع التشريعات واضحة في مدلولها سواء كانت دستورية أو قانونية أو أنظمة وتعليمات تفاديا لسياسة تفسير التشريعات المتبعة والتي ثبت عوارها وتناقضها كما حصل في دستورية نقابة المعلمين على سبيل المثال لا الحصر ، لأننا نرى أن سياسة التفسير طريقة يلجأ لها الفاسدون عندما يرون أن هذا التشريع يتعارض مع رغباتهم.
6. إنشاء محكمة مظالم مستقلة لها صلاحية النظر في محاسبة السلطات الأربعة ( القضائية , والتشريعية , والتنفيذية , والإعلام ) وتلحق بها هيئة مكافحة فساد ذات كادر قادر على ملاحقة الفساد وتحويل الفاسدين للمحاكم المختصّة .
7. تقليص دور بعض المؤسسات في الحياة السياسية , والتي سبق وإن أجهضت جميع المبادرات في هذا المجال بدءا من مجالس الطلبة , ومرورا بتشكيل الأحزاب وهيئات تفعيل " التنمية السياسية " وانتهاء بالانتخابات النيابية والمجالس البلدية , وتشريع القوانين , وتوجيه الصحافة ووسائل الإعلام , ولا يعني ذلك إلغاء دور المؤسسة الأمنية فهذا غير موجود حتى في الدول المتقدمة ، لكن المطلوب أن يقتصر دورها على تقديم النصح والمشورة الملزمة في الأمور التي تمسّ أمن الوطن وكيانه , وموقعه الإقليمي , ووضعه في المنظومة الدولية وما شاكل ذلك .... ولعلّ المؤسسة الأمنية كانت معذورة في تدخلها في السابق حيث كان بعض كبار المسؤولين رعايا لدول أجنبية طامعة يحملون جنسيتها ويٌخشى أن يأتمروا بأمرها , أمّا بعد تعديل الدستور ومنع هذا الصنف من تسلّم المناصب القيادية فإنّ تدخلها في كلّ صغيرة وكبيرة يصبح بدون مسوّغ .
8. قانون انتخاب تتحقق فيه العدالة , ويستطيع إفراز مجلس نواب قادر على تشكيل الحكومة .... ونرى أنه من الضروري جداً العودة لقانون ال1989م الذي أفرز مجلسا لا نزال نترحم عليه ، لأننا نرى أن إفراز أغلبية برلمانية حزبية تفضي لتشكيل حكومة برلمانية بغير ذلك ضرباً من الخيال , أمّا ما تطالب به بعض الأحزاب من قائمة نسبية = كوتا للأحزاب فهو مطلب مضحك مبك ؛ لأنّ الحزب الذي لا يستطيع أن يكسب أعضاؤه ثقة الناخبين فالأولى به أن يحلّ نفسه ويرتاح .
9. إنّ وجود مجلس أعيان من العلماء الحكماء الساسة يعتبر ضرورة لاستقامة الحياة السياسية للمجتمع , فيجب أن يتّم تشكيله على على أسس واضحة ومنطقية بعيداً عن سياسة الاسترضاء , وأن يعامل نفس معاملة مجلس النواب من حيث انعقاده وعدم حلّه أو إقالة بعض أعضائه , والأهم من ذلك أن يكون دوره فقط دور توجيهي ارشادي للرأي العام , والتوعية السياسية , والقيام بالاستفتاءات الشعبية في القضايا المصيرية بمشاركة مع مجلس النواب في ذلك , وتقديم المشورة غير الملزمة لمجلس النواب , ولا يكون له أي دور مباشر في التشريع .
10. إعادة النظر في قانون البلديات وإلغاء جميع التشريعات التي ساهمت في تقزيم المجالس البلدية (مجالس الحكم المحلي ), وحولتها إلى مجرد مؤسسة لتنظيف الشوارع وتعبيدها وجبي الضرائب وتبديدها , كما نؤكد على ضرورة إلغاء تعديل قانون الصوت الواحد لانتخاب أعضاء المجالس البلدية الذي قزّم تلك المجالس زيادة على ما هي عليه من تقزيم.
11. تحريم وتجريم أيّ شكل من أشكال تزوير الانتخابات , ومصادرة إرادة الشعب وأن تكون صلاحية النظر في ذلك للقضاء بعد تحصينه وتمكينه ورفده بالكفاءات الوطنية المخلصة ذات السجل النظيف .
12. إعادة الاعتبار للهيئات الاجتماعية كشيوخ العشائر , والوجهاء , والمخاتير على أن يتمّ اعتمادهم بناء على مواصفات وأسس موضوعية تمنع الرويبضات من الحصول على مثل هذه الألقاب الشريفة ؛ لأنّ السياسة السابقة قد قزّمت هذه الألقاب ومنحتها لمن لا يستحقها , فكان ذلك من أسباب ما يعاني منه المجتمع من انفلات أخلاقي , وعنف مجتمعي ، فإنما الناس بأشرافهم وعلمائهم وذوي أسنانهم :
(تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ** وإن تولت فبالأشرار تنقاد )
13. التعامل اللائق مع قادة العمل السياسي من رؤساء أحزاب وقادة فروع وشعب ومفكرين وعلماء وكتاب, ومثلهم القائمون على العمل الخيري التطوعي فهؤلاء الأصناف ومن سبقهم في البند التاسع هم قادة المجتمع وصنّاع الرأي العامّ , وحلقة الوصل بين القمّة والقاعدة .
14. رفض الحملة الظالمة التي تشنّها قوى الفساد والإفساد ممثلة بالأقلام المأجورة – ضدّ مجلس النواب , وجعله مشجبا تعلّق عليه الأخطاء والخطايا , ونحن بغضّ النظر عن رأينا بأشخاص أعضاء مجلس النواب فإننا نعتبر ذلك الهجوم المبرمج على هذه المؤسسة هو هجوم على إرادة الشعب وتحقير له , وتوجيه رسالة للخارج بأنّ هذا الشعب لم يصل إلى سنّ الرشد الذي يؤهله لإحسان اختيار ممثليه , ولتصرف أنظار الدهماء والغوغاء عمّا تمارسه تلك القوى من فساد وإفساد , متجاهلة تلك القوى بأنّها لم تترك للشعب حرية اختيار ممثليه بما كانت تمارسه من تزوير مكشوف وبما فرضته من قانون انتخاب مشوّه , وبما فرضته على مجلس النواب من حرف له عن مهماته الدستورية , وتحويله إلى مجموعة من الوسطاء والشفعاء ووكلاء الخدمات تكريسا لنهج المحسوبية والواسطة الذي طالما شكا منه الناس وحذّر منها جللالة الملك ونهى عنها مرارا وتكرارا .
15. تحريم وتجريم سياسة المزايدات الكاذبة سواء كانت من قبل مؤسسات الحكم أو المعارضة أو المواطنين , ومنع مزايدة أيّ فئة على الأخرى في أيّ شأن داخلي أو خارجي .
16. إنقاذ قطاع التعليم المدرسي والجامعي الذي تحوّل إلى مضيعة للوقت والمال فيما لا طائل منه , ومعالجة ظاهرة الأمية المقنّعة بشهادات من فئة (البكالوريوس الماجستير , الدكتوراة ) , والتطبيق العملي لفلسفة التربية وأهدافها والتي نصّ عليها قانون وزارة التربية والتعليم وخاصّة الموادّ [ 3, 4, 5, 7,8, 9, 11 ] من القانون المشار إليه .
17. النهوض بالقطاع الصحي الحكومي الذي أصبح على حال لا تسرّ صديقا ولا يرضى بها عدو ذو ضمير حي , وأصبح المواطن الفقير يلجأ للمشعوذين أو يتحمل آلام المرض بانتظار عطف الموت على مراجعة المستشفيات التي كانت ولا زالت أشبه ما تكون بمراكز الاعتقال التي يعالج فيها الأسرى فمن اللامبالاة وعدم الاهتمام , إلى سوء الأدوية التي فضحها د. عبد الرحيم ملحس منذ سنين , إلى المحسوبيات وإذلال المرضى وتحطيم نفسياتهم إلى تدني رواتب موظفي هذا القطاع مما جعل الكفاءات منهم يفرّون للخارج أو القطاع الخاص .
18. حماية المواطن من الأغذية الفاسدة التي تتسبب بكثير من الأمراض , والحديث عن هذا الجانب تغني شهرته عن ذكره , حتى أصبح من المعروف أنّ أيّ شاحنة لا تقبلها دول الجوار لعدم صلاحيتها فإنّها تحوّل للأردن بحسب ما يردده الشعب .
19. إصلاح القضاء ثمّ إصلاح القضاء ثمّ إصلاح القضاء لأنّ القضاء على حال دفع الناس للعودة للقضاء العشائري , وأصبح من أهم عوامل الاحتقان والعنف المجتمعي , وقد حصّن من النقد , ولا يكتوي بناره إلاّ الضعفاء المسحوقون من الشعب الذين لا يجدون من يسمع أنينهم .
20. أن تقوم الأجهزة الأمنية بواجبها على أحسن وجه حيث لوحظ تراخي هذه الأجهزة منذ عودة الحياة الديمقراطية للأردن عام 1989م فأصبح التساهل في مطاردة المجرمين من سراق , ولصوص أعراض , وتجار ومروجي مخدرات وكأن هذه الأجهزة توحي للشعب بأنّ ذلك من مستلزمات الديمقراطية .... ورافق ذلك تشديدها في حملة الجباية التي تقودها دائرة السير بأساليب استفزازية تدفع الناس للانفجار دفعا .
21. تفجير طاقات المجتمع في العمل الخيري الجماعي التطوعي ودعمه وتشجيعه مع إخضاعه للرقابة النزيهة الصارمة لحمايته من السماسرة ولصوص الأموال والأعراض
22. وضع أسس لتطهير العمل السياسي والإدارة الأردنية من مرضى "عقدة الشعور بالنقص " ومرضى "النرجسية" حيث أنّ هذين المرضين يجعلان المبتلى بهما هدّاما لا يؤمن بشيء , ولا يشعر بحرمة تجاه عقيدة أو مبدأ أو مزية خلقية , ولا قيمة للقيم والمثل والأفكار الجميلة في نفسه , ولا يرى في الحياة إلاّ ما هو قبيح .... لأننا نؤمن بأنّ " زوال الدول باصطناع السفل " ونؤمن بما قاله حكماء السياسة حيث قالوا : أظلم الناس لنفسه اللئيم إذا ارتفع : جفا أقاربه , وأنكر معارفه ، واستخف بالأشراف , وتكبر على ذوي الفضل " فنؤمن بضرورة إسناد المناصب لأهل الأحساب الرفيعة والأخلاق العالية مثمنين نصيحة الحسن البصري حيث نصح أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز عندما استشاره فيمن يستعمل من الرجال في دولته , فقال له: " عليك بذوي الأحساب ، فإنهم إن لم يتقوا استحيوا ، وإن لم يستحيوا تكرموا " ؛ لذلك نطالب بوضع شروط جديدة لمن يسمح له بالترشّح للبرلمان , والمجالس البلدية , والوظائف العليا تأخذ بعين الاعتبار نظافة السجّل من الشبهات والأعمال غير المشروعة وكذلك ما قدّمه في سنيّ حياته من خدمات لمجتمعه تدلّ على أنّه من حملة الهمّ العام .
23. أن يعاد الاعتبار للفضيلة والأخلاق الفاضلة , مع إعلان الحرب على الرذائل الأخلاقية , وإلغاء جميع القوانين التي تضعف رقابة المجتمع على منظومة القيم والمثل مثل المواد المتعلقة بالذم والتحقير حيث يحظر على الجاني إثبات ما أتهم به المجني عليه من صفات تستوجب الذم والتحقير , فكان هذا القانون تحصينا للرذيلة وقطعا لألسنة الخلق التي هي شهود الحق وأقلامه .
24. الاستغلال الأمثل لموارد الوطن وإمكانياته من ماديّة وبشرية وإعادة الاعتبار لقطاع الزراعة والصناعة والتجارة , وتسهيل أبواب الرزق للناس فالأردن بلد زاخر بالإمكانيات والثروات إلاّ أنّ تجويعه سياسة استعمارية متعمدّة .وهنا فإننا نؤكد على أنّه لا يجوز عقلا ولا نقلا ولا عرفا أن تملك ثروات الوطن من معادن ومياه وطاقة ومرافق عامّة وخلجان وأنهار ملكا فرديا فهي ملك للجميع بإشراف الدولة .
25. اخضاع جميع موارد الدولة إلى اشراف مجلس النواب وسائر الجهات الرقابية .
26. إعادة النظر في النظام الضريبي , وقوانين السوق الحرّ ونؤكد على ضرورة فضح الرأسمالية المتوحشة التي تراجع عنها أصحابها بعد أن شاهدوا آثارها المدمرة على شعوبهم , وأن يتمّ الإعلان عن التراجع عن كلّ ما فرضته علينا طيلة العقدين الماضيين , ونسجّل استنكارنا لما يطرحه ستيفان هادلي مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق جورج بوش في مقابلة مع قناة الحرة في 12/9/2011م حيث يقول موجها خطابه لبعض الأقطار ومنها الأردن : "إننا نأمل أن يقود القادة التنويريون والتقدميون بلادهم إلى الإصلاح ويساعدوا شعوبهم على تكوين مجتمعات مفتوحة سياسيا مع تبني اقتصاديات السوق". " إنتهى ؛ لذلك فإنني أرى ضرورة توجيه رسالة قوية وواضحة وصريحة باسم الشعب الأردني لتلك القوى الاستعمارية التي تحاول إعادة صياغة المنطقة العربية بما يخدم مصالحها ويحكم سيطرتها عليها قرنا كاملا بأنّ الشعب الأردني لن يقبل بذلك على المدى البعيد , فهو قد يخدع مؤقتا وقد يقابل الأمور بلامبالاة وعدم اكتراث لأنّه يرى نفسه مهمّشا , وخارج دائرة الصراع , ولكن إن وجد نفسه يتصادم مع تلك القوى وجها لوجه فإنّه سيعود لحالته الطبيعية الأولى التي سار عليها طيلة القرون السحيقة , تلك الطبيعة التي حرمت قوى الاستعباد والاستبداد من الاستقرار الآمن المطمئن , والتاريخ شاهد على ما نقول .
27. طمأنة تلك القوى باسم الشعب الأردني : بأنّ الشعب الأردني قد تواضعت مطالبه , وتقلّصت آماله , وأنخفض سقف طموحه , فلم يعد يطالب بتحرير الأندلس ,أو فتح لندن وربط خيله في قصورها , ولا يطالب بنهضة صناعية تجاري اليابان , ولا بتوحيد بلاد العرب من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر ولا بجعل اليهود طعمة لسمك الأبيض وحيتانه ولا بتحرير نفط العرب , ولن يفكر بنقض اتفاقية وادي عربة ...... وإنّ كلّ ما يطلبه هذا الشعب أن تتوفّر له الحياة الكريمة المتواضعة , وأن يستغلّ ما لديه من إمكانيات الأوطان الاستغلال الأمثل , وأن يشعر أنّه مواطن في ظلّ دولة ترعى شؤونه , وتسهر على مصالحه , وتحافظ على ثرواته الوطنية , وتحترم قانونه ودستوره .... وأنّه لن يقبل بأقل من هذه المطالب .
28. افهام تلك القوى الاستعمارية بأنّ الشعب الأردني لن يرضى بأقل من الحياة التي يتفاخر " نتنياهو " بأنّ شعبه يتمتع بها خلافا لمن يحيطون به من الشعوب العربية التي تعيش مستعبدة , مسلوبة الإرادة ؛ لأنّ شعبا تتجاوز نسبة الجامعيين فيه ال10% من البالغين , ولا تصل نسبة الأمية فيه إلى 10% , وأصبح الكتاب , والنت في 90% من بيوته , وتقوده قيادة هاشمية تحمل إرثا سياسيا يمتدّ إلى أعماق التاريخ السحيق _ لا يجوز أن يصنّف بأنّه لم يبلغ سنّ الرشد , وأنّه لا يزال بحاجة إلى وصاية وانتداب.
29. افهام تلك القوى الاستعمارية بأنّ الشعب الأردني لن يقبل بأقل من استعادة ثروات الوطن المسلوبة , واستخراج ما في باطن أرضه من ثروات, وأنّه يرفض رفضا قاطعا جميع السياسات التي فرضها عليه "صندوق النهب الدولي " , ويعتبر كلّ ما ترتب عليه من ديون هي مؤامرة من تلك المؤسسات الاستعمارية لسلب إرادته , وأنّ تلك الأموال هي حقوق له مقابل ذلك الدور الذي كان يضطلع به تجاه الإقليم , والقضية الفلسطينية , وهو في سبيل استعادة حريته , وإرادته السياسية , وثرواته فإنّه مستعدّ للتضحية بالنفوس والنفائس , والصبر على الجوع والفقر .
30. أن الشعب الأردني يعلن التنصل من جميع الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها حكومات الكمبرادور والتي أدّت لتدمير الاقتصاد الوطني , وتضييع ثروات الوطن , واعتبار أنّ تلك التصرفات هي تصرفات باطلة من حكومات غير شرعية لا تلزم الوطن بشيء .
31. ضرورة اصدار قرار عاجل لحماية ما تبقى من الأراضي الزراعية من زراعتها بالأسمنت الذي دمّر معظمها للأبد .
32. إعادة الروح للدولة = الحكومة والشعب بجعل الأفضلية للأصلح والأنفع والأكفأ ليتنافس الجميع على العلم والعمل بدلا من المنافسة على بناء العلاقات الوصولية , وتقليد الطحالب المتسلقة , ورفض سياسة المحاصصة والترضيات على حساب مصالح الوطن والشعب .
33. نؤمن إيماناً قاطعاً بحقيقة موضوعية راسخة في الوجدان العربي منذ أيام الجاهلية ألا وهي مقولة " النساء شقائق الرجال " والتي تعني "نظائرُهم وأمثالهم في الأخْلاق والطِّباع " فللمرأة الدور الأكبر في المسيرة الإنسانية إلاّ أننا نرفض فكرة " تسليع المرأة " واختزالها بصورة عارضة الأزياء , كما نرفض تصويرها بصورة المنافس للرجل فالعلاقة بين الطرفين علاقة إنسانية تكاملية لا نزاع فيها ولا منافسة وهي تخضع لقوانين وأعراف وشرائع وضعها الأنبياء والمصلحون والحكماء لتستقيم الحياة , وتحفظ الأعراض والأنساب .... ولذا فإننا نستنكر تدخلات بعض الهيئات الوافدة التي تحاول إفساد حياتنا الاجتماعية لتصرف المجتمع عن النهوض الحقيقي بإشغاله بجدل بيزنطي وفرض قوانين لتدمير الأسرة العربية كالذي فرضته في التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية الذي رفضه سماحة الشيخ المرحوم نوح القضاة ودفع منصبه ثمنا لهذا الرفض , وقد مرر هذا القانون المشؤوم بدون ضجيج وكأن الذين وضعوه يظنون أنهم يضعون قوانين لمجتمع بلا موروث حضاري , !! وإننا بقدر رفضنا لمثل هذه القوانين الفاسدة المستوردة المصممة لتدمير الأسرة العربية فإننا نرفض مفاهيم فقهاء فترة الترف والانحطاط في الزمن المملوكي والعثماني تجاه المرأة حيث صوروا المرأة شيطان خلق للإغراء والإغواء فيجب عزلها وسجنها في المنزل , ونطالب بأن تعود المرأة العربية لحياتها الطبيعية التي كانت عليها قبل الإسلام , والتي زادها الإسلام رقيّا وتهذيبا , واستمرت في البوادي والأرياف امرأة عاملة , مؤثرة , مربية , شريكة للرجل في هموم الحياة دافعة بمسيرتها للأمام مع المحافظة على الحشمة والحياء والعفاف ...... لذلك فإننا نطالب بإيقاف العمل بتعديلات ذلك القانون الذي فرض علينا من الخارج وأن يتمّ صياغة قانون عصري يشارك في صياغته كبار الفقهاء الشرعيين والقانونيين, وشيوخ العشائر المؤهلين , وعلماء الاجتماع المعتبرين من مختلف الأطياف ليكون القانون ملبيا للحاجات الفعلية لمجتمع عربي مسلم ذي إرث حضاري إنساني جليل... كما نطالب بكفّ الأيدي العابثة المستقوية بقوى خارجية التي تحاول تدمير النظام الاجتماعي في هذا البلد الطاهر .
34. التفكير الجاد في حلّ مشكلة العنوسة التي وصلت إلى أكثر من مائة ألف عانس فوق سنّ الثلاثين .
35. التفكير الجاد في حلّ مشكلات السكن للشباب في البوادي والأرياف .
36. السيطرة على عتاة المجرمين الذين يمارسون السرقة , ويتصرفون كتصرفات مجرمي المافيا فيسرقون سيارات المواطنين ثمّ يتصلون معهم , ويطالبونهم بمبلغ من المال ليعيدوا إليهم سياراتهم , ومنهم من يدفّع المحلات التجارية " الإتاوة" ومنهم من يسرق المواشي ، إذ كشفت عصابة كانت تقوم بهذا العمل وتجاوز مجموع سرقاتها 158 سرقة , وهؤلاء الأشخاص معروفون لدى الدوائر الأمنية .
37. إعادة النظر في إجراءات المحاكم التي أشرنا إليها آنفا , والتي هي السبب لتنامي ظاهرة العنف الاجتماعي خلافا لما يقوله عطوفة مدير الأمن العام السابق والنائب الحالي السيد مازن القاضي في محاضرته المنشورة في صحيفة العرب اليوم بتاريخ 2010/01/25 حيث يقول ما نصّه : " وإن إحداث الخلافات ,والمشاجرات التي شهدناها, هو دليل على تنامي النزعة لدى الأفراد , والجماعات للجوء إلى استخدام العنف في حل المشاكل الشخصية أو العامة بدلاً من اللجوء إلى الأساليب السلمية , والأطر القانونية التي تضمن الشفافية والنزاهة في حلها ,وإحقاق الحق لأصحابه " انتهى ........ نقول : إنّ المواطن لا يلجأ للعنف ولا يحبّذه إن وجد أسلوبا ووسيلة للوصول لحقّه بدونه.
38. خروج جهاز الأمن العامّ والحكام الإداريين من عقلية الإدارة العثمانية , والإدارات المستعمرة التي تنظر للمواطن نظرة عدائية : فهو في نظرها مجرم أو مشروع مجرم , والأصل فيه أن يكون متّهما بصدقه , ومسلكه حتى تثبت براءته , ولا يستحق أن يلقب في محاضر الأمن العام إلاّ بلقب " المدعو " , ذلك المصطلح الدالّ على الاحتقار والتهميش , حتى لو كان شاهدا أو مقتولا أو مصابا في حادث سير , أمّا المقتول عمدا فقد أنعم عليه بلقب " مغدور " بغض النظر عن سبب قتله سواء أكان عمدا أم خطأ وسواء أكان لدفاع مشروع أم اعتداء مرفوض !! وما الذي يمنع أن يفهم رجل الشرطة أنّ المواطن هو إنسان محترم , وأنّه يمثّل أمّه وأبيه , وأخته وأخيه , وعمّه , وابن عمّه ........ الخ ، وما الذي يمنع قائد المركز وضباطه من احترام الذين يراجعونهم من المواطنين وإن كانوا غير مسجلين في لوحة الشرف لدى مستشارية شؤون العشائر والمحافظين , فقد يكون هذا المواطن من وجهاء بلدته , أو مقدّم عشيرته , وينظر إليه قومه نظرة النور لسيدهم " الهبر " الذي أطنب في ذكره عاشق الأردن ولسانها " عرار " , ولماذا يظلّ هؤلاء في المنزلة التي وصفها الشاعر حيث يقول :
قوْم إِذا حَضر الملوكَ وُفُودُهم ... نُتِفَتْ شَوَارِبهم عَلى الأَبْوابِ
ألا يدرك القائمون على مؤسسات الدولة أنّ إبقاء الناس المحترمين في مثل هذه المنزلة سيجعلهم يعزفون عن التوجّه لتلك الأبواب , حيث لم تشفع لهم وطنيتهم , ولا إخلاصهم ولا خدمتهم لوطنهم , ولا سيرهم على نهج الكرام .
وهل يلامون إن نقموا وحقدوا وتربصوا , وتمثل كرامهم وأكفياؤهم بقول الشاعر
" وكم قائل: ما بال مثلك راجلا؟ ... فقلت له : من أجل أنك فارس
إذا لم يكن صدر المجالس سيد ... فلا خير فيمن صدرته المجالس
أقلي علي اللوم يا ابنة مالك ** وذمي زمانا ساد فيه الفلاقس
وساع من السلطان ليس بناصح ** ومحترس من مثله وهو حارس .
39. رفض مبدأ توطين مهجري فلسطين ( الشتات ) في الأردن والمطالبة بعودتهم إلى وطنهم الأمّ فلسطين أو توطينهم في الأقطار التي يعيشون فيها الآن , أمّا الذين يحملون الجنسية الأردنية قبل قرار فكّ الارتباط فهم أردنيون لهم ما لنا وعليهم ما علينا إن اختاروا عدم العودة إلى وطنهم .
40. رفض فكرة المحاصصة لأنّها تكرّس تقسيم الشعب إلى ثنائية بغيضة مرفوضة بكافّة المقاييس الدينية والقومية والوطنية والإنسانية .
41. الوقوف بكل الاإمكانيات مع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والشتات في نضاله لإقامة دولته على ترابها الوطني في فلسطين , ورفض أيّ شكل من أشكال الوحدة المفروضة من قبل قوى الاستعمار والصهاينة .
