بالرغم من كل ما يواجهه الأردن من تحديات وصعوبات اقتصادية، وواقع معقد أنتجه وباء الكورونا، والوضع الإقليمي والدولي المعقد إلا أنه أمام هذه اللحظة التاريخية الحاسمة يجد نفسه على مفترق طرق وعرة، وهو يحاول بقوة وثبات التحذير من أبعاد ومخاطر مشروع الضم الإسرائيلي لغور الأردن من الجانب الفلسطيني، بعد ضم القدس الشرقية، وتنامي إقامة المستوطنات في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.
والسؤال الان لماذا يتحرك جلالة الملك عبدالله الثاني ومعه الدبلوماسية الأردنية بهذه القوة في اتجاه منع إسرائيل من المضي قدما في مشروع الضم؟ والجواب يحتاج إلى فهم القراءة الإستراتيجية لدوافع هذا التحرك، المبني على إدراك عميق للتحولات الإقليمية، والمسار التاريخي لهذه المنطقة الحساسة من العالم بإرثها الديني والثقافي والاجتماعي، بحيث يمثل مشروع الضم الفصل الأخير من مسلسل الضم والتهويد وإنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والحقوق العربية والإسلامية والمسيحية في فلسطين ومقدساتها، وقيمتها الدينية ، لينشأ حتما صراع من نوع جديد!
ذلك ما عناه وزير الخارجية السيد أيمن الصفدي في تصريحاته من رام الله حين قال "إن التحدي كبير، واللحظة صعبة، وكلنا يعمل من أجل تجاوزها بما يحقق الهدف لنا جميعا" تلك التصريحات التي أعقبت تسليمه رسالة هامة من جلالة الملك إلى الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس يطلعه فيها على نتائج اتصالاته مع كتل من مجلس النواب الأمريكي، ومع مراكز صنع القرار في أوروبا، ودول فاعلة أخرى من أجل الدفع في اتجاه منع ذلك الصراع الذي أشار إليه الوزير بشكل واضح وهو يقول "إن ضم إسرائيل لأراضي فلسطينية يعني أنها اختارت الصراع بدلا من السلام".
للأردن موقف تاريخي تجاه القضية الفلسطينية، ومساندته للحقوق الفلسطينية جزء لا يتجزأ من حفاظه على حقوقه وأمنه واستقراره ، ولكنه في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة بين إنهاء الصراع عن طريق منح الشعب الفلسطيني حقه في الدولة المستقلة، وإنشاء صراع جديد متعدد الأطراف، يريد أن يضع حدا لحالة التهاون والاستخفاف بالقيمة الحقيقية للسلام الذي يقوم على العدل والإنصاف، وليس على فرض الأمر الواقع بالقوة!
بلدنا اليوم أمام تحد حقيقي يحتاج منا إلى أعلى درجات الوعي، والتضامن الوطني، والاستعداد لتحمل تبعات موقف لا يقدر عليه إلا أولئك الذين يستمدون قوتهم من الايمان والرفعة والمجد.