العادات التي لازمت مجتمعاتنا لمئات السنين تشهد تبدلا سريعا هذه الأيام. ففي أقل من ثلاثة أشهر أصبح التنائي بديلا عن التداني وناب عن طيب اللقيا التجافي. في العمل والأسواق والمؤسسات الخدمية وحتى اجتماعات الأسرة يعمد الجميع على إبقاء مسافة آمنة بينه وبين الآخر، فيما اختفى التقبيل للوجنات من مظاهر اللقاءات والتحيّة. على امتداد البصر تشاهد أشخاصا أخفوا نصف وجوههم كما لم تعد المصافحة عادة محببة ولا مقبولة.
التغيرات التي أحدثها التباعد الاجتماعي لم تقف عند الامتثال لما يقوله الناطق الرسمي باسم الحكومة أو ما تشتمل عليه أوامر الدفاع وإرشادات لجنة الأوبئة. فقد فكّر الناس بالكثير من العادات والممارسات التي أرهقت جيوبهم وفرضت أعباء ومصاريف إضافية على دخولهم المحدودة وقرروا تبديلها أو الحد من كلفها وآثارها المالية والاجتماعية. بعض التحولات ارتبطت بأنماط الاستهلاك التفاخري والبعض تعلق بالعادات التي كان لها وظائف اقتصادية واجتماعية في مجتمعات الرعي والزراعة ولم تعد مناسبة أو مقنعة أو متماشية تماما مع أنماط الحياة ونسق العلاقات في المدن والبلدات وحتى البادية في صورتها المعاصرة.
المصاريف المتعلقة باحتفالات الزواج وعادات إقامة المآتم وبيوت العزاء كانت إحدى مظاهر النشاط الاجتماعي الذي شهد تغيرا بسبب أزمة الكورونا، ففي حين توقف الجميع عن فتح بيوت العزاء وإقامة احتفالات الأعراس بالطرق التقليدية، استثمر البعض هذه الظروف للتفاوض الاجتماعي حول شكل جديد لإقامة هذه المناسبات ولضمان أن لا يعود المجتمع للممارسات السابقة التي طالما أرهقت اقتصاديات الأسر وتركت آثارا مالية واجتماعية على من يتحمّلون كلف إقامة احتفالات الزواج وبيوت العزاء.
في حيّ الطفايلة الذي يشكل أحد أقدم الأحياء السكنية في العاصمة ويسكنه أكثر من خمسة وعشرين ألف نسمة توافق الأهالي ومن خلال جمعية جعفر الطيار الخيرية على تغيير عادة إقامة الوليمة الجماعية أو ما يعرف بـ «غداء العريس» والتي تكلف من ألفين إلى خمسة آلاف دينار وترهق كاهل العريس وتورثه الديون والالتزامات بإعادة ما يقدم له من هدايا ونقوط ويلزمه بحضور جميع الاحتفالات المماثلة في الحي كرد للواجب الذي قدم له من قبل من حضر احتفال عرسه.
ابتداء من يوم الجمعة القادم ستنظم أعراس جماعية لعدد من الشباب بحضور رمزي من الأهالي وبدون ولائم مكلفة، حيث ستستبدل الولائم بتقديم نوع بسيط من الحلوى ودون التزام الحضور بعادة النقوط التي طالما شكلت أعباء إضافية على موازنات الأسر المتهالكة.
المبادرة الجديدة ستضع حدا لممارسة يزيد عمرها على مئات السنين، فقد اعتاد الناس على نصب الصواوين وبيوت الشعر في ساحات وشوارع المدن والبلدات كما يتم في القرى والبادية دون الاكتراث لحقوق الآخرين في استخدام الشارع وغالبا ما تحدث صدامات نتيجة لتعديات أصحاب الاحتفال على الفضاء العام وتسببهم بإحداث الضوضاء والإزعاج ناهيك عن الإغلاقات والفوضى التي تصاحب مرور مواكب الأعراس ومراسم تقديم الطعام وإطلاق العيارات النارية وغيرها من المظاهر المخلة بأمن المجتمع.
في مجتمع يفتقر إلى التنظيمات والبنى الحداثية المتطورة يعمد البعض إلى استثمار المناسبات لاستعراض مدى نفوذهم المالي والسياسي وإظهار مستوى محبة وتقدير الآخرين لهم فيقومون بتحضير كميّات هائلة من الطعام ودعوة أعداد كبيرة من الناس في مهرجانات صاخبة تنتهي بتلقي العريس هدايا وأموالا تكون بمثابة الاختبار لصحة الافتراض.
المبادرة التي قام بها شباب ورجالات الحيّ ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فقد عملت العديد من المدن والعشائر الأردنية على إصدار وثائق وبيانات تندد ببعض الممارسات وتتوافق على وقف بعضها كما حصل في وثيقة السلط في مطلع الثمانينيات لكن البعض يحنّ ويرنو إلى العادات القديمة ويجد صعوبة في الإقلاع أو الابتعاد عنها. أيا كانت النتائج ومستوى الالتزام والانتشار لمثل هذه السلوكيات فإنه لا قيمة ولا تأثير لها ما لم يتبنَ المجتمع تصورا شموليا لإعادة بناء وتنظيم المجتمع بصورة تحدد الاحتياجات الاجتماعية وتضع الطرق المناسبة لإشباعها وتحقيقها.