"أفكار حول الاقتصاد والمديونية والتعويض "
لقد وضعت الدولة الأردنية في ظروف قاسية من القريب والغريب لأنّها هي التي كانت تحمل المشروع النهضوي الوحدوي العربي الذي قامت على أساسه الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن على وأنجاله من الملوك العظام وأحفادهم , ذلك المشروع المناقض للمشروع الاستعماري الغربي القائم على تقسيم العالم العربي وتجزئته , وكذلك المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي فإننا نؤكد على ما يلي :
1. حقّ الشعب الأردني في استعادة جميع ثرواته الوطنية التي أجبرته قوى الاستعمار ممثلة بصندوق النقد والبنك الدولي على بيعها بأبخس الأثمان واعتبار أنّ كلّ ما تمّ من بيع في هذا المجال باطلا لأنّ الشعب صاحب السيادة الحقيقية لم يكن طرفا في تلك الصفقة المشبوهة , ولما تبين من غبن فاحش يبطل عقود تلك الصفقات , ولما كانت عليه تلك القوى الاستعمارية من غطرسة وإرهاب سلب إرادة مؤسسة الحكم , وفرض عليه طاقما من السماسرة الذين نفذوا ما تريده تلك القوى الظالمة الغاشمة التي تريد تدمير الاقتصاد الوطني تمهيدا لتدمير الوطن وإعادة تشكيله بما يخدم مخططاتها الظالمة المستبدة .
2. حقّ الشعب الأردني في إلغاء جميع القوانين التي فصّلها سماسرة صندوق النقد الدولي وسائر الهيئات والمنظمات الدولية والتي ترمي إلى تفكيك الدولة اقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا واجتماعيا تمهيدا لتقديمها فريسة سهلة للوحش الصهيوني التوسعي .
3. إنّ جميع الديون المترتبة على الدولة الأردنية والبالغة أكثر من 17 مليار دولار هي نسبة ضئيلة من حقوقها لما قامت به من خدمات دولية وإقليمية طيلة التسعين عاما الماضية منها على سبيل المثال تأمين حدود دول الجوار وحمايتها مما يكدّر صفو أمنها , لذلك فإننا نطالب القوى الكبرى ودول الجوار بتسديد تلك الديون كاملة .
4. لقد فرضت القوى الكبرى وبدعم من دول الجوار على الدولة الأردنية سياسة اقتصادية يراد منها إبقاء الأردن رهنا للمساعدات فمنعته من استخراج ثرواته الوطنية , وأجبرته على تدمير قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والنقل ؛ لذلك فإنه يجب على الجميع أن يطالب باسم الشعب الأردني تلك القوى الدولية والإقليمية بتعويض شعبنا ودولتنا عمّا ألحقوه بهما من خسائر فادحة وأضرار بالغة طيلة العقود الماضية ولا يزالون .
5. أستغرب تجاهل حقّ الشعب الأردني بالتعويض المترتب على الآثار المباشرة للقضية الفلسطينية عليه , وقصر هذا الحقّ على مهجري فلسطين , وتجاهل الآثار المدمرة على الشعب الأردني من آثار ذلك الاحتلال الصهيوني الغاشم , وما فرضه عليه طيلة العقود الماضية ولا يزال ؛ لذلك فإنّ الواجب على الجميع المطالبة بأن يكون التعويض حقّ ثابت لكلّ من يحمل الجنسية الأردنية بغض النظر عن أيّ اعتبار آخر .
6. نذكّر بأنّ قبيلة بني صخر تعرضت في الأعوام 1922م وعام 1924م وعام 1927م إلى غزو غادر ظالم مدعوم من بعض القوى الإقليمية والدولية , كما تعرضت لهجوم غادر من قبل القوات الفرنسية فيما يعرف بكون (سما السرحان ) وسقط في تلك الغزوات مئات الشهداء من أبناء وبنات هذه القبيلة ؛ ونظرا لأنّ الدم في عرف العرب وشريعة الإسلام لا يبلى , ولا يذهب هدرا فإننا نطالب بتعويض ذوي الشهداء الذين قتلوا غدرا وظلما بالدية الشرعية المقررة والبالغة مائة من الإبل لكلّ نفس مع احتساب إنتاجها طيلة تلك العقود .
7. ونذكّر بأنّ الدولة العثمانية قد ارتكبت من المجازر بحقّ أهل الأردن وقبائله طيلة قرون حكمها ما تقشعر له الأبدان , وأغلب تلك الحوادث موثّق في أرشيفها وفي بعض كتب التاريخ , ولم يكن لتلك المجازر من مستند شرعي أو قانوني , علاوة على ما تسببت به تلك الدولة من دمار اقتصادي وحروب طاحنة بين القبائل الأردنية كانت أغلبها بتحريض وتشجيع منها وأدناها بعدم تحملها مسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار ؛ لذلك فإننا نطالب بفتح هذا الملف , ومطالبة الدول التركية بدفع التعويض المتناسب مع مقدار تلك الأضرار .
دولة الرئيس الأمثل :
لقد أطلت وربما أمللت وفي الختام لا أملك إلاّ أن أتوجه لله العلي العظيم أن يحفظ دولتكم في ظلّ حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المفدّى , ويوفقكم لخير هذا الوطن وأهله , وأن يسجّل لكم التاريخ موقفا مشهودا في سبيل إنقاذ هذا الوطن .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ....
الجمعة الثامن والعشرين من تشرين أول من عام 2011م .
فلاح أديهم مسعد المسلَم بني صخر .
دولة السيّد الحسيب النسيب , الأديب الأريب , السياسي المهيب الدكتور عون بن شوكت الخصاونة الأكرم حفظه الله , ورعاه , وسدد على الطريق الحقّ خطاه .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد سمعت عنك كثيرا من رجال أمناء شرفاء صادقين كانوا يثنون عليك ويصفونك بصفات القوي الأمين , ورجل الدولة المثقف المنتمي المؤهل لتحمّل المسؤولية , ومعاناة السياسة التي عدّها الحكماء أشرف العلوم وأجلها وأصعبها على الإطلاق , وكان كلّ من يسمع عنك مثل ذلك الثناء يتمنى أن يراك على رأس الحكومة الأردنية لإنقاذ الوطن من الدمار الذي جاء ثمرة طبيعية لعقود من الفساد والاستبداد واسناد الأمور لغير أهلها , وكان قدرك أن تنتدب لهذا الأمر العظيم في هذا الظرف الحالك الحرج الذي لا يحتمل أدنى خطأ ؛ لأنّ إخفاق رجل مثلك _ لا سمح الله _قد يدخل الوطن في مستنقع الفوضى المدمّرة التي ستجعله مسرحا للقوى الطامعة التي استعصى عليها طيلة التسعين عاما الماضية .
السيّد الرئيس :
أعرف أنّ الكتابة إلى أمثالك تصنف تحت بند ( محاولات لفت النظر ) والرغبة بالوصول الذي يعدّ هاجسا للجميع , ففكرت بعدم كتابة اسمي على هذه الرسالة , ولكن ضرورة النشر توجب كتابة الاسم لأتحمل مسؤولية ما ورد فيها , فأطمئن دولتكم بأنني على مذهب والدك في هذا الشأن الذي كان يقول: "السلطان من لا يعرف السلطان " فليس لي مطمع ولا مطمح فيما يتنافس عليه المتنافسون على أبواب السلطان , وأعاهدك بألاّ أدخل رئاسة الوزراء أو الديوان الملكي إلاّ معتقلا , وكلّ ما أتمناه هو أن أرى هذا الوطن عزيزا قويا يسوده العدل والحق والخير , وتصلح منظومته التشريعية وتفعّل قوانينه ودستوره ؛ليفرض حبّه وتقديسه على مواطنيه , ويكون مهوى أفئدة العرب والمسلمين وقبلتهم فلا يدخله إلاّ الطاهرون من طالبي العلم , والأمن , والكرامة , والنصرة , والعلاج , وأصحاب الاستثمار الحقيقي لاعتقادي بأنّه وطن طاهر , تقوده قيادة طاهرة مطهّرة فلا ينبغي أن يدخله إلاّ الطاهرون .... هذا ما أريده ويريده جميع الشرفاء الأحرار من هذا الشعب العربي العريق , ونحن بذلك نقف على طرفي النقيض مع قوى الفساد والإفساد وأبواقها من أذناب , وإعلام مأجور والتي تسعى لتكريس الفساد بحجج برّاقة كبيت العنكبوت الذي لا يصطاد إلاّ الذباب وشبه الذباب , وتسعى مواصلة الليل بالنهار لتحويل هذا الوطن الطاهر الشريف إلى مكبّ لنفايات البشرية ورذائلها , وكأنّها موكولة بتوجيه صفعة لما يمثّله هذا الوطن من مشروع نهضوي , وقيادة شريفة وشعب طليعي وحدوي لإظهاره أمام الآخرين طفيليا يعيش على مساعدات الآخرين وفتات موائدهم , ومركزا لغسيل أموالهم , ومنتجعا لقضاء شهواتهم , وبندقية للإيجار للدفاع عن ترفهم وفسادهم .
دولة الرئيس :
إنّ قبيلة بني صخر القبيلة العربية الأردنية المعروفة بمواقفها القومية والوطنية قد قامت يوم الأربعاء الثاني عشر من تشرين الأول من عام 2011م بإغلاق الطريق عمان – العقبة , والطريق الدولي المارّ من قرى الموقّر من الصباح إلى المساء احتجاجا على تخبّط الحكومة السابقة في قضية البلديات , ومعروف أنّ هذه القبيلة هي قبيلة حكيمة حليمة بعيدة النظر لا تستفزّ بسهولة , ولا تميل مع الرياح حيث تميل , وخروج الحلماء عن طورهم أمر جلل يستحقّ الوقوف والدرس والتحليل والبحث عن الأسباب ؛ ولإيماني بأنّ هذا الأمر لن يبحث بحثا نزيها فإنني أحاول في هذه السطور أن أضع هذه الأحداث في إطارها الصحيح كجزء من الحراك الاجتماعي على مستوى الوطن, فإن وفقت فذاك ما أريد وإن قصّرت فإنني أرجو معذرة العقلاء.
إنّ وضع الحدث في إطاره الصحيح يقتضي منّا أن ننظر للأمور نظرة شاملة ولا نختزلها في قضية " فصل البلديات " ؛ لأنّ اختزالها في هذه القضية هي نوع من التضليل الوقح الذي لا يقول به إلاّ جاهل أو صفيق , وعلى الرغم من معرفتي بأنّ الغالبية العظمى من الكبراء لا يقرأون المطوّلات لما تطبّعوا به من نهج تلقي "المسجات" لتنفيذها بدون نقاشها ثقة بمصدريها أو مصدّريها من مخرجين وراء الستارة أو من وراء السهوب والبحار – فإنني مضطر للإطالة لأنّ الموضوع لا تفي به مسج أو ألف مسج لعلّ وعسى أن يوجد من لديه نفس طويل = (طولة بال ) فيقف عند هذه الأمور .
تحدّث أحد باشوات " الإصلاح الجدد " على إحدى المحطات الفضائية المحلية عن حادثة إغلاق شارع عمان العقبة يوم 12/10/2011م بإشارة عابرة بأسلوب استفزازي استعلائي ينبيء عن جهل فضيع بأحوال المجتمع الأردني الذي يزعم أنّه يسعى لإصلاحه , فقال : الخطر ليس بالمسيرات الأسبوعية التي يقوم بها الحراك الشعبي أسبوعيا ..... وضرب أمثلة من الأمور الخطيرة كان أولها على حدّ قوله ما شاهده من إغلاق الطريق الصحرواي من قبل فئات تريد بلدية لكّل عشرة بيوت, وأنا أجزم بأنّ هذا الباشا الإصلاحي المومأ إليه لا يعرف عن هذه البيوت وأصحابها إلاّ ما يعرفه كاتب هذه السطور عن شرق الصين , ومع هذا فإنّ كلمة أمثاله لها وزنها عند أصحاب القرار ؛ لأنّ "كلام الباشا" "باشا الكلام" فاللقب عصمة من الخطأ ألم يقل هشام بن عبد الملك عندما بويع بالخلافة : " الحمد لله الذي أنقذني من النار بهذا المقام" ؟؟!! , وقبل أيام هاتفني مسؤول قائلا : ما بال بني صخر بدأوا يقلبون العباءة ={ تغيير المواقف تجاه الدولة} ؟؟ وقبله قال لي أحد المسؤولين على خلفية تشكّل " تجمّع شباب قبيلة بني صخر للإصلاح " وتوجيه ذلك التجمّع رسالة إلى جلالة الملك : ماذا تركتم يا بني صخر لغيركم ؟؟ مستكثرا على أبناء هذه القبيلة أن تضمّ صوتها لدعاة الإصلاح !!
إنّ هذه الأقوال وأمثالها تدلّ دلالة قاطعة على أنّ الأقلية المثرثرة المسموعة الكلمة من علية القوم والذين يلونهم من أصحاب المراتب والرتب يعانون من جهل فظيع بأحوال الناس وهمومهم وشؤونهم , ولا لوم عليهم في ذلك ولا تثريب لأنّهم ليسوا من أهل السياسة وإن مثّلوا دور الساسة , وما دامت السياسة في العالم الثالث كلّه تأتي معلبة من وراء البحار , وما على أهل البلاد إلاّ تطبيقها فما لهم وما للسياسة وعنائها ونصبها وتعبها التي قال عنها الجاحظ : "وليس في الأرض عملٌ أكدّ لأهله من سِياسة العوامّ وقَدْ قال الهذْليُّ يصف صُعوبة السياسة ( وإن سياسة الأقوامِ فاعلمْ ** لها صَعْدَاءُ مَطلبُها طويل ) وهل جنى ممارسوها إلاّ الآلام والأسقام , والهمّ والغمّ , والأذى والضنك ؟؟؟
دولة الرئيس :
كان الله في عونك ولا لوم عليك عندما شكوت من قلّة الرجال ؛ لأنّ الحاكم مهما كان ملهما وفذّا فإنّه لن يستطيع أن يدير الدولة إلاّ برجال أفذاذ , وقد شكى قبلك من ندرتهم عمر بن الخطاب في زمن الرجال , إذ يروى " عنه رضي الله عنه " أنّه قال لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق به. فقال عمر تمنوا: فقالوا: ما ندري ما نتمنى يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أنا أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان أستعين بهم على أمور المسلمين " .
وإنّ النقص في هذا الصنف من الرجال هو سبب دمار الدول وضعفها واندثارها فقد سئل بزرجمهر: ما بال ملك بني ساسان صار إلى ما صار إليه ، بعدما كان فيه من قوة السلطان وشدة الأركان؟ فقال: ذلك لأنهم قلدوا كبار الأعمال صغار الرجال .
"معرفة أحوال الشعب ضرورة سياسية وحقّ من حقوق الشعب "
"الصمم الرسمي هو الذي أجبر الناس للخروج للشوارع "
السيّد الرئيس :
لا سبيل لسياسة الشعوب إلاّ بمعرفة { الأحوال والآمال } , وما نجح الغرب وخاصّة البريطانيين في حكم المشرق العربي إلاّ لأنّهم درسوه وعرفوه معرفة دقيقة عجز عن مثلها من ساس هذه البلاد من العرب والمسلمين وكتابهم ومفكريهم , فكانت طلائعهم من الرحالة والباحثين تجوب تلك البلاد منذ بداية القرن التاسع عشر بأمثال (بيركهارت ) ولويس موزيل , والليدي بلنت , فجاءت جيوشهم لبلاد يعرفون عنها كلّ صغيرة وكبيرة , فأغنى رجل واحد مثل (جون باغوت غلوب ) عن وجود جيش جرار في هذا البلد , وما كان ذلك إلاّ نتيجة معرفة دقيقة عميقة بشؤون هذه المجتمعات مكنته من التعامل معها , وسياستها , ولعلّ إخفاق الأمريكان في هذا الجانب هو سبب هزيمتهم في العراق وبلاد الأفغان على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي تملكها هذه الدولة .
السيّد الرئيس :
وهذا النهج الذي رأيناه من الغرب لم يكن ابتداعا في السياسة فيحدثنا التاريخ الذي يعدّ سيّد العلوم , وعلم الكبراء من أهل الرئاسة والسياسة – عن حرص أهل الحزم من أهل السلطان على التعرّف على أحوال الشعب , وسماع أناته وآهاته , فيروى عن أحد ملوك الصين أنّه فقد سمعه , فجعل يبكي فقال له وزراؤه لا بكت عيناك أيها الملك مم بكاؤك ؟؟ فقال لست أبكي على ذهاب سمعي , وإنما أبكي لأن المظلوم يقف بالباب يصرخ فلا أسمعه , ثم قال لئن كان ذهب سمعي فما ذهب بصري , نادوا في الناس لا يلبس ثوبا أحمر إلا مظلوم , وكان يركب في كل يوم فيله , ويخرج لعله يرى مظلوما " . وفي قصّة عمر بن الخطاب المشهورة مع المرأة ذات الأطفال الجياع قالت تلك المرأة بفطرتها مؤكدة حقّ الشعب على من يحكمه بمعرفة أحواله : "يتولى أمرنا ويغفل عنا " .
وقال الخليفة العظيم أبو جعفر المنصور: " ما كان أحوجني أن يكون على بابي أربعة لا يكون على بابي أعف منهم. قيل: من هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم أركان الملك لا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع قوائم، فإن نقص قائمة واحدة عابه : أحدهم قاض لا تأخذه في الله لومة لائم ، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي ، والآخر صاحب خراج يستقضي ولا يظلم الرعية فإني غني عن ظلمهم.... ثم عض على إصبعه السبابة ثلاث مرات يقول في كل مرة: آه آه؟ قيل: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة"
ثمّ تطوّرت الدول , ووضعت القوانين والدساتير , وأسست المؤسسات لتحقيق تلك الأهداف التي أشار إليها أبو جعفر المنصور , وحرص عليها ملك الصين , فمن قضاء مستقل لا سلطان لأحد عليه إلاّ سلطان القانون , إلى حكومات مسؤولة أمام الشعب أو ممثليه المنتخبين , إلى مجلس يمثّل الشعب بالانتخاب المباشر يشرع القوانين , ويراقب أداء السلطة التنفيذية , ويحاسبها , إلى صحافة يطلق عليها لقب السلطة الرابعة لما تقوم به من محاسبة شديدة لأيّ انحراف لدى أيّ سلطة من السلطات الثلاث ( التنفيذية , والتشريعية , والقضائية ) إلى أجهزة رقابة ومحاسبة ومتابعة وملاحظة ووقاية , ومبادرة , وتكثر الأسماء والمؤسسات ومع هذا فالأمور تسير القهقرى !!!
تركيبة الدول في الماضي وربما الماضي القريب تقوم على البساطة , وإمكانيات ضعيفة جدا مقارنة بما هي عليه الحال اليوم ومع هذا كانت قويّة في أدائها , محققة لأهدافها , راعية لشعبها , محققة العدالة , محافظة على إمكانيات الأوطان , وبقدر ما أصبحت هذه الأنظمة معقدّة , وذات عناوين وشعب وفروع بقدر ما تراجع الأداء وبقدر ما تضخمت الأبنية وتفخمت المراكب بقدر ما تقزّمت المناصب , وبقدر ما كثرت مؤسسات المراقبة تضخم الفساد , إنّه أمر يثير الحيرة , ويبعث على الدهشة .
يحدثني العالمون بشؤون السادة من كبار المسؤولين أنّهم لا يجدون وقتا لقراءة مطالب الناس وهمومهم , فهم لا يقرأون إلاّ العناوين ثمّ يحولونها فورا إلى صغار الموظفين الذين احترفوا تزييف الحقائق , وتضليل الكبار عن معاناة الشعوب فشكلوا طبقة عازلة بين القمّة والقاعدة , فأصبح كلّ من الطرفين يعيش في واد بينه وبين الآخر تلال وجبال , ومفازات وأهوال .
ويحدثنا الواقع الموضوعي المرّ أنّ السادة الكبار لا يحبون سماع أنين الشعب وشكواه , فإن أرغموا على سماعها لم يصدقوها ؛ لأنّ المواطن في نظرهم متهم في صدقه , فهو يبكي بدون دموع , كجدي يسمع ثغاؤه والشطر في فمه , فإن شكى أو بكى وكان لابدّ من الاستماع لذلك التفت المسؤول الكبير لأحد الصغار من موظفيه وقال ما باله فأجاب الصغير جوابا لا يخطر على بال بشر , ملفقا تهمة للشاكي الباكي إمّا باتهامه بالكذب أو التعدي على حقوق الآخرين فيتقبل المسؤول الجواب دونما شكّ أو ارتياب , وتزداد قناعته بأنّ المواطن الذي يحمل لقب " مدعو " لا يستحقّ أن يسمع له , ولا حتى يخاطب باسمه الذي اعترفت به الجهات الرسمية في وثائقه الرسمية , فيجب أن يسبق اسمه لقب المدعو , فيقول " المدعو فلان يبكي بدون دموع كجدي يسمع ثغاؤه والشطر في فيه "
واعتادت الدول عندما كانت تضطر لعدم الاستماع لصوت ما يسمى بالسوقة
أو الدهماء أو الغوغاء أو العامّة على افتراض أنّهم يكذبون ويبالغون , ويثغون والشطر في أفواههم , نقول اعتادت على اعتماد وجوه للناس ليرفعوا مطالب الناس ومظالمهم لأصحاب القرار فقد " كتب ابن عمّكم عُمَربن الخطاب إِلَى أبي موسى: إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائج الناس، فأكرموا وجوه الناس، فإنه بحسب المسلم الضعيف أن ينتصف في الحكم والقسمة ". وكان معاوية يذكّر هؤلاء الوجوه بما يجب عليهم تجاه الشعب , فيروى عنه أنّه كان عندما يجلس للخاصّة يقول : " يا هؤلاء إنما سميتم أشرافاً، لأنكم شرفتم من دونكم بهذا المجلس. ارفعوا إلينا حاجة من لا يصل إلينا. فيقوم الرجل، فيقول: استشهد فلان. فيقول: افرضوا لولده ويقال: غاب فلان عن أهله فيقول: تعاهدوهم وأعطوهم واقضوا حوائجهم "
وقد كان سادات الناس وأشرافهم حريصون على نقل أوجاع الشعب وهمومه للقيادة , فمما يروى بهذا الخصوص أنّه لما قدم وفد العراق على معاوية وفيهم الأحنف بن قيس ، خرج الآذن فقال : إنّ أمير المؤمنين يعزم عليكم ألا يتكلم أحد إلا لنفسه ، فلما وصلوا إليه قال الأحنف : لولا عزمة أمير المؤمنين لأخبرته أن داّفةً دفت ، ونازلةً نزلت ، ونائبةً نابت ، وكلهم بهم الحاجة إلى معروف أمير المؤمنين وبره ؛ فقال : حسبك يا أبا بحر ، فقد كفيت الغائب والشاهد . ...... فأين هذا من رجال شرّفوا بتلك المجالس فأوهموا ولاة الأمر بأنّ الناس بخير وهم لا يعرفون عن هموم الناس شيئا , وحصروا همّهم واهتمامهم بمطالب خاصّة من منصب رفيع أو تعليم ولد في لندن يكلّف الدولة عشرات الألوف ثمّ لا يتميّز عن أقرانه من خريجي الجامعات الأردنية بشيء , أو توظيفه في وظيفة تتطاول إليها الأعناق أو إعفاء من قرض أخذ باسم الزراعة من مخصصات المزارعين فأنفق في سيارة فارهة أو قصر مشيد !!
إنّ الصمم الرسمي الذي يعاني منه الوزراء وكبار المسؤولين وحجب صوت الشعب من الوصول إلى أسماع صاحب القرار , واستنكاف وجهاء الناس وكبراؤهم عن إيصال هموم الناس إلى من بيده الأمر والنهي _ إنّ كلّ ذلك قد أجبر الناس للجوء للشارع , وعمل المسيرات والاعتصامات التي أصبحت الوسيلة الوحيدة للحصول على أبسط الحقوق , وفتح المجال لمن يريد أن يسيء للوطن والدولة وشجّع القوى الطامعة التي استعصى عليها الأردن طيلة التسعين عاما الماضية للتلاحم بين القيادة والشعب..... وإن كنت في شكّ من ذلك فشكّل لجنة أمينة نزيهة وأطلب منها دراسة الاعتصامات والإضرابات بدءا من حراك المعلمين ومرورا بكافّة التحركّات والتي كان من آخرها اعتصام المتقاعدين العسكريين أمام الديوان الملكي قبل أيام وستجد أنّ الناس تقدموا بمطالب مشروعة عبر القنوات الرسمية بنفس الأساليب التقليدية , وتوسلوا وأستعطفوا وأستشفعوا إلاّ أنّ أصحاب القرار آثروا التصامم ورفض الاستماع إلى هذه المطالب المشروعة وتلك الحقوق الضائعة فأضطر الناس للخروج للشارع ونشر الغسيل على الملأ .
