بعد فشل الحرب على سوريا تلجأ واشنطن للحرب الاقتصادية وتمثل مرحلة جديدة من مراحل الصراع على المنطقة، فبعد دخول قانون القيصر حيز التنفيذ تشهد المنطقة، مرحلة متقدّمة مما تعتبره واشنطن « حرب الاستنزاف الطويلة» التي تشنها على « النظام في دمشق «، والتي ستؤدي بنظر واشنطن إلى « انحسار سلطة الدولة نحو العاصمة وبعض مناطق الساحل وانفكاك أخرى عنها». إستراتجية ترمب في صراعها على المنطقة من خلال ما بات يعرف بالحرب الناعمة وتعتمد على تعميم الدمار الاقتصادي وأنهاك الحكومات بحصار اقتصادي، بعد هزيمة المرحلة الأولى من الحرب نتيجة صمود الدولة السورية ودعم حلفائها الإقليميين والدوليين. وتكفي نظرة سريعة إلى هوية المكلّفين بالملف السوري من قبلها، وجميعهم من العاملين في « معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى «، التابع للوبي الإسرائيلي، لتوضيح خلفيات هذه السياسة وغاياتها الرئيسية.
لكن اللافت هو أن أطرافاً كانت قد شرعت في تقارب مع سوريا، تسهم اليوم في هذه السياسة ومنخرطة في قانون القيصر، متجاهلة أن محور سوريا، لن يقبل بإسقاط سوريا وإغراقها بالفوضى من خلال إضعاف الدولة السورية. روسيا، من جهتها أيضاً، لن تقبل بنسف الإنجاز الذي شاركت في تحقيقه في سوريا، وهو ما أكده السفير والمبعوث الخاص للرئيس بوتين في دمشق، ألكسندر يفيموف، الذي جزم بأن «الإرهاب الاقتصادي من المستحيل أن يحطم روسيا وسوريا».يأتي هذا التصعيد الأميركي ضد سوريا في ظل وضع دولي سِمته الأهم عودة « التنافس الاستراتيجي « بين القوى العظمى. هذا ما يتناساه الذين أوصوا بهذه السياسة في واشنطن. لا مجال لتكرار سيناريوهات العراق، ولا حتى ليبيا، في عالم اليوم، ولا إطلاق ديناميات لتقسيم سوريا من دون أن تتحرّك القوى الدولية التي لا مصلحة لها في ذلك، خصوصاً إذا كانت في خضم مواجهة ترتفع حدّتها مع الولايات المتحدة. وإذا كانت إيران وروسيا وحلفائها قد لعبوا دوراً ميدانياً حيوياً للتصدّي لمشروع تدمير الدولة السورية وإعادة ترسيم المنطقة بما يخدم أهداف « المشروع الصهيو امريكي « لما بات يعرف بالشرق الأوسط الجديد التوسعي، فإن المعطى المستجد، الذي يثير غضب الولايات المتحدة، هو الاهتمام الصيني المتنامي بسوريا. وقد أشار جوناثان فنتون هارفي، في مقالة على موقع « المونيتور «، إلى أن « سوريا تكتسب أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى الصين التي يتوسع وجودها في الشرق الأوسط، ويتزايد التوتر بينها وبين الولايات المتحدة». ويذكّر الكاتب بأن الرئيس السوري كان قد رحّب في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بالمزيد من الاستثمارات الصينية في بلاده، وبمشاركة الشركات الصينية في إعادة أعمارها، وأعلن عن بداية محادثات مع عدد منها لهذه الغاية.
ولا شك في أن مسار فسخ الشراكة الاقتصادية والمالية والتجارية المتعاظم بين الصين والولايات المتحدة سيحفّز بكين على تجاوز الخطوط الحمر الأميركية التي سبق أن التزمت بها، وحالت دون تعاملها على نطاق واسع مع بلدان كسوريا. لكنّ هناك اعتباراً آخر، ذا طبيعة استراتيجية، يحكم المقاربة الصينية، وهو مشروع «عقد اللؤلؤ» الهادف إلى تعزيز النفوذ الصيني في شرق المتوسط عبر إدارة مجموعة من المرافئ في بعض بلدانه، إذ تدير شركة صينية حالياً مرفأ «بيراوس» في أثينا، وتقوم أخرى ببناء ميناء جديد في أشدود، ورشّحت ثالثة لإدارة ميناء حيفا. وبما أن الضغوط الأميركية على «تل أبيب» تتزايد لحمل كيان العدو على إلغاء اتفاقه مع الشركة الثالثة والحد من علاقاته مع الصين، فإن الأخيرة تستدير، وفقاً لجيمس دورسي في «ذا غلوباليتس»، نحو البلدان «غير المتحالفة مع الولايات المتحدة، كسوريا، للاستثمار في ميناءي اللاذقية وطرطوس... وتعزيز تموضعها في شرق المتوسط». السياق الدولي الراهن، والصراع الصيني - الأميركي على وجه الخصوص، يحسّنان من قدرة خصوم الولايات المتحدة في الإقليم على الصمود وكسر الحصار المفروض عليهم. غير أن هذا الأمر الذي قد يتطلب مدى زمنياً متوسطاً لا يتنافى مع العمل على إفشال مخططات الجبهة المعادية، الإسرائيلية - الأميركية،، بجميع الوسائل الضرورية والمناسبة. من أجل فلسطين وسوريا، لا ضير في أن يتحوّل الإقليم إلى كتلة من لهب