التغيرات التي أحدثها التباعد الاجتماعي لم تقف عند الامتثال لما يقوله الناطق الرسمي باسم الحكومة أو ما تشتمل عليه أوامر الدفاع وإرشادات لجنة الأوبئة. فقد فكّر الناس بالكثير من العادات والممارسات التي أرهقت جيوبهم وفرضت أعباء ومصاريف إضافية على دخولهم المحدودة وقرروا تبديلها أو الحد من كلفها وآثارها المالية والاجتماعية. بعض التحولات ارتبطت بأنماط الاستهلاك التفاخري والبعض تعلق بالعادات التي كان لها وظائف اقتصادية واجتماعية في مجتمعات الرعي والزراعة ولم تعد مناسبة أو مقنعة أو متماشية تماما مع أنماط الحياة ونسق العلاقات في المدن والبلدات وحتى البادية في صورتها المعاصرة.
المصاريف المتعلقة باحتفالات الزواج وعادات إقامة المآتم وبيوت العزاء كانت إحدى مظاهر النشاط الاجتماعي الذي شهد تغيرا بسبب أزمة الكورونا، ففي حين توقف الجميع عن فتح بيوت العزاء وإقامة احتفالات الأعراس بالطرق التقليدية، استثمر البعض هذه الظروف للتفاوض الاجتماعي حول شكل جديد لإقامة هذه المناسبات ولضمان أن لا يعود المجتمع للممارسات السابقة التي طالما أرهقت اقتصاديات الأسر وتركت آثارا مالية واجتماعية على من يتحمّلون كلف إقامة احتفالات الزواج وبيوت العزاء.
في حيّ الطفايلة الذي يشكل أحد أقدم الأحياء السكنية في العاصمة ويسكنه أكثر من خمسة وعشرين ألف نسمة توافق الأهالي ومن خلال جمعية جعفر الطيار الخيرية على تغيير عادة إقامة الوليمة الجماعية أو ما يعرف بـ «غداء العريس» والتي تكلف من ألفين إلى خمسة آلاف دينار وترهق كاهل العريس وتورثه الديون والالتزامات بإعادة ما يقدم له من هدايا ونقوط ويلزمه بحضور جميع الاحتفالات المماثلة في الحي كرد للواجب الذي قدم له من قبل من حضر احتفال عرسه.
ابتداء من يوم الجمعة القادم ستنظم أعراس جماعية لعدد من الشباب بحضور رمزي من الأهالي وبدون ولائم مكلفة، حيث ستستبدل الولائم بتقديم نوع بسيط من الحلوى ودون التزام الحضور بعادة النقوط التي طالما شكلت أعباء إضافية على موازنات الأسر المتهالكة.
المبادرة الجديدة ستضع حدا لممارسة يزيد عمرها على مئات السنين، فقد اعتاد الناس على نصب الصواوين وبيوت الشعر في ساحات وشوارع المدن والبلدات كما يتم في القرى والبادية دون الاكتراث لحقوق الآخرين في استخدام الشارع وغالبا ما تحدث صدامات نتيجة لتعديات أصحاب الاحتفال على الفضاء العام وتسببهم بإحداث الضوضاء والإزعاج ناهيك عن الإغلاقات والفوضى التي تصاحب مرور مواكب الأعراس ومراسم تقديم الطعام وإطلاق العيارات النارية وغيرها من المظاهر المخلة بأمن المجتمع.
في مجتمع يفتقر إلى التنظيمات والبنى الحداثية المتطورة يعمد البعض إلى استثمار المناسبات لاستعراض مدى نفوذهم المالي والسياسي وإظهار مستوى محبة وتقدير الآخرين لهم فيقومون بتحضير كميّات هائلة من الطعام ودعوة أعداد كبيرة من الناس في مهرجانات صاخبة تنتهي بتلقي العريس هدايا وأموالا تكون بمثابة الاختبار لصحة الافتراض.
المبادرة التي قام بها شباب ورجالات الحيّ ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فقد عملت العديد من المدن والعشائر الأردنية على إصدار وثائق وبيانات تندد ببعض الممارسات وتتوافق على وقف بعضها كما حصل في وثيقة السلط في مطلع الثمانينيات لكن البعض يحنّ ويرنو إلى العادات القديمة ويجد صعوبة في الإقلاع أو الابتعاد عنها. أيا كانت النتائج ومستوى الالتزام والانتشار لمثل هذه السلوكيات فإنه لا قيمة ولا تأثير لها ما لم يتبنَ المجتمع تصورا شموليا لإعادة بناء وتنظيم المجتمع بصورة تحدد الاحتياجات الاجتماعية وتضع الطرق المناسبة لإشباعها وتحقيقها.