في محاضرة له بعمان قبل أكثر من ثلاثة أعوام، أكد المفكر العربي د. مراد وهبة، أن صراعا دائما يدور بين مصطلحين، هما «الوضع القائم»، و»الوضع القادم»، وأن «الوضع القادم مرادف للرؤية المستقبلية، وهو لا يُستدعى إلا إذا دخل الوضع القائم فى أزمة لا تسمح له بمواصلة المسار».
في العالم العربي، استغلقت الطرق بأسرها أمام دول الإقليم التي فقدت كل ما يمكن لها أن تستدل به على خط سيرها نحو المستقبل. هذه الحال تعيشها دول المنطقة منذ عقود، ومع ذلك تبدو غير راغبة نهائيا باستدعاء الجدل حول «الوضع القادم»، كأنما قد فقدت أي رغبة في مواكبة العالم.
في المستوى التنظيري البحت، تبدو معادلة وهبة منطقية تماما، إلا أنها لا تقول لماذا هذا الصراع، وما هي أدواته. وكيف تعمل مقاومة التغيير في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
في واحدة من المفارقات التي لا تحدث كثيرا، إلا أنها قاعدة ثابتة عربيا، يعمل النظام السياسي العربي بهمة عالية ضد التغيير والتقدم إلى الأمام. على مدار عقود طويلة، كانت الدول العربية كلما استشرفت طريقا مستقبليا ما، جاءها ما يحبط مسعاها؛ سواء من الداخل أو من الخارج.
الحروب البينية، والغزو الخارجي، ظلا أداتين مهمتين لإحباط تطلعات الشعب العربي، أما التنافس على السلطة فقد أطاح بكثير من الأحلام، ومثله فعل تنافس الأنظمة على زعامة العالم العربي، يوم كان ذلك هدفا لدى زعماء آمنوا بدمائهم «الإلهية»، وبأنهم فوق مستوى البشرية، لذلك لم يكترثوا كثيرا بأنهم شنوا حروبا كثيرة وخسروها، بينما شنوا حروبا أخرى ضد إخوتهم، وكسبوها.
لكن الحروب نصف الحقيقة في الإخفاق العربي في التنمية والوصول إلى الدولة المستقرة. فالوجه الأكثر وضوحا هو فساد الطبقة الحاكمة الذي نخر الدول، ولم تستطع معه أن تحقق أي تنمية في أي مجال، ما أبقاها دولا غير مستقرة، وغير مستوفية لاشتراطات البقاء، ولا تقترب من أي نمط إنتاجي، أو تحقق أي نوع من الاكتفاء في أي سلعة.
ورغم عجزها وفشلها واعتمادها على العالم في توفير الاساسيات، إلا أن الدول العربية تتصدر قائمة الأمم الأكثر هدرا للموارد المهمة لبقاء البشرية، مثل هدر الطعام، بواقع 250 كيلوغراما من الأغذية للفرد سنويا، خصوصا في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. دراسة حديثة نسبيا، بينت أن حوالي 68 % من الخسائر في شمال أفريقيا والدول العربية تحدث في مجال إنتاج الأغذية ومعالجتها وتوزيعها، وأن نفايات الطعام في مرحلة الاستهلاك في المنطقة تصل لنسبة 34 %.
على المستوى الاجتماعي، ما يزال العالم العربي في دوائر ما قبل الدولة، ومحتكما للروابط البدائية، ولم يتحول إلى المجتمع المدني الحديث، حتى على مستوى النخب، التي لم تستطع حتى اليوم أن تؤسس لحوار مجتمعي يفتح الآفاق على رؤية مغايرة للواقع، بل على العكس تماما، فهي تندرج وتتورط بجدل المجتمع نفسه، فتخسر من نخبويتها، ما يحيلها إلى عوام برتب نخبوية وهمية.
كل ذلك يقود إلى استنتاجات، ربما تتسرب إليها نظرية المؤامرة التي يؤمن كثيرون بها، والتي تقول في معناها إن العالم لا يمكن أن يسمح للمنطقة العربية بالتقدم، خصوصا نحو الديمقراطية الحقيقية، والتي، لا شك، ستؤسس لها منظورا مختلفا من الحرية التي ستؤدي في النهاية إلى زيادة تقدير الذات، وبالضرورة رفض الواقع المتردي الذي يعيش الفرد فيه اليوم.
قلنا إنها قد تكون مجرد نظرية مؤامرة مثل كثير غيرها نجد له رواجا كبيرا في منطقتنا الكسولة الذاهلة عما حولها. لكن، في المقابل، فإن استشراف المستقبل والتغيير يتطلبان نخبا مؤمنة بوجودها المحوري في محيطها، وقادرة على أن تؤدي دورها، سواء في التنوير أو التغيير.
لكن المجموعات القيادية التي نتجاوز على الحقيقة حين نسميها نخبا، غير مدركة لهذا الوجود، وهي ما تزال تعيش إما تبعية وانبهارا بـ»الآخر»، وإما تعيش حالة نفعية معه، وترفض التنازل عن المكاسب التي توفرها هذه العلاقة، بينما فريق ثالث لا يمتلك المعرفة وأدواتها، وهو يبقى متورطا في معارك وهمية ضد طواحين هواء لم تسعفه المعرفة لإدراك أنها ليست موجودة إلا في خياله.