"طبيعة هذه الرسالة "
رأيت أن أكتب إليك هذه الرسالة المطولّة نسبيا لقناعتي بأنّك من أهل الفكر والعلم ولست من صنف قرّاء المسجات الذين لا يعرفون عن الشعب شيئا ولا يريدون أن يعرفوا , ولقناعة ثانية بأنّك أنت وأمثالك من الكبراء مهما اجتهدتم في محاولة معرفة { أحوال وآمال الشعب } فإنّكم لن تستطيعوا معرفتها بدّقة لبعدكم الطبقي عن معاناة السواد الأعظم , وهذا ليس ذنبكم , ولا عيب فيكم , ولقناعة ثالثة بأنّ اخفاقكم -لا سمح الله _ هو كارثة بكافّة المقاييس _ وإنّ كلّ ما أستطيع تقديمه لكم من عون هو محاولة شرح { أحوال وآمال الشعب الأردني } بأمانة وشمول قدر المستطاع لتكون عونا لكم في هذه المهمة الجسيمة ؛ فرأيت أن أقدّم لدولتكم هذه الدراسة التي مصدرها العيش الطبيعي في أوساط هذا الشعب ومراقبة أحواله منذ أربعين عاما , ورأيت أن أبدأ بالحديث عن قبيلة بني صخر بحكم العيش في أوساطها وبصفتها نموذج للبوادي والأرياف الأردنية , ثمّ انتقل للسياسة العامّة للدولة في العقود الماضية وانعكاسها على هذه الشريحة وسائر شرائح المجتمع الأردني بما ستجده تحت العناوين التالية :
" لمحة عن واقع قبيلة بني صخر "
أنّ القبائل العربية ومنها قبيلة ( بني صخر ) قد مرّ عليها حين من الدهر كانت شبه مهملة تماما من قبل الدول التي كانت تحكم البلاد العربية , فلم تلتفت إليها تلك الدول , ولم تعدّها من مواطنيها التي يجب عليها رعايتهم والاهتمام بشؤونهم فتركتهم يلاقون قدرهم بأنفسهم , ولم تهتم بإخضاعهم للنظام , ولم يحدثنا التاريخ عن إغاثة لهم في نكبة تعرضوا لها , وما أكثر النكبات التي تعرضوا لها من القحط والجفاف , وانتشار الأوبئة والأمراض , ونكبات الغزو والحروب ..... فانعدم شعور هذه القبائل بالانتماء لتلك الدول , وعاشوا بكيانات شبه مستقلة تحكمها أعرافهم , وقوانينهم الخاصّة , تلك القوانين والأعراف التي بها تمكنوا من العيش في ظلّ تلك الفوضى العارمة بسبب غياب السلطة المركزية ...وقد قامت تلك الدول باستخدام تلك القبائل أسوأ استخدام , فزرعت بينها بذور الفتنة , ودعمت بعض القبائل, وحرضتها على بعض أخواتها من القبائل , كما استخدمتها في قمع انتفاضات وثورات المدن والريف , وبالمقابل استخدمت أهل المدن والريف في قمع القبائل البدوية فيما يسمى بحركات تأديب القبائل , وقد ترتب على هذه السياسة نفرة أهل المدن من البدو والبادية , ونظروا إليهم نظرة شكّ وريبة وعداء , وربما كان هذا الشعور متبادلا بين الطرفين , وغاب المصطلح الذي حاول ترسيخه النبي ( صلى الله عليه واسلم ) حيث قال عن بعض قبائل البادية : " هم أهل باديتنا , ونحن أهل حاضرتهم , إن دعونا أجبناهم ,وإن دعوناهم أجابونا " وغابت السياسة الراشدة التي قامت على تأليف البدو , وتحضيرهم , وتهذيبهم , والاهتمام بهم إذ يقول عمر بن الخطاب في وصيته للخليفة من بعده " وَأُوصِيهِ بِأهل البادية خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، ْ]. ..... فالقبائل العربية قد أهملت إهمالا مريعا طيلة فترة الحكم المملوكي والعثماني , وعادت إلى أوضاع أشبه بما كانت عليه قبل الإسلام , وبدلا من أن يلتفت علماء الأمّة الإسلامية , ومفكروها لهذا الخلل الناتج عن الإهمال السياسي فقد تفننوا في مهاجمة سلوك هذه القبائل , واتهامها بمختلف التهم مؤصّلين لذلك بآية من القرآن بعد أن انتزعوها من سياقها في النصّ القرآني الكريم , وبعد أن جردوها من ظروفها التاريخية , وأعني بها قوله تعالى : "الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " , مع أنّ هذه الآية تحمل تفسيرها في ثناياها فهي تبين أنّ شدّة الكفر والنفاق من قبل هذه الفئة من الأعراب هي بسبب البعد عن الحاضرة التي هي مركز العلم , وفيها ينزل الوحي , ويقيم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولدى التدقيق في هذا المعنى نجد أنّ تلك الفئة قد اشتدّ كفرها ونفاقها بسبب جهلها بما أنزل فأسفل منها دركا , وأحقر منها منزلة من ارتضى الكفر والنفاق , وخذل دولة الحقّ وهو يقيم مع النبي ويشاهده صباحا ومساء , ولا نريد الاسترسال في هذا المنحى فيتحول مسار البحث إلى جهة أخرى فنكتفي بهذه الإشارة , ولكن الذي نريد تقريره أن تلك الدول المتعاقبة لم تقم بواجبها الشرعي والإنساني تجاه القبائل العربية فتركتها مهملة طيلة عدّة قرون , ولا تلتفت إليها إلاّ إذا أرادت زجّها في فتنة تخدم صراعات الساسة المتناحرين في ذلك الزمن , أولئك الساسة الذين لا يشعرون بأدنى مسؤولية تجاه هذه القبائل إذ يرون أنّ من يحمل الجنسية , ويتمتع بحقوق المواطنة هم أهل الحواضر فقط , وإن اقتربت تلك القبائل من مراكز السلطة أرهقوها بالضرائب والإتاوات التي لا تؤخذ من أغنيائهم وتعود على فقرائهم كما رسمت ذلك السياسة الشرعية , والسنة النبوية , ولكن خلافا لهذه وتلك تؤخذ من كرائم أموالهم قسرا وتذهب إلى غير رجعة ... وكانوا يتعاملون معها بمنتهى القسوة والوحشية , وما أكثر ما يحدثنا تاريخ تلك الفترة عمّا يسمى بحملات تأديب القبائل حيث تقوم تلك الحملات العسكرية بسفك الدماء , ونهب الأموال وهتك الأعراض مما لا يرضاه لا شرع ولا عقل , فحالت تلك السياسة الظالمة دون تحضّر تلك القبائل , واستقرارها, وحالت دون استفادة الأمّة من تلك الطاقات البشرية الهائلة , وما ظهر فيها من شخصيات فذّة لو وجدت من يحسن استخدامها , ويضعها في المكان المناسب لدخلت التاريخ من أوسع أبوابه .
وسأذكر لك بعض النصوص التاريخية التي توضّح ما كانت عليه الحال مع تلك الدول , يقول ابن طولون في كتابه مفاكهة الخلاّن عند حديثة عن حوادث سنة 905هـ بحدود 1500مما نصّه : " وفي ليلة الخميس سادسه خرج النائب من دمشق بعسكر كثير إلى بني صخر، حتى جاوز أربد، فقتل منهم نحو العشرين، وقبض جماعة، وأخذ منهم كسباً، دواب كثيرة، غنماً، وإبلاً، وبقراً، ثم رجع إلى أربد يوم الأحد ثاني عشره، ثم أرسل مبشراً، فدقت البشائر بدمشق يوم الثلاثاء سابع عشره" . (1) وذكر في حوادث سنة 908هـ قائلا : " وفي يوم الاثنين النصف من رمضان منها، خرج من دمشق أمير ميسرة، المشهور بخال الأسياد، دولتباي اليحياوي، ومعه جماعة ابن عمته نائب الشام، قانصوه البرجي، بأمره، وأن يأخذوا معهم ابن القواس بجماعته إلى أوائل الغور، ليأتي بأغنام وخيل طائفة العرب بني صخر، فذهبوا بعد أن سخروا دواب الناس، فنهبوا بني صخر وأخذوا شيئاً كثيراً؛ ثم أرادوا الذهاب إلى طائفة أخرى منهم بأرض أربد، ولم يرجعوا من الطريق التي أتوا منها، فانقلب عليهم المنهزمون بالنشاب، فأصيب جماعات كثيرة، وهرب الأتباع، وأصيب دولتباي المذكور" .
وجاء في مجلة البيان العدد 214 من عام 1426 هـ ما نصّه : " تمكن الثري اللبناني «سرسق» من شراء قرية في (سهل مرج بني عامر) في فلسطين عام 1869م، وكان هذا السهل قد آل للدولة عندما انتزعت ملكيته من قبيلة بني صخر" .
وذكر الدكتور مفلح النمر الفايز في كتابه "عشائر بني صخر تاريخ ومواقف / تأليف / ص 32 وما بعدها .... أنّ بعض فرق بني صخر كانت تتبع لناحية السلط , وذلك في عام 1538م , وذلك في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني , وكانت تدفع الضرائب المقررة لتلك الدولة .
نكتفي بهذه النماذج الثلاثة لأننا في هذا المقام لسنا معنيين بالبحث التاريخي الشامل ولكن أردنا أن نصل معا إلى سرّ تمسك قبيلة بني صخر طيلة تلك القرون بحياة البداوة على الرغم من أنّ طلائع هذه القبيلة قد وصلت للشام التي تمثّل جنّة الدنيا منذ أكثر من ستمائة عام , أو تزيد , ومن بقي منهم في الحجاز كان لهم زرع في واحاتها , وعلى عيونها المتفجرة في منطقة العلا وما حولها ..... إنّ السرّ في ذلك واضح وهو يتمثل في سوء السياسة التي كانت تمارسها دول ذلك العصر , فمن ارتبط بالأرض وأتجه للزراعة تحول إلى قنّ مستعبد يكدّ ويشقى ويصادر إنتاجه دونما خضوع لقواعد الشرع الحنيف فيما يتعلق بالزكاة والخراج , وإن رفض أو ثار تعرض للسحق والمحق .......... إذن لا تلام قبيلة بني صخر على عدم ترك حياة البداوة , والتوجه لحياة الاستقرار ؛ لأنّ الاستقرار يعني الاستعباد والذل والهوان , فكان أمر طبيعيا أن ترفض قبيلة بني صخر محاولة ربطها في الأرض التي حاولها بعض حكماء شيوخها تمشيا مع سياسة الدولة العثمانية التي حاولت ذلك مع القبائل في حدود 1860م تقريبا , ومع هذا فقد بدأت هذه القبيلة في الاستقرار التدريجي منذ منتصف القرن التاسع عشر , وبدأت تملك الأرض وتزرعها بواسطة مزارعين , مع محافظتها على حياة البداوة , والترحال لعدم ثقتها بسياسة الدولة التي عانت منها الأمرين طيلة القرون الماضية ... ومما لا شك فيه أنّ هذا التوجه للزراعة لدى قادة القبيلة وبعض عشائرها يعد من المحطّات الهامّة في التاريخ المعاصر لهذه القبيلة , ويحدثنا التاريخ بأنّ من أسباب يوم ( الشيحا ) عام 1887م على الأرجح هو طمع القبائل الغازية بقمح أم العمد وماء الثمد , ظهر ذلك في حداء الغزاة وأهازيجهم ( تركية تبغي له عربود من قمحة بأم العمد .... ) إلخ ... وقد لاحظنا توجه النابهين من العشائر لوضع اليد على الأرض بما يسمّى بالخزّ قد تمّ في أواخر القرن التاسع عشر
هذه أولى المحطات في الاتجاه لحياة الاستقرار , أمّا المحطّة الهامّة فهي المشاركة في الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي وأنجاله الكرام , والتي قامت من أجل طرد الترك , وتأسيس دولة عربية حديثة , فقد شاركت قبيلة بني صخر مشاركة فعّالة في تلك الثورة , وساهمت مساهمة فعالة في تأسيس وبناء الدولة الأردنية الحديثة , وربما شعرت لأول مرّة أنّها تتفيأ ظلال دولة قامت على عقد اجتماعي بالرضا بين جميع الأطراف , ولم تقم بالقوّة والقهر , ولأول مرّة ربما في التاريخ يشعر فيه البدوي أنّه يعيش في ظلّ دولة يلجأ إليها إذا رهب , ويستغيثها إذا نكب , ويحسب حسابها إذا غضب .
" بنو صخر جزء من النسيج الاجتماعي الأردني "
إنّ قوى الفساد والاستبداد كانت تصوّر قبيلة بني صخر بأنّها شريحة معزولة عن المجتمع الأردني والشعب العربي وقضايا الأمّة , وكأنّها أقلية عرقية أو دينية منتفعة من الفساد والاستبداد , وترفض قيام دولة مؤسسات مدنية عصرية يسودها العدل والحقّ والقانون , ويصورونها بأنّها قبيلة بدوية تعيش على السلب والنهب, ولا تتورع عن سفك الدماء,وتعلن الحرب على الأحمر والأسود, وتسوم المستضعفين الخسف وترهقهم العسف,ولا تقيم وزنا لله,وتستخف به, وتتطاول عليه,ولا تتحرج من فعل الظلم,و نصرة الظالم, وسحق الضعيف,وتتعالى على الآخرين ,وتتطاول على الناس, ولا تقيم وزنا لأحد, وتطول قائمة هذه القبائح الكالحة,والرذائل الفاضحة,وتلك التهم الظالمة ... لقد قام أبالسة الشعوبيين ,وحلفاؤهم ممن قعدت بهم أنسابهم وأحسابهم بإلصاق كافّة الرذائل بهذه القبيلة وسائر القبائل العربية موهمين الجهلة من أبناء تلك القبائل بأنّها من مظاهر الرجولة,وصفات البطولة, وأخلاق الفروسية ..... وانطلت الحيلة على هؤلاء المساكين, وآمنوا بهذه المفتريات الظالمة,وما علموا أنّ من روّج لهذه الأباطيل لا يريد مسخ تاريخهم , وتسفيه أسلافهم فحسب, ولكنّه يريد مسخهم ,وإسقاطهم,والقضاء عليهم, لأهداف يضيق المقام بتعدادها,إنّه يريد أن يرى أبناء هذه القبيلة قد ضلّوا سبيلهم, وتخلقوا بهذه الرذائل التي ما أتصف بها أحد إلا وخسر الدنيا والآخرة إنّه يريدهم مسخا مشوّها يقابلهم الناس بالاحتقار والبغضاء, وينظر إليهم بالسخرية والازدراء......
لقد كذب الفاسدون والمفسدون بزعمهم أن أبناء تلك القبيلة كانوا بدوا همجا , وأعرابا أجلافا لا يهمها إلاّ السلب والنهب , والقنص والصيد , وتجاهلوا أنّ هذه القبيلة كانت قبل قيام الدول الحديثة علاوة على ارتباطها مع أكثر من 90% من عشائر وأبناء الضفتين بروابط البنعمة , والحلف , والخوّة , والتجارة , والصداقة , قد انحازت لصفّ القائد العربي ظاهر العمر ضدّ الترك , وما انقلبت عليه إلاّ لأنّه أراد استغلال أهل الأردن بجبايتهم دون رعايتهم , وتجاهلوا أنّها قاتلت قوات نابليون في مرج بني عامر , وتجاهلوا أنّها نصرت ثورة العرب الكبرى من أجل إقامة دولة عربية واحدة ترث دولة بني عثمان , وتجاهلوا انحيازها للمشروع الهاشمي الوحدوي عندما ظهرت الأصوات المبكرة الداعية للقطرية المطالبة بأردنة الدولة الناشئة , وتجاهلوا ما قدّمته تلك القبيلة من دماء في فلسطين مع الجيش العربي أو المناضلين , وتجاهلوا دعم شيوخها لثوار الشام وأحراره أيام الاحتلال الفرنسي ...... تجاهلوا وتجاهلوا وما أكثر ما تجاهلوا لقد تجاهلوا أنّ 75% من شهداء الجيش العربي في حرب 1948م كانوا من أبناء القبائل الأردنية و 25% منهم من أبناء بني صخر , تجاهلوا أنّ سند ناصر أخو صحينة الهقيش قد كرر نفس قصّة " حنظلة الغسيل " , وأنّ محمد هويمل الزبن قد كرر قصّة جون جمال .
ثمّ تحضرت الناس , وطلقت حياة البداوة , وأصبح في كل بيت شهادة جامعية ونحن على ما كنّا عليه ,مسلمون نبكي من الزلزال الذي أصاب الباكستان , عروبيون نحبّ العرب , فلسطينيون نألم لما يصيب فلسطين , أردنيون نريد للأردن الرفعة والتقدّم , نصفّق لصدام , ونلعن قاتليه وخاذليه , ونصفق لأبناء الوطن المخلصين الذين يدافعون عن كرامته , ومصالحه ، نكره الفساد والفاسدين والمفسدين نحب الهاشميين ونفديهم بالمهج والأرواح , , ومع كلّ ذلك فإنّ صورتنا هذه العروبية الوطنية الواعية الصادقة المخلصة قد غيّبت بفعل فاعل وأريد لنا أن نظهر بصورة مشوهة ننظر لها نحن قبل غيرنا باحتقار .
والحقيقة الموضوعية تقول أنّ قبيلة بني صخر ما كانت في يوم من الأيام تعيش في عزلة عن الشعب الأردني , وما كانت يوما معزولة عنه , وعن قضاياه, وإن حصل شيء من هذا القبيل فهو بفعل عوامل خارجية طارئة على مسلك هذه القبيلة,وهل كانت هذه القبيلة تعيش في عزلة عن محيطها أعندما اصطدمت بقوات نابليون في مرج بني عامر عام 1799 م ؟؟,أم عندما اصطدمت بقوات إبراهيم باشا عندما هاجم الكرك؟أم عندما انحازت إلى العرب في ثورتهم على يهود الدونمة الذين حكموا الدولة العثمانية وعزلوا سلطانها العظيم عبد الحميد؟؟ أم عندما تطوّع رجالهم للجهاد في فلسطين عام 1947م,أم عندما وقفوا سورا للبلقاء أمام الزحف الوهابي المتوحش؟؟ أم عندما قدموا قوافل الشهداء في فلسطين عام 1948وعام 1967م؟؟ وهل كانوا منغلقين عندما استقبلوا إخوانهم من مهجّري فلسطين , وأباحوا لهم أرضهم ومياههم وواسوهم بما يستطيعون ؟؟؟ وعندما حصلت فتنة أيلول عام 1970م لم يتعرضوا لهم بأذى, وغضّوا الطرف عمّا سمعوه منهم من أذى؟؟
وتقريرا لهذه الحقيقة فإنني أشير إلى الحقائق الموضوعية التالية عن هذه القبيلة:
1. ساهمت مساهمة فعّالة في زلزلة الاحتلال التركي طيلة القرون التي سبقت سقوطه وبقيت صامدة على مفترق الطرق : الطريق السلطاني الذي يصل بين الشام والحجاز , والطريق الواصل وبين فلسطين ومصر والعراق , وحوادثها مذكورة مشهورة ومن أشهرها الوقائع التي قادها دبيس الموح الفايز , وقعدان الفايز , ومحمد الخريشا وسليمان الخريشا , وغيرهم من سراة القبيلة وشيوخها العظام .
2. وقوفها في وجه الغزو الفرنسي لفلسطين في أواخر القرن التامن عشر والاحتلال المصري في الثلث الأول من القرن التاسع عشر وانحيازها لصفّ القائد العربي ظاهر العمر ضدّ الترك , والتي ما انقلبت عليه إلاّ لأنّه أراد استغلال أهل الأردن بجبايتهم دون رعايتهم .
3. ساهمت مساهمة فعّالة في الثورة العربية الكبرى بما تغني شهرته عن ذكره
4. تصدّت للغزو الوهابي المسيّس المرسل من قبل قوى إقليمية ودولية لاحتلال الأردن في عامي 1922م و 1924م وهزمته هزيمة ساحقة واستشهد منها في هاتين المعركتين أكثر من مائة وخمسين شهيدا , وفي عام 1927م تعرضوا لهجوم انتقامي غادر من قبل الوهابيين في منطقة (غرايس ) أستشهد منهم حوالي المائة .
5. ساهمت في الدفاع عن فلسطين جنودا في الجيش العربي ومتطوعين في حركة المناضلين , وقدّمت 25% من شهداء الجيش العربي في حرب 1948م .
6. مواقف شيوخها ورجالاتها المشرّفة من قضايا الشعب العربي في فلسطين وسوريا التي يسجّلها التاريخ بأحرف من نور وتأبى الشعوبية المعاصرة وأبواقها إلا تغييبها .
7. انحيازها الكامل للدولة الأردنية في فترة ما يسمى بالمدّ القومي الذي خدع بشعاراته البرّاقة كثير من الناس والذي تسبب بدمار كثير من الشعوب المجاورة ولولا موقفها آنذاك هي والقبائل الأردنية لسقط الشعب الأردني تحت نير حكم دكتاتوري دموي فعل بالشعوب المجاورة ما لم يفعله المحتلون والمستعمرون .
8. تعرضت هذه القبيلة كغيرها من القبائل والعشائر الأردنية لأذى كثير واستفزازات جارحة طيلة العامين الذين سبقا فتنة 1970م , إلاّ أنّها لم تسغل تلك الفتنة ولم تفكّر بالانتقام إذ تسامت على الجراح , وكظمت الغيظ ولم تؤاخذ السفهاء على ما كانوا يقومون به من حركات وتحركات استفزازية طيلة تلك الأعوام , ولم يسمع الذين يعيشون بين ظهرانيهم كلمة سوء .
9. تبوأ المئات من رجالها مناصب رفيعة في الدولة الأردنية في مختلف المواقع فخدموا بشرف وإخلاص , و ساهموا في بناء الأردن الحديث مساهمة فعّالة , ولم يسجّل على أحد منها قضايا فساد مالي أو إداري , ولم يشر لأحد منها بأصابع الاتهام , وحتى الثروات المتواضعة التي يملكها بعض هؤلاء الشخصيات هي معروفة المصدر فهي من أثمان أراضيهم التي ورثوها عن الآباء والأجداد الذين سقوها بدمائهم دفاعا عنها منذ مئات السنين بشهادة التاريخ .
10. الغالبية العظمى من أبناء هذه اتجهوا للخدمة في الجيش والأمن العام محققين الأمن والاستقرار للأردن تاركين دنيا الاقتصاد والمال والعمل الحرّ لغيرهم فأنتهوا برواتب تقاعد هزيلة لا تكاد تقوم بأودهم , وانتهى غيرهم بشركات ومؤسسات وعقارات وملايين .
11. لقد كانت قبل قيام الدولة ترتبط مع أكثر من 90% من أبناء الضفتين بعلاقات طيبة من ( بنعمة , وخوّة , وحلف , وصداقة ) وعندما قامت الدولة زادت تلك العلاقات ترسّخا وثباتا .
12. أن قبيلة بني صخر لم تعدّ قبيلة بدوية , فهي قبيلة تصنّف من أهل الحضر , ولا فرق بينها وبين أخواتها من العشائر المتحضرة كقبيلة عباد , وبني حسن , وبني حميدة , وعشائر البلقاء , وعشائر الكرك والطفيلة , فحياتها لا تختلف عن حياة تلك العشائر والهموم واحدة , والآمال , والآلام واحدة , ومستوى المعيشة متقارب إن لم يكن واحدا , ومطالبها واحتياجاتها واحدة .... مع التذكير بأنّ تجريد القبيلة من صفة البادية لا يجردها من الصفات والقيم النبيلة التي تتصف بها القبائل العربية , فتلك الصفات والقيم هي من خصائص وطبائع العرب بادية وحاضرة , ومن الجدير بالذكر هنا أنّ كلمة عرب في القرون المتأخرة كادت تقتصر على تسمية القبائل العربية البدوية , وفي أواخر القرن التاسع عشر عندما بدأ إيقاظ الحسّ القومي أصبحت كلمة عربي تطلق على كلّ من يتكلم اللسان العربي وإن كانت طباعه غير عربية , وإدراكا من البعض للفارق بين عرب اللسان , والعرب العرب حاضرة وبادية صار يطلق كلمة بدو على كلّ من يحمل المفاهيم , والأخلاق , والعادات , والتقاليد , والقيم العربية دون تفريق بين بادية وريف , ومدينة .....
وقد كانت النتيجة الطبيعية لهذا التاريخ المشرّف الثري بالعلاقات الطيبة التي كانت تربط هذه القبيلة بسائر قبائل الوطن , وعشائره , وعائلاته, وسعة هذه العلاقات, تنوّعها – هي ترسيخ الحسّ بالمسؤولية تجاه الآخرين , وجعل أبناء هذه القبيلة أبعد الناس عن ضيق الأفق , والتعنصر البغيض , وومع كلّ هذه الحقائق الدامغة التي أشرنا إليها يرى البعض أنّها ليست كافية لتؤهل هذه القبيلة لأنّ يكون لها صوت مسموع فيما يجري في وطنها ودولتها التي ساهمت ببنائها بالدماء الزكيّة والعرق الطهور والنفسية المتسامية التي شعارها قول سيّد عبس وفارسها عنترة بن شدّاد حيث يقول :
" يخبرك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم "
"ملخص المسيرة الاقتصادية في البادية الوسطى "
إنّ قوى الفساد والاستبداد لم تكتفي بفريتها السابقة التي تصوّر هذه القبيلة أقلية همجية ترفض الاندماج مع المجتمع الأردني وترفض دولة المؤسسات المدنية وسيادة القانون فقد أوهمت القصر كما أوهمت سائر فئات المجتمع الأردني بأنّ هذه القبيلة تعيش عالة على الدولة , ومكارم القصر حتى أصبحنا نسمع في السنوات الماضية شعار " ناس تدفع ضرائب وناس تأخذ رواتب " , وربما لا يدري القصر ولا المجتمع الأردني بأنّ هذه القبيلة قد وضعت بظروف اجتماعية واقتصادية قد حولّت أكثر من 90% منهم تحت خطّ الفقر بدرجات فأنطبق عليهم المثل العربي القائل "الذئب يغبط بذي بطنه وهو جائع " وتوضيحا لهذه الحقيقة وكشفا لتلك الفرية فإننا نضع بين يدي من يهمهم الأمر الحقائق التالية :
1. كانت قبيلة بني صخر قبل قيام الدولة قبيلة بدوية تملك ثروة هائلة من الإبل , وقطعان أقلّ من الغنم , وتملك بعض عشائرها مساحات لا بأس بها من الأراضي الزراعية الخصبة ذات التربة الحمراء , وتملك بقية عشائرها مساحات شاسعة من أراض صالحة للزراعة وإن كانت أقلّ خصوبة من الأولى , وقد مارست الزراعة بواسطة مزارعين ( فلاحين ) منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر .
2. قامت الدولة الأردنية الحديثة في عشرينات القرن العشرين فبدأت القبيلة بالاستقرار التدريجي ؛ لأنّ الدولة شجعت شباب البدو للانخراط في الجيش , وأصبحت الحدود عائقا أمام تحركات أصحاب الإبل , فبدأت هذه الثروة بالتقلص , وما جاء عقد السبعينات إلاّ وكانت قد تلاشت أو كادت , وقد كانت الأغلبية قد اتجهت للزراعة قبل ذلك بعقود من الزمن , وفي تلك الفترة كانت مصادر الدخل لابن القبيلة متعددة , فتجد لدى الأسرة قطيع من الغنم , وأرض تنتج الحبوب في كلّ عام تقريبا , بالإضافة إلى وجود مجنّد في الجيش أو الأمن يمثّل راتبه على تواضعه رافدا لدخل الأسرة , وهذه المصادر على تواضعها كانت توفّر لهم حياة الكفاف , نظرا لأنهم يعيشون حياة خشنة غير معقدة , فالسكن في بيوت الشعر ذات الأثاث البسيط ومن بنى بيت حجر فهو عبارة عن غرفة واحدة أو غرفتين , واستمرت هذه الحال حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين , وفي هذه الفترة كانت غالبية الأيدي العاملة من مواليد الثلاثينات وما بعدها في الجيش , وقوات البادية .
