غادرتُ غَزة وتأبى غَزة أن تغادرني

غادرتُ غَزة وتأبى غَزة أن تغادرني
أخبار البلد -   أخبار البلد -
 
كتب عن غزة التي سكنتني، نعم غادرت غزة ولكنها تأبى ان تغادرني. برغم الدمار والحزن والالم إلا أنني خرجت من غزة كلي طاقة وأملٍ بالحرية…
غزة بحثٌ مرئيٌ وتطبيق عملي عن الديالكتيكية الجدلية او بلغة اخرى لوحة من التناقضات بعبقرية، فالشارع عنوانه "الوحدة” نعم هناك حيث الانهيارات والمباني التي لم يبقَ منها سوى رُكام وأنقاض وأعمدة الحديد التي يُعاد تدويرها يدوياً في وسط المكان. أكثر من اربعين شهيداً من شارع الوحدة في ليلة واحدة، يا لسخرية الزمان، فما أحوجنا للوحدة التي تجمع الفلسطينيين في طرفي المكان. في منتصف شارع الوحدة، وعلى جوانب الدمار وحيث عربات الحمير محملة بمخلفات الرُكام، هناك الى اليسار، وبعد صعود الدرج والعديد من الطوابق، تسكن هناك طفلة جميلة اسمها "سوزي رياض” يخيمُ الغموض على وجهها ويسكنها الصمت، هذه هي سوزي التي أُنتشلتْ من تحت الانقاض، ولم يبقَ لها سوى والدها فقدت سوزي أخواتها وأمها، فقدت سريرها وبيتها ولعبتها وها هي تعيش مع جدتها وعمها وافراد العائلة في شقة صغيرة مجاورة لبيتها الذي استهدفه الاحتلال. عجزتْ سوزي عن الكلام ولكنها بإيماءةٍ وهزة رأسٍ أخبرتني انها تحب السباحة وانها مستعدة لاستقبال اولادي من عمرها واولاد فلسطين لتعلمهم العوم خارج البرك. وعدتُ سوزي أنني سأعود مع أصدقاءها الجدد وهي ستكون مدربة السباحة بين الامواج في البحر.
أما ريماس وسجى وغزل الرنتيسي اللواتي تبلغن من العمر ٨ سنوات، ترقدن على الأسرة لتلقي علاج لمرض الدم، ثلاثة توائم بعمر ابني الأصغر، الابتسامات علت وجوههن بالرغم من البرابيش الطبية التي تحدد حركتهن، حدثنني عن استشهاد والدهن وعمهن قبل شهرين، ثم اكملت أمهن الخلوقة الراضية: لديهن اخ شاب يعمل ويعيلنا، لم تطلب شيء اكتفت بالمحبة وهي شامخة كالجبل. يا لهذا القهر، يا لضعف الجسد ويا لحسرة العقل فكيف نقوى على كل هذا الثقل والالم والظلم ثم كيف لنا ان ننكسر امام هذا الكم من الصبر والكبرياء والتحدي. يا لهذا القدر، ما بها الدنيا تصيب العائلة بالمرض ثم يكمل عليها العدوان يحرمها الاحتلال زوجها وها هي صابرة يملأها الأمل.

أأحدثكم عن سمر التي فقد ابناء عمومتها الامل وابحروا في البحر منذ العدوان الأخير ولم يبقَ لهم أي أثر؟
أم أحدثكم عن سهيل الذي يتابع تفاصيل نقل المرضى والذي انهار خجلاً أمام عيون الأم بعد ان فارقت طفلتها الحياة قبل ان تصدر التحويلة لعلاجها على بُعد ساعات من غزة.


أم أحدثكم عن وائل في المطعم وهو يحمل شهادة الماجستير بعد ان تقطعت به السبل وها هو يناقشني في بحث الدكتوراة الذي يحلم بإنجازه؟


أم أحدثكم عن جمال المثقف الذي سبق الحداثة، يكتب ويتحدث عن العلمانية وعن الدبلوماسية الرقمية وسلاح العصر وها هو مهدد من السلطات الأمنية التي لا ترحب بالعقل ولا بالمنطق ولا بفكر يليق بالأنام.


أم أحدثكم عن غرفة نوم العرسان المُطلة على البحر، التي لم يتبقَ منها سوى هيكل جدران باهتة حتى شجرة عيد الميلاد في الزاوية فزينتها مكسرة ومنتشرة في ارجاء المكان، أما نعل العروس اللامع فهناك فردة لا زوج لها تجدونها تحت الرُكام، احلامٌ وتفاصيل مُبعثرة متروكة تحت الانقاض.