لذلك كله يمكننا القول إننا مبتلون بأنفسنا قبل كل شيء، ولا حاجة لنا بأعداء لتقويض مسيرتنا!
في العالم العربي، استغلقت الطرق بأسرها أمام دول الإقليم التي فقدت كل ما يمكن لها أن تستدل به على خط سيرها نحو المستقبل. هذه الحال تعيشها دول المنطقة منذ عقود، ومع ذلك تبدو غير راغبة نهائيا باستدعاء الجدل حول «الوضع القادم»، كأنما قد فقدت أي رغبة في مواكبة العالم.
في المستوى التنظيري البحت، تبدو معادلة وهبة منطقية تماما، إلا أنها لا تقول لماذا هذا الصراع، وما هي أدواته. وكيف تعمل مقاومة التغيير في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
في واحدة من المفارقات التي لا تحدث كثيرا، إلا أنها قاعدة ثابتة عربيا، يعمل النظام السياسي العربي بهمة عالية ضد التغيير والتقدم إلى الأمام. على مدار عقود طويلة، كانت الدول العربية كلما استشرفت طريقا مستقبليا ما، جاءها ما يحبط مسعاها؛ سواء من الداخل أو من الخارج.
الحروب البينية، والغزو الخارجي، ظلا أداتين مهمتين لإحباط تطلعات الشعب العربي، أما التنافس على السلطة فقد أطاح بكثير من الأحلام، ومثله فعل تنافس الأنظمة على زعامة العالم العربي، يوم كان ذلك هدفا لدى زعماء آمنوا بدمائهم «الإلهية»، وبأنهم فوق مستوى البشرية، لذلك لم يكترثوا كثيرا بأنهم شنوا حروبا كثيرة وخسروها، بينما شنوا حروبا أخرى ضد إخوتهم، وكسبوها.
لكن الحروب نصف الحقيقة في الإخفاق العربي في التنمية والوصول إلى الدولة المستقرة. فالوجه الأكثر وضوحا هو فساد الطبقة الحاكمة الذي نخر الدول، ولم تستطع معه أن تحقق أي تنمية في أي مجال، ما أبقاها دولا غير مستقرة، وغير مستوفية لاشتراطات البقاء، ولا تقترب من أي نمط إنتاجي، أو تحقق أي نوع من الاكتفاء في أي سلعة.
ورغم عجزها وفشلها واعتمادها على العالم في توفير الاساسيات، إلا أن الدول العربية تتصدر قائمة الأمم الأكثر هدرا للموارد المهمة لبقاء البشرية، مثل هدر الطعام، بواقع 250 كيلوغراما من الأغذية للفرد سنويا، خصوصا في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. دراسة حديثة نسبيا، بينت أن حوالي 68 % من الخسائر في شمال أفريقيا والدول العربية تحدث في مجال إنتاج الأغذية ومعالجتها وتوزيعها، وأن نفايات الطعام في مرحلة الاستهلاك في المنطقة تصل لنسبة 34 %.
على المستوى الاجتماعي، ما يزال العالم العربي في دوائر ما قبل الدولة، ومحتكما للروابط البدائية، ولم يتحول إلى المجتمع المدني الحديث، حتى على مستوى النخب، التي لم تستطع حتى اليوم أن تؤسس لحوار مجتمعي يفتح الآفاق على رؤية مغايرة للواقع، بل على العكس تماما، فهي تندرج وتتورط بجدل المجتمع نفسه، فتخسر من نخبويتها، ما يحيلها إلى عوام برتب نخبوية وهمية.
كل ذلك يقود إلى استنتاجات، ربما تتسرب إليها نظرية المؤامرة التي يؤمن كثيرون بها، والتي تقول في معناها إن العالم لا يمكن أن يسمح للمنطقة العربية بالتقدم، خصوصا نحو الديمقراطية الحقيقية، والتي، لا شك، ستؤسس لها منظورا مختلفا من الحرية التي ستؤدي في النهاية إلى زيادة تقدير الذات، وبالضرورة رفض الواقع المتردي الذي يعيش الفرد فيه اليوم.
قلنا إنها قد تكون مجرد نظرية مؤامرة مثل كثير غيرها نجد له رواجا كبيرا في منطقتنا الكسولة الذاهلة عما حولها. لكن، في المقابل، فإن استشراف المستقبل والتغيير يتطلبان نخبا مؤمنة بوجودها المحوري في محيطها، وقادرة على أن تؤدي دورها، سواء في التنوير أو التغيير.
لكن المجموعات القيادية التي نتجاوز على الحقيقة حين نسميها نخبا، غير مدركة لهذا الوجود، وهي ما تزال تعيش إما تبعية وانبهارا بـ»الآخر»، وإما تعيش حالة نفعية معه، وترفض التنازل عن المكاسب التي توفرها هذه العلاقة، بينما فريق ثالث لا يمتلك المعرفة وأدواتها، وهو يبقى متورطا في معارك وهمية ضد طواحين هواء لم تسعفه المعرفة لإدراك أنها ليست موجودة إلا في خياله.
لذلك كله يمكننا القول إننا مبتلون بأنفسنا قبل كل شيء، ولا حاجة لنا بأعداء لتقويض مسيرتنا!