الدخول في النفق المظلم
ثمّ بدأ الدخول في النفق المظلم الذي سألخصه في النقاط التالية :
• التوجه للعمل الوظيفي والاعتماد الكلي على وظائف القطاع العامّ :
حيث قامت الدولة بتشجيع أبناء هذه القبيلة على الخدمة في الجيش منذ تأسيسها , وقد لاقت هذه الدعوة تجاوبا منقطع النظير , وأصبح أكثر من 50% من أبناء عشائر بني صخر جنودا , فتشكّلت قناعة في نفوس الناس بأنّ أفضل وسيلة للعيش هي العمل في القطاع العامّ الذي يوفّر لصاحبه دخلا شهريا ثابتا , وتأمينا صحيا له ولمن يعوله , ثمّ جاءت مكرمة إسكان الجيش , ومكرمة تعليم أبناء الجيش , فترسّخت هذه القناعة وتأصلت في النفوس , فانصرفت الغالبية العظمى عن العمل الحرّ , واتجهت هذا الاتجاه , وحتى القلّة القليلة التي لم تلتحق بالجيش , وبقيت تمارس الزراعة , وتربية الماشية فإنّها كانت تدير مشاريعها بطريقة تقليدية لا تكاد توفّر لها حياة الكفاف.
• كارثة بيع الأراضي :
كانت عشائر بني صخر تملك مساحات شاسعة من الأراضي وكان معدل نصيب رب الأسرة في غالبية العشائر لا يقلّ عن ألف دونم إلاّ أنّ الأراضي الشرقية لم تكن مسجّلة رسميّا بأسماء أصحابها , فسجّلت في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات فبدأت حركة بيع واسعة بأسعار زهيدة لا تتجاوز العشرة دنانير للدونم الواحد , وعندما حصلت طفرة الأراضي قبل ثلاثة أعوام لم يكن قد تبقى لهم من الأرض إلاّ أقل من 5% من تلك المساحات الشاسعة مسجلين بذلك خسارة فادحة تقدّر بالمليارات بدون مبالغة فعلى سبيل المثال تقدّر خسائر إحدى العشائر في المنطقة الشرقية القريبة من طريق ( عمّان – العقبة ) " بأكثر من مائة وعشرين مليون دينار إذ أنّ مساحة أراضيها بحدود سبعين ألف دونم بيع منها ما يقارب من خمسة وستين ألف دونم بأقل من اثنين مليون دينار , وفي طفرة الأراضي بلغت قيمتها بما يزيد على مائة وعشرين مليون دينار ....... وما حصل في أراضي تلك العشيرة حصل في أراضي سائر العشائر المجاورة التي لا تقلّ مساحاتها عن نصف مليون دونم ضاعت بحوالي عشرين مليون دينار على الأكثر وبلغت قيمتها قبل عامين حوالي مليار ونصف المليار من الدنانير .
هذا ما حصل في الأراضي الشرقية ذات التربة البيضاء أمّا ما حصل مع الأراضي الحمراء ذات التربة الخصبة فإنّ الكارثة تجلّ عن الوصف .
• أسباب بيع الأرض :
يظنّ البعض أنّهم قاموا ببيع هذه الأراضي بأثمان بخسة سفاهة وطيشا ورغبة في حياة الترف , والحقيقة عكس ذلك فقبيلة بني صخر بدأت في ممارسة الزراعة منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر , وبدأ الناس في التخلي عن حياة البداوة تدريجيا منذ تأسيس الدولة , واتجهت الغالبية العظمى لزراعة الأرض , وتأسيس القرى , وبدأوا تدريجيا في التخلي عن ثروتهم من الإبل , وما جاء عقد السبعينات من القرن العشرين إلاّ وقد قامت جميع العشائر بتأسيس قرى , ومدارس , وأصبحت غالبيتها تسكن في بيوت الحجر , وتمارس زراعة الأرض ..... وما إن بدأ عقد الثمانيات إلاّ وأصبح أكثر من 95% يملكون بيوت الحجر , وأصبح الذين يسكنونها على مدار العام لا يقلّون عن 80% , وأغلب أرباب هذه الأسر التي تقيم إقامة دائمة هم من العاملين في الجيش والأمن العام وسائر الوظائف الحكومية .
إنّ هذه الحياة الحديثة قد فتحت عليهم أبواب استهلاك لا عهد لهم بها تمثّلت في ضرورة بناء بيوت تصلح للسكن , وما يستلزمها من أثاث , وبناء بيت مستقلّ لكلّ أسرة ناشئة , ولم يعد للأسرة الممتدة وجود , إضافة لذهاب الأطفال للمدارس وما يستلزم ذلك من نفقات علاوة على ما سببه دخول المدارس من نقص في الأيدي العاملة في الأسرة إذ كان الأطفال في الماضي يستخدمون لرعاية الماشية , ومساعدة أهلهم في أعمالهم , ثمّ التحاق الطلاب في الجامعات وما يستلزمه من نفقات ..... لقد أصبحت جميع هذه المستلزمات ملقاة على عاتق ربّ الأسرة ذي الدخل المحدود الذي لا يكاد يكفي لحياة الكفاف , فتزامنت هذه الظروف المأسوية مع تسجيل الأراضي التي لم تعد زراعتها ذات جدوى اقتصادية لأسباب يطول شرحها _ وتدفق أموال المغتربين في الخليج , وغيرهم من كبار الأغنياء الذين بدأوا بشراء مساحات شاسعة بأسعار رمزية .
• قصّة الآبار الارتوازية , والزراعة المروية :
لقد اتّجه بعض النابهين من أبناء هذه العشائر للاستدانة من مؤسسة الإقراض الزراعي لحفر آبار ارتوازية في أرضهم لإحيائها , وقاموا بممارسة زراعة الخضار وبعض الأشجار المثمرة وخاصّة الزيتون فانتهت بهم الحال للإفلاس بعد أن تراكمت عليهم ديون بعشرات ومئات الآلاف اضطرتهم لبيع ما تبقى لهم من أرض ليعودوا صفر اليدين , ولم يكن إخفاقهم نتيجة تقصير ذاتي ولا قدر إلهي , ولكنّه بفعل فاعل يعرف ما يريد .
• قصة مشاريع تربية الماشية :
تقلصت الثروة الحيوانية عند هذه العشائر في عقود الستينات والسبعينات , وعندما جاء عقد الثمانينات بطفرته الاقتصادية المشهورة كانت الغالبية العظمى من أبناء القبيلة قد فقدت ثروتها من الماشية , وما كانت لتستطيع مجاراة الحياة الجديدة بإمكانياتها الذاتية , فقامت ببيع الأرض بأبخس الأثمان , واتجهت لامتلاك قطعان كبيرة من الماشية , وسمح لها بامتلاك سيارات تعامل معاملة خاصّة لخدمة مواشيها وأصبحت حياة هذه الثروة تعتمد اعتماداً مباشراً على الحكومة بما توفّره لها من أعلاف , وبسماحها للإخوة السوريين بالعمل في الأردن فاستخدموهم للعمل رعاة لهذه القطعان التي بدأت تتكاثر , والتي كان من أسباب تقلصّها في الماضي عدم وجود الرعاة إذ كان الشباب يفضّلون العمل في الوظائف الحكومية على تلك المهنة الشاقّة التي لا توفّر لأصحابها مثل تلك الامتيازات التي توفرها الوظائف الحكومية , وعلى الرغم من عودة الكثيرين من أبناء هذه القبيلة لتربية الماشية فإنّ حياتهم كانت تختلف عمّا كانت عليه الحال في العقود السابقة , فقد كانوا يملكون البيوت الحديثة , وتقيم أسرهم أغلب الوقت فيها , وأبناؤهم في المدارس , وكانوا يملكون السيارات , وتجد وسائل الحياة الحديثة في بيوت الشعر , وتغلب عليهم الإقامة لاعتمادهم على الأعلاف لا على الكلأ , وقد حاولوا أن يجعلوا من هذه الثروة مشاريع إنتاجية بعيدا عن الطريقة التقليدية التي كانت تدار بها مثل هذه الثروة في الماضي ,.... ومما تجب الإشارة إليه أنّ هذا التوجه لهذه المشاريع الإنتاجية القائمة على تربية الماشية لم يكن حكرا على قبيلة بني صخر , وإنما كان موجودا عند كثير من القبائل والعشائر التي تعدّ من أهل الحاضرة كعشائر بني حميدة والبلقاء والكرك وغيرها ..... ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أنّ الذين توجهوا هذا التوجّه كانت نسبتهم تتجاوز بحدود ال 30 % من أبناء القبيلة , والبقية الباقية ظلّت على حياتها السابقة المستجدة وأعني بها الاعتماد على وظائف القطاع العامّ , والإقامة الدائمة في القرى والمدن ..... وعندما جاء عام 1996م تعرّض أصحاب الماشية لهزّة عنيفة متعمدّة مكشوفة مما أدى إلى تقلّص نسبة العاملين في هذا القطاع إلى نسبة قد لا تتجاوز 3% على الأكثر , وعادت البقية للبحث عن وظائف القطاع العامّ , أو صندوق التنمية ........ وما عادت تربية الماشية تشكّل مشاريع إنتاجية إلاّ لمثل تلك النسبة , وإن كانت بعض الأسر تقتني أعدادا قليلة من الماشية لا تكاد تذكر لغاية أن تكون من روافد دخل الأسرة الضئيل المتآكل .... ونستطيع أن نقرر هنا أنّ الثروة الحيوانية التي كانت تملكها القبيلة خاصّة في لواء الجيزة قبل عام 1996م لم يتبق منها إلاّ حوالي 10% أو أقلّ .
• قطاع النقل :
عندما بدأ قطاع تربية الماشية في الانهيار عام 1996م اتجّه كثير من أبناء البادية الوسطى إلى بيع ثروتهم من الماشية بثلث قيمتها , ومنهم من باع ما تبقي من أرض بثمن بخس واشتروا ( شاحنات ) = تريلات فاستمرت أمورهم مستقيمة نوعا ما حتى عام 2004م فنكب هذا القطاع بإجراءات أخطرها حلّ "الشركة الموحدة للنقل البري " الذي جعل قطاع النقل الأهلي الذي كان بحدود ثمانين ألف شاحنة يعتاش منها أكثر من مليون ونصف من البشر في مهب الريح , وتحول إلى كارثة على أصحابه تجلّ عن الوصف, وكنت قد قدمت دراسة مفصّلة لتلك المأساة في بداية عام 2005م إلى لجنة النقل في مجلس النواب وبكلّ أسف فإنّ الحكومة آنذاك لم تلتفت لتلك الصرخة المدويّة واستمرت في تلك الإجراءات حتى أصبح هذا القطاع في عداد الأموات ...... علما بأنّ إنقاذ هذا القطاع لا يحتاج إلى معجزات كما يدعي الحيتان ومصاصوا الدماء , فإنقاذه لا يحتاج إلاّ إلى وقفة صادقة مخلصة ووزارة نقل تمثّل الأردن لا مجرد وزارة لتمثيل أصحاب الشركات والسماسرة الذين دمّر هذا القطاع لصالحهم , فتسمع شكوى أصحاب هذا القطاع ومطالبهم العادلة , وستكتشف أنّ إعادته للحياة لا يحتاج إلى أكثر من إجراءات سهلة منصفة تعيد له الحياة
• قرار منع حفر الآبار الارتوازية غربي سكّة الحديد .
تحدثت عن قصّة بيع الأراضي , ومن تبقى له قطعة أرض الآن غرب سكّة الحديد فإنّه ممنوع من حفر بئر ارتوازي فيها , فأصبحت مياه تلك الأراضي الجوفية من نصيب أولئك الوافدين للمنطقة الذين اشتروا الأراضي بأبخس الأثمان وحفروا فيها الآبار قبل قرار المنع , وأمّا أصحاب الأرض الأصليين الذين احتفظوا بقسم من أرضهم , ولم يتمكنوا من حفر الآبار فيها سابقا فأرضهم بقيت معطلة خرابا تثير الأسى والشفقة وقد أحاطت بها المزارع الخضراء المرويّة من الآبار الارتوازية التي حفرت قبل قرار المنع .
الواقع التعليمي
عانت قبيلة بني صخر كغيرها من قبائل العرب من الأمية ونقص التعليم طيلة قرون , وعند تأسيس الأردن الحديث اهتمت الدولة ببناء المدارس منذ تأسيسها وما جاء العقد السابع من القرن العشرين إلاّ وكان جميع أطفال الأردن في المدارس وإذا نظرنا إلى أحدث القرى تأسيسا والتي أنشئت مدارسها في بداية عقد السبعينات , فإنّنا نجد أنّ أكثر من 90% من مواليد عقد الستينات من الجنسين قد دخلوا المدارس , وأمّا الأجيال التي بعدهم فإن نسبة لا تقل عن 80% قد أنهوا المرحلة الإلزامية ( الصف التاسع ) , والذين وصلوا المرحلة الثانوية لا تقل نسبتهم عن 50% , ولئلا يظنّ ظانّ بأنني أبالغ فإنني أودّ أن أتخّذ قرية الزميلة / لواء الجيزة أنموذجا , فهذه القرية تأسست وأفتتحت مدرستها في العام الدراسي 1970/1971م وفيها الآن بحدود خمسمائة أسرة من بني صخر , فيها ما يزيد على المائتين من حملة الشهادات الجامعية من الجنسين علاوة على عشرات الجامعيين والجامعيات الذين لا يزالون على مقاعد الجامعة , ولا أريد أن أقول أن نسبة الذين أنهوا المرحلة الأساسية من مواليد أواخر الستينات وما بعدها تصل إلى 99% .... هذا في قرية حديثة التأسيس نسبيا فكيف بقرى تأسست مدارسها قبلها بعقود ؟؟ لا أريد أن أقول أن حملة شهادة الدكتوراة والماجستير من أبناء هذه القبيلة بالمئات وحملة البكالوريوس بالآلاف , ,ودعك من مئات الشخصيات الذين شغلوا مواقع قيادية في مؤسسات الدولة , وفي القوات المسلحة .......
" الواقع الحالي لقبيلة بني صخر "
الواقع الحالي يتلخص بما يلي :
1. ما من بيت في البادية الوسطى إلاّ وفيه جامعي على الأقل من الجنسين أو طالب على مقاعد الدراسة في الجامعة أو على طريق الدخول فيها, وهؤلاء أغلبهم يدرسون على نفقة ذويهم , ومن غطيت نفقات دراسته جزئيا من قبل المؤسسات المعنية بهذه الشؤون فإن نفقاته الشخصية التي يدفعها له ربّ الأسرة المتمثلة بمأكله وملبسه ومواصلاته وسكنه وكتبه لا تقلّ عن مائة وعشرين دينارا شهريا تترتب على أسرة لا يتجاوز دخلها في أحسن الأحوال عن ثلاثمائة دينار شهريا , فكيف إذا علمنا بأنّ بعض الأسر عندها أكثر من طالب جامعي .
2. ما من بيت إلاّ وفيه شاب عاطل عن العمل على الأقل , وأكثرهم من حملة الشهادات الجامعية من جامعات حكومية قبلوا فيها بإشراف رسمي وعندما تخرجوا منها قيل لهم : لا حاجة للسوق بتخصصاتكم !! (تخصصات العلوم الإنسانية ) نظرا لنقص الفروع العلمية وتدني مستوى المدارس و التي دخلت القرن الميلادي الثالث وهي لا تزال تصنّف تحت بند الأقل حظّا .
3. المصانع الموجودة في المنطقة لم تساهم مساهمة جادّة في حلّ مشكلة البطالة فهي تستخدم هؤلاء الشباب برواتب متدنية لا تصل المائتين مقابل عمل في ظروف صعبة وخطيرة .... والأعجب من ذلك أنّ وزارة التربية الموقّرة لم تستجب لمطالبات الناس المتكررة في لواء الجيزة منذ عام 2003م بفتح مدرسة مهنية لتأهيل الشباب للعمل في لواء فيه أكثر من مائة وسبعين مصنعا , واكتفت بفتح فرع فندقي في مدرسة الجيزة الثانوية وهو اللواء الذي لم يدخل أهله فندقا قط , ولا يوجد فيه فندق قط .
4. كانت الخدمة في الجيش والأمن العام وقوات البادية هي الملاذ لشباب البوادي العاطلين عن العمل إذ كان مفتوحا لهم بدون واسطات أو شفاعات , وفي السنوات الأخيرة أصبح القبول فيهما لا يتمّ إلاّ بشفعاء ووسطاء ومع هذا لا يقبل إلاّ القليل .
5. أكثر من 80% من الأسر في البادية الوسطى لا يتجاوز دخلها الشهري الثلاثمائة دينار . وفاتورة الأسرة الشهرية لمستلزمات الحياة الضرورية لا تقلّ عن ستمائة دينار غير شاملة لنفقات التعليم الجامعي والواجبات الاجتماعية .
6. كلّ شاب في البادية يريد الزواج يحتاج إلى مبلغ لا يقلّ عن عشرين ألف دينار أردني لبناء بيت من الطوب المغشوش الممكيج بقليل من الأسمنت ومما لا بدّ منه من أثاث بسيط ومهر , وإن أراد توفير ذلك من راتبه إن ساعفه الحظّ بوجود عمل في القطاع العام أو الخاصّ فهو بحاجة إلى حوالي عشرين عاما في الجمع والتوفير والتقتير . وتزداد الصورة قسوة إذا علمنا أنّ 70% من المجتمع الأردني هم من الشباب تحت سنّ الثلاثين , وتصبح الصورة مرعبة أكثر إذا علمنا بأنّ 90% من الشباب الذين بلغوا سنّ الزواج يعيشون هذه المعاناة , وهذا هو سرّ إحجام الشباب عن الزواج بعيدا عن تحليلات العائشين في الأبراج العاجية .
7. وتتضاعف المأساة عندما تجبر الحكومة الشباب على الإنفاق على أسرهم ضمنا وذلك أنّها تقوم بقطع راتب الأسرة التي تعتاش على صندوق المعونة الوطنية إذا تعيّن أحد أبنائها في وظيفة ما , متجاهلة أنّ هذا الشاب بحاجة إلى التوفير لبناء نفسه , وتجلّ الكارثة عن الوصف إذا علمت بأنّ صندوق المعونة الوطنية لا يقرر راتبا لأسرة فقيرة إن وجد فيها شباب فوق سنّ الثامنة عشرة وإن كانوا عاطلين عن العمل !!
8. ما من بيت في البادية أو سيارة أو زواج أو شهادة جامعية منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين إلاّ ووراءه قصّة بيع قطعة أرض ارتوت من دماء الأجداد , واليوم ذهبت الأرض كلّ الأرض ولا تزال الحياة تدفع بمزيد من شباب بحاجة إلى بيوت وزواج وجامعات .
"السياسات الاستفزازية لعامّة الناس "
وزيادة على هذا الواقع المأساوي فإننا نضع بين يديّ دولتكم نماذج من السياسات الاستفزازية التي كانت تمارسها الجهات الرسمية والحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الماضية , ولا تزال , وتلك السياسات منها ما يختصّ بقبيلة بني صخر ومنها ما يشاركهم فيها جميع الشعب ,وإليكم طائفة منها :
1. الاعتداء على واجهة عشائر بني صخر وذلك بقيام بعض المتنفذين في الثمانينات بتسجيل عشرات الآلاف من الدونمات بأسمائهم وأسماء أصحابهم في تلك الأرض التي تعدّ ملكا مشاعا لهذه القبيلة بموجب نصّ المادّة السادسة من قرار تقسيم الواجهات العشائرية عام 1945م والمحفوظ في قيادة البادية ودائرة الأراضي والمساحة .
2. المحاولات التي تجري الآن من بعض المتنفذين لعرقلة " مشروع تقسيم وتفويض واجهة عشائر بني صخر " التي وعد بها جلالة الملك , والتي تعدّ من الحقوق التاريخية لهم , والتي كانت نهبا مشاعا لبعض المتنفذين طيلة العقود الماضية .
3. قبل عدّة أعوام قام الديوان الملكي العامر بتوزيع مئات الآلاف من الدنانير في لواء الجيزة على أشخاص من رجال ونساء من عائلات محدودة , وبالمقابل حرم من هذه الأعطيات عشائر كاملة يعدّ رجالها بالآلاف , وفيها أعلى نسبة من حملة الشهادات الجامعية , وطلاب على مقاعد الدراسة الجامعية , وفيها فقر مدقع بشهادة الإحصائيات الرسمية التي تزامنت مع توزيع تلك الأموال !! .
4. حرمان الأغلبية الصامتة من بعثات الديوان الملكي العامر ومن الأمثلة على ذلك مجموعة قرى بلدية العامرية ( الزميلة , خان الزبيب , ضبعة وضبيعة , الخالدية العامرية , العرين ) والتي تسكنها العشائر التالية : ( المسلَم , العبد القادر من الزبن , الصبيح , السطول الطلاق , الشموط , العطايا , الخزون ) علمت أكثر من أربعمائة طالب جامعي , ولا يزال لها عشرات الطلبة على مقاعد الدراسة الجامعية إلاّ أنّ بعثات ومنح الديوان الملكي لم تساهم في تدريس طالب واحد قط من أبناء هذه الشريحة المظلومة المهمّشة التي تعاني من الفقر المدقع والبطالة المرعبة .
5. سياسة الإذلال في توزيع "طرود الخير الهاشمية " , إذ تجد مئات العجائز والشيوخ في طوابير يقفون الساعات الطوال تحت لهيب حرّ الصيف أو زمهرير الشتاء عند مقاطعة الجيزة في مشهد يمزّق القلب ليحصلوا على تلك المعونات ........ ولا ندري ما الذي ضرّ الجهات القائمة على توزيع هذه المساعدات لو اقتدت بجماعة الإخوان المسلمين أو الجمعيات التبشيرية التي توصل هذه المساعدات لبيوت المستحقين ولاسيّما أنّ الحكومة والبلديات وقيادة البادية تملك أسطولا من السيارات التي تكفي لتنفيذ عشرة أضعاف هذه المهمّة .
6. الحرمان من مشاريع إسكان الفقراء : فقد صنفت قرى لواء الجيزة وقضاء أمّ الرصاص في الإحصائيات الرسمية عام 2005م بأنّها من أفقر مناطق المملكة , ويوجد فيها أراض مسجّلة في خزينة الدولة بآلاف الدونمات, وفي هذه القرى مئات الشباب الفقراء العاجزين عن بناء بيوت لتكوين أسر , ولم يفكّر أحد بإنشاء سكن لهم على قطعة من تلك الأرض ليشعروا بأنّهم جزء من هذا الوطن الذي تذهب مكارم قيادته ذات اليمين وذات الشمال وهم محرومون منها .
7. نقص وتدني مستوى الخدمات الضرورية في مجال الصحة والتعليم والشوارع والكهرباء , والمماطلة في تنفيذ تلك الخدمات بعد اقرارها السنوات الطوال , وتحويل مخصصاتها لمناطق ليست بحاجة ملحّة .
8. في منطقة لواء الجيزة والموقّر مئات المصانع والشركات التي تلّوث الماء والهواء ولم تساهم في حلّ مشكلة بطالة شبابنا الجامعي في وظائفها الإدارية , وأمّا اليد العاملة فشغلت نسبة ضئيلة برواتب سقفها مائة وخمسون دينار فقط . ومن الملفت للنظر ممارسة أصحاب تلك المصانع لضغوط نفسية على من يعمل بهذه المصانع والشركات من أبناء البادية بشكل خاصّ, وأبناء الوطن بشكل عامّ, تضطرهم لترك العمل, ومن أبرز تلك الممارسات تدني رواتب هذه الفئات قياسا مع رواتب العامل الوافد, ففي إحدى هذه المصانع كان يعطى الفني من أبناء البادية 150 دينار على الأكثر بينما يعطى الوافد الذي لا يمتاز عنه بشيء ضعف هذا المبلغ وفي أحد هذه المصانع كانت تعطي الحداد الأردني 150 دينار, وتعطي حدادا وافدا 500 دينار ولم يشفع له أنّه أكثر مهارة من ذلك الوافد.... ومن تلك الضغوط التي تمارس ضد أبناء البادية بشكل خاصّ , والعامل الأردني بشكل عامّ هو جعل المراقبين على العمال من العمالة الوافدة والتي تنتهج سياسة (التطفيش) للعمالة الوطنية, وكذلك عدم شعور العامل في هذه المصانع والشركات بالأمن الوظيفي إذ يأتي الاستغناء عن خدماته كالأجل...
