يشعر الرئيس المكلّف, عون الخصاونة, بأن التعديلات الدستورية قد غلّت يد الحكومة, وقلبت الآية; فالسلطة التشريعية هي التي تتغوّل اليوم, برأي الخصاونة, على السلطة التنفيذية.
من الواضح أن هناك مأزقا يواجه العملية السياسية. فمجلس النواب ¯ المطلوب حله لإنضاج التحالف مع الإخوان المسلمين ¯ أصبح محطة إجبارية لإقرار قانون الإنتخابات العامة. وهو ما يعني أن الحكومة ليست حرة في التفاوض على مضمون هذا القانون الذي سيقرره في النهاية نواب يريدون العودة إلى القبة أو في أحسن التوقعات يريدون الاحتفاظ بمقاعدهم الحالية أطول فترة ممكنة, مما سيؤخر الانتخابات المبكرة في ظل أزمة سياسية متفاقمة.
يشكو الرئيس من التعديل الدستوري الذي قيّد إصدار القوانين المؤقتة من قبل الحكومات, إلا في الحالات الطارئة المحددة نصا. كيف, إذاً, يمكنه التصرّف في العديد من الملفات العالقة بالسرعة التي يتطلبها إيقاع الإصلاحات?
وإذا حلّ الرئيس مجلس النواب الحالي,فسيكون ملزما بتقديم استقالة حكومته, وفقا للمادة الدستورية 74 التي تمنعه من إعادة تشكيل الحكومة أيضا.
ولا يخفي الخصاونة ضيقه بالوضع المعقد القائم. وهو يطمح إلى تعديلات دستورية جديدة تحرّره, سواء لجهة تمكينه من حل البرلمان وإعادة تشكيل الحكومة بنفسه, أو لجهة تمكين الأخيرة من إصدار قانون انتخابات مؤقت يستجيب للتحالف الحكومي ¯ الإخواني. لكن هذا الطموح يصطدم بمحطتين, ضرورة حصول حكومته على ثقة مجلس نيابي, وضرورة موافقة النواب بالأغلبية على تعديلات دستورية جديدة, الهدف منها إرسال هؤلاء النواب إلى بيوتهم!
هل سيكون المخرج بتعليق الدستور وإعلان الأحكام العرفية? يتساءل الرئيس المكلّف, واثقا ربما من دعم حلفائه الجدد. لكن الأرجح هو سعي جهات لمنح الخصاونة ما يريد عن طريق ممارسة ضغوط أمنية مكثفة على النواب من جهة ومنحهم إغراءات من جهة أخرى لضمان قيامهم بتنفيذ أجندة الحكومة وفق الترتيب المطلوب من منح الثقة إلى إجراء التعديلات الدستورية المرغوبة إلى الإنسحاب بهدوء.
ولكن الضغوط والإغراءات, ستكون أسوأ ما يمكن عمله في سياق المرحلة الانتقالية نحو الديموقراطية. ولعل فتح باب تعديل الدستور مرة أخرى على أساس التراجع عن الإنجاز الديموقراطي المحدود الحاصل, وخصوصا لجهة تقييد إصدار القوانين المؤقتة, سوف يؤزّم الوضع السياسي في البلاد, ويُدخلنا في حقبة الدساتير المؤقتة.
يضع الرئيس المكلّف البند 3 من المادة الدستورية 74 الذي يحرم رئيس الوزراء الذي ينحلّ المجلس النيابي في عهده من إعادة تشكيل الحكومة التالية, في خانة زواج "المحلّل", إذ يمكنه, من بعد, تشكيل الحكومة التي تلي الانتخابات العامة. وفي الحقيقة, فقد أراد الدستور من وراء ذلك البند, ألاّ يشرف الرئيس الذي أوصى بحل البرلمان على إجراء تلك الانتخابات, مخافة التأثير على نتائجها في غير صالح خصومه في المجلس النيابي المنحلّ.
ويركز الرئيس المكلف على مشكلة دستورية فنية هي إن الشؤون الإجرائية الخاصة بإجراء الانتخابات العامة المقبلة, تحتاج إلى سبعة شهور من لحظة إقرار القانون المعني, بينما يقضي الدستور بعودة البرلمان السابق إلى الانعقاد حكما إذا لم تجر الانتخابات في غضون أربعة أشهر.وهي مسألة تستحق النقاش, فقط من وجهة نظر فنية لا سياسية.
الأحكام العرفية غير ممكنة موضوعيا, بينما التراجع عن إنجازات التعديلات الدستورية, سوف يوجه ضربة قاصمة لما تبقى من ثقة بالعملية الإصلاحية, وينسف هيبة الدستور نفسه. لكن الطريق ليس مقفلا إذا ما أراد الخصاونة, تصميم وتنفيذ برنامج وطني لإصلاحات متكاملة, يتم بالتوافق مع المجلس النيابي الحالي على أساس استكمال مدته الدستورية.
يمكن لطرفيّ المعارضة (الإخوان والحراك الشعبي) أن يعوّضا المقاعد النيابية التي يمكنهما الحصول عليها في انتخابات مبكرة, بمقاعد في حكومة إئتلافية تجمع الأطياف النيابية والسياسية, وتتبنى إنجاز قوانين التحوّل الديموقراطي في المجالين السياسي والاقتصادي ¯ الاجتماعي (الضريبة والعمل والضمان والتنمية والتعليم العالي الخ) ومحاكمة الفاسدين ومراجعة الخصخصة وحل مشكلات فك الإرتباط والجنسية والهوية الوطنية ووضع خطط جريئة لتنمية المحافظات. أعني أنه يمكن البدء بالعملية الإصلاحية الشاملة قبل الانتخابات والحكومة النيابية المأمولة. وستكون هذه تجربة رائدة في الجبهة الوطنية تنقل البلاد إلى آفاق جديدة.
التشكيلة الحكومية التي ستعلن غدا, لا تتعاطى مع هذا الخيار للأسف. لكن التطورات اللاحقة ستضعه على رأس جدول الأعمال. وسريعا ما سيكتشف الخصاونة أن الإبقاء على البرلمان الحالي والتفاهم معه هما الحلّ الأقلّ كلفة, كذلك, فإن الركون إلى الدعم الإخواني سيضعف فريقيّ التحالف, بينما عدم المبادرة إلى حل ملفات الفساد وتنمية المحافظات والهوية الوطنية, سيفجّر الوضع قريبا جدا.