أم أحدثكم عن حسن أم عامر ام ماهر ام دنيا أم حازم او غازي او سمير او رهام او دينا؟ سأحدثكم عن الشابات والشباب، بالعامية "بردوا الروح” نعم شبابنا كثير "ملاح” الشباب في غزة هم من أعاد الزخم للقضية الفلسطينية على الساحات الدولية بصمودهم ومن خلال شاشات هواتفهم الذكية فها هم يخاطبون العالم ينقلون الحقيقة ويعملون باخلاص لتغطية تفاصيل الحكاية التي انتصرت بهمة هؤلاء الشباب الذين خاطبتُهمْ وأكدتُ لهم بكل فخر أنهم الماركة الفلسطينية الأرفع والأقدر على اختراق عقول وقلوب العالم، هم الترويسة الفلسطينية بلا حدود، هم الفكرة التي لا ولن تموت.


هذه هي غزة التي زرتها، تناقضاتها كثيرة إلا أن كل زاوية كل شارع كل بيت كل عائلة وكل رواية عبارة عن مدرسة في الوطنية والكرامة والحرية والأمل.

أحبك غزة، لا أبالغ ولا أجامل فأنتِ في مُخيلتي سان تروبيه الشرق أوسطية. هذه زيارتي الاولى منذ واحد وعشرين عام ولكنها حتماً لن تكون الاخيرة، شكرا على كل الحب والكرم والأمل، لم يسعفني الوقت للقاء جميع الأحبة، وتعجز كلماتي عن التعبير ويحتار قلمي بانتقاء ما يناسبها من مفردات، تتعثر قريحتي الادبية عند ذكرها، ها هي تتربع في قلبي، وتأبى ان تغادرني وتمدني بالصبر وبالطاقة بالايجابية، تحية لك يا غزة، يا جزء من فلسطين، الجزء القريب البعيد، السهل الممتنع، الأبدي الأثر…

د. دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.

شريط الأخبار نتنياهو يعلن رسميا المصادقة على صفقة الغاز مع مصر بمبلغ فلكي سوليدرتي الأولى للتأمين ومجموعة المركزية توقّعان مذكرة تعاون لتقديم حلول تأمين متكاملة لعملاء تويوتا ولكزس الجغبير: مجمع العقبة الوطني للتدريب يسهم في توفير العمالة المؤهلة لسوق العمل الكلية الأمريكية لأمراض القلب فرع الأردن تعقد مؤتمرها السنوي الثالث لمراجعة مستجدات أمراض القلب تعزية ومواساة من عشيرة الشبلي في ماحص إلى عشيرة الشبول في الشجرة.. عظم الله أجركم الأرصاد الجوية تحذر من تشكل الصقيع والانجماد الليلة وصباح الخميس الملكية الأردنية تحتفي بعامها الـ62 وتستعرض أبرز إنجازات 2025 ورؤيتها لعام 2026 واستراتيجية تحديث الأسطول حسان يوجه بإنفاذ القانون وتطبيقه بحق المخالفين الذين يلقون النفايات عشوائيا وزارة الزراعة: الهطولات المطرية مبشّرة حتى الآن تأخير دوام الخميس في مناطق بجنوب المملكة بسبب الأحوال الجوية "الطاقة النيابية" تقدم 12 توصية بشأن المدافئ غير الآمنة يزن النعيمات يخضع لجراحة ناجحة.. فهل سيكون جاهزا لكأس العالم 2026؟ مؤسسة رقابية هامة.. موظفة صباحاً وبعد الظهيرة مدربة في مراكز تدريبية الضمان الاجتماعي يشتري 100الف سهم في بنك القاهرة عمان في حال فوز النشامى.. هل الجمارك ستضبط كأس العرب ! السجن 5 سنوات لأم عذبت رضيعها وصورت جريمتها 11.4 مليون حجم التداول في بورصة عمان مدرب النشامى: نطمح للقب العربي رغم قوة المغرب سابقة خطيرة في إحدى مدارس عمّان: استهداف معلمة بزج طالبات قاصرات في صراع إداري إحالة تقرير فحوصات مدافئ الغاز إلى القضاء لاستكمال الإجراءات القانونية