9. الصمم الرسمي المتعمد تجاه مطالب الناس : ومن الأمثلة الحيّة على ذلك قيام أهالي بعض تلك القرى بتقديم دراسة شاملة تتضمن مشكلات بعض القرى ومطالبها , ومشاريع مقترحة غير مكلفة , وقدّمت لوزير التخطيط في شهر كانون الثاني عام 2004م فأعجب بها , ووعد خيرا , وظلّت لجان وزارة التخطيط تجوب المنطقة عامين كاملين ولم تنفذ ولو مشروعا واحدا من تلك المشاريع , وفي أواخر عام 2009م قدمت تلك الدراسة والمطالب إلى معالي النائب الأمثل مجحم حديثة الخريشا فأوصلها للديوان الملكي العامر في شهر كانون ثاني من عام 2009م فحولها الديوان الملكي لرئاسة الوزراء التي حولتها بدورها للجهات المختصّة , والمؤسف أنّ تلك الجهات قد أقرت بعدالة تلك المطالب , واتخذت قرارات بتنفيذ كثير منها إلاّ أنّ تلك القرارات بقيت في الأدراج ثمّ تبخرت ولم ينفذ منها شيء قط .... ولنضرب لكم مثالا من نتائج الصمم الرسمي التي دفعت الناس للاحتكام للشارع : فقد زار وزير التخطيط في شهر كانون ثاني من عام 2004م "قرية الزميلة " التي تعدّ من أكبر قرى لواء الجيزة على الإطلاق , وطلبوا منه جسرا للمشاة لقرية الزميلة ؛ نظرا لكثرة حوادث الدهس التي وقعت في هذه القرية , فوافق , وحوّل مخصصات ذلك الجسر لوزارة الأشغال فورا , وقام الأهالي بمراجعة الوزارة التي كانت تماطل بالتنفيذ , فدهس طفل من أبناء هذه القرية أختلط لحمه بالإسفلت , فذهب الأهالي يشكون لوزارة الأشغال لعلّها تتكرم بالموافقة على تنفيذ القرار , حيث وقع الحادث بعد زيارة وزير التخطيط بعدّة شهور , وفي عام 2006م أي بعد عامين من تلك الوعود والتي كانت مخصصاتها متوفرّة لدى وزارة الأشغال وهي تماطل في تنفيذها وقع حادث آخر دهست فيه امرأة أرملة تعيل بنات أيتام فأضطر الأهالي لإغلاق شارع عمان العقبة , ونشر الحادث على الفضائيات فأدركت الجهات المختصة حينئذ أن الأمر يستحق التفاتة منها , والغريب أنّه بعد تلك الحادثة بعشرة أيام فقط كان الجسر يقف شامخا , وهو الذي اختفى في الأدراج عامين كاملين !! فهل المطلوب ألاّ ينفذ طلب لهذه القرى إلا باعتصامات , وقطع طريق , ومصادمة مع رجال الأمن ؟؟ وتكررت القصّة ولكن على نطاق أوسع في فضيحة البلديات الأخيرة التي أجبرت لوائي الجيزة والموقّر على إغلاق الطرق الرئيسية يوم الأربعاء 12/10/2011م , والتي كانت نتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة القائمة على تجاهل مطالب الشعب , وتجاهل آراء النواب الصادقين , وآراء الحكام الإداريين المخلصين , وضرب كلّ ذلك بعرض الحائط بأسلوب استفزازي يثير علامات استفهام كبرى على مثل تلك التصرفات التي تدفع الوطن للهاوية .
10. المماطلة المتعمدّة في إنشاء مستشفى في لواء الجيزة , وتجاهل مساحته الواسعة وعدد سكانه , وتجمعاته السكانية المتناثرة وحاجته الملحّة لذلك ، ثمّ تأتي قصّة المستشفى الميداني الذي وضع في بلدية العامرية لإلهاء الناس عن المطالبة بمستشفى علما بأنّ هذا المستشفى الميداني يفتقر للعلاجات اللازمة والكوادر الطبية والمستلزمات والأجهزة الطبية !
11. سياسة التعطيش المتعمد :إذ تعاني قرى لواء الجيزة من نقص في المياه بما في ذلك القرى الواقعة على الخط الرئيسي , ولتتضح طبيعة هذه المعاناة وأسبابها نضرب مثلا حيّا بقرية العرين ( حمام الشموط ) التي تسكنها عشيرة الشموط التي يتجاوز تعدداها ثلاثة آلاف نسمة , فقد وصلتها المياه منذ أكثر من عشرين عاما وهي مع ذلك تعاني من شح المياه إلى درجة العطش , والسبب في ذلك يعود إلى تلك المزارع الصغرى التي يملكها أثرياء عمان , والتي تنتشر على جانبي طريق حمام الشموط , وكذلك مزارع الدواجن والأبقار لبعض المستثمرين التي تأخذ مياه هذا الخط لري مزارعهم , ودواجنهم , وأبقارهم , وقد جأر أبناء هذه القرية بالشكوى منذ عشرين عاما لجميع المسؤولين والمتنفذين فلم يسمع أحد صوتهم أو يأبه لعطشهم .
12. الحديث عن الطرق في البادية الوسطى يدمي القلب فعلاوة على اهمالها وعدم صيانتها وما تعانيه من مطبّات وحفر فإنّها تعاني من خلل هندسي واضح فاضح يتمثّل في تلك (المنعطفات الخطرة ) التي لا مبرر لها من أمثلتها شارع الجيزة – جلول , الجيزة – أم رمانة , شارع حمام الشموط , شوارع قضاء أمّ الرصاص ... إلخ .
13. التدمير المتعمد للبيئة ومصادر المياه من قبل المصانع ومحطات التنقية وكسارات الحجر ومصانع الأسمنت ومكبّ نفايات سواقة .... والأخطر من ذلك استهداف قبيلة بني صخر بشكل استفزازي متعمد بتلك المشاريع المؤذية بدءا من مكبّ نفايات مأدبا الذي كان يؤذي القرى المجاورة له منذ أكثر ستين عاما , ومرورا بمكبّ سواقة وخطره على المياه الجوفية والمراعي , وانتهاء بمحطّة تنقية الجيزة التي فرضت علينا قبل عامين ..... أمّا الكسارات ومصانع الاسمنت ومزارع الدواجن وتدميرها للبيئة فأمر تغني شهرته عن ذكره ..... وبمناسبة الحديث عن المصانع وأضرارها على البيئة فإنّ الناس كانوا يشعرون بالقهر والضيم عندما كانت تلاحقهم دوريات السير وتخالفهم على انبعاث الدخان من مركباتهم في الوقت الذي تصمّ فيه الجهات الرسمية آذانها وتغلق عيونها عن سحب الدخان التي كانت تغطي المنطقة والتي كانت تنبعث من تلك المصانع وخاصّة مصنع الحديد في منطقة أرينبة الغربية / لواء الجيزة .... وتقابل شكاوي الناس بالزجر والنهر والإنكار والاستنكار والاستكبار مما خلق في النفوس انطباعا بأنّ الجهات الرسمية ما هي إلاّ خادم وحارس لأصحاب تلك المصانع , ولا يعنيها صحّة المواطنين ولا بيئة الوطن .
14. قصّة حجر الخريم : الخريّم منطقة زراعية تملكها عدّة عشائر من عشائر فرقة العامر ( الزبن , الخزون , الصبيح ) , وعند إعلان التسوية فيها في ثمانينات القرن العشرين قام مدير تسوية الجيزة بتسجيل أكثر من خمسة عشر ألف دونم بخزينة الدولة وفيها أكثر من عشرة آلاف دونم صالحة للزراعة وتعود ملكيتها لعشائر " الصبيح والخزون والزبن " مستغلا جهل الناس وفقرهم , وبحجّة أنّ هذه الأرض فيها حجر يعتبر من الثروة الوطنية التي لا يجوز حيازتها فرديا ثمّ أصبحت تلك الثروة نهبا مشاعا لبعض المتنفذين وتجّار الحجر فحرمت من تلك الثروة خزينة الدولة , وحرم أهلها من الاستفادة منها ..... وقد طالبوا وصرخوا وبعثوا البرقيات إلى رئاسة الوزراء ولكن ما من مجيب !! طالب أهالي العامرية وزارة التخطيط عام 2004م أن يستغل ذلك الحجر الذي يذهب هدرا لجيوب حفنة من بعض التجار والمتنفذين لإحياء هذه المناطق التي تعاني من الفقر والجوع فوعدت خيرا ثمّ تبخرّت الوعود , هذا وقد أثار هذا الموضوع سعادة النائب الأسبق د. غازي الزبن وناضل لتصويب الأوضاع , وتلبية مطالب الناس إلاّ أنّ الجهات الرسمية اكتفت بالوعود !!
15. وللحديث عن منطقة الخريّم بقية فهو منطقة زراعية فيها عشرات الآبار الارتوازية اضطر أصحابها لإغلاقها منذ أكثر من ربع قرن لعدم وجود شارع زراعي وعدم توصيل الكهرباء لها , علما بأنّ شارعها لا يتجاوز ثمانية (8) كلم , والكهرباء لا تبعد عنها إلاّ حوالي تلك المسافة فقط
16. انتشار تعاطي المخدّرات في أوساط شباب البادية الوسطى لم يعد سرّا فإنّ ظنّ البعض أنّ ذلك يلهيهم عن المطالبة بحقوقهم فإنّهم لا يدركون العواقب الوخيمة لتفشي هذه الظاهرة في أوساط الشباب التي ستحولهم إلى مرتع خصب لعصابات الأعداء التي جندت أمثالهم في كثير من البلدان ضدّ أوطانهم وإخوانهم ..... إنّ الناس يعتقدون أنّ الحكومات متواطئة بنشر هذه الآفة بدليل أنّه عندما يعتقل بعض المروجين لا يمكثون إلاّ عدّة أيام ثمّ يفرج عنهم , ويتهامس الناس بأنّ هذه السموم تباع لصالح بعض الكبار .
17. استهداف أبناء قبيلة بني صخر من الضباط في القوات المسلحة , والأجهزة الأمنية بالإحالات على التقاعد المتواصلة منذ سنوات بشكل ملفت للنظر بحيث لم تترك تلك السياسة منهم إلاّ القليل القليل .
18. في شهر آذار من عام 2011م في الوقت الذي بلغ فيها الاحتقان والسخط الشعبي الأوج , وفي الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام عن فساد في أمانة عمّان يتفاجاء أهالي بلدية العامرية / لواء الجيزة وقضاء أم الرصاص بفريق من " دائرة التخمين لضريبة الأبنية والأراضي التابعة لأمانة عمّان " تهاجم هذه القرى المنكوبة لتقييد الضرائب المترتبة على بيوتهم وما تبقى لهم من أراض زراعية لم تنتج طيلة العقد الماضي فلسا واحدا , وقد قدّرت هذه الأراضي بأسعار خيالية , والعجيب الغريب أن أهالي تلك المناطق عندما طالبوا وزارة الزراعة بالتعويض عن موسم 2009م رفضت وزارة الزراعة تعويضهم بحجّة أنّ تلك الأراضي لا تصلح للزراعة ؛ لأنّ كميّة أمطارها السنوية أقلّ من المعدّل الذي يؤهلها لأنّ تعامل معاملة الأرض الزراعية , ثمّ بعد عام ونصف تأتي أمانة عمان لتعتبرها أراض زراعية منتجة يترتب عليها ضريبة ؟؟؟؟ والجهات التي اوعزت بهذا العمل تتجاهل أنّ الإحصائيات الرسمية عام 2005م قد صنفت قضاء أمّ الرصاص ومنطقة العامرية باعتبارها أفقر مناطق جيوب الفقر , ولا ندري ماذا جدّ عليها في عام 2011م إلاّ ضياع أموالها التي ابتلعتها البورصة وتركتها صفر اليدين.
19. كثرة الأخطاء الطبية التي أودت بأرواح كثير من المواطنين طيلة السنوات الماضية ففي لواء الجيزة وحدها قبل أربعة أعوام وقعت ثلاثة حوادث في عام واحد أدت إلى وفاة ثلاث أمهات خلفن وراءهن أطفالا أيتاما وأزواجا أرامل , وذهبت تلك الدماء هدرا بدون حسيب أو رقيب أو تعويض ؛ وتبين أنّه لا يوجد في الأردن ونحن في اللألفية الثالثة _ قانون للمساءلة الطبية , وتبيّن أنّ معالي الوزير الأمثل وليد المعاني عندما حاول سنّ ذلك القانون عندما كان وزيرا للصحة غضب منه كبار الأطباء ونقابتهم , وأقيل الوزير المذكور , وبقيت الأمور سائبة لئلا يحاسب الطبيب على أخطائه !!
20. تدني مستوى الخدمات الصحية ونوعية العلاج للفقراء والمشمولين بنظام التأمين الصحي , والعذاب والذلّ الذي يقاسيه المواطنون في مراجعة المستشفيات الحكومية , وقد دفعت هذه السياسة الفقراء للصبر على آلام الأمراض واللجوء للمشعوذين والأطباء الشعبيين .
21. التلاعب في مشاريع مكافحة التصحّر وتبديد الأموال الطائلة فيما لا قيمة له من المشاريع بأساليب تستخفّ بعقول المواطنين وتدفعهم للسخط والاحتقان .... فهل يعقل أن تشجير مائة دونم بشجيرات (القطف ) يكلّف ربع مليون دينار مثلا !! وهل يعقل أن يتبجّح المدير القائم على المشروع بالحديث عن ذلك أمام وزير زراعة وجمع من المواطنين والهيئات المانحة ولا ينتبه معاليه إلى ذلك ؟؟؟ حصل ذلك عام 2005م في زيارة وزير الزراعة لقرية رابية المحارب .
22. ويقابل ذلك حرمان البادية الوسطى من أيّة مشاريع ناجحة علما بأننا قدمنا لوزارة التخطيط عام 2004م دراسة شاملة تضمنت عدّة مشاريع ناجحة وغير مكلفة لإنعاش المنطقة , وتلقاها وزير التخطيط باعجاب واستحسان وبقيت لجان التخطيط تجوب لواء الجيزة عامين ونيّف , ولم ينفّذ من تلك المشاريع شيء !!
23. مآسي مراكز الأعلاف المزمنة : لقد تبنت الدولة دعم الثروة الحيوانية بتقديم أعلاف (شعير + نخالة ) بسعر مدعوم فيما يزعم المسؤولون منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين وهذا العلف المدعوم يغطّي فعليا 40% من حاجة أصحاب الماشية , فكان الناس يلجأون لتزوير الإحصاءات للحصول على كمية أكثر لتغطي حاجتهم بالسعر المدعوم , ثم تشكّلت مافيات لا تملك رأسا واحدا من الماشية تأخذ أكثر من 30% من العلف بالسعر المدعوم وتبيعه على أصحاب الماشية بالسعر الحرّ ..... والغريب أنّ جميع محاولات ضبط هذا الأمر كانت تذهب سدى مما ينبيء بتورط جهات رسمية بذلك التلاعب المكشوف علاوة على التلاعب بالوزن ....... والأغرب من ذلك أنّ أولئك التجار أو اللصوص كانوا يحصلون على كمياتهم بسهولة ويسر , أمّا أصحاب الماشية الفعليين فيمضون الأيام الطوال ينتظرون أمام مراكز الأعلاف في لهيب الصيف وزمهرير الشتاء .... ومهما يكن من أمر فقد كان التعامل المتّبع طيلة العقود الماضية في هذا الشأن يثير سخط الناس وحنقهم فيلوذون بالصمت لأنّهم لا يجدون من يريد سماع صوتهم .
24. سياسة الاستفزاز التي مارسها الأمن العام في السنوات الثلاثة الماضية التي تمثّلت بكثرة دوريات مراقبة السير , والتفنن في المخالفات , والاعتداء على المواطنين جعلت عوام الناس يعتقدون أنّ المطلوب منهم هو الثورة على هذه الأوضاع , وقد بقيت تلك السياسة حتى استلم عطوفة الفريق حسين هزاع المجالي منصب مدير الأمن فأختفت تلك السياسة الاستفزازية .
25. التسيّب الأمني المقصود إذ يلقى القبض على السارقين وبعد عدّة أيام يتمّ الإفراج عنهم ؛ ولذلك فإنّ الناس يتهامسون بأنّ كثيرا من المطلوبين من السرّاق والنصابين هم على علاقة شراكة مع بعض المتنفذين .
26. قضية البورصة : إنّ الناس يعتقدون أنّ الحكومة تآمرت عليهم , وأغلقت مصدر رزق اعتاش منه الناس عدّة سنوات لصالح البنوك , وحقّ لهم أن يعتقدوا ذلك لأنّ تصريحات المسؤولين أبان تلك الحملة كان يؤكد هذا الاعتقاد , ومن أمثلتها تصريح أحد الوزراء بقوله : " لا نريد أن يعتاد المواطن على الربح السريع أو الثراء السريع " أو كلاما بهذا المعنى !!
27. قضية وجود النفط في الأردن , وتخبطات المسؤولين في تصريحاتهم حول وجود بئر النفط الواقع في منطقة الجفر قبل عامين , ذلك البئر الذي فضح الحكومة في فترة ارتفاع أسعار النفط عالميا عام 2008 م , وصرّح آنذاك الوزير المختصّ على التلفزيون بأنّ عدم وجود شارع يخدم ذلك البئر هو الذي يحول دون الاستفادة منه !!
28. عجز القضاء المدني عن إنصاف الناس :لقد أجمعت الإنسانية على اختلاف مذاهبها , ومشاربها , وأجناسها في القديم والحديث على احترام مؤسسة القضاء ؛ لأنّها المؤسسة التي ترتفع بالإنسانية من مقام "حياة الغاب الحيوانية" إلى الحياة الإنسانية النبيلة التي يستحقّ أهلها الاستخلاف في الأرض والوصاية عليها ..... وإنّ أيّ خلل في مؤسسة من مؤسسات المجتمع الإنساني يسهل إصلاحها ما دامت مؤسسة القضاء صالحة , فإن تسرب لها الخلل أصبح الإصلاح مستحيلا أو شبه مستحيل ؛لذلك رأينا أن نضع بين يدي دولتكم ظاهرة خطيرة لم يلتفت لها قادة الفكر والرأي ربما لبعدهم عن هموم الناس الحقيقية , وانشغالهم بالتنظير من أبراج عاجية , وكذلك لعجز المكتوين بنارها من طرحها ربما بسبب جهلهم بالمنابر التي ممكن أن تتيح لهم الحديث فيها أو عدم قدرتهم على التعبير عنها بوسائل التعبير المعاصرة . إنّ هذه الظاهرة هي تهاون المحاكم النظامية بكثير من القضايا ومن أبرزها قضايا الإيذاء التي نصّت عليها الموادّ " 333" وما بعدها من قانون العقوبات , وإليك ما يجري في مثل هذه القضايا : يقوم شخص قويّ البنية أو مجموعة أشخاص بالاعتداء على شخص أو أكثر في مشاجرة غير متكافئة فيوسع المعتدى عليه ضربا , وركلا , ولكما حتى يسقط على الأرض فيُدعَس على رأسه , ويداس في بطنه _ ثمّ يقوم المعتدي بالذهاب مباشرة للمركز الأمني , ويقدم شكوى ضدّ الضحية , ويذهب إلى مستشفى خاصّ فيحصل على تقرير يفيد بأنّه تعرض للضرب , وربما نام في ذلك المستشفى , وعندما يأتي الضحية إلى المحكمة يتفاجأ بأنّه مشتكى عليه من قبل الذي اعتدى عليه , فيصبح أمام خيارين لا ثالث لهما : إمّا أن يسقط شكواه عمن اعتدى عليه , ويصطلح معه , وإمّا أن يودعا السجن معا !! والعجيب أنّ المدعي العام يكتفي بشكوى كلّ من الطرفين , ويعتمد ما يقدمانه من تقارير طبية .... فكان هذا النهج المتبع في هذه المحاكم من الأسباب الرئيسية للعنف المجتمعي الذي ظهر بشكل مرعب في الأعوام الماضية ,... ونؤكد هنا بإنّ مثل هذه الإجراءات التي تتعامل بها المحاكم في مثل هذه القضايا تزيد المشكلات تعقيدا , وتهزّ ثقة المواطن بمؤسسات الدولة , ولولا تدخل أهل الإصلاح , واستخدام الأعراف العشائرية في حلّ مثل هذه القضايا _ لترتب على كلّ مشاجرة من هذا الصنف قضية قتل , وما يترتب على القتل من جلاء , وأضرار تلحق بمن لا ناقة لهم ولا جمل , علاوة على العداوة التي تزرع في النفوس , والتي يرثها الأحفاد عن الأجداد .... والأخطر من ذلك أنّ الناس يصلون إلى قناعة بأنّ الدولة ومحاكمها هي السبب , ويقارنون بين ما كانت عليه حالهم عندما كانوا يحتكمون لقضاة عشائرهم الذين كانوا ينصفون المعتدى عليه , ويردعون المعتدي بجلسة أو جلستين , فيشعر المعتدى عليه بأنّه قد استعاد اعتباره _ وبين ما يجري في محاكمنا النظامية العصرية من تعقيد للمشكلات حتى يصاب المعتدى عليه بالإحباط واليأس فإمّا أن يقبل وساطة وجوه الخير فيتنازل عن حقّه كاملا أو ثلاثة أرباعه بإرادته ظاهرا , ورغم أنفه باطنا , حفظا لماء وجهه , وإمّا أن يبتلى بارتكاب جريمة قتل تؤدي به وبعصبته إلى الهاوية , وإمّا أن يصبح " مهزلة بين الناس " !! ... والعجيب أنّ المؤسسة العرفية العشائرية إن جاز التعبير _ تتعرض لهجوم عنيف من قبل دعاة التنوير والتغريب من الليبراليين , ودعاة الأصالة من الإسلاميين , فالليبراليون يرون فيها رمزا للتخلف والجهل , والإسلاميون يرون فيها رمزا للجاهلية والوثنية , والأعجب من ذلك أنّ أهلها القائمين عليها عاجزون عن الدفاع عنها , وعاجزون عن القول بأنّه لولاها لتحوّل مجتمعنا إلى مجتمع غاب , ونظرا لهذه المفارقات العجيبة فإنّ " المؤسسة العرفية العشائرية " تحاول حلّ مثل هذه القضايا التي عقّدتها المحاكم باستحياء واستخذاء , ولذا تجدها تستجدي المعتدي الموافقة على حلول تحفظ ماء وجه المعتدى عليه , والمعتدى عليه يعلم يقينا أنّه يجب عليه أن يرضى بما يوافق عليه المعتدي وإن كان هزيلا ضئيلا ؛ لأنّه لا يوجد أي جهة تلزمه بدفع الحقّ كاملا , لذلك يرضى " بجاهة " شكلية يطلب منها حقّه كاملا ثمّ يسامح به قبل انتهاء مراسمها بناء على اتفاق سرّي مسبق , فيرضى بهذا الغبن لأنّه عجز عن تحصيل حقّه عن طريق القضاء الرسمي , ولم يرغب بالوقوع في كوارث أكبر إذ أصرّ على تحصيل حقّه بيده , ...... ولو اقتصر تردّي القضاء في أمور الجنايات لهان _ وهو ليس بالهيّن _ ولكن نجد ذلك التردي ظاهرا في مماطلة القضاء المتعمدّة بالبت في القضايا الحقوقية التي تمضي في أروقة المحاكم سنوات وسنوات مما أفقد الناس الأمل بنيل العدالة من هذا الجهاز , وترتب على ذلك عدم ثقة المواطن بمؤسسة القضاء النظامي , والقناعة التامّة بأنّها مؤسسات لتضييع الحقوق وتعقيد المشكلات , وتضييع الوقت والجهد والمال بدون جدوى , وأدّت إلى حوادث قتل شملت مآسيها أبرياء من نساء وأطفال , وشيوخ ومواطنين مسالمين لا ناقة لهم فيها ولا جمل , وتركت نفوسا مكلومة تكتم غيظها , وتنتظر الفرصة للانتقام ممن ظلمها أو ساعد على ظلمها , ولله در القائل ما أعلمه في نفوس العرب حيث يقول :
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا
وفتحت المجال للمتربصين بالدولة ممن يريدون زرع الفتنة بين الدولة والشعب , كما فتحت المجال للمنظمات الدولية , والإعلام المأجور الذي تتخذه الدول الكبرى الطامعة وسائل ضغط على الدولة لمصادرة قرارها السياسي والسيادي .
29. قصص الفساد المرعبة التي تتحدّث عنها الصحافة المحلية ووسائل الإعلام مع عدم قيام الحكومات المتعاقبة بإجراءات جدية لمعاقبة الفاسدين أو تكذيب تلك الأخبار التي بلغ ببعضها أن يتحدّث عن مافيا أردنية كمقال مدير موقع كلّ الأردن خالد المجالي تحت عنوان " المافيا الأردنية " !!
30. التلاعب بغذاء الشعب فمن القصص المرعبة التي تتحدث عن صفقات الأغذية الفاسدة , إلى السموم والهرمونات التي تستخدم في الزراعة والتي تحرّم استخدامها الدول المعنيّة بصحة مواطنيها , إلى المياه الملوثّة , والهواء الملّوث , والنتيجة تفشي أمراض القلب والرئة والسرطان .
31. بيع مقدرات الوطن بثمن بخس ينبيء بوجود فساد كبير في تلك الصفقات المشبوهة , والانسحاب من رعاية الاقتصاد وإدارته خلافا لما نصّ عليه الميثاق الوطني حيث جاء فيه " قيام النظام الاقتصادي للدولة الاردنية على اساس احترام الملكية الخاصة وتشجيع المبادرة الفردية ، وتأكيد ملكية الدولة للموارد والثروات الطبيعية والمشاريع الاستراتيجية ، وحقها في ادارة تلك الموارد والثروات والمشاريع او الاشراف عليها حسبما تقتضيه المصلحة العامة ، وتنظيم الاقتصاد وتخصيص الموارد وفقا للاولويات الوطنية " .وقد جيشت وسائل الإعلام التي مارست أسوأ أنواع الخداع في تروجيها لسياسة الخصخصة , والشريك الاستراتيجي , وأرقام النمو الكاذبة ثم جاءت النتائج بدين بلغ 17 مليار !! وهنا يتساءل الناس عن سرّ فشل القطاع العام في إدارة المشاريع الوطنية الكبرى مثل الفوسفات والبوتاس والمياه والاتصالات ثمّ تحقيق أرباح هائلة عندما بيعت للقطاع الخاصّ فهل هو نقص كفاءة أم نقص إخلاص أم مؤامرة لإعطاء المبرر لبيعها ؟؟؟
32. انهيار مستوى التعليم المدرسي والجامعي وتفشي ظاهرة الغشّ في الثانوية العامّة لدعم دكاكين التعليم المسمّاة بالجامعات سنويا بعشرات الآلاف من الناجحين لتمتصّ دماء الشعب إذ تكلّف الكرتونة المبروزة بحدود العشرة آلاف دينار لتمدّ سوق البطالة بمزيد من طلاب الوظائف ليكثر أبناء "برقراط " لمزيد من تعقيد المعاملات والتواقيع والانتظار والمراجعات .
33. الانهيار الأخلاقي المحصّن بالقوانين ومن أمثلتها ما جاء في قانون العقوبات في قضايا القدح والذم حيث نصّت على تجريم وتحريم القدح والذمّ والتحقير وإن كان صحيحا , ومنع مرتكب هذه الجرائم من اثبات صحّة ما قال , فتحصن الفساد الأخلاقي , والخروج على منظومة القيم , وهتك حجاب الفضيلة بمثل تلك القوانين , فلا يجوز أن يقال للكاذب كذبت , والفاجر فجرت , والبخيل بخلت , وقاطع الرحم قطعت , والنمام فتنت , ولصّ الأعراض فسقت , ولم يعدّ في قاموس مجتمعنا مصطلح " خوارم المرؤوة " و مصطلح ( ذوارب الشهود ) .... ثمّ جاءت مادة (23) المشهورة لتحصين الفساد نهائيا , يضاف إلى ذلك القوانين التي تتلاعب بنظام الأسرة (الأحوال الشخصية ) خضوعا لإملاءات خارجية وتنفيذا لمطالب مجموعة من نساء الطبقة المخملية التي لا تمت للعروبة والإسلام بصلة والمجتمع الأردني بصلة .... ويرافق كلّ ذلك انتشار أوكار الرذيلة مما حوّل الوطن إلى محجّ لطالبي المتعة المحرّمة علاوة على افساد الشباب وتدميرهم ثمّ تأتي ظاهرة ارتفاع العنوسة إلى أرقام فلكية مرعبة .... وهنا يتساءل الناس : هل قوى الفساد والاستبداد تريد تحويل الأردن إلى ملهى كبير ؟؟ ليتاجروا بأعراضه بعد أن تاجاروا بدمائه ونهبوا ثرواته ؟؟
34. مصادرة إرادة الناس في تزوير الانتخابات النيابية والبلدية دونما موجب أمني أو مبرر سياسي وإنما فقط لإثبات مقولة " نحن نعزّ من نشاء ونذلّ من نشاء " علاوة على تقزيم قوانين الانتخابات , وجعل ممثلي الناس من نواب ومجالس محلية ( بلديات ) أضحوكة للدهماء والغوغاء , وشماعة تعلّق عليها أوزار الفساد والاستبداد.
35. محاربة العمل الحزبي الوطني بأساليب فجّة مكشوفة من أبرز أمثلتها محاربة حزب التيار الوطني , والتضييق على أمينه العامّ , ومنعه من الترشّح للانتخابات .
36. تدمير الاقتصاد الوطني من زراعة وصناعة وثروة حيوانية بأساليب مكشوفة يشاهدها جميع الناس .
37. انهيار الإدارة في مؤسسات الدولة من اهمال موظفين , وعرقلة معاملات الناس وفرض المحسوبية والواسطة كجزء رئيسي لإنجاز أبسط المعاملات.
38. هدر الملايين في العطاءات الحكومية من أبنية وشوارع بأسلوب للسرقة مكشوف ويكون المسروق غالبا أكثر من 50% من قيمة تلك الأموال مثال نشرت فضائية الحقيقة الدولية على شريطها الإخباري بتاريخ 16/8/2011م الخبر التالي "بناء 3 مدارس في المزار الشمالي بكلفة 9 مليون دينار " ونقول لو فرضنا أن كلفة المتر 250 دينار فإنّ هذا المبلغ يبني أكثر من 750 غرفة صفية , كلّ غرفة صفية بمساحة 32م مربع ؟؟؟ وهل يوجد مدرسة تتكون من أكثر 250 غرفة صفية ... مثال آخر كلفة مدّ خط مياه الديسة 2 مليار دينار والمسافة 400كلم فتكون كلفة المتر الواحد خمسة آلاف دينار علما بأنّ المتر الواحد من المواسير نصف طن من الحديد = 250 دينار والحفر لا يتجاوز 100دينار ولنفرض أنّه كلّف ألف فهل يعقل أن تكون المضخات بقيمة مليار ونصف ؟؟
39. الإعلام الرسمي الذي يمارس الكذب والخداع جهارا نهارا غير محترم عقول الناس أو مشاعرهم , وتأتي الطامّة الكبرى بمحطة تدّعي الوطنية وتتبنى سياسة نشر ثقافة الكراهية , وتشجيع الفوضى , واستفزاز الناس .
40. التفنن في الضرائب التي حوّلت الشعب إلى طبقة واحدة مسحوقة , ويرافق ذلك ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي يحتكر استيرادها عمليا حيتان الفساد .
41. ارتفاع كلفة البناء ( البيوت ) بسبب احتكار الحديد وبيع الأسمنت وتصديره .
42. سرقة أموال مشاريع إسكان الفقراء ( سكن كريم ) .
43. شركات الأمن والحماية التي تسرق تعب المتقاعدين وجهدهم وتتقاضى من المؤسسات التي تستخدمهم ما بين 40- 50% مما تدفعه لهم تلك المؤسسات بدون مسّوغ إلاّ مسّوغ السلب المقنن والخاوة المتحضرّة , وقل مثل ذلك في تعهدات النقل والأشغال والبناء ..... إلخ .
44. الاستهانة بمطالب الشعب والإصرار على سياسة جعل الشعب في واد والقيادة في واد آخر : ظهر ذلك جليّا في تلك اللجان التي شكّلت لتعديل الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب واللجنة الاقتصادية ...... إلخ وذلك أنّ هذه اللجان مع تقديرنا لها لم تحمل الأمور على محمل الجدّ , وظهر ذلك في نتائج لجنة تعديل الدستور التي لم تكتفي بعدم تحقيق طموح الشعب وقواه السياسية ولكنّها جاءت بدستور متناقض كالذي نراه بين المادّة الأولى من الدستور " المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه ... إلخ "والبند المعدّل من المادة 33 والذي نصّه " معاهدات الصلح والتحالف والتجارة، والملاحة والمعاهدات الأخرى التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو نقص في حقوق سيادتها أو تحميل خزانتها شيئاً من النفقات أو مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة .... إلخ " وككذلك ما جاء في المادّة المادة 98 " يعين قضاة المحاكم النظامية والشرعية ويعزلون بإرادة ملكية وفق أحكام القوانين. و ( 2). "ينشأ بقانون مجلس قضائي يتولى الشؤون المتعلقة بالمحاكم النظامية وله وحده حق تعيين القضاة النظاميين ويبين القانون صلاحياته في الشؤون الوظيفية المتعلقة بالقضاة.." فالبند الثاني يتناقض مع البند الأول ويتناقض مع المادّة 40 من الدستور والتي تنصّ على ما يلي : " يمارس الملك صلاحياته بارادة ملكية وتكون الإرادة الملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين , يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة " فكيف يكون للمجلس القضائي وحده حقّ التعيين والتعيين لا يكون إلاّ بإرادة ملكية سامية , والإرادة لا تكون إلاّ بتوقيع من مجلس الوزراء ......... إنّ مثل هذا التناقض له دلالة قاطعة على العقليات التي تسند إليها الأمور والتي تتناول القضايا الوطنية بمثل هذا الاستخفاف ..... إنّه داء الافتقار للجدية في بحث القضايا الوطنية الذي أصبح ظاهرة ملحوظة طيلة السنوات الماضية ولا يزال , وقد كان المأمول من الوسط السياسي أن يستيقظ من سباته ولكن كما يبدو أنّه لا يزال في نوم عميق إن لم يكن التناوم مقصودا نكاية بمرحلة هيمنة فريق الدجيتال على صنع القرار أو أسباب نجهلها نحن المراقبون عن بعد ولكنّها بالتأكيد ليست في مصلحة الوطن .
45. ثمّ جاءت القشّة التي قصمت ظهر البعير في قضية البلديات حيث قامت الحكومة يوم الثلاثاء 11/10/2011م باستحداث عشرات البلديات التي لا يوجد فيها أدنى المقومات في بعض المناطق من باب الترضية , وحشرت الجيزة التي تزيد مساحتها على ستمائة كلم مربع وفيها عشرات القرى , ولا يقلّ عدد سكانها عن ستين ألفا في بلدية واحدة , وحشرت لواء الموقّر الذي يزيد عدد سكانه على الستين ألفا من البشر في بلدية واحدة, وأستحدثت لقرية لا يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة بلدية وفصلتها عن بلدية أمّ الرصاص, في ترضية لبعض الأشخاص , وتجاهلت بالمقابل مطالب قرى يحقّ لها الفصل بنصّ قانون البلديات إذ يزيد عدد سكانها على خمسة آلاف فكان ما كان من يوم الأربعاء الأسود .
دولة الرئيس :
تطول القائمة وتطول ولا يخفى على دولتكم بأنّ هذه الأمور لا علاقة لها بالضغوط الدولية ولا استحقاقات الدور الإقليمي , ولا الأخطار التي تتهدد الوطن فنعترف بأننا عاجزون عن فهم ما يجري في هذا الوطن ولا ندري أهي السياسة العامّة للدولة تريد دفع الناس للسير في مواكب الاحتجاجات والمسيرات والإخلال بالأمن تماهيا مع مشروع التغيير الوافد أو فرارا من مستحقاته !! أم هناك عناصر خفية في بعض المؤسسات تريد دفع الناس لذلك لأجندة خاصّة !! أم أنّ بعض المسؤولين في غفلة عمّا يجري , ويجهلون عواقب مثل تلك التصرفات التي تدفع الناس دفعا لركوب الصعب .
إنّ هذه الأمور خلقت جيلا من الشباب أغلقت أمامه جميع السبل , فأصبح جيلا يائسا بائسا , ناقما على الجميع , كافرا بالجميع ؛ لأنّه يعيش واقعا مزريا من الفقر والبطالة , ويرى أنّه لا سبيل لبناء حياته , ولا وسيلة لتكوين نفسه , ولم تعدّ شعارات الوطنية , والأهازيج الحماسية , وفزّاعات ( المنعطفات الحادّة ) ( والاستهداف ) ( والوطن البديل ) تعني له شيئا ....... وينظر إلى أُلهيات الشباب مثل " كلنا الأردن " وشعارات "التنمية السياسية " وغيرها نظرة لامبالاة واحتقار ؛ لأنّه بحاجة إلى تعليم جامعي , وإلى عمل يعتاش منه , وإلى بناء بيت وزواج وتكوين أسرة , وكلّ هذه المطالب الملحّة عزيزة المنال على الغالبية العظمى ......... إنّه كمريض يتمنى الموت من شدّة الألم .
أؤكد إلى دولتكم أننا معشر البسطاء والأغلبية الصامتة لا تعنينا قصّة تشكيلة الحكومات من قريب ولا بعيد , ولا فرق عندنا بين وزير من حاضرة أو بادية إلاّ بما يقدمه للوطن من خدمات , إننا فقط نبحث عن العدالة , وصيانة الحقوق , وحفظ الوطن من الأخطار , ومستعدون للتضحية بكثير من الحقوق والمصالح في سبيل الوطن وأمنه واستقراره شريطة أن نشاهد أنّ الحكومات جادّة في الإصلاح , محسنة لإدارة الموارد , فالناس لا يلومون الحكومة على ضعف الإمكانيات ولكنّ اللوم كلّ اللوم هو في عدم إحسان إدارة هذه الإمكانيات , والسخط كلّ السخط على السياسات المتعمدّة المكشوفة لتدمير الاقتصاد الوطني , ولا يذهبن بدولتكم الوهم إلى أنّ هذا القول هو رأي شخصي , فهذا الذي أقوله هو حديث الناس في مجالسهم وغرف نومهم ...... الناس يعتقدون اعتقادا جازما مصدره المشاهدة البصرية أنّ أزمتنا الاقتصادية هي نتيجة سياسات خاطئة , وإهمال متعمد وفساد مكشوف , وإدارة في غالبية المؤسسات لا يوجد عندها حسّ بالمسؤولية , وهذه الإدارة ساهمت ولا تزال تساهم في إخفاق الحكومات المتعاقبة ؛ لأنّ الوزير مهما بلغ من الكفاءة والإخلاص فإنّه لن يستطيع أن يفعل شيئا ما لم يكن لديه كادر صادق مخلص يتصف بصفتين اثنتين : الرغبة بالعطاء والقدرة على العطاء = القوي الأمين, ولا بدّ من حملة توعية لكبار الموظفين ليترفعوا عن سياسة إفشال بعضهم بعضا , وإفهامهم بأنّ السقف إن سقط _ لا سمح الله - فإنّه سيسحق الجميع , وأنّ أمثالهم هم الخاسرون فعلا , أمّا نحن عامّة الناس البسطاء فليس لدينا ما نخسره .
أؤكد لدولتكم أنّ ما أسهبت في شرحه هو حديث العامّة في مجالسها وغرف نومها وإن كان كبار السنّ يتحاشون من التصريح به أمام المسؤولين رغبة أو رهبة , وإنّ عدم التطرّق لهذه الأوجاع أمام أصحاب القرار وعدم جديّة أصحاب القرار في تصويب الأوضاع قد أوصل الشباب إلى الحال التي وصفت .
"أزمة الثقة بالدولة ومؤسساتها ومنظومتها التشريعية "
( أ )فقدان الثقة بالمنظومة التشريعية "
دولة الرئيس : دولتكم رجل قانوني ضليع , ولا يخفى على دولتكم أهمية المنظومة التشريعية في بناء المجتمعات الإنسانية , وإنني هنا مع اتفاقي مع ما يطرحه معالي الدكتور محمد الحموري , ودولة أحمد عبيدات وغيرهم من دعاة الإصلاح من ضرورة إصلاح المنظومة التشريعية ( الدستور , القوانين , الأنظمة ) التي تمثّل العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم إلاّ أنّ ضرورة المصارحة والمكاشفة تقتضي تنوير دولتكم بأنّ الشعب لا يثق بهذه المنظومة , ولا يعوّل عليها ولا يكترث لها على الرغم مما يسمع منه من شعارات تطرح للاستهلاك والمزايدات والهتافات تقدّس الدستور , وتحييه , وذلك أنّ مشكلة ما يسمّى بالأغلبية الصامتة وهي في الحقيقة الأغلبية الهامسة التي تهمس فيما تريد في بالمجالس والدكان والباص وإن ظهرت في وسائل الإعلام قالت [ ما يراد أن تقوله لا ما تريد أن تقوله] _ إنّ مشكلتها تكمن في أنّها تنظر للمنظومة التشريعية نظرة غير جدّية , ولا تكترث كثيرا لطروحات إصلاحها , وذلك يعود للعوامل التالية :
1. أنّ النظرة المتوارثة لقوانين السلطة تقوم على أساس أنّها مما يفرضه القوي على الضعيف : وهذه النظرة سببها قرون الظلم والتهميش التي عاشها العرب في ظلّ أحكام الدول التي خضعوا لها عبر التاريخ , وظلّوا في إزدواجية بين الحكم الذاتي والمركزي , فقد كانت الغالبية العظمى من العرب تدير شؤونها الداخلية وفق قوانين متوارثة غير مكتوبة ( الأعراف , والعادات , والتقاليد ) , وتخضع إلى قوانين دول كانت تمارس البطش والسلب والنهب , واستمرت الحال إلى قيام الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي وأنجاله الكرام , والتي قامت من أجل طرد الترك , وتأسيس دولة عربية حديثة فشارك أهل الأردن فيها مشاركة فعّالة , وساهموا مساهمة قويّة في تأسيس , وبناء الدولة الأردنية الحديثة , وربما شعروا لأول مرّة أنّهم يتفيأون ظلال دولة قامت على عقد اجتماعي بالرضا بين جميع الأطراف , ولم تقم بالقوّة والقهر , ولأول مرّة ربما في التاريخ يشعر فيها الأردني أنّه يعيش في ظلّ دولة يلجأ إليها إذا رهب , ويستغيثها إذا نكب , ويحسب حسابها إذا غضب .... إلاّ أنّ عقودا من الاستبداد لأسباب مبررة وغير مبررة قد غيّبت [ العقد الاجتماعي ] الذي قامت على أساسه الدولة الحديثة فلم تتغيّر النظرة إلى منظومتها التشريعية لأنّ الشعب باختصار لم يساهم في صياغتها وإنّما صيغت وفرضت عليه بدون قناعة فيها أو شعور بالحاجة إليها .
2. تناقض المنظومة التشريعية مع العقلية العربية : العربي مجبول على الحرية، وهو لا يطيق الخضوع لأحد غير قبيلته, على ألا يؤثر ذلك في حريته الشخصية. .... وهو في سبيل ذلك حرم من الاستقرار في الماضي حرصا على حريته , ورفضا للخضوع لقوانين غير مقتنع بها فالعربي لا يخضع لقانون ولا يحترمه إلاّ إذا كان نابعا من وجدانه موافقا لأفكاره , متفقا مع مفاهيمه عن الحقّ والعدل والخير , ونظرا لأنّه لم يعرف القانون المكتوب طيلة تلك القرون فإنّه كان يخضع لقانون ينقل شفاها يتمثّل في منظومته الأخلاقية والعرفية , وقد كان يحترم تلك الأعراف حدّ التقديس , وعندما قامت الدولة الأردنية الحديثة قسمت المجتمع إلى قسمين : قسم يتحاكم إلى أعرافه المتوارثه وفق قانون الإشراف على البدو , وقسم يخضع للقوانين الحديثة , ولم تكن هذه جوهر المشكلة , فجوهر المشكلة أنّ القوانين الحديثة , وإجراءات التقاضي كانت مخالفة مخالفة كبيرة للعقلية العربية والوجدان العربي إذ صاغها رجال مبهورون بالقوانين الغربية ولم يراعوا الخصوصية لهذا الشعب ذي الإرث الحضاري الحافل فانظر إن شئت لقانون العقوبات الأردني وتناقضه مع العقلية العربية يظهر ذلك في المواد التي تتعلق بجنايات القتل والإيذاء والعرض والكرامة وما شاكل ذلك، والناس لا يحترمون القانون إلا إذا اقتنعوا فيه ورأوا فيه حارسا للقيم والمثل التي يؤمنون بها، ويضحون من أجلها ...لقد عجزت الدولة عن وضع قوانين تتفق مع عقلية المجتمع وقيمه ومثله خضوعا لسياسة التغريب , وعجزت عن تغيير عقلية المجتمع لتتفق مع القانون الذي يمثّل أفكار ومفاهيم مستوردة , فأصبحت كالغراب في تقليد مشي الحمامة .
3. إخفاق المنظومة التشريعية في حلّ مشكلات المجتمع : معلوم أنّ أي تشريع في الدنيا يقوم على أساس معالجة مشكلات المجتمع فإن فشل في ذلك وجب تغييره أو تعديله , والواقع الملموس أنّ المنظومة التشريعية قد فشلت فشلا ذريعا جعلت المواطنين لا يترحمون على أيام القضاء العشائري فحسب الذي ألغي عام 1976م , وإنما أصبح القضاء والعرف العشائري ملجأ الناس في الحواضر قبل البوادي فرارا من إجراءات محاكم لا يجوز للمواطن أن ينتقدها وهي التي تعطّل أبسط القضايا عدّة سنوات , هذا في جانب الأمور الحقوقية , أمّا في المجالات الأخرى فإنني أتفق مع ما قاله السيّد سفيان عبيدات في مقالته التي عنوانها ((الأردن – الفساد: الخلل في النظام )) حيث يقول : "تقوم في الأردن شبكة من التشريعات التي تحصن الفساد. وهي منظومة مترابطة ومعقدة، تفسد رقابة القضاء، وتفسد القواعد الدستورية والقانونية الكلية التي تضمن سيادة القانون، بحيث تبقى الرقابة وأدواتها بيد السلطة التنفيذية، تحركها متى وضد من تشاء وفي القضايا التي تشاء. وقد تم إرساء ذلك بواسطة التعديلات الدستورية والقوانين التي تراكمت مع الزمن ". ......... فأمر مؤسف ومؤلم عندما تتحول القوانين إلى عقبات في طريق الصلاح والإصلاح , وخدمة المجتمع , ونهضته , وانصافه ويتضاعف الأسف والأسى عندما تتعارض مع أبسط حقوق الناس وتحول دون انصافهم أو نفعهم .
4. والأسوأ من هذا أنّ القائمين على هذه المنظومة التشريعية لا يحترمونها , ولا يرون غضاضة في مخالفتها , والاحتيال عليها ,وإن كنت في شكّ من ذلك فعد إلى الميثاق الوطني الذي أقرّ عام 1990م برعاية رسمية , واحتفال شعبي مهيب , وتغطية إعلامية وبهرجة , ودقق في معنى " ميثاق " في الوجدان العربي وهي رديفة لكلمة " العهد " المقدّسة , ثمّ قارن ما جاء فيه مع ما جرى طيلة العقود الثلاثة الماضية ....... إنّني أتوقع أنّ الغالبية العظمى من المتعلمين والمثقفين في مجتمعنا لم يقرأوا الدستور مجرد قراءة عابرة , وأخشى ما أخشاه أنّ الكبراء ممن يقسمون على المحافظة عليه كذلك ..... إنّ السلوك الرسمي تجاه المنظومة التشريعية يجعل الإنسان يعتقد بأنّها ما وضعت للتطبيق والتفعيل , ولكنّها وضعت لإقناع العالم المتقدّم بأننا دولة قانون ودستور ....
5. الاعتداء على الدستور ومسخه وتفريغه من مضمونه قصة مأسوية بامتياز تغني شهرتها عن تفاصيلها .
6. لقد بقي القانون حكرا على القضاة والمحامين فلم يعرف الشعب الثقافة القانونية , ولا مقاصدها , ولا مسوغاتها , ولا حدودها والنتيجة أنّه يجهل ماله من حقوق وما عليه من واجبات بموجب تلك المنظومة .
7. لقد كان المأمول بعد عودة الحياة النيابية عام 1989م أن تغلب الصفة التشريعية على المجالس النيابية , وأن ينظر للنائب بهذه الصفة فيتولد عن ذلك ثقافة قانونية , واهتمام بالمنظومة التشريعية , إلاّ أنّ المجالس النيابية قد حُرفت عن واجباتها الدستورية , وأشغلت بأمور الخدمات التي على أساسها يقيّم أداء النائب , ومعلوم أنّ الخدمات قائمة على الواسطة التي هي والقانون غالبا ما يكونان على طرفي نقيض .
( ب )" انعدام الثقة بجميع مؤسسات الدولة "
ولو اقتصر الأمر على أزمة الثقة بالمنظومة التشريعية لهان على خطورته , ولكن كيف إذا علمنا بأنّ سياسة الحكومات المتعاقبة طيلة العقود الثلاثة الماضية قد هزّت الثقة بالدولة بشكل عام بدءا من حكوماتها , ومؤسساتها الرسمية , وانتهاء بالمعارضة والأحزاب السياسية , وفقدان هذه الثقة جاء نتيجة طبيعية لذلك الانقلاب الأبيض على "العقد الاجتماعي " طيلة تلك العقود , والذي تمثّل بمخطط تفكيك الدولة والوطن والذي وضحه الكاتب موفق محادين حيث قال " تحويل الأردن من دولة إلى سلطة، وقطع تطور المجتمع نحو المواطنة والعودة به إلى عناصره البدائية كسكان، وتراجع اهمية الجيش المرادف للدولة لصالح الأمن المرادف للسلطة، وتحويل الارض من قيمة لمواطنين منتجين إلى استثمارات عقارية، فكانت النتيجة انه مقابل ثلاثية الدولة ـ الجيش ـ المواطنون، الارض، حلت ثلاثية أخرى ذات صلة باستحقاقات المعاهدة "اسرائيلياً" هي ثلاثية السلطة ـ الامن ـ السكان. وبالأحرى ثلاثية البزنس، مكافحة الارهاب والبورصات العقارية " إنتهى . ولست أنا وحدي من يتفق مع هذا الطرح , فالغالبية العظمى من الشعب تدرك هذا التحوّل الخطير وإن كانت تجهل كنهه , وتعجز عن التعبير عنه.
إنّ النهج السياسي الذي ساد طيلة العقود الثلاثة الماضية هو في الواقع انقلاب أبيض على العقد الاجتماعي , وقد تمّ بأساليب متعددة منها :
1. تعطيل المادة الأولى من الدستور وتعطيل الحياة النيابية طيلة 22 عاما ثمّ العودة غير الحميدة لها , ومسخها بقانون الصوت الواحد , والتزوير , وتتفيه مجلس النواب .
2. بيع مقدرات الوطن والانسحاب من رعاية الاقتصاد وإدارته خلافا لما نصّ عليه الميثاق الوطني حيث جاء فيه " قيام النظام الاقتصادي للدولة الاردنية على اساس احترام الملكية الخاصة وتشجيع المبادرة الفردية ، وتأكيد ملكية الدولة للموارد والثروات الطبيعية والمشاريع الاستراتيجية ، وحقها في ادارة تلك الموارد والثروات والمشاريع او الاشراف عليها حسبما تقتضيه المصلحة العامة ، وتنظيم الاقتصاد وتخصيص الموارد وفقا للاولويات الوطنية " .وقد جيشت وسائل الإعلام التي مارست أسوأ أنواع الخداع في تروجيها لسياسة الخصخصة , والشريك الاستراتيجي , وأرقام النمو الكاذبة
3. تهميش مجلس النواب , وجعله افراز لقانون الصوت الواحد المثير للجدل, وتهديده بالحلّ , وهزّ الثقة فيه , وصرفه عن مهمته الدستورية المتمثلة بالتشريع والرقابة , وتحويله إلى وكيل خدمات للناخبين مما جرّأ الحكومات المتلاحقة على التنافس في الحصول على أرقام قياسية في جلسات الثقة وهي الحكومات التي كانت تمارس تفكيك الدولة جهارا نهارا , فحمّلت أوزارها وخطاياها إلى المجالس النيابية , وكما يبدو أنّ هذه سياسة قديمة إذ يقول مؤرخ الأردن سليمان الموسى في كتابه " أعلام من الأردن " صفحة 32 في حديثه عن الشهيد هزاع المجالي ما نصّه : " وفي غمرة الاستياء الذي كان يشعر به ( يعني هزاع ) تبادر إلى ذهنه أن مجالس النواب العربية ليست سوى تقليد للغرب وعمل استعراضي , وأن التمثيل فيها اقتصر على طبقة معينة هي طبقة الوجهاء والأغنياء والمتصدرين , وهي طبقة لا تمثل الشعب تمثيلا حقيقيا , وتبادر إلى ذهنه أيضا أن المجالس النيابية في بلاد العرب كثيرا ما كانت ستارا لتغطية مخازي الحكومات " إنتهى
4. توقيع اتفاقية وادي عربة التي يزعم الكثيرون أنّها تحتوي على بنود سرّية تهدد سيادة الدولة ووحدتها وثرواتها , والتي لم تستطع إغلاق ملف القضية الفلسطينية التي لا يزال حلّها على حساب الأردن قائما , والتي لم يجن منها الشعب إلاّ مزيدا من الفقر والبطالة وانتشار آفة المخدرات بشكل مرعب وخطير .
5. فرض رقما فلكيا من القوانين المؤقتة المسلوقة ذات اللغة السقيمة التي جاءت لتنفيذ ذلك الانقلاب , والتي حولت الدولة من دور الرعاية الأبوي إلى مجرد خادم لرأس المال وأصحاب الشركات .
6. رفض الاستماع للأصوات الوطنية التي تعالت تلك الفترة محذّرة من مغبة هذا النهج الانقلابي الفظيع .
7. تهميش الوسط السياسي القديم لصالح الكمبرادورية الطفيلية من وكلاء الشركات الاجنبية، والسماسرة الذين لا يعرفون الأردن ولا يعرفهم .
8. تدمير الاقتصاد الوطني وبيع مقدراته تحت حجّة ضغوط صندوق النقد الدولي .
9. التسيب الأمني والضعف الفاضح في أداء المؤسسات القضائية والمؤسسات التربوية والعلمية , وعرقلة العمل الحزبي مما أدّى إلى عودة غير حميدة للحال عمّا كان قبل الدولة تمثّل في بعث القبلية من قبل جهلة لا يعرفون أصولها وأعرافها فبعثت قبلية متوحشة مجردة من أعرافها ومنظومتها القانونية الرائعة وأخلاقها العالية، إذ ظن هؤلاء الجهلة أن القبلية تعني الظلم والقسوة وسفك الدم وعدم الخضوع للحق وجهلوا أنها كيان اجتماعي إنساني تخضع لأنظمة وأعراف ومفاهيم لا يملك العاقل الذي يطلع عليها ويدرك أسرارها وحكمها إلا أن ينحني لها إجلالا ..... إن إعادة انتاج الهويات القاتلة من قبلية وفئوية وجهوية هو نتاج سياسة مدروسة لتفكيك الوطن ليتحوّل أهله إلى مجرد سكان لا مواطنين كما جاء في مقال محادين المذكور آنفا .
10. انقلاب على موروث الشعب الفكري بجميع المستويات .
11. تغييب البعد القومي الذي قامت على أساسه الدولة , فالدولة الأردنية قامت لتكون قاعدة لتوحيد بلاد الشام والهلال الخصيب كجزء من مشروع الثورة العربية الكبرى التي قامت على أساس توحيد آسيا العربية في دولة واحدة........ ونصّ ميثاقها الوطني على أنّ ((الشعب الاردني جزء من الامة العربية، والوحدة العربية هى الخيار الوحيد الذي يحقق الامن الوطني والقومي للشعب العربي في جميع اقطاره ويحمي الاستقرار الاقتصادي والنفسي لامتنا ويضمن لها اسباب البقاء والنهوض والاستمرار)) ونصّ دستورها في مادّته الأولى على أنّ " المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه , والشعب الأردني جزء من الأمة العربية " .
12. غياب صوت المعارضة عمّا كان يجري , وانشغال تلك المعارضة بتنظيرات فكرية لا تسمن ولا تغني من جوع , وإن ظهرت أصوات خافتة , وحراك ضعيف , وطروحات خجولة منها ما كان يطرحه معالي المهندس عبد الهادي المجالي بضرورة العودة للعمق العربي , وطروحات دولة السيّد أحمد عبيدات , ولعلّ أكثرها وضوحا تمثّل في طروحات لجنة المبادرة الوطنية , ولجنة المتقاعدين العسكريين , وصرخات المهندس ليث شبيلات ومع تقديرنا لتلك الطروحات فإنّها كانت مبادرات فردية لم تظهر بالشكل الذي يجعلها تكتسب ثقة الشعب .
" موقف الشعب الحقيقي من الإصلاح "
إنّ الشعب الأردني وقبيلة بني صخر بصفتها جزء لا يتجزأ منه– يطمح لأن يرى الأردن قويّا عزيزا واحة للديمقراطية والحرية المسؤولة وسيادة القانون ؛ لأنّه باختصار شعب قيادي , متحضر , واع , مثقف , طموح , يريد أن يكون قدوة للعرب في الصلاح والإصلاح لأنّه هو الحامل للمشروع النهضوي الوحدوي الهاشمي , وهو الذي يشعر بمسؤوليته تجاه أمته جمعاء , وذاك طبع ورثه من الآباء والأجداد رغم أنف الصغار وأهل الصغَار .
وإنّ الشعب الأردني ومنه قبيلة بني صخر _ ليدرك عيانا بأنّ الطحالب المتسلقة والطفيليات الضارّة التي تسللت في غفلة من الدهر , وبدعم من قوى الاستكبار العالمي إلى المواقع المتقدّمة في أجهزة الدولة قد فرضت نهجا جديدا يقوم على تفكيك الدولة , ونهب ثروات الوطن وإفساد الذمم والأخلاق حتى أصبح الفساد ثقافة وطريقة عيش , وحتى أوصلوا الوطن إلى شفير الهاوية كمريض على أجهزة الإنعاش تضعف أجهزته ببطء ثمّ تموت تباعا .
إنّني أقرر هنا بحكم ما أعرفه وأسمعه بعيدا عن المزايدات والكذب والخداع بأنّ الشعب الأردني الصادق الطيب الوفي العروبي يريد وطنا يفرض حبّه وتقديسه على مواطنيه , وذلك بأن يكون حرّا عزيزا قويا منيعا , قلعة للعروبة والإسلام , حاملا مشروعهما الوحدوي النهضوي المتمثّل في مبادئ الثورة العربية الكبرى التي قادها أشراف بني هاشم العظام , والتي قامت على أساسها الدولة الأردنية الحديثة .... يريد وطنا يكون مهوى أفئدة العرب والمسلمين وقبلتهم فلا يدخله إلاّ الطاهرون من طالبي العلم , والأمن , والكرامة , والنصرة , والعلاج , وأصحاب الاستثمار الحقيقي ؛ لاعتقاده بأنّه وطن طاهر تقوده قيادة طاهرة مطهّرة فلا ينبغي أن يدخله إلاّ الطاهرون ... وإنّهم لينظر بسخط وحنق إلى قوى الفساد والإفساد وأبواقها من أذناب , وإعلام مأجور وهي تنظّر لتكريس الفساد بحجج برّاقة كبيت العنكبوت الذي لا يصطاد إلاّ الذباب وشبه الذباب , وتسعى مواصلة الليل والنهار لتحويل هذا الوطن الطاهر الشريف إلى مكبّ لنفايات البشرية ورذائلها , وكأنّها موكولة بتوجيه صفعة لما يمثّله هذا الوطن من مشروع نهضوي , وقيادة شريفة وشعب طليعي وحدوي لإظهاره أمام الآخرين طفيليا يعيش على مساعدات الآخرين وفتات موائدهم , ومركزا لغسيل أموالهم , ومنتجعا لقضاء شهواتهم , وبندقية للإيجار للدفاع عن ترفهم وفسادهم .
وأؤكد بأنّ الشكوى من سوء الأوضاع عامّة شاملة تشمل جميع طبقات المجتمع وشرائحه وإن حاول المأجورون من المتآمرين على الدولة والشعب التغطية عليها بما يقومون به من جعجعة وطعطعة وضجيج وعجيج طمعا في ثمن بخس تدفعه قوى الفساد والإفساد التي تستأجرهم بثمن بخس ليمارسوا مهمتهم الأزلية في خداع الحاكم وتضليله عن هموم الشعب وآلامه وآماله , لا بل أصبحت تلك الفئات المنافقة المخادعة التي ساهمت في تضليلها وخداعها لولاة الأمور إلى وصول الوطن هذه إلى الحال المزرية _ تندفع لممارسة هذا الدور التآمري الخبيث بدون أن يطلب منها بمجرد أن تسمع صوت احتجاج شعبي أو أنين فئة من فئاته أو طلائعه مبرهنة على صحّة تجارب بافلوف إذ يتحلب لعاب طمعها كلّما سمعت صوت جرس الشكوى والاحتجاج من سوء الأحوال .
لقد بقيت قوى الفساد والاستبداد والإفساد طيلة العقود الماضية تشكّل حجابا كثيفا بين القيادة والقاعدة تمنع وصول صوت الشعب الشاكي الباكي إلى القيادة حتى وصلت الحال إلى يأس قاتل لا يجهل خطورته على البنيان المجتمعي والسلم الأهلي إلاّ الأموات ؛ لأنّ الأحياء ممن سلبت نعمة العقل تدرك بغرائزها بوادر الخطر فتحتاط له .
لقد ارتفعت أصوات طلائع الشعب المحجوب طيلة تلك العقود العجاف وخرجت إلى الشوارع لتقول لقائد الوطن المفدّى ما قاله شاعر الأردن الكبير معالي الأستاذ حيدر محمود حيث قال :
((فلا تَلُمْ شعبك المقهورَ، إنْ وقعتْ عيناكَ فيه، على مليون( غضبان) !
قد حُكّموا فيه أَفّاقينَ.. ما وقفوا يوماً بإربدَ أو طافوا بشيحانِ
ولا بوادي الشّتا ناموا ولا شربوا من ماءِ راحوبَ.. أو هاموا بحسبان!
فأمعنوا فيه تشليحاً.. وبهدلةً ولم يقلْ أَحدٌ كاني.. ولا ماني!
لا يخجلونَ.. وقد باعوا شواربَنا.. من أن يبيعوا اللحى، في أيّ دكّانِ!!
فليس يردعُهُمْ شيءٌ، وليس لهمْ هَمُّ.. سوى جمعِ أموالٍ، وأعوانِ!
ومنهم من تمثّل بقول المجاهد الليبي إبراهيم الأسطى حيث يقول :
مقالة ملؤها الإخلاص أرفعها لقائد الشعب قلب الشعب ممليها
آن الأوان فما التأجيل يمنعنا لنعلن الحق إقرارا وتنبيها
فالق العصا إنها للسحر مبطلة مثل الكليم إذا ما خاف يلقيها
يا أيها الليث قم خلص عرينك من سطو الذئاب ولا ترهب عواديها
وإن شعبك للتوجيه منتظر فاصدر إرادتك العليا يلبيها
فليس في قلبه للصبر متسع من بعد أربعة سود لياليها
ذاق الأمرين من ذل ومسغبة ومن مظالم ما ينفك يرويها
عادوا به القهقرى في كل ناحية ليثبتوا أنه شاة لراعيها
وأمام هذا الحراك الشعبي الذي بدأ يخرج للعلن بعد عقود من الهمس والتهامس والذي بدأت تقوده طلائع المجتمع من المثقفين الوطنيين المقهورين تحركت قوى الفساد والإفساد مشكلّة ما يسمى بقوى "الشدّ العكسي " , وأجلبت على دعاة الإصلاح بخيلها ,ورجلها , وأبواقها , وصنائعها , وأمعنت فيهم تشكيكا وتخوينا وتخويفا , وانطلقت الأبواق , والأقلام المأجورة , والألسنة المعسولة مستخدمة كلّ ما لديها من فنون الزيف والخداع لإجهاض الإصلاح , وحرفه عن مساره الصحيح, وتساقطت أقنعة أصحاب الأقلام المأجورة الذين أشبعونا في الماضي تشاكيا وتباكيا وصراخا وتحذيرا وتنظيرا , فيا لله كم سفكوا من الحبر في الحديث عن الفساد والفاسدين والسماسرة , ونهب الأموال , وبيع مقدرات الوطن , وتفكيك الدولة , وضياع الشعب , وعندما انتفضت طلائع الشعب مطالبة بإصلاح حقيقي وإذا بهم يقلبون له ظهر المجنّ تسويفا وتشكيكا وتحذيرا .
إنّ هؤلاء هم جند قوى الفساد وأبواقهم , وألسنتهم فهم الخادعون المخادعون , الماكرون المتآمرون , الذين يشمخون بأنوفهم على أبناء جلدتهم مدّعين العلم والثقافة ولا يأنفون من تمريغها تحت أقدام أغبياء الفاسدين وجهلتهم الذين لا يعرفون من الحياة إلاّ سرقة المال وتثميره _ لالتقاط فتات موائدهم المترعة مما نهبوه من خيرات الوطن ودماء الشعب .... فتبا لهم ولعلمهم وثقافتهم ولأقلامهم التي وظّفوها لخدمة الخنازير البشرية الغبية الجشعة التي لم تفلح إلاّ في الفساد والسفاد ونهب خيرات البلاد وإذلال العباد .
لقد رأينا من سلوك هؤلاء الرويبضات المخادعة , والثعالب الماكرة عجبا فأيقنا أنّ هؤلاء ممن جاء وصفهم في أخبار النبوّة حيث قال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : "يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ , أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ , وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ يَقُولُ الله أَبِي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانَ " وربما هم من قال رسول الله بوصفهم " يأتي على الناس زمان أكثرهم وجوههم وجوه الآدميين , وقلوبهم قلوب الذئاب الضواري سفاكون للدماء لا يرعون عن قبيح فعلوه فإن بايعتهم ضاروك وإن حدثتهم كذبوك , وإن ائتمنتهم خانوك ,وإن تواريت منهم اغتابوك , صبيهم عارم , وشابهم شاطر , وشيخهم فاجر , لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر , الاعتزاز بهم ذل , والاختلاط بهم فقر الحليم فيهم غاو , والغاوي فيهم حليم , السنة فيهم بدعة , والبدعة فيهم سنة والآمر بينهم بالمعروف متهم , والفاسق فيهم مشرّف ......... " .
دولة السيّد الرئيس :
وأمام هذا الواقع الذي أفضت بوصفه فإنّ أنظار أهل الأردن تتجه إلى دولتكم وأمثالكم من الشخصيات الوطنية المخلصة المنتمية منتظرين وقفة مشرّفة تنقذ الوطن ؛ لذلك فإنني أضع بين يدي دولتكم خطوطا عريضة لمشروع للإصلاح الوطني الشامل لعلّها تكون عونا لكم في هذه المهمّة الجسيمة حيث ترمقكم أنظار شعب يكنّ لكم الكثير من الحبّ والاحترام .
إنّ جوهر المشكلة هي أزمة الثقة بينكم معشر رجال الدولة ووسطها السياسي وبين الشعب فلا أنتم بمصدّقي الشعب ولا الشعب بمصدقكم , وإنّ خطّة الانقاذ يجب أن تبدأ بحلّ أزمة الثقة هذه , وهي بحاجة إلى مبادرات منكم أنتم تؤدي إلى مصالحة وطنية تعيد ثقة الشعب بالدولة ورجالها لئلا يصبح الوطن فريسة سهلة لما يخطط له العدو ؛ لذلك فإنني أنصح بالتداعي لمؤتمر وطني عام يحضره كلّ من يهمّه الأمر من أهل العقد والحلّ من رسميين , وحزبيين , ومستقلين , تطرح فيه جميع الرؤوى , والمشاريع , والمقترحات وتناقش جميع السلبيات , وتوضع جميع النقاط على الحروف , ولا تترك لا شاردة ولا واردة , مع ضرورة أن يدرك الجميع بأنّ الانقاذ لن يكون بعقليات أكاديمية تعيش تعيش في صومعة البحث الأكاديمي البحت ولا بعقليات حقوقية قانونية تختزل مسيرة المجتمعات الإنسانية بنصوص قانونية جامدة , وإنما الانقاذ يكون بعقليات سياسية تحمل فكرا إنسانيا أي لديها مواصفات ما يطلق عليه[ رجل الدولة ] وهو كل إنسان يتمتع بعقلية الحكم، و يستطيع إدارة شؤون الدولة , ومعالجة المشاكل، والتحكم في العلاقات الخاصة والعامة.... لا يتجاهل الواقع ولكنه لا يخضع له، بل يحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الأفضل.... رجل الدولة هو الإنسان القادر على أن يشيع في الناس قيما رفيعة تستحق التفاني والتضحية من أجلها , وتأتي قدرته تلك من إيمانه بما يدعو إليه , رجل الدولة هو الذي يشعر بإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين شعور الوالد الحازم الشفيق تجاه أبناءه , رجل الدولة هو الذي يبحث عن العقبات والعوائق ليحلّها حلاّ جذريا , ويجتثها من طريق السائرين , بخلاف عقلية الموظف الإداري الذي يتفادى الاصطدام بالعقبات ولا يفكّر بإزالتها , ومما يجب التنبيه له أنّ اطلاق كلمة رجل الدولة هو من باب التغليب وإلاّ فإنّ هذا الصنف موجود في مجتمع الرجال ومجتمع النساء .
إنّ الذين يملكون مواصفات رجل الدولة التي أشرنا لبعضها هم من تنعقد عليهم الآمال في تقديم خطّة الإنقاذ , ومشروع الإصلاح الذي يؤمل منه أن يتمخض عن مشروع إصلاحي شامل ينقذ الوطن من أخطار قوى الفساد وقوى الاستعمار .
"مسوّدة مشروع إصلاحي "
يعلم دولتكم أنّ الدولة الديمقراطية لن تقوم إلاّ على الركائز التالية :
1. قضاء مستقل له صلاحية النظر في جميع القضايا , ويخضع لسلطته الجميع من حاكم ومحكوم , ويسند إلى رجال أكفياء أمناء شرفاء خاضعين للمراقبة والمساءلة .
2. مجلس نواب يمثّل الشعب وينطبق عليه مقولة " البرلمان سيّد نفسه " ولا يجوز لأيّ كان أن يتدخل في شؤونه من حيث الحلّ والانعقاد ولا مرجعية له إلاّ الشعب الذي اختاره ليمثّله.
3. حكومة تحمل برنامج عملي قابل للتطبيق يحظى بثقة مجلس النواب , وتكون الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب , وخاضعة لسلطة القضاء ولا تقال بعد حصولها على ثقة المجلس إلاّ في إحدى حالتين : انتهاء دورة المجلس القانونية أو إسقاطها من قبل مجلس النواب بإعادة طرح الثقة فيها.
4. إعلام حرّ ومسؤول يعيد للقلم احترامه , وللكلمة قدسيتها .
5. أحزاب سياسية فاعلة تقوم على برامج عملية واقعية تتخذ الوصول إلى مجلس النواب وسيلة لتشكيل الحكومة لتطبيق هذه البرامج , ويتمّ ذلك استقلالا أو ائتلافا حسب تشكيلة المجلس النيابي
الوسائل لتحقيق هذه الأهداف :
1. إعادة إحياء المشروع النهضوي الوحدوي الهاشمي الذي قامت على أساسه الثورة العربية الكبرى القائمة على موروث الأمّة الحضاري وإرث مدرسة آل بيت النبوة الكرام , واعتبار القيادة الهاشمية ركن أساسي في هذا المشروع منه تستمد الشرعية , وبها يكتمل هذا المشروع , ولن يزدهر هذا المشروع وتعود إليه الحياة إلاّ بالعودة للعقد الاجتماعي بين الشعب والقيادة الذي نقضته الطحالب المتسلقة وسماسرة القوى الكبرى طيلة العقود الماضية ممارسة على الشعب والقيادة أبشع أساليب الإغراء والإغواء والاستقواء , وآن الأوان لأحفاد البرامكة وابن العلقمي وأفراخ الدونمة أن يخلوا الساحة لهذا الشعب العربي العريق وقيادته الشرعية التي لا ترضى له إلاّ حياة العزّة والكرامة ولا يرضى بها بدلا لو كان من جنس الملائكة المطهرين .
2. رفض مقولات قوى الشدّ العكسي من الفاسدين والمفسدين وأبواقهم الذين يطالبون بتأجيل الإصلاح بحجج واهية يريدون منها دفع الشعب للانفجار , وإفهام هذه القوى ومن يقف ورائها من قوى الاستكبار العالمي بأنّ الشعب الأردني لن يرضى بأقل من الحياة التي يتفاخر " نتنياهو " بأنّ شعبه يتمتع بها خلافا لمن يحيطون به من الشعوب العربية التي تعيش مستعبدة , مسلوبة الإرادة ؛ لأنّ شعبا تتجاوز نسبة الجامعيين فيه ال10% من البالغين , ولا تصل نسبة الأمية فيه إلى 10% , وأصبح الكتاب , والنت في 90% من بيوته , وتقوده قيادة هاشمية تحمل إرثا سياسيا يمتدّ إلى أعماق التاريخ السحيق _ لا يجوز أن يصنّف بأنّه لم يبلغ سنّ الرشد , وأنّه لا يزال بحاجة إلى وصاية وانتداب.
3. إلغاء أيّ نصّ دستوري أو قانوني أو إجراء رسمي يتعارض مع الركائز المشار إليها أو يعرقلها .
4. إلغاء جميع التشريعات التي شرّعت لتفكيك الدولة وإلغاء دورها في رعاية الشعب , وأدت إلى تدمير الاقتصاد الوطني .
5. وضع تشريعات صارمة لصيانة الحقوق والمال العام , وتشكيل أجهزة رقابة فاعلة تخضع بدورها لمساءلة مجلس النواب , ومؤسسة المظالم , والصحافة. ويجب أن تكون جميع التشريعات واضحة في مدلولها سواء كانت دستورية أو قانونية أو أنظمة وتعليمات تفاديا لسياسة تفسير التشريعات المتبعة والتي ثبت عوارها وتناقضها كما حصل في دستورية نقابة المعلمين على سبيل المثال لا الحصر ، لأننا نرى أن سياسة التفسير طريقة يلجأ لها الفاسدون عندما يرون أن هذا التشريع يتعارض مع رغباتهم.
6. إنشاء محكمة مظالم مستقلة لها صلاحية النظر في محاسبة السلطات الأربعة ( القضائية , والتشريعية , والتنفيذية , والإعلام ) وتلحق بها هيئة مكافحة فساد ذات كادر قادر على ملاحقة الفساد وتحويل الفاسدين للمحاكم المختصّة .
7. تقليص دور بعض المؤسسات في الحياة السياسية , والتي سبق وإن أجهضت جميع المبادرات في هذا المجال بدءا من مجالس الطلبة , ومرورا بتشكيل الأحزاب وهيئات تفعيل " التنمية السياسية " وانتهاء بالانتخابات النيابية والمجالس البلدية , وتشريع القوانين , وتوجيه الصحافة ووسائل الإعلام , ولا يعني ذلك إلغاء دور المؤسسة الأمنية فهذا غير موجود حتى في الدول المتقدمة ، لكن المطلوب أن يقتصر دورها على تقديم النصح والمشورة الملزمة في الأمور التي تمسّ أمن الوطن وكيانه , وموقعه الإقليمي , ووضعه في المنظومة الدولية وما شاكل ذلك .... ولعلّ المؤسسة الأمنية كانت معذورة في تدخلها في السابق حيث كان بعض كبار المسؤولين رعايا لدول أجنبية طامعة يحملون جنسيتها ويٌخشى أن يأتمروا بأمرها , أمّا بعد تعديل الدستور ومنع هذا الصنف من تسلّم المناصب القيادية فإنّ تدخلها في كلّ صغيرة وكبيرة يصبح بدون مسوّغ .
8. قانون انتخاب تتحقق فيه العدالة , ويستطيع إفراز مجلس نواب قادر على تشكيل الحكومة .... ونرى أنه من الضروري جداً العودة لقانون ال1989م الذي أفرز مجلسا لا نزال نترحم عليه ، لأننا نرى أن إفراز أغلبية برلمانية حزبية تفضي لتشكيل حكومة برلمانية بغير ذلك ضرباً من الخيال , أمّا ما تطالب به بعض الأحزاب من قائمة نسبية = كوتا للأحزاب فهو مطلب مضحك مبك ؛ لأنّ الحزب الذي لا يستطيع أن يكسب أعضاؤه ثقة الناخبين فالأولى به أن يحلّ نفسه ويرتاح .
9. إنّ وجود مجلس أعيان من العلماء الحكماء الساسة يعتبر ضرورة لاستقامة الحياة السياسية للمجتمع , فيجب أن يتّم تشكيله على على أسس واضحة ومنطقية بعيداً عن سياسة الاسترضاء , وأن يعامل نفس معاملة مجلس النواب من حيث انعقاده وعدم حلّه أو إقالة بعض أعضائه , والأهم من ذلك أن يكون دوره فقط دور توجيهي ارشادي للرأي العام , والتوعية السياسية , والقيام بالاستفتاءات الشعبية في القضايا المصيرية بمشاركة مع مجلس النواب في ذلك , وتقديم المشورة غير الملزمة لمجلس النواب , ولا يكون له أي دور مباشر في التشريع .
10. إعادة النظر في قانون البلديات وإلغاء جميع التشريعات التي ساهمت في تقزيم المجالس البلدية (مجالس الحكم المحلي ), وحولتها إلى مجرد مؤسسة لتنظيف الشوارع وتعبيدها وجبي الضرائب وتبديدها , كما نؤكد على ضرورة إلغاء تعديل قانون الصوت الواحد لانتخاب أعضاء المجالس البلدية الذي قزّم تلك المجالس زيادة على ما هي عليه من تقزيم.
11. تحريم وتجريم أيّ شكل من أشكال تزوير الانتخابات , ومصادرة إرادة الشعب وأن تكون صلاحية النظر في ذلك للقضاء بعد تحصينه وتمكينه ورفده بالكفاءات الوطنية المخلصة ذات السجل النظيف .
12. إعادة الاعتبار للهيئات الاجتماعية كشيوخ العشائر , والوجهاء , والمخاتير على أن يتمّ اعتمادهم بناء على مواصفات وأسس موضوعية تمنع الرويبضات من الحصول على مثل هذه الألقاب الشريفة ؛ لأنّ السياسة السابقة قد قزّمت هذه الألقاب ومنحتها لمن لا يستحقها , فكان ذلك من أسباب ما يعاني منه المجتمع من انفلات أخلاقي , وعنف مجتمعي ، فإنما الناس بأشرافهم وعلمائهم وذوي أسنانهم :
(تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ** وإن تولت فبالأشرار تنقاد )
13. التعامل اللائق مع قادة العمل السياسي من رؤساء أحزاب وقادة فروع وشعب ومفكرين وعلماء وكتاب, ومثلهم القائمون على العمل الخيري التطوعي فهؤلاء الأصناف ومن سبقهم في البند التاسع هم قادة المجتمع وصنّاع الرأي العامّ , وحلقة الوصل بين القمّة والقاعدة .
14. رفض الحملة الظالمة التي تشنّها قوى الفساد والإفساد ممثلة بالأقلام المأجورة – ضدّ مجلس النواب , وجعله مشجبا تعلّق عليه الأخطاء والخطايا , ونحن بغضّ النظر عن رأينا بأشخاص أعضاء مجلس النواب فإننا نعتبر ذلك الهجوم المبرمج على هذه المؤسسة هو هجوم على إرادة الشعب وتحقير له , وتوجيه رسالة للخارج بأنّ هذا الشعب لم يصل إلى سنّ الرشد الذي يؤهله لإحسان اختيار ممثليه , ولتصرف أنظار الدهماء والغوغاء عمّا تمارسه تلك القوى من فساد وإفساد , متجاهلة تلك القوى بأنّها لم تترك للشعب حرية اختيار ممثليه بما كانت تمارسه من تزوير مكشوف وبما فرضته من قانون انتخاب مشوّه , وبما فرضته على مجلس النواب من حرف له عن مهماته الدستورية , وتحويله إلى مجموعة من الوسطاء والشفعاء ووكلاء الخدمات تكريسا لنهج المحسوبية والواسطة الذي طالما شكا منه الناس وحذّر منها جللالة الملك ونهى عنها مرارا وتكرارا .
15. تحريم وتجريم سياسة المزايدات الكاذبة سواء كانت من قبل مؤسسات الحكم أو المعارضة أو المواطنين , ومنع مزايدة أيّ فئة على الأخرى في أيّ شأن داخلي أو خارجي .
16. إنقاذ قطاع التعليم المدرسي والجامعي الذي تحوّل إلى مضيعة للوقت والمال فيما لا طائل منه , ومعالجة ظاهرة الأمية المقنّعة بشهادات من فئة (البكالوريوس الماجستير , الدكتوراة ) , والتطبيق العملي لفلسفة التربية وأهدافها والتي نصّ عليها قانون وزارة التربية والتعليم وخاصّة الموادّ [ 3, 4, 5, 7,8, 9, 11 ] من القانون المشار إليه .
17. النهوض بالقطاع الصحي الحكومي الذي أصبح على حال لا تسرّ صديقا ولا يرضى بها عدو ذو ضمير حي , وأصبح المواطن الفقير يلجأ للمشعوذين أو يتحمل آلام المرض بانتظار عطف الموت على مراجعة المستشفيات التي كانت ولا زالت أشبه ما تكون بمراكز الاعتقال التي يعالج فيها الأسرى فمن اللامبالاة وعدم الاهتمام , إلى سوء الأدوية التي فضحها د. عبد الرحيم ملحس منذ سنين , إلى المحسوبيات وإذلال المرضى وتحطيم نفسياتهم إلى تدني رواتب موظفي هذا القطاع مما جعل الكفاءات منهم يفرّون للخارج أو القطاع الخاص .
18. حماية المواطن من الأغذية الفاسدة التي تتسبب بكثير من الأمراض , والحديث عن هذا الجانب تغني شهرته عن ذكره , حتى أصبح من المعروف أنّ أيّ شاحنة لا تقبلها دول الجوار لعدم صلاحيتها فإنّها تحوّل للأردن بحسب ما يردده الشعب .
19. إصلاح القضاء ثمّ إصلاح القضاء ثمّ إصلاح القضاء لأنّ القضاء على حال دفع الناس للعودة للقضاء العشائري , وأصبح من أهم عوامل الاحتقان والعنف المجتمعي , وقد حصّن من النقد , ولا يكتوي بناره إلاّ الضعفاء المسحوقون من الشعب الذين لا يجدون من يسمع أنينهم .
20. أن تقوم الأجهزة الأمنية بواجبها على أحسن وجه حيث لوحظ تراخي هذه الأجهزة منذ عودة الحياة الديمقراطية للأردن عام 1989م فأصبح التساهل في مطاردة المجرمين من سراق , ولصوص أعراض , وتجار ومروجي مخدرات وكأن هذه الأجهزة توحي للشعب بأنّ ذلك من مستلزمات الديمقراطية .... ورافق ذلك تشديدها في حملة الجباية التي تقودها دائرة السير بأساليب استفزازية تدفع الناس للانفجار دفعا .
21. تفجير طاقات المجتمع في العمل الخيري الجماعي التطوعي ودعمه وتشجيعه مع إخضاعه للرقابة النزيهة الصارمة لحمايته من السماسرة ولصوص الأموال والأعراض
22. وضع أسس لتطهير العمل السياسي والإدارة الأردنية من مرضى "عقدة الشعور بالنقص " ومرضى "النرجسية" حيث أنّ هذين المرضين يجعلان المبتلى بهما هدّاما لا يؤمن بشيء , ولا يشعر بحرمة تجاه عقيدة أو مبدأ أو مزية خلقية , ولا قيمة للقيم والمثل والأفكار الجميلة في نفسه , ولا يرى في الحياة إلاّ ما هو قبيح .... لأننا نؤمن بأنّ " زوال الدول باصطناع السفل " ونؤمن بما قاله حكماء السياسة حيث قالوا : أظلم الناس لنفسه اللئيم إذا ارتفع : جفا أقاربه , وأنكر معارفه ، واستخف بالأشراف , وتكبر على ذوي الفضل " فنؤمن بضرورة إسناد المناصب لأهل الأحساب الرفيعة والأخلاق العالية مثمنين نصيحة الحسن البصري حيث نصح أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز عندما استشاره فيمن يستعمل من الرجال في دولته , فقال له: " عليك بذوي الأحساب ، فإنهم إن لم يتقوا استحيوا ، وإن لم يستحيوا تكرموا " ؛ لذلك نطالب بوضع شروط جديدة لمن يسمح له بالترشّح للبرلمان , والمجالس البلدية , والوظائف العليا تأخذ بعين الاعتبار نظافة السجّل من الشبهات والأعمال غير المشروعة وكذلك ما قدّمه في سنيّ حياته من خدمات لمجتمعه تدلّ على أنّه من حملة الهمّ العام .
23. أن يعاد الاعتبار للفضيلة والأخلاق الفاضلة , مع إعلان الحرب على الرذائل الأخلاقية , وإلغاء جميع القوانين التي تضعف رقابة المجتمع على منظومة القيم والمثل مثل المواد المتعلقة بالذم والتحقير حيث يحظر على الجاني إثبات ما أتهم به المجني عليه من صفات تستوجب الذم والتحقير , فكان هذا القانون تحصينا للرذيلة وقطعا لألسنة الخلق التي هي شهود الحق وأقلامه .
24. الاستغلال الأمثل لموارد الوطن وإمكانياته من ماديّة وبشرية وإعادة الاعتبار لقطاع الزراعة والصناعة والتجارة , وتسهيل أبواب الرزق للناس فالأردن بلد زاخر بالإمكانيات والثروات إلاّ أنّ تجويعه سياسة استعمارية متعمدّة .وهنا فإننا نؤكد على أنّه لا يجوز عقلا ولا نقلا ولا عرفا أن تملك ثروات الوطن من معادن ومياه وطاقة ومرافق عامّة وخلجان وأنهار ملكا فرديا فهي ملك للجميع بإشراف الدولة .
25. اخضاع جميع موارد الدولة إلى اشراف مجلس النواب وسائر الجهات الرقابية .
26. إعادة النظر في النظام الضريبي , وقوانين السوق الحرّ ونؤكد على ضرورة فضح الرأسمالية المتوحشة التي تراجع عنها أصحابها بعد أن شاهدوا آثارها المدمرة على شعوبهم , وأن يتمّ الإعلان عن التراجع عن كلّ ما فرضته علينا طيلة العقدين الماضيين , ونسجّل استنكارنا لما يطرحه ستيفان هادلي مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق جورج بوش في مقابلة مع قناة الحرة في 12/9/2011م حيث يقول موجها خطابه لبعض الأقطار ومنها الأردن : "إننا نأمل أن يقود القادة التنويريون والتقدميون بلادهم إلى الإصلاح ويساعدوا شعوبهم على تكوين مجتمعات مفتوحة سياسيا مع تبني اقتصاديات السوق". " إنتهى ؛ لذلك فإنني أرى ضرورة توجيه رسالة قوية وواضحة وصريحة باسم الشعب الأردني لتلك القوى الاستعمارية التي تحاول إعادة صياغة المنطقة العربية بما يخدم مصالحها ويحكم سيطرتها عليها قرنا كاملا بأنّ الشعب الأردني لن يقبل بذلك على المدى البعيد , فهو قد يخدع مؤقتا وقد يقابل الأمور بلامبالاة وعدم اكتراث لأنّه يرى نفسه مهمّشا , وخارج دائرة الصراع , ولكن إن وجد نفسه يتصادم مع تلك القوى وجها لوجه فإنّه سيعود لحالته الطبيعية الأولى التي سار عليها طيلة القرون السحيقة , تلك الطبيعة التي حرمت قوى الاستعباد والاستبداد من الاستقرار الآمن المطمئن , والتاريخ شاهد على ما نقول .
27. طمأنة تلك القوى باسم الشعب الأردني : بأنّ الشعب الأردني قد تواضعت مطالبه , وتقلّصت آماله , وأنخفض سقف طموحه , فلم يعد يطالب بتحرير الأندلس ,أو فتح لندن وربط خيله في قصورها , ولا يطالب بنهضة صناعية تجاري اليابان , ولا بتوحيد بلاد العرب من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر ولا بجعل اليهود طعمة لسمك الأبيض وحيتانه ولا بتحرير نفط العرب , ولن يفكر بنقض اتفاقية وادي عربة ...... وإنّ كلّ ما يطلبه هذا الشعب أن تتوفّر له الحياة الكريمة المتواضعة , وأن يستغلّ ما لديه من إمكانيات الأوطان الاستغلال الأمثل , وأن يشعر أنّه مواطن في ظلّ دولة ترعى شؤونه , وتسهر على مصالحه , وتحافظ على ثرواته الوطنية , وتحترم قانونه ودستوره .... وأنّه لن يقبل بأقل من هذه المطالب .
28. افهام تلك القوى الاستعمارية بأنّ الشعب الأردني لن يرضى بأقل من الحياة التي يتفاخر " نتنياهو " بأنّ شعبه يتمتع بها خلافا لمن يحيطون به من الشعوب العربية التي تعيش مستعبدة , مسلوبة الإرادة ؛ لأنّ شعبا تتجاوز نسبة الجامعيين فيه ال10% من البالغين , ولا تصل نسبة الأمية فيه إلى 10% , وأصبح الكتاب , والنت في 90% من بيوته , وتقوده قيادة هاشمية تحمل إرثا سياسيا يمتدّ إلى أعماق التاريخ السحيق _ لا يجوز أن يصنّف بأنّه لم يبلغ سنّ الرشد , وأنّه لا يزال بحاجة إلى وصاية وانتداب.
29. افهام تلك القوى الاستعمارية بأنّ الشعب الأردني لن يقبل بأقل من استعادة ثروات الوطن المسلوبة , واستخراج ما في باطن أرضه من ثروات, وأنّه يرفض رفضا قاطعا جميع السياسات التي فرضها عليه "صندوق النهب الدولي " , ويعتبر كلّ ما ترتب عليه من ديون هي مؤامرة من تلك المؤسسات الاستعمارية لسلب إرادته , وأنّ تلك الأموال هي حقوق له مقابل ذلك الدور الذي كان يضطلع به تجاه الإقليم , والقضية الفلسطينية , وهو في سبيل استعادة حريته , وإرادته السياسية , وثرواته فإنّه مستعدّ للتضحية بالنفوس والنفائس , والصبر على الجوع والفقر .
30. أن الشعب الأردني يعلن التنصل من جميع الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها حكومات الكمبرادور والتي أدّت لتدمير الاقتصاد الوطني , وتضييع ثروات الوطن , واعتبار أنّ تلك التصرفات هي تصرفات باطلة من حكومات غير شرعية لا تلزم الوطن بشيء .
31. ضرورة اصدار قرار عاجل لحماية ما تبقى من الأراضي الزراعية من زراعتها بالأسمنت الذي دمّر معظمها للأبد .
32. إعادة الروح للدولة = الحكومة والشعب بجعل الأفضلية للأصلح والأنفع والأكفأ ليتنافس الجميع على العلم والعمل بدلا من المنافسة على بناء العلاقات الوصولية , وتقليد الطحالب المتسلقة , ورفض سياسة المحاصصة والترضيات على حساب مصالح الوطن والشعب .
33. نؤمن إيماناً قاطعاً بحقيقة موضوعية راسخة في الوجدان العربي منذ أيام الجاهلية ألا وهي مقولة " النساء شقائق الرجال " والتي تعني "نظائرُهم وأمثالهم في الأخْلاق والطِّباع " فللمرأة الدور الأكبر في المسيرة الإنسانية إلاّ أننا نرفض فكرة " تسليع المرأة " واختزالها بصورة عارضة الأزياء , كما نرفض تصويرها بصورة المنافس للرجل فالعلاقة بين الطرفين علاقة إنسانية تكاملية لا نزاع فيها ولا منافسة وهي تخضع لقوانين وأعراف وشرائع وضعها الأنبياء والمصلحون والحكماء لتستقيم الحياة , وتحفظ الأعراض والأنساب .... ولذا فإننا نستنكر تدخلات بعض الهيئات الوافدة التي تحاول إفساد حياتنا الاجتماعية لتصرف المجتمع عن النهوض الحقيقي بإشغاله بجدل بيزنطي وفرض قوانين لتدمير الأسرة العربية كالذي فرضته في التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية الذي رفضه سماحة الشيخ المرحوم نوح القضاة ودفع منصبه ثمنا لهذا الرفض , وقد مرر هذا القانون المشؤوم بدون ضجيج وكأن الذين وضعوه يظنون أنهم يضعون قوانين لمجتمع بلا موروث حضاري , !! وإننا بقدر رفضنا لمثل هذه القوانين الفاسدة المستوردة المصممة لتدمير الأسرة العربية فإننا نرفض مفاهيم فقهاء فترة الترف والانحطاط في الزمن المملوكي والعثماني تجاه المرأة حيث صوروا المرأة شيطان خلق للإغراء والإغواء فيجب عزلها وسجنها في المنزل , ونطالب بأن تعود المرأة العربية لحياتها الطبيعية التي كانت عليها قبل الإسلام , والتي زادها الإسلام رقيّا وتهذيبا , واستمرت في البوادي والأرياف امرأة عاملة , مؤثرة , مربية , شريكة للرجل في هموم الحياة دافعة بمسيرتها للأمام مع المحافظة على الحشمة والحياء والعفاف ...... لذلك فإننا نطالب بإيقاف العمل بتعديلات ذلك القانون الذي فرض علينا من الخارج وأن يتمّ صياغة قانون عصري يشارك في صياغته كبار الفقهاء الشرعيين والقانونيين, وشيوخ العشائر المؤهلين , وعلماء الاجتماع المعتبرين من مختلف الأطياف ليكون القانون ملبيا للحاجات الفعلية لمجتمع عربي مسلم ذي إرث حضاري إنساني جليل... كما نطالب بكفّ الأيدي العابثة المستقوية بقوى خارجية التي تحاول تدمير النظام الاجتماعي في هذا البلد الطاهر .
34. التفكير الجاد في حلّ مشكلة العنوسة التي وصلت إلى أكثر من مائة ألف عانس فوق سنّ الثلاثين .
35. التفكير الجاد في حلّ مشكلات السكن للشباب في البوادي والأرياف .
36. السيطرة على عتاة المجرمين الذين يمارسون السرقة , ويتصرفون كتصرفات مجرمي المافيا فيسرقون سيارات المواطنين ثمّ يتصلون معهم , ويطالبونهم بمبلغ من المال ليعيدوا إليهم سياراتهم , ومنهم من يدفّع المحلات التجارية " الإتاوة" ومنهم من يسرق المواشي ، إذ كشفت عصابة كانت تقوم بهذا العمل وتجاوز مجموع سرقاتها 158 سرقة , وهؤلاء الأشخاص معروفون لدى الدوائر الأمنية .
37. إعادة النظر في إجراءات المحاكم التي أشرنا إليها آنفا , والتي هي السبب لتنامي ظاهرة العنف الاجتماعي خلافا لما يقوله عطوفة مدير الأمن العام السابق والنائب الحالي السيد مازن القاضي في محاضرته المنشورة في صحيفة العرب اليوم بتاريخ 2010/01/25 حيث يقول ما نصّه : " وإن إحداث الخلافات ,والمشاجرات التي شهدناها, هو دليل على تنامي النزعة لدى الأفراد , والجماعات للجوء إلى استخدام العنف في حل المشاكل الشخصية أو العامة بدلاً من اللجوء إلى الأساليب السلمية , والأطر القانونية التي تضمن الشفافية والنزاهة في حلها ,وإحقاق الحق لأصحابه " انتهى ........ نقول : إنّ المواطن لا يلجأ للعنف ولا يحبّذه إن وجد أسلوبا ووسيلة للوصول لحقّه بدونه.
38. خروج جهاز الأمن العامّ والحكام الإداريين من عقلية الإدارة العثمانية , والإدارات المستعمرة التي تنظر للمواطن نظرة عدائية : فهو في نظرها مجرم أو مشروع مجرم , والأصل فيه أن يكون متّهما بصدقه , ومسلكه حتى تثبت براءته , ولا يستحق أن يلقب في محاضر الأمن العام إلاّ بلقب " المدعو " , ذلك المصطلح الدالّ على الاحتقار والتهميش , حتى لو كان شاهدا أو مقتولا أو مصابا في حادث سير , أمّا المقتول عمدا فقد أنعم عليه بلقب " مغدور " بغض النظر عن سبب قتله سواء أكان عمدا أم خطأ وسواء أكان لدفاع مشروع أم اعتداء مرفوض !! وما الذي يمنع أن يفهم رجل الشرطة أنّ المواطن هو إنسان محترم , وأنّه يمثّل أمّه وأبيه , وأخته وأخيه , وعمّه , وابن عمّه ........ الخ ، وما الذي يمنع قائد المركز وضباطه من احترام الذين يراجعونهم من المواطنين وإن كانوا غير مسجلين في لوحة الشرف لدى مستشارية شؤون العشائر والمحافظين , فقد يكون هذا المواطن من وجهاء بلدته , أو مقدّم عشيرته , وينظر إليه قومه نظرة النور لسيدهم " الهبر " الذي أطنب في ذكره عاشق الأردن ولسانها " عرار " , ولماذا يظلّ هؤلاء في المنزلة التي وصفها الشاعر حيث يقول :
قوْم إِذا حَضر الملوكَ وُفُودُهم ... نُتِفَتْ شَوَارِبهم عَلى الأَبْوابِ
ألا يدرك القائمون على مؤسسات الدولة أنّ إبقاء الناس المحترمين في مثل هذه المنزلة سيجعلهم يعزفون عن التوجّه لتلك الأبواب , حيث لم تشفع لهم وطنيتهم , ولا إخلاصهم ولا خدمتهم لوطنهم , ولا سيرهم على نهج الكرام .
وهل يلامون إن نقموا وحقدوا وتربصوا , وتمثل كرامهم وأكفياؤهم بقول الشاعر
" وكم قائل: ما بال مثلك راجلا؟ ... فقلت له : من أجل أنك فارس
إذا لم يكن صدر المجالس سيد ... فلا خير فيمن صدرته المجالس
أقلي علي اللوم يا ابنة مالك ** وذمي زمانا ساد فيه الفلاقس
وساع من السلطان ليس بناصح ** ومحترس من مثله وهو حارس .
39. رفض مبدأ توطين مهجري فلسطين ( الشتات ) في الأردن والمطالبة بعودتهم إلى وطنهم الأمّ فلسطين أو توطينهم في الأقطار التي يعيشون فيها الآن , أمّا الذين يحملون الجنسية الأردنية قبل قرار فكّ الارتباط فهم أردنيون لهم ما لنا وعليهم ما علينا إن اختاروا عدم العودة إلى وطنهم .
40. رفض فكرة المحاصصة لأنّها تكرّس تقسيم الشعب إلى ثنائية بغيضة مرفوضة بكافّة المقاييس الدينية والقومية والوطنية والإنسانية .
41. الوقوف بكل الاإمكانيات مع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والشتات في نضاله لإقامة دولته على ترابها الوطني في فلسطين , ورفض أيّ شكل من أشكال الوحدة المفروضة من قبل قوى الاستعمار والصهاينة .
"أفكار حول الاقتصاد والمديونية والتعويض "
لقد وضعت الدولة الأردنية في ظروف قاسية من القريب والغريب لأنّها هي التي كانت تحمل المشروع النهضوي الوحدوي العربي الذي قامت على أساسه الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن على وأنجاله من الملوك العظام وأحفادهم , ذلك المشروع المناقض للمشروع الاستعماري الغربي القائم على تقسيم العالم العربي وتجزئته , وكذلك المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي فإننا نؤكد على ما يلي :
1. حقّ الشعب الأردني في استعادة جميع ثرواته الوطنية التي أجبرته قوى الاستعمار ممثلة بصندوق النقد والبنك الدولي على بيعها بأبخس الأثمان واعتبار أنّ كلّ ما تمّ من بيع في هذا المجال باطلا لأنّ الشعب صاحب السيادة الحقيقية لم يكن طرفا في تلك الصفقة المشبوهة , ولما تبين من غبن فاحش يبطل عقود تلك الصفقات , ولما كانت عليه تلك القوى الاستعمارية من غطرسة وإرهاب سلب إرادة مؤسسة الحكم , وفرض عليه طاقما من السماسرة الذين نفذوا ما تريده تلك القوى الظالمة الغاشمة التي تريد تدمير الاقتصاد الوطني تمهيدا لتدمير الوطن وإعادة تشكيله بما يخدم مخططاتها الظالمة المستبدة .
2. حقّ الشعب الأردني في إلغاء جميع القوانين التي فصّلها سماسرة صندوق النقد الدولي وسائر الهيئات والمنظمات الدولية والتي ترمي إلى تفكيك الدولة اقتصاديا وثقافيا وأخلاقيا واجتماعيا تمهيدا لتقديمها فريسة سهلة للوحش الصهيوني التوسعي .
3. إنّ جميع الديون المترتبة على الدولة الأردنية والبالغة أكثر من 17 مليار دولار هي نسبة ضئيلة من حقوقها لما قامت به من خدمات دولية وإقليمية طيلة التسعين عاما الماضية منها على سبيل المثال تأمين حدود دول الجوار وحمايتها مما يكدّر صفو أمنها , لذلك فإننا نطالب القوى الكبرى ودول الجوار بتسديد تلك الديون كاملة .
4. لقد فرضت القوى الكبرى وبدعم من دول الجوار على الدولة الأردنية سياسة اقتصادية يراد منها إبقاء الأردن رهنا للمساعدات فمنعته من استخراج ثرواته الوطنية , وأجبرته على تدمير قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والنقل ؛ لذلك فإنه يجب على الجميع أن يطالب باسم الشعب الأردني تلك القوى الدولية والإقليمية بتعويض شعبنا ودولتنا عمّا ألحقوه بهما من خسائر فادحة وأضرار بالغة طيلة العقود الماضية ولا يزالون .
5. أستغرب تجاهل حقّ الشعب الأردني بالتعويض المترتب على الآثار المباشرة للقضية الفلسطينية عليه , وقصر هذا الحقّ على مهجري فلسطين , وتجاهل الآثار المدمرة على الشعب الأردني من آثار ذلك الاحتلال الصهيوني الغاشم , وما فرضه عليه طيلة العقود الماضية ولا يزال ؛ لذلك فإنّ الواجب على الجميع المطالبة بأن يكون التعويض حقّ ثابت لكلّ من يحمل الجنسية الأردنية بغض النظر عن أيّ اعتبار آخر .
6. نذكّر بأنّ قبيلة بني صخر تعرضت في الأعوام 1922م وعام 1924م وعام 1927م إلى غزو غادر ظالم مدعوم من بعض القوى الإقليمية والدولية , كما تعرضت لهجوم غادر من قبل القوات الفرنسية فيما يعرف بكون (سما السرحان ) وسقط في تلك الغزوات مئات الشهداء من أبناء وبنات هذه القبيلة ؛ ونظرا لأنّ الدم في عرف العرب وشريعة الإسلام لا يبلى , ولا يذهب هدرا فإننا نطالب بتعويض ذوي الشهداء الذين قتلوا غدرا وظلما بالدية الشرعية المقررة والبالغة مائة من الإبل لكلّ نفس مع احتساب إنتاجها طيلة تلك العقود .
7. ونذكّر بأنّ الدولة العثمانية قد ارتكبت من المجازر بحقّ أهل الأردن وقبائله طيلة قرون حكمها ما تقشعر له الأبدان , وأغلب تلك الحوادث موثّق في أرشيفها وفي بعض كتب التاريخ , ولم يكن لتلك المجازر من مستند شرعي أو قانوني , علاوة على ما تسببت به تلك الدولة من دمار اقتصادي وحروب طاحنة بين القبائل الأردنية كانت أغلبها بتحريض وتشجيع منها وأدناها بعدم تحملها مسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار ؛ لذلك فإننا نطالب بفتح هذا الملف , ومطالبة الدول التركية بدفع التعويض المتناسب مع مقدار تلك الأضرار .
دولة الرئيس الأمثل :
لقد أطلت وربما أمللت وفي الختام لا أملك إلاّ أن أتوجه لله العلي العظيم أن يحفظ دولتكم في ظلّ حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المفدّى , ويوفقكم لخير هذا الوطن وأهله , وأن يسجّل لكم التاريخ موقفا مشهودا في سبيل إنقاذ هذا الوطن .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ....
الجمعة الثامن والعشرين من تشرين أول من عام 2011م .
فلاح أديهم مسعد المسلَم بني